(286) الثورات أيضا يمكن أن تتعثر: قراءة فى تطورات الأحداث فى المنطقة العربية
د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6255
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كانت الكتابات والتحليلات التى تتحدث عما يسمى بـ "الربيع العربى" أو "الثورات العربية "– حتى شهر فبراير من عام 2011 أكثر تفاؤلا - وإن كانت مشوبة بالحذر - وكانت تشير إلى احتمال حدوث تغييرات جذرية فى المنطقة العربية تقودها إلى الديموقراطية. الذى بعث على هذا التفاؤل هو هذا السقوط السريع لـ "بن على" و"مبارك".. يقول "إيريك دافيز" (1) :" نستطيع أن نرى بالفعل بدايات تحولات ديموقراطية تأخذ مكانها فى العالم العربى. لكننا يجب أن نكون فى شدة الحذر حول : مالذى يمكن أن يقودنا إليه هذا الربيع العربى. حدد " دافيز " بناء على استقرائه لتطورات الأحداث فى مصر بالذات أربع مراحل لبزوغ فجر هذه الديموقراطية المنتظرة فى المنطقة العربية.
هذه المراحل الأربع هى :
الأولى : تخلص المنطقة من حكامها المستبدين ودفع من بقى فيهم فى السلطة إلى إجراء بعض الإصلاحات.
الثانية : البدء فى كتابة دساتير جديدة وإعداد قوانين انتخابات تمهد لاقتراع حر وعادل.
الثالثة : بدء النقاش بعد إجراء الانتخابات حول قضايا الهوية الوطنية، والمشاركة السياسية، والحرية الفردية، وحقوق الإنسان.
الرابعة : التعامل مع مشاكل الديموقراطية الاجتماعية كالبطالة، ومواجهة النمو السكانى...الخ
Eric Davis , After the Revolt: The Four Stages of Arab Democracy, new-middle-east.blogspot.com/
وبعد أقل من خمسة أشهر من هذه النظرة التفاؤلية، بدأت الدراسات والتحليلات تأخذ منحى جديدا. ويرجع تغير إيقاع التحليلات إلى صمود وعناد كل من ""القذافى"" و " على عبد الله صالح " و"بشار "الأسد" "، ورفضهم الاستسلام، واستخدامهم القوة فى مجابهة هذه الثورات، هذا بالإضافة إلى نجاح دول مجلس التعاون الخليجى فى القضاء على ما يعرف بـ "انتفاضة الرافضة " فى البحرين.
خرجت أحدث التحليلات والكتابات حول تطورات الأحداث فى المنطقة العربية من ألمانيا. فى مقالة نشرت فى الثامن عشر من مايو الحالى بعنوان " هل تعثرت الثورات العربية " كتب "ألكسندر سمولتزك " و " فولكهارد وفندفهر" يقولان :
" تسقط الأنظمة وفق قانون الثورات الأساسى إذا زادت حدة ضجر من يقبعون فى القاع من الأوضاع القائمة، وعدم قدرة من يتقلدون السلطة على البقاء فيها ". لكن هذا القانون يتعرض الآن لعدة صعوبات.
تتمثل الصعوبة الأولى فى قدرة الحكام الطغاة على نشر الدبابات فى الشوارع للتعامل مع معارضيهم. هكذا فعل النظام السورى فى الأسبوع الماضى حيمنا نشر مدفعيته الثقيلة فى المدن التى حدثت فيها الاضطرابات وقتل عددا كبيرا من المتظاهرين. وفى ليبيا هاجم نظام "القذافى" معارضيه بمدافع الهاون واستخدم القناصة فى ضربهم. وبات القول بأن أيام "القذافى" فى السلطة معدودة فى حاجة إلى إعادة نظر رغم استيلاء الثوار بمساعدة قوات الناتو على المطار فى مسراطة، ورغم الإشاعات التى سادت بأن "القذافى" قد أصيب فى هجوم للناتو بالقنابل وأنه غادر بالفعل مدينة طرابلس، فاجأ "القذافى" الجميع بخطابه الذى قال فيه أنه ما زال حيا وأن الصليبيين الجبناء لا يستطيعون معرفة مكانه ليقتلوه. ( هكذا كانت التحليلات قبل مقتل القذافى)
أما الصعوبة الثانية التى تواجه قانون الثورات الأساسى، فتحدث حينما يتحول العديد من المواطنين من موقف المؤيدين للثورة إلى صف المعارضين لها. حدث ذلك فى تونس ومصر واليمن وعمان. وقد تبين أن المعارضة للثورة لا تكون فقط من قِبَل الصفوات التى كانت ترتبط بإحكام مع القادة المستبدين خوفا على مصالحها، ومناصبها، وامتيازاتها، وإنما تمتد هذه المخاوف لتشمل هذه الألوف المؤلفة التى كانت متورطة فى هذه الآلة المنتفخة من الأحزاب السياسية والحكومة الذين كلما تدنت مناصبهم وانخفضت دخولهم، زادت حدة اليأس عندهم، فيشعرون فى بعض الأحيان بارتباطهم بالنظام القديم، خاصة وأن الموظفين العموميين غير قادرين على حشو جيوبهم بالمال أو فتح حسابات فى بنوك سويسرا.
دفعت هذه الصعوبات الباحثيَن الألمانييَن إلى القول بأن موجة الثورات العربية بدأت تتكسر الآن، وأن ما يحدث فى سوريا وليبيا واليمن ينذر بقاعدة جديدة فى قانون الثورات مؤداها :" أن الثورات يمكن أن تسقط ". وماحدث فى وسط وشرٌق أوربا منذ عشرين سنة مضت ليس بالضرورة أن يكرر نفسه فى المنطقة العربية.
ويقول الباحثان الألمانيان :" لاشك أن التونسيين والمصريين قد صنعوا تاريخا، لكن الأنظمة العربية الأخرى التى انتشر فيها فيروس الثورات قد لا تسمح مطلقا بتفجر حكوماتها من الداخل ".
وتستند قاعدة أن " الثورات يمكن أن تسقط" إلى افتراض أساسى مؤداه " : أن النظام قد يكون محصنا إلى درجة أن ثورة " الفيس بوك " قد لا تكون قادرة وحدها على إحداث تحول فجائى يدفع الجماهير إلى الرقص فى الشوارع طربا واحتفالا بسقوط النظام أو داعيا إليه ". ويفسر الباحثان ذلك بقولهما :" أن الحكام الطغاة يعتمدون على قطاع عريض من رجال الأعمال، ومن المسئولين الحزبيين، والموظفين المدنيين، والضباط العسكريين، ومن الأسر والقبائل والعشائر الذين ليس لديهم ما يفقدونه كثيرا إذا ما ناصروا النظام ".
توصل الباحثان الألمانيان من استقرائهما لتطور الأحداث فى المنطقة العربية إلى تحديد ثلاثة مداخل تتعامل بها الأنظمة القائمة مع أزمات الثورات :
المدخل الأول ( الطريق الصينى ) : نسبة إلى الطريق الذى اختارته القيادة الصينية فى ميدان " تيانانميم " فى عام 1989. وهو استخدام القوة المفرطة لكبح جماح المعارضة. وهذا المدخل معمول به الآن فى سوريا وكان قائما من قبل فى ليبيا واليمن، ولا زال يتعرض للاختبار لمعرفة نتائجه. وقد استخدمت " البحرين " هذا المدخل بنجاح للقضاء على ما يعرف بانتفاضة الرافضة.
وتعتبر الخطوات الصارمة التى اتخذها النظام السورى تطبيقا واضحا للمدخل الصينى. يقول مراسل النيويورك تايمز لشئون الشرق الأوسط – وهو الصحفى الوحيد الذى سمح له النظام بالدخول إلى البلاد – على لسان المتحدثة بإسم " "الأسد" : " ان التمرد من صنع متهمين مدانين سابقا بإحداث قلاقل، وهم متعودون عليها، وأن نهاية المظاهرات قريبة، وأن النظام قد مر بأسوأ ظروف اشتدت فيها هذه القلاقل، وأنه حان الوقت لبدء حوار وطنى". وفى نفس الوقت التى أدلت به المتحدثة بإسم "الأسد" بهذه التصريحات، رد النظام على المظاهرات بطريقة أشد من ذى قبل. هناك مدن عديدة قطعت عنها إمدادات المياه والكهرباء، وكان القليل من الطعام يصل إليها، وتعطلت خطوط الهواتف الخلوية، وقيل أن نظام الاتصال الخاص بالنظام كان مدعما من إيران.
وعادة ما يبرر النظام أفعاله بنفس الادعاءات المتكررة التى تستخدم لحماية الدولة البوليسية. كما جاء على لسان " رامى مخلوف " ابن خال الرئيس السورى : " إنه إن لم يكن هنا استقرار فى سوريا، فلن يكون هناك استقرار فى إسرائيل "، بمعنى أن عليكم أن تختاروا : إما نحن، وإما الفوضى . ولهذا استغل النظام مناسبة "يوم النكبة "، فقام بتشجيع المسيرات المتدفقة من سوريا ولبنان وغزة لإرباك إسرائيل، ومن ثم صرف الانتباه عن اعتداءاته على المتظاهرين، لاثبات أن الاستقرار لا يمكن ضمانه إلا إذا بقى "الأسد" فى السلطة ".
وأشار الباحثان أيضا إلى أن "الأسد" ما كان يأخذ بهذا المدخل الصينى لولم يكن متأكدا من أن المسئولين فى واشنطن وأنقره وحتى فى إسرائيل يعرفون تماما أن هذا البلد لم يقسم بعد، مثلما حدث فى ليبيا بعد الثورة، ولم يصل إلى حد الحرب الأهلية الطائفية كما حدث فى العراق. كما أن جيران "الأسد" ممن يمارسون لعبة السياسة الحقيقية يعرفون أن "الأسد" دكتاتور يمكن التنبؤ بسلوكياته. ولهذا لم تعلق الصحافة البريطانية على خبر سفر زوجة "الأسد" – التى نشأت فى بريطانيا وأطفاله الثلاثة ووصولهم إلى لندن.
المدخل الثانى ( طريق الجيش التركى) : وهو المنهج الذى استخدمه الجيش التركى بعد انقلابات 1960 و 1971 و 1980، ولا يعد استخدام هذا المنهج أمرا سهلا. فهو عبارة عن إقامة ديموقراطية موسعة تحت رقابة العسكر. ويستخدم هذا السيناريو الآن فى تونس ومصر.
المدخل الثالث : مدخل الأنظمة الملكية : وهو المدخل الذى لجأت إليه بعض الأنظمة الملكية العربية، وتلجأ إليه الجزائر أيضا. ويقوم هذا المدخل على إحداث بعض الإصلاحات الجزئية، وتقديم بعض التنازلات لاسترضاء هذه القطاعات من الشباب التى تطلب مشاركة أكثر فى شئون البلاد.
وإذا جاز اعتبار هذه المداخل كاستراتيجيات تتعامل بها الأنظمة لمواجهة الثورات فإن هذه الأنظمة تستخدم تكتيكات خاصة فى هذه المواجهة، يمكن إدراجها جميعا تحت مسمى " الثورة المضادة ". هناك تكتيك (البرود - التسويف) : وهو التكتيك الذى استخدمه الرئيس "على عبد الله صالح" فى تعامله البارد مع الثورة التى كانت تغلى فى اليمن لمدة أربعة أشهر، فقد كان يتحدى كل المحاولات التى يبذلها جيرانه من أجل ضمان خروج مشرف له من السلطة. يقترح أحيانا الرحيل، ثم يهدد أحيانا أخرى، كما قال من قبل : " سنواجه كل تحد لنا بتحد مضاد". وقد نجح "صالح" الذى بقى فى السلطة لأكثر من ثلاثين سنة فى مماطلة الثائرين، فكل يوم إضافى يقضيه فى السلطة يفت فى عضد ثورة الشباب.
وهناك أيضا تكتيك " ثورة مضادة بدون واشنطن ". وهو التكتيك الذى استخدمته البحرين بمساعدة دول مجلس التعاون الخليجى دون أن تلجأ إلى واشنطن. حيث نجحت فى إخماد انتفاضة الرافضة وطالبى الإصلاح. قبضت على قادة الانتفاضة، وفصلت النشطين من وظائفهم، وأسكتت صحافتهم، وأعادت تمهيد وتصميم ميدان اللؤلؤة واستبدلت اسمه بإسم " ميدان مجلس التعاون الخليجى " تشريفا للجنود السعوديين، وجنود الإمارات لدورهم فى قمع حركة الرابع عشر من مارس. ويعنى إعادة تسمية هذا الميدان أن " الثورة المضادة تستطيع أن تنتزع هذه الميادين وتحتفظ به لنفسها ". وبالرغم من وجود الأسطول السادس على بعد كيلومترات من موقع الأحداث فهو لم يتحرك، وتدرك الحكومات الخليجية تماما أن " واشنطن " مهتمة بالحفاظ على استقرار الأوضاع فى الخليج وسوريا عنها فى شمال أفريقيا، ولهذا تجاهلتها دول الخليج فى التعامل مع الأزمة معلنة " نحن نستطيع أن نسير سياستنا من غير واشنطن".
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن العسكر الذين كانوا يديرون دفة الأمور فى القاهرة وتونس منذ الإطاحة بحكوماتهم لم تتوفر لديهم هذه الجرأة والثقة التى تمتعت بها الدول الخليجية فى استخدام تكتيك "ثورة مضادة بدون واشنطن "، فالعسكر يرون أن الانتقال من الديكتاتورية إلى الديموقراطية حسب النموذج التركى يجب أن يعتمد على تأييد الغرب للتغلب على المعارضة القوية. فالحكومة التونسية تواجه من تبقى من نظام "بن على" الذين استفادوا من أوضاعهم فى وزارة الداخلية ورجال الأعمال. وفى مصر هرب الكثير من السجناء أو أطلق سراحهم قبل سقوط نظام "مبارك". وهناك قوى مايعرف بالإسلام السياسى التى يتمتع أفرادها الآن بحرية أكثر. بالإضافة إلى اشتعال العنف الطائفى وتكرار ظاهرة حرق الكنائس. ويرى الباحثان الألمانيان أنه وإن لم يتوفر هناك برهان واضح على أن هذه الحرب حرب دينية بين المسلمين والقِبط، فإنها تدل على أن الطريق إلى الديموقراطية والتعددية مليئ يالعقبات.
استند الباحثان الألمانيان فى تحليلاتهما إلى تحذيرات الدكتور"محمد البرادعى " لبيان أن الموقف فى مصر يتغير الآن من سيئ إلى أسوأ. يقول " البرادعى" :" إننى قلق من السلفيين أكثر من قلقى من الإخوان المسلمين، إنهم أعضاء الحركات الأصولية فى الإسلام السياسى، هذه الحركات هى التى اغتالت السادات فى عام 1981. إنهم يحلمون بالعودة إلى العصور الوسطى وتطبيق الجزية على غير المسلمين التى انتهت منذ القرن السابع. لقد صلى السلفيون صلاة الغائب على روح "بن لادن" بجوار الكاتدرائية القبطية ".
يعلق الباحثان الألمانيان على تصريحات "البرادعى " فيقولان :" لقد كان الإسلاميون حاضرون أيضا خلال مظاهرات التحرير فى بداية هذا العام فى نفس الوقت الذى اعتمد فيه المتظاهرون بشدة على "الفيس بوك " لنشر رسائلهم مؤكدين على الهوية العلمانية لثورتهم. وهنا يُطرح السؤال : كيف سيكون الحال فى جمهورية مصر العربية بعد الانتخابات البرلمانية التى ستجرى فى سبتمبر القادم. لقد أعد الاسلاميون الأتراك لهذه اللحظة أنفسهم منذ عشرات السنين، فهل ستكفى عدة شهور فقط لنظرائهم المصريين لخوض هذه اللعبة الديموقراطية ؟.( هكذا كان الرأى قبل اعتلاء الإخوان السلطة فى مصر)
أما أحدث التكتيكات فى تعامل الأنظمة مع هذه الثورات، فهو تكتيك " الثورة المضادة الوقائية ". يتضمن هذا التكتيك استخدام مختلف الوسائل الأمنية كزرع كاميرات مراقبة فضائية وتقديم تقارير للشرطة لكل من يحمل أفكارا تطرفية، بالإضافة إلى تنفيذ العديد من البرامج الاجتماعية كبناء المساكن وإيجاد فرص عمل للشباب.
الجديد هنا هو أن دول الخليج انفردت فى استخدام تكتيك " الثورة المضادة الوقائية" بخطوة جريئة ثانية تمثلت فى ما يسمى بـ "العضوية عبر الإقليمية " فى مجلس دول التعاون الخليجى، فقد رحب المجلس بطلب الأردن الانضمام إلى المجموعة الخليجية، كما وجه الدعوة إلى المغرب للانضمام إلى المجلس التى تبعد عن منطقة الخليج حوالى خمسة آلاف كيلومتر .
وعن الآثار المحتملة لهذه الخطوة يقول الباحثان الألمانيان
1- ان لهذه الخطوة آثارا بعيدة المدى على العالم العربى. فنحن الآن إزاء معسكرين : معسكر الصفوة الملكية المؤثرة ومعسكر الدول التى تتبنى الحركات الديموقراطية ولا تزال تحاول محاربة الفساد والدكتاتورية. وبقبول المغرب يهتز وضع دولتين أكثر قربا وأكثر أهمية مركزية لمنطقة الخليج، وهما اليمن ومصر. فاليمن بسكانها الأربعة وعشرين مليونا أكثر اعتمادا على الدعم الاقتصادى والسياسى الخليجى من المغرب،ومصر بسكانها الخمسة وثمانين مليونا، منهم أكثر من مليونين يعملون فى دول الخليج كضيوف عليها ويشكلون عامل تخفيف للضغط الذى يقع على عاتق الاقتصاد المصرى المتأزم..
2- أن هذا الوضع الجديد سيهز من وضع الجامعة العربية، وسيؤدى إلى تفاقم المواجهة السياسية مع الدول الفقيرة، ذات الكثافة السكانية العالية التى اهتزت أنظمتها السياسية بالفعل كمصر وتونس وبلاد لازالت تحاول التخلص من أنظمتها السياسية كاليمن وليبيا وسوريا، وهم فى مختلف الحالات يواجهون مستقبلا غير متيقن منه.
Alexander Smoltczyk and Volkhard Windfuhr , Has the Arab Spring Stalled? , Autocrats Gain Ground in Middle East,www.spiegel.de/international/topic/yemen/
تناول الباحثون الأردنيون هذه الخطوة الخليجية الجريئة من خطوات الثورة المضادة الوقائية بقولهم : "أن السبب فى طلب الأردن الانضمام إلى هذه المجموعة هو إدراكه أن الثورات العربية التي اجتاحت المنطقة لن تستثنيه، ذلك أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها كفيلة وحدها بإشعال ثورة تأكل الأخضر واليابس، وأن الإصلاحات السياسية التي يمكنه القيام بها لن تكفي وحدها لدرء أخطار ثورة يمكن أن تقع في أي لحظة، وإذا كان بإمكان الأردن القيام بإصلاحات سياسية دون تكاليف مالية، فإنه لا يملك الإمكانات والموارد الاقتصادية التي يعالج بها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها منذ عدة أعوام، فالأردن لا يمتلك نفطاً، ولا غازاً، ولا صناعات متطورة، ويواجه عجزاً مائياً غير مسبوق، حيث أصبح يشغل المرتبة الثالثة في أفقر دول العالم مائياً.
أما عن أسباب قبول دول الخليج انضمام الأردن إليها فتكمن فى : أن الأردن يقدم بعرضه الانضمام إلى المجموعة الخليجية «خدمات أمنية»، فهو يتمتع بخبرة أمنية تزيد على نصف قرن، فرضتها عليه جواره لفلسطين المحتلة من ناحية، ووقوعه بين دول كبيرة وقوية في المنطقة هي: العراق وسورية والسعودية من ناحية أخرى، مما جعله متحفزاً دائماً ومهتماً بتطوير قدرات أجهزته الأمنية.
ويشير الباحثون الأردنيون أيضا إلى تباين موقف دول الخليج من انضمام الأردن لمجلس التعاون. فالدول التى تحفظت على انضمام الأردن بنت تحفظاتها على ما يلى :
1- أن الاختلاف الثقافي والاجتماعي بين الأردن ودول الخليج يؤدي إلى انعدام التجانس بين الشعب الأردني والشعوب الخليجية الأخرى.
2- أن صعوبة الوضع الاقتصادي في الأردن، وقلة فرص العمل في السوق الأردنية؛ تجعل دول الخليج متخوفة من تزايد إقبال الأردنيين إليها في ظل الأزمات المالية الحالية التي تعصف بها.
3- أن كون أكثر من نصف الأردنيين من أصول فلسطينية، وأن غالبيتهم لهم ميول سياسية، يثير هواجس أمنية لدى دول الخليج، التي تعيش استقراراً أمنياً لا تريد له أن يتعثر.
4- أن وجود الأردن في جوار فلسطين المحتلة، يجعله بؤرة متوترة دائماً، وعرضة لعدم الاستقرار الأمني، مما يرتب على دول الخليج التزامات وأعباء سياسية وأمنية واقتصادية.
أما الدول التى أيدت انضمام الأرن إلى المجموعة الخليجية فقد بنت موقفها على ما يلى :
1- أن امتلاك الأردن لخبرات أمنية متقدمة في مجال العمل الاستخباري، وانضمامه لمجلس التعاون الخليجي يسهل من الاستفادة من هذه الخبرات.
2- أن العمالة الأردنية تتميز بالكفاءة العالية والخبرات المتقدمة.
3- أن ترك الأردن وحيداً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف به، سيشكّل خطراً على الكيان الأردني، ويجعل مستقبله مجهولاً، وقد يؤدي إلى وصول فئات متشددة، تنقل الأردن من سياسة الاعتدال التي تميز بها منذ نشأته إلى سياسة متشددة.
( براء عبد الرحمن، انضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي.. الدوافع والآفاق، مجلة المجتمع الكويتية، العدد 1953(
magmj.com/index.jsp?inc=5&id=6891&pid...93)
ويضيف باحثون آخرون تفسيرات أخرى لانضمام الأردن إلى المجموعة الخليجية يرتكز بعضها على ما يلى : "
أولا : أن التدهور المستمر في العلاقات بين دول مجلس التعاون وبين إيران كان نتيجة للطموح الإيراني المعلن والكامن في الخليج العربي ودوله، وتدخله المستمر في الشأن الخليجي من خلال الشيعة في دول الخليج، ومحاولاته المستمرة نشر التشيع بالقوة من خلال نموذج البحرين. ويزداد التخوف الخليجي كل يوم من الطموح الإيراني النووي نظرا للنوايا الإيرانية في المنطقة الخليجية, كل هذه الأمور استدعت من دول الخليج استحضار أكبر عدد ممكن من الحلفاء للمساندة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبي, إلى جانب ضرورة العمل على تقوية الجبهة العربية الخليجية من خلال انضمام دول عربية أخرى إلى منظومة النفط والمصالح الخليجية مما يدفع هذه الدول حديثة العضوية إلى الدفاع عن أمن الخليج باستماته وذلك بعد أن سقط العراق الحامي الشرقي للخليج العربي، وسوريا تعصف بها الثورة, ومصر لم تزل تحت وطأة نشأة جديدة وهو ما يفقد أمن الخليج صلابته, لذلك كان على دول الخليج أن تحفظ أمنها ببناء منظومة تحالفات جديدة مستقرة قوامها المصالح قادرة على درء الخطر الإيراني.
ثانيا : أن نجاح دول الخليج العربي في التصدي للثورة الشيعية في البحرين والتي هي من صنع إيراني خالص, بإرسال قوات درع الجزيرة للتصدي للمتظاهرين, دعا الأردن للمطالبة بالانضمام للمجلس وشجع باقي البلدان العربية للتفكير بالانضمام لمجلس التعاون الخليجي الذي يوجد به أداة عسكرية قادرة على حفظ أمن واستقرار الأنظمة وهي أداة درع الجزيرة وقد تم تفعيلها بالفعل في البحرين.
ثالثا : فى ظل حالة الضعف التي تعاني منها جامعة الدول العربية لعدة أسباب أهمها الشمولية وعدم وجود أداة عسكرية عربية موحدة وعدم وجود آلية تمكن الجامعة من التدخل في حالة الأزمات التى تتعرض لها الدول الأعضاء, وفي ظل خمول وسكون اتحاد المغرب العربي وموت مجلس التعاون العربي، يبقى مجلس التعاون الخليجي الوحيد القادر على الصمود وحماية أعضائه، وهذا ما يدعو دول الخليج إلى الاهتمام أكثر بمجلس التعاون الخليجي وتحصينه وتقويته والتخندق بداخله ليكونوا بذلك منفصلين عن الدول العربية التي لا قدرة لها على حماية أنظمة الحكم فيها. ومن ثم يشكل مجلس التعاون الخليجى القوة الوحيدة الباقية القادرة على الحفاظ على تجمع عربي قادر على اتخاذ قرار سريع بالتدخل في حال تعرضت أحد دول هذا التجمع لعدوان خارجي أو تخريب داخلي.
( صلاح الوادية، قرار ضم الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي... هروب أم مواجهة، www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=259057 (
هذه هى خلاصة ما انتهت إليه أحدث الدراسات فى مسألة احتمالات تعثر الثورات، واحتمالات نجاح ما يعرف بالثورة المضادة فى مواجهة هذه الثورات التى بدأت تنتشر فيروساتها فى بلدان مختلفة على امتداد العالم العربى.
وما يمكن استنتاجه من هذه الدراسات من ترنح العالم العربى بين الثورات، والثورات المضادة، - كما يرى المفكرون الاسلاميون- إنما هو علامة فراغ حياة شعوب وقادة هذا العالم من الاهتمامات الكبيرة. فهم يعيشون فى حالة انحراف فى التصور والاعتقاد، وفى مفهومات الحياة، وفى الغاية والاتجاه، وفى العادات والسلوك، وفى الأنظمة والأوضاع، وفى المجتمع والأخلاق. نسى العرب رسالتهم فى الحياة، لخلو قلوبهم من العقيدة التى تحكم تصوراتهم، ومن الشريعة المنبثقة من هذه العقيدة. نسى العرب أن الإسلام وحده هو الذى يمنحهم وجودهم القومى، ووجودهم السياسى، ووجودهم الدولى، وقبل كل شيئ وجودهم الإنسانى، الذى يرفع إنسانيتهم، ويكرم آدميتهم، ويقيم نظام حياتهم كله على أساس هذا التكريم الذى جاءهم هدية ومنة من الله العزيز الكريم، فكانت نتيجة هذا النسيان أن فرغوا طاقاتهم فى هذه الملابسات المحدودة ولكنها قاتلة وهى : الثورة والثورة المضادة.
.......................................................................
(1) " إيريك دافيز" هو أستاذ العلوم السياسية بجامعة روتجرز، والمدير السابق لمركز دراسات الشرق الأوسط، وهو زميل فى معهد روفر، وجامعة ستانفورد، ومعهد الدراسات المتقدمة فى برلين، وجامعة برنستون، ومعهد البحث الأكاديمى الأمريكى فى العراق، وأحد الأعضاء الأساسيين فى دراسات الدول الثمانى عن الديموقراطية والتنمية فى الشرق الأوسط.fas-polisci.rutgers.edu/davis/bio.html (
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: