د- جابر قميحة - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5468
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بين الشعر والتاريخ وشيجة قوية وثيقة ؛ فقد كان التاريخ – وما زال – منهلاً عذبًا يمتح الشعر منه متحًا، وهو معين لا ينضب أبدًا ؛ لأنه ترجمان الحياة الإنسانية، وسجل الأمة في منشطها ومكرهها، في سرائها وضرائها.
وفي حياة كل أمة مواقف تنطق بالروعة والعظمة والجلال، وفي حياتها كذلك نكبات وأزمات، تتوقف فيها مسيرتها، وتتعطل فيها طاقاتها وإمكاناتها.
والشعر يصور كل ذلك، ويقف طويلاً أمام كل ظاهرة من هذه الظواهر، فهو يسجل المفاخر والمزاهي، ليكون مدد قوة وفخار لأجيال القادمين، كما يسجل المهاوي والخطوب، لينفث في الأمة روح اليقظة، ويستنهض منها خالد الهمم، ويحيي فيها ميت العزائم.
وقد كان التاريخ القديم هو المورد الرقراق الذي استقى منه " هوميروس " أعظم عمل فني شعري حتى الآن، وأعني به : " الإلياذة " و " الأوديسة "... ذلك العمل الذي شد إليه – وما زال – أنظار الأجيال وقلوبهم، وكان مثلاً عز أو استحال ملاحقته، فمضى عملاً فذًا لا يطاول حتى الآن.
وللتاريخ على اختلاف مراحله – مكان وأي مكان في شعرنا الحديث، ومن أراد الشواهد فليرجع إلى ديوان " مجد الإسلام " أو الإلياذة الإسلامية لأحمد محرم الذي سجل فيه حياة الرسول وأيام المسلمين في عهد النبوة. وليرجع إلى مسرحيات شوقي الشعرية : مجنون ليلى، وعنترة، وقمبيز، ومصرع كليوباترة، وعلي بك الكبير، ومطولته الرائعة " كبار الحوادث في وادي النيل " التي عرض فيها تاريخ مصر وأمجادها. وليرجع كذلك إلى عمرية حافظ إبراهيم ( عن عمر بن الخطاب )، وعلوية محمد عبد المطلب ( عن علي بن أبي طالب )، وبكرية عبد الحليم المصري ( عن أبي بكر الصديق )، وخالدية عمر أبي ريشة ( عن خالد بن الوليد ) رضي الله عنهم جميعًا.
وإذا كان التاريخ مصدرًا غنيًا ثرارًا للشعر يمده بكل ما يريد في سماحة وطلاقة، فالشعر من جانب آخر حفظ أيام العرب ومفاخرها في عصورها الأولى التي كانت تعتمد على الحافظة لا التدوين المكتوب : فلولا الشعر الجاهلي لضاعت من سجل التاريخ أيام العرب وأمجادهم وملامحهم وأسلوبهم في المعيشة والحرب والسلام.
وأكثر من ذلك استطاع الشعر أن يحفظ " جغرافية الأرض العربية " التي محيت، أو ضاع أغلبها من سجل الواقع. ومن هذه الأماكن " اللوى ـ الدكادك ـ ملحوب ـ القطبيات ـ الذنوب ـ عردة ـ قفا حبرِّ... الخ ".
والإلياذة – على ما فيها من ميثولوجيات، وأساطير، وخيال مجنح – رسمت لنا طبيعة الشعب اليوناني وخصائصه وأيامه وعاداته وتقاليده، فكان بذلك سجلاً خالدًا لتراث عظيم، حتى قال "هيجيل " : من يقبل على دراسة ملحمة ما يكن قد أقبل على دراسة أمة بتاريخها. ويرى " هيجيل " : أن مجموع الملاحم العالمية يشكل تاريخ العالم بأجمل ما فيه وأكثره حيوية وحرية.
فالأدب - بعامة، والشعر - بصفة خاصة – يعد بصورة غير مباشرة مصدرًا من مصادر تاريخ الأمة، ويعتبرمصدرًا رئيسيًا من مصادر هذا التاريخ في الفترات الضاربة في القدم والغموض، وخصوصًا إذا قلت – أو انعدمت – المصادر الأخرى.
وهناك فارق موضوعي وفني بين الشعر التاريخي، والتاريخ الشعري، مما يحتاج منا إلى مقال آخر.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: