د- جابر قميحة - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5762 gkomeha@gmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في يوم من أحد شهور عام 1981 انطلقت بالسيارة من مدينة " نيوهافن " إلى " جيرسي ستي " بالولايات المتحدة. ومررنا بنيويورك من الخارج، فرأيت تلالا عالية منتظمة من الأشجار الضخمة على يميني في شكل أمواج بحرية منتظمة، وأخذني العجب حينما قال صاحبي : هذه التلال صنعها الأمريكان من القمامة... يطحنونها ، ويجعلون منها تربة ويزرعونها فإذا بها غابات منتظمة بالشكل الذي يريدون.
**********
وفي الدقي بالجيزة : أشهد أنني أذهب لصلاة الجمعة في المسجد المجاور لمنزلنا من منفذ واحد إذ تحيط به الزبالة من جميع الجهات إلا الجهة التي ننفذ منها إلى المسجد. (مع ملاحظة أن كلمة " زبالة " كلمة عربية مساوية في معناها لكلمة القمامة). ومن العار أن تصبح الزبالة مَعْـلما واضحا من معالم القاهرة، وقد ضحكت ضخكا كالبكاء حينما سأل أحدهم واحدا من سكان المنطقة عن بيت "فلان" فقال له : تمشي إلى الأمام وتترك الشارع الأول والثاني فإذا وجدت كوما كبيرا من الزبالة فادخل ناحية اليمين وهو البيت الثالث من كوم الزبالة.
وقد ساقني الحظ إلى مجرى العيون الذي يعتبر أثرا من آثار القاهرة، فوجدت في داخله أكواما من الزبالة التي تزكم الأنوف، وتدمع العيون، وتمنحك ضيقا في التنفس بكرم زائد.
وقد نسأل وأين جامعو الزبالة ؟ والجواب واضح : إن أغلبهم مشغولون بالتسول، فهم ينتشرون ـ وكذلك الكناسون ـ أمام المطاعم المشهورة ومراكز بيع الحلوى وفي إشارات المرور، ويحييك الواحد منهم بأدب :" كل سنة وانت طيب يا بي "، فإذا رددت عليه ردا كلاميا ظهر على وجهه الاشمئزاز، وكرر التحية من جديد إلى أن يظفر بالمعلوم.
قال صاحبي : إن بعض هؤلاء لا علاقة له بالمهنة، بل يشتري زيا مماثلا ومكنسة طويلة ليزاول التسول بهذه الطريقة.
وفي إيجاز شديد أقول : إنها مأساة تنحصر المسئولية عنها وعن تفاقمها
في الثلاثي الآتي :
- الجمهور اللاكتراثي الذي لا يراعي نظافة الحي، فيتخلص من زبالة مسكنه في أي مكان يشاء.
– الزبالون (جامعو الزبالة من المساكن)، وخصوصا الذين يأخذون أنفسهم بمبدأ الانتقاء، فيتركون ما لا يعجبهم أو ما لا ينفعهم.
– الكناسون، فكثير منهم كما أشرت سابقا .
**********
وعلينا أن نقف وقفة أمام القيم الدينية ونأخذ أنفسنا بها، من ذلك قوال صلى الله عليه وسلم : ".... وتميط الأذى عن الطريق صدقة. "
وتحضيض الإسلام على النظافة، والأمر بها، بشكل عام، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود فنظفوا أفنيتكم ولا تشبًّهوا باليهود ".
ومما حذرت منه السنة أشد التحذير: التخلي في الطريق ( قضاء الحاجة )، ومواضع الظل، وقد جعله مما يجلب اللعنة على صاحبه. ومثل ذلك البول في الماء الراكد أو الجاري، وفي الحديث: " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه ".
ونذكر القارئ بأن الطهارة والنظافة فرض واجب على كل مسلم ومسلمة في كل صلاة، وفي كل وقت، وقد مدح الله سبحانه المتطهرين وأحبهم بقوله تعالى: "... فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ " ( التوبة 108 ).
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: