بانتهاء الحرب العالمية الثانية ينتقل مركز الثقل الغربي إلى أمريكا، ومن ثم قيادة الفكر البراجماتي الأمريكي للعالم الغربي بوجه عام، وتحول الغرب التقليدي إلى الغرب الأمريكي أي المهيمن عليه أمريكياً، وهو الآمر الذي تم تعميمه على العالم كله بسقوط الاتحاد السوفيتي حيث غدت الأمركة نظاماً عالمياً جديداً لا يجد مارقاً يتحداه سوى الإسلام.
والفلسفة البراجماتية هي الفلسفة التي تخضع حقيقة كل الأشياء لما يمكن أن تجلبه من مصلحة من ورائها.
ومن هذا المنطلق وضع "وليم جيمس" منظر هذه الفلسفة نظريته البراجماتية للدين، فالدين يكون صحيحاً من وجهة نظره مادام يقدم نفعاً عملياً للمعتقد به، ولكن ترى ما هذه المنافع التي يريدها "جيمس" من الدين؟، إنه يحددها في التالي:
الراحة – الهدوء – السكينة – الطمأنينة – السلام – الاغتباط – المشاعر المتدفقة التي تلهب الصدور وتبعث الحركة في الحياة أي أن "جيمس" أراد من الدين أن يكون مجرد مسكن أو مخدر يستطيع الإنسان من خلاله مواصلة حياته بطمأنينة وحماسا أكبر، وبهذه الصيغة اصطبغت الحياة الدينية الأمريكية إلى الحد الذي يقول عنه "هارولد بلوم" في كتابه (الدين الأمريكي – 1992): "إن المسيحية تجربة براجماتية أمريكية، وإن "يسوع الأمريكي" أقرب لما هو أمريكي مما هو مسيحي".
ومن الطبيعي بعد الهيمنة الأمريكية على العالم والعالم الإسلامي بوجه خاص أن يعمل الأمريكيون على صبغ الدين الإسلامي نفسه بهذه الصبغة البراجماتية والذي يعنيه هذا هو العمل على توظيفه لخدمة المصالح الأمريكية في المنطقة، وكان المخطط المقترح لتطبيق هذا المنهج هو العمل على صناعة ما يُسمى بـ"الإسلام الليبرالي الديمقراطي"، والعمل على تسييده في المنطقة.
وخلاصة هذا الإسلام الليبرالي أنه إسلام يتم تفريغه من الداخل من العقائد والقواعد والأحكام التي يتم استبدالها بمحتوى علماني يسقط كل ما له علاقة بالوحي والمقدس والمرجعية الإسلامية ويضع مكانه العقل والمصلحة كمرجعية وحيدة للإنسان في تصوراته وسلوكه بينما يحتفظ بالشعارات والمظاهر الدينية من الخارج.. إسلام مزيف يتفق مع العلمانية والديقراطية والعولمة الأمريكية ومبادئ حقوق الإنسان الغربية ومقررات المؤتمرات النسوية، ويتفق مع كل شيء في العالم إلا مع الإسلام الحقيقي نفسه.
إسلام يدعو إلى السلام والتسامح والتعايش ويعادي الجهاد والمقاومة ومواجهة المظالم أو يغض الطرف عنها تماماً.
ويوجد الآن أكثر من تيار يعمل على توجيه سياسة الولايات المتحدة تجاه العالم الإسلامي والإسلاميين بوجه خاص ويتراوح الأمر مابين التطويع لخدمة المصالح الأمريكية ومابين التحجيم والمواجهة الحاسمة للإسلاميين الأصوليين. ويرى أصحاب الاتجاه الأول مثل مؤسسة كارنيجي ومركز سابان ومركز بروكينجز تطويع فكر بعض الاتجاهات الإسلامية ممن يسمون بالإسلاميين المعتدلين بما يتوافق مع المصالح الأمريكية العالمية وذلك عبر المؤتمرات المتتالية تدور مايسمى بالحوار الغربي الإسلامي، هذا فضلاً عن اللقاءات الخاصة وتهدف الى العمل على إشراك هذا النوع من الإسلاميين في الحكم والنفوذ في مقابل التأويل الإقصائي لثوابت مرجعية في الإسلام مثل الحكم والشريعة والجهاد.
أما الاتجاه الثاني الذي يرى التحجيم والمواجهة للإسلاميين الأصوليين فتقوده مؤسسة راند التابعة للمخابرات الأمريكية وهي أكبر مؤسسة فكرية في العالم وقد أصدرت تقريرين حول الموضوع في عامي 2003 ، 2007 الأول يدور حول تحجيم الإسلاميين الأصوليين ومساندة العلمانيين والحداثيين، أما الثاني فيذهب الى أنه لابد من إعادة تفسير مبادئ الإسلام لتستجيب للمصالح الغربية بل وجوب إستخدام الإسلام نفسه في مواجهة الإسلاميين الذين يجب وصمهم بالإرهاب والتطرف والجمود، بل يذهب التقرير الى وجوب دعم وتقوية العلمانيين في مواجهة الإسلاميين وتهميش سيادة الدول وتقليص قدرتها على التصدي للمشروع الأمريكي والمتتبع للسياسات الأمريكية في المنطقة يرى أنها تجمع مابين كل هذه الاتجاهات.
صنــاعة النجوم:
كثيرا ما تسمع الناس في عالم الفن عما يسمي بصناعة النجوم والمقصود بذلك أنه قد يكون هناك فنانون كثيرون موهبون أو غير موهوبين، أما أن يتحول بعض هؤلاء إلى نجوم ملء السمع والبصر وموضوع الاهتمام الدائم من الجمهور فهذه مسألة أخرى تنشط من أجلها صناعة إعلامية متخصصة تنفق الأموال هنا وهناك وتسلط الأضواء وتختلق الحكايات وتنشر الإشاعات كل ذلك ليتحقق غرضها في صناعة هذا النجم أو ذاك .
ليس هذا فقط بل أنه غالبا ما يصاحب ذلك صناعة أخرى هي صناعة إجهاض النجوم أو تدميرهم وذلك لإفساح الطريق أو إفراد الساحة لهؤلاء النجوم الآخرين المقصودين بالتكريم وذلك بالتضييق علي الأولين أو تشويههم أو تعمد إغفال أعمالهم بأي إشارة إلى درجة منع ذكرهم تماماً في الجرائد والقنوات والأجهزة الإعلامية الأخرى أو نشر الفضائح القائلة حولهم .
ولكن المشكلة الكبرى فيما لا يعلمه الناس أن ذلك يحدث في عالم الفكر والسياسة أكثر كثيراً مما يحدث في عالم الفن . والمسألة لا تكون هنا بغرض الربح المستهدف وراء صناعة النجم أو بهدف بلوغ الغاية المنشودة من النجمة المقصودة ولكن بهدف إيصال فكرة معينة أو القضاء على فكرة معينة؟ أو إشاعة حالة سياسية أو فكرية معينة أو إجهاض حالة سياسية أو فكرية معينة أو فعل كل ذلك أو بعضه معاً .
وليس شرطاً أن يكون فعل الصناعة هذا من الأصل أو يستمر طوال الوقت وإنما هي مسألة تدور تبعاً للمصلحة والغرض ويكفى فيها تبنى الشخص المناسب في فترة ما لتحقيق أغراض معينة ويكون ذلك من خلال دفعه أكثر إلي توجهات نمت بدايتها لديه من الأصل حتى يحقق هذه الأغراض تدريجيا سواء ًكان ذاك بالإغراء أو الضغط أو كلاهما معاً .
ومن أكثر الاعتقادات الشائعة والمدمرة في نفس الوقت لدى الجمهور الاعتقاد بأن انتشار الشخص أو تواجده في أجهزة الإعلام هو تعبير عن درجة نبوغه أو أهميته والحقيقة غالبا ما تكون عكس ذلك تماماً خصوصاً في الأجهزة الإعلامية التابعة التي تقود منطقتنا فانتشار الشخص يكون تحديداً .. وأعود وأقول تحديداً .. وأعود وأقول مرة أخرى.. تبعاً لقدرته على تحقيق الأغراض السياسية والفكرية والاقتصادية للقيادات التي تقف وراء هذه الأجهزة وتقودها إليها أو تضغط عليها تجاهها .
11-08-2007
islamicnews.net
الردود على المقال أعلاه مرتبة نزولا حسب ظهورها
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
5-04-2012 / 15:24:52 مصطفى مجاهد
الرجل الرائع
الاستاذ الكبير محمد مبروك هو صوت من اصوات الحق فى هذا الزمان
5-04-2012 / 15:24:52 مصطفى مجاهد