(141) مناقشة العلاقة بين الإسلام والديموقراطية جدل سفسطائى أم قربى إلى الله
د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5765
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يرى البعض أن مناقشة العلاقة بين الإسلام والديموقراطية هى مجرد جدل سفسطائى لا طائل من ورائه، لكن بعض الباحثين الإسلاميين فى هذه القضية يرفضون مثل هذا الرأى، ويعتبرونه سطحية فى التفكير، ولا واقعية تسانده.
واستندوا فى ذلك إلى ما يلى :
1- أن مدار بحث الديموقراطية بات شأنا عالميا.
2- أن الغرب يروج لثقافته على أنها النموذج الأوحد الذي يصلح للعيش البشري السويّ، ويدعو بالتالي إلى نشره وإرسائه، بل وقد يتدخل بالقوة لفرضه، لا سيّما في العالم الإسلامي.
3- أن معاييرُ سلامة الوضع الاجتماعي والثقافي والسياسي العام في أيٍ من دول العالم، أصبحت تعتمد على مدى ترسيخها للقيم الديمقراطية، ودلالات صحتها وعافيتها تقاس بمدى تحقق التحول الديمقراطي فيها.
4- يفترض الغربُ أنّ العالم الإسلامي سيبقى معرضاً للاهتزاز والاضطراب وانعدام الاستقرار طالما غابت الديمقراطية عنه، وطالما بقي الحكم الشمولي الدكتاتوري مستمراً فيه، فإنه سيظل في نظرهم بؤرة توترٍ ومصدر قلقٍ دائمٍ لباقي العالم، وأنّ انعتاق المسلمين من الظلم والقهر والتخلف، هو رهنٌ بمدى التقدم الديمقراطي في بلادهم.
5- أنه نظرا لقوة الدول التي تستند إليها الفكرة الديمقراطية، مضافاً إليها ذلك الوهج الذي حظيت به في العقود الأخيرة، باتت أغلب الفئات الناشطة في الميدان السياسي في العالم الإسلامي، تدّعي الديمقراطية وتدعو لها، بل وتزعم أنّها هدفها الأساسي، رغم مناقضتها لها عملياً أو عقائدياً أو كليهما في أغلب الأحيان.
ولهذا تصدى الباحثون الإسلاميون لمناقشة هذه العلاقة استنادا إلى ما يلى :
1- أن الإسلام هو العامل الحاسم في تشكيل هوية الأمة التي تعتنقه وتعتبره وحده الصالح لإسباغ الشرعية على أية نظم أو قوانين أو أفكار تنظم شؤون حياتها، وفي حالة عدم شرعية تلك الأفكار والأحكام، فإنّه لن يكتب لها العيش في حضن هذه الأمة حتما، إلا غصبا.
2- أن الدعوة إلى الديموقراطية في العالم الإسلامي هي مشروعٌ استعماريٌ صرفٌ يدفع الأمة إلى الاستغناء عن هويتها الثقافية والحضارية وقيمها الخاصة بها، ويدفعها نحو الذوبان في الغرب والانصهار فيه. بينما يكمن الحل الحقيقي الذي ينهض العالم الإسلامي في العودة إلى تعاليم الإسلام بنقائها وصفائها.
3- أن القضية من أساسها هى تحرير الأمة جذرياً من التبعية للغرب وعتقها من ربقة استعباده لها، ولا يكون ذلك بشد وثاقها بحجج واهية إلى حضارته، وتمكين خصومها وأعدائها فكرياً وثقافياً منها بعد أن تمكنوا منها سياسياً، بل وعن رغبة وطواعية ودعوة مؤصلةٍ إلى تبني ثقافته وفكره وآرائه.
درس الباحثون الإسلاميون جذور فكرة الديموقراطية وهل لها جذور فى الإسلام فوجدوا الآتى :
1- الديموقراطية في الاصطلاح الأصلي كلمة يونانية تتركب من كلمتين: ديموس Demos وكراتوس Cratos ومعناهما حكم الرعاع، ويقابلها كلمة : الأرستقراطية، ومعناها حكم النبلاء، ثم استقر معنى الديموقراطية السياسي على: حكم الشعب، وتعنى بعبارة أخرى : أن الإرادة العامة للشعب هي أصل السلطة، وأنه صاحب السيادة، فهي تتسع لمذاهب سياسية عدة يختارها الشعب لنفسه، ويختار طريقة وأسلوب تنفيذها، ويضع تشريعاته بنفسه، ولما كان الشعب لا يستطيع أن يجتمع بكل أفراده ليحكم نفسه - وهو نظام الديموقراطية المباشرة - كان لابد أن يختار ممثلين عنه يقومون بحكمه وهي الديموقراطية النيابية، وبذلك تميزت عن الحكم المطلق أو الحكم الاستبدادي أو الحكم القبلي أو نظام الحكومات : الأولجارشية Oligarchy أي حكم الفئة القليلة من الأعيان أي حكم الأقلية•
2- تمثلت ديموقراطية الغرب الحديثة في صورتين: الأولى، صورة رأسمالية تعددية، تعترف بالملكية الفردية في ظل القانون، وتهدف إلى حكم الشعب نفسه بنفسه، بالنظام الذي يراه، عن طريق اختيار حكامه، ويحقق للأفراد حرياتهم• وهي السائدة في الولايات المتحدة والدول الغربية، سواء كان نظامها ملكيا أو جمهوريا أو رئاسيا. والثانية : هى صورة اشتراكية أحادية، وهي التي توحد المجتمع في طبقة واحدة، وتعتمد فلسفة اقتصادية واجتماعية تغاير منطلق الديموقراطية الليبرالية، ويبرز في هذه الصورة سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج• وقد كان هذا هو الأمر السائد في الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية، وقد عدلت عنه معظم الدول الاشتراكية الآن وبدأت بالتحول إلى الاتجاه الأول تدريجيا• وقد انتهى الاتحاد السوفيتي الذي كان يتبنى هذه الديموقراطية وحل محله (الكومونولث الذي تقوده جمهورية روسيا).
3- أن الديمقراطية كفكرة ولدت فى زمن الإغريق، وقد تلى ولادتها بعد عدة مئات من السنين قدوم السيد المسيح عليه السلام، ولم تذكر في الإنجيل قطّ. وتعنى الديمقراطية وباتفاق، حكم الشعب، الذي يضع قوانينه وينتخب حكامه على حدٍ سواء. وهذا هو ما كان معمولاً به في أثينا مصدر الفكرة قبل 500 سنة من ميلاد المسيح عليه السلام.
4- قدم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليختم الرسالات السماوية بالإسلام، ولم يرد في القرآن الكريم الذي أوحي إليه ذكر الديمقراطية في ٍأية آية من آياته لا تلميحا ولا تصريحا،وليس هناك فى السنة النبوية التي رويت عنه، نصٌ ما، يحبذ أو يحظر لفظة الديمقراطية.
5- أن الديموقراطية لم ترد في العقيدة أو الشريعة ولا حتى في أي من كتب فقهاء المذاهب باختلافها، كما أسقطتها الأمة كذلك طوال تاريخها السياسي والحضاري من أجندتها الثقافية والفكرية والسياسية.
6- أنه على الرغم من ترجمةِ كثيرٍ من كتب التاريخ والفلسفة بأنواعها العقائدية والحكمية، فإنّ فكرة الديمقراطية لم تستوقف علماء الإسلام البتة، مع أنهم وقفوا طويلاً أمام أفكار دونها أهمية بكثير، وردت جراء تفاعل الأمة مع غيرها من حضارات وفلسفات الروم والفرس واليونان والهند، وكانت ترجمات كتب وأفكار حكماء اليونان كسقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم قد قتلت بحثاً، وقد ناقشها علماء الإسلام ليبدوا الموقف الشرعي منها.
7- أن الديموقراطية لم تلق بثقلها على العالم الإسلامي، فارضة نفسها بقوة فيه، إلا مع احتلال بلاد الإسلام من قبل الفرنسيين والإنجليز، وخضوعها للاستعمار العسكري المباشر، فضلاً عن الهيمنة السياسية المطلقة، والغزو الفكري والثقافي، وانهيار دولة الخلافة الإسلامية.
8- أن الديموقراطية قد أخذت شكلاً أكثر تنظيماً إبّان الثورة الفرنسية وحصول النهضة الحديثة في أوروبا في القرن الثامن عشر، حيث باتت تشكل وجهة نظر متكاملة في الحياة، تضع تصوراتٍ للمجتمع، وتُنظِّمُ علاقة الإنسان بالدين والدنيا على حدٍّ سواء.
9- أنه نتيجة لاحتدام الصراع بين الفلاسفة والمفكرين من جهة، ورجال الدين سدنة السلطة الحقيقيين من جهة أخرى، أعادت الديمقراطية الإغريقية تجديد نفسها لتفرض فصل الدين عن الحياة كأساسٍ لها، ولتجعل الشعب هو الحاكم أمام فكرة حكم الله والبابوات الذين يدعون تمثيله، ولتحصر الدّين في أماكن خاصة بالعبادة، كما نتج مقتٌ للدين إثر ذلك الاستغلال البشع له في أوروبا من قبل الحكام، حيث كان يصر رجال الدين على الجمود إلى درجة ينفر منها العقل وتحدّ من التطور والتقدم الذي تفرضه العلوم الحديثة، ممّا شكل حالة تضاد بين الكنيسة ممثلة الدين في أوروبا والعلم الذي أنتجه المفكرون والفلاسفة والمبدعون، وكذلك بين إرادة من يمثل الله على الأرض بعقل معطل وبين حاجة المجتمع إلى عقلٍ مواكب للتطورات المادية والبشرية، مما اضطر المفكرين في تلك الأجواء إلى فرض الإقامة الجبرية على الدين ليمكث في الكنيسة، وجعل الدين يختص بالفسلفات الغيبية، ومعالجة الأمور النفسية والروحية الفردية منها فقط لا غير.
10- الأمر فى الإسلام يختلف عن ذلك تماما، ذلك لأن الناظر فيه يرى الآتى :
أ- أنّه قد جعل كافة المخلوقات ملكا لله تعالى يتصرف فيها كيفما شاء، قال تعالى ( ألا له الخلق والأمر). الأعراف 54
ب - أن الله تعالى أخضع المادة لنظام قسري يسير بموجب قوانين وسنن كونية، قال تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون). يس 40
ج - أن الله تعالى أوجب على الإنسان اتباع الرسول والتزام رسالته، إلا أنه صنع له إرادة وعقلا يميزانه عن بقية الكائنات، وبهما كان لديه القدرة على الاختيار (إنّا هديناه السبيل إما شاكراً وإمّا كفورا). الإنسان 3
د- أن الله تعالى اعتبر أن الإسلام وحده الحق المقبول اتباعه في الحياة (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) آل عمران85، من ارتبط به نجا ومن تركه هلك (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى) طه 124، وجعل منه منهج حياة ونظاما للحكم (إن الحكم إلا لله) الأنعام 57، (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) النساء65، (فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول) النساء59.
هـ أنه من حيث تنظيم المجتمع وطبيعة كيان الدولة والنظام السياسي فيها، فإنّ نظام الحكم في الإسلام يقوم على عدة قواعد على رأسها، قاعدة السيادة للشرع والسلطان للأمة، حيث يستمد الإسلام معالجات شؤون البشر التشريعية، في الاقتصاد والاجتماع والسياسة، من مصدرين وحيدين هما القرآن والسنة، إضافة لمجموعة من القواعد والأصول الشرعية المستمدة منهما. وبهذا يكون الإسلام قد ناقض جوهر الديمقراطية، حيث رفض حق الشعب كله أو أكثريته أو ممثليه بوضع قوانين يتوافقون عليها فيما بينهم دونما اعتبار لدين كالذي تقتضيه وتفرضه الديمقراطية حسب توصيف أهلها لها.
لهذه الأسباب رأى الباحثون الإسلاميون ( والشرعيون منهم بصفة خاصة ) أن الديموقراطية ابتداع فى الدين، واتباع لسنن الكافرين، وخروج عن شريعة الله، وأنها فتنة يعبد فيها غير الله، ويحتكم فيها إلى غير شرعه. وأن مواجهة كل من يدعو ويروج لها من أعظم القربات فى الدين. واستندوا فى ذلك إلى فتوى الشيخ "ابن تيمية " التى يقول فيها :
(ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين. حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل.
فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم، من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، ).
كما استندوا أيضا فى إباحة، بل ووجوب التصدي لكل من كان له خطر على الدين، وتعين فضحه وبيان أمره حتى لا يضل غيره، إلى فتوى "القاضى عياض" فى (الشفا) التى يبين فيها الأحوال التي يجوز فيها حكاية الأقوال المكفّرة كسَبّ النبي صلى الله عليه وسلم، ونصها كالآتى :
(فإن كان القائل لذلك ــ أي للسبّ ــ ممن تصدى لأن يؤخذ عنه العلم أو رواية الحديث أو يُقطع بُحكمه أو شهادته أو فتياه في الحقوق، وَجَب على سامعه الإشادة بما سمع منه والتنفير للناس عنه، والشهادة عليه بما قاله، ووجب على من بَلَغَه ذلك من أئمة المسلمين إنكاره وبيان كُفره وفساد قوله، لقطع ضرره عن المسلمين وقياما بحق سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
وكذلك إن كان ممن يعظ العامة أو يؤدب الصبيان، فإن مَنْ هذه سريرته لا يؤمن على إلقاء ذلك في قلوبهم، فيتأكد في هؤلاء الإيجاب لحقّ النبي صلى الله عليه وسلم، ولحقّ شريعته ).
لهذه الأسباب تصدى الباحثون الإسلاميون ( والشرعيون منهم بصفة خاصة ) إلى مواجهة ومناقشة وتفنيد كل الاتجاهات التى تدعو إلى مسايرة الإسلام للديموقراطية الغربية.
المصادر :
1- أبو عبد الرحمن الشنقيطى، تهافت الديموقراطيين، منبر التوحيد والجهاد
www.tawhed.ws/dl?i=19021104
2- حسن الحسن، الإسلام والديمقراطية ؛ توأمان أم ضدان، منتدى التوحيد )
7anein.info/vbx/archive/index.php/t-35816.html
3- عبد العزيز الخياط، أشوري أم ديموقراطية ؟ مصطلح الديموقراطية ونظرة الإسلام إليها، مجلة الوعى الإسلامى، الكويت، العدد 532
alwaei.com/topics/view/article_new.php?sdd=957&issue=478
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: