د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7380
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الاستفتاء هو عرض سؤال على الشعب في أمر مهم للإجابة عليه بموافق أو غير موافق، هذا العرض لا بد أن يكون دستورياً وحتى يكون دستورياً لا بد أن يكون هناك دستور. والدستور ينص عمن له صلاحية تنظيم استفتاء أو الإذن أو المصادقة على تنظيم استفتاء. فقد يكون الأمر دستورياً راجعاً الى السلطة التنفيذية أو التشريعية، أو السلطتين بالاشتراك وفق آلية معينة، وتكون نتيجة الاستفتاء أن يتم إقراره من طرف رئيس الجمهورية وقبل ذلك أن تكون الموافقة عليه من طرف المجلس التشريعي صاحب النظر في تنظيم الاستفتاء وإقراره.
فالوضع الذي نحن فيه اليوم لم يعد كما كان الوضع بعد الثورة. فعندما طالبت بعض الأصوات، وكنت بكل تواضع من بينها، بتنظيم استفتاء، استندت إلى دستور لم يقع تعليقه بعدُ، بدليل أن بعض الآليات فيه ظلت دستورية. لكن الأمر تغير اليوم بعد تعليق الدستور بتوافق وصدر مرسوم تحديداً في المجالس الدستورية التي استثنيت من التعليق كالقضاء والمحاسبات والمحكمة الإدارية. لكن المشكل الذي يوضع اليوم هو من ناحية غياب جهة لها شرعية كاملة لتنظيم دستور، وهذا في حد ذاته إضعاف لموقف المنادين بتنظيم استفتاء. فالمتعين الآن أن التوجه، بعد حكومة السيد القائد السبسي وما أكدته على المسار، نحو تنظيم انتخابات مجلس تأسيسي فكان هذا أدنى مطالب تحقيق أهداف الثورة. ولما تعين موعد 23 أكتوبر بعد تأخر نسبي لهذا الموعد أصبح من الأفضل أن ننتظر انتخاب مجلس تأسيسي لغياب الدستور وإقرار مبدأ الاستفتاء فيه وآلياته وعرضه على الشعب من خلال التنسيق بينه وبين الحكومة المؤقتة أي السلط التنفيذية. ويكون الاستفتاء في هذه الحالة في وضع مقبول من ناحية الجهة الشرعية التي ستقوم على تنفيذه بشكل مطابق للإرادة الشعبية، كما هي ممثلة من طرف المجلس النيابي ومن جهة أخرى بالتوافق مع حكومة انتقالية، وليست حكومة مؤقتة كما كانت في السابق حكومة السيد الباجي قائد السبسي وحكومة الغنوشي الأولى والثانية.
وعليه فالخلاف بين من يدعم التوجه نحو تنظيم استفتاء بالتزامن مع المجلس التأسيسي وبين من يعترض على تنظيم هذا الاستفتاء هو خلاف دستوري ولا يمكن إحالته إلى إرادة شعبية تستقريها الحكومة من خلال رؤيتها غير ذات الشرعية الكاملة، عشية انعقاد مجلس تأسيسي هو الذي يصبح المالك الحقيقي للشرعية الكاملة غير المنقوصة.
وأنا أعتقد أنه عندما تتبلور الأمور بدقة يمكن إحراج، أو أن تتغلب الأطراف المتنافسة على السلطة في المستقبل سواء في قيادات الأحزاب أو أطراف في الحكومة الحالية أو قوى ضغط خارجي أو قوى في المجتمع المدني واقعة تحت ضغط خارجي، على نفسها وتتجاوز لعبة الدخول في خطر محقق دونه التحكيم العقل والرصانة من أجل الانتظار بعض الوقت لقيام شرعية في البلاد ستتولى بنفسها بعد وضع الدستور تنظيم استفتاء من أجل إقراره، وهذا الاستفتاء سيفتح الباب قطعاً لقيام حكومة وسلطة تنفيذية لها شرعية مساندة المجلس التأسيسي من أجل تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية، ونكون بذلك قد حققنا عصفورين بحجر، وتجنبنا صراعات من أجل هذا الاستفتاء المشكوك في مصداقية نتيجته نظراً لنسبة المسجلين في هذه الانتخابات التي ستكون الأولى بعد الثورة في 23 اكتوبر لعديد المشاكل الفنية والأمنية وغيرها، ونكون قد تجاوزنا أزمة قد تفتح الباب على مغامرة غير محسوب نتائجها مسبقاً وتفضي بدخول البلاد في وضع أمني مختل تستفيد منه قوى العنف والتطرف والقوة المضادة للثورة في الداخل والخارج.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: