يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ما كان مستوراً منذ ست سنوات صار أكثر من مفضوح: إنه شهر العسل بين «الاخوان» وواشنطن، في المدى الأميركي ـ الغربي كما في المدى الاسرائيلي. والحوار لا يقتصر على اخوان مصر وتونس وسوريا واليمن، إنه جزء من ورشة شاملة تنشط فيها تركيا وقطر بصورة خاصة، تحت عنوان عزل السلفيين واستبدال الأنظمة وتركيز الأنظمة الجديدة على قواعد شعبية صلبة في مرحلة ما بعد «الثورات». والسؤال: هل ان العناق الاخواني ـ الاميركي مجرد تبادل مصالح (كما يتردد) أم أنه جزء من استراتيجية متكاملة الأضلاع لتغيير المشهد الاقليمي تتلاقى فيها «الجماعة» مع المُثل الديمقراطية الغربية والمخططات الاسرائيلية في آن؟
إعلان هيلاري كلينتون أن الولايات المتحدة تواصل ما سمته «الاتصالات المحدودة» مع جماعة الاخوان المسلمين، في إطار العملية الانتقالية في مصر، قطع الطريق على كل الاجتهادات التي ترددت منذ ست سنوات عن حوار بدأ بين الادارة الاميركية والاخوان حول عزوف الجماعة عن العنف واحترام حقوق الأقباط والنساء. وإعلان المتحدث باسم الاخوان محمد سعد الكتاتني (في تصريح الى وكالة رويترز) ان الجماعة ترحب بأي اتصالات رسمية مع الولايات المتحدة لتوضيح رؤيتها، من دون أن يحدد الأطراف المشاركة في هذه الاتصالات، يعني أن المباحثات غير الرسمية قطعت شوطاً بعيداً صار بعده الانتقال الى العلنية ممكناً بل طبيعياً.
والمفارقة أن «الاخوان» الذين ما انفكوا يتهمون الآخرين بالاتصال بـ»جهات اجنبية»، فيما تاريخهم حافل بمثل هذه الاتصالات، منذ الزمن الناصري حتى اليوم، قرروا على ما يبدو القفز فوق كل الشعارات الفارغة التي يرفعونها سعياً الى السلطة، بمؤازرة أميركية واضحة. وهكذا، بسحر ساحر، صار الاخوان في مصر مطلوبين الى «الحوار الرسمي»، وصاروا في ليبيا وسوريا وتونس واليمن «مقاتلين من أجل الحرية»، في الوقت الذي تلعب الدبلوماسية الاميركية، كما الاستخبارات الاميركية دور المساعد في تقريب وجهات النظر بين الجماعة والمجلس العسكري في مصر وطبقة رجال الأعمال المرتبطين بالأسواق العالمية، من أجل تركيز صيغة حكم جديدة في مصر ما بعد مبارك.
والمعلومات تقول انه بات مسموحاً لممثلي السفارة الاميركية في القاهرة بالتواصل مع الاخوان باعتبارهم قوة سياسية كبيرة في الساحة، كما أظهرت «ثورة 25 يناير»، ولأن هناك احتمالات قوية لأن يفوزوا في الانتخابات التشريعية بأكثر من ثلث مقاعد المجلس، الأمر الذي يسمح لهم بتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الوفد وقوى اخرى. والمتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية مارك تونر يقول ان الهدف من الحوار هو الرغبة في التعرف الى الاخوان وأفكارهم من قرب، وأن الولايات المتحدة تهدف من هذا لاستكمال اتصالاتها المحدودة التي بدأتها في العام 2006 مع الجماعة، لأنها تريد صورة واضحة عن المشهد السياسي في مصر.
هل إن الإخوان راغبون في تطوير هذا الحوار؟
كل شيء يدل على أنهم راغبون في ذلك، لأنهم باتوا معجبين بالنموذج الاميركي الديمقراطي، بعد عقود من الزمن كان فيها الحوار مع واشنطن حواراً «مع الشيطان»، وبعدما كان هدفهم الأول تطبيق الشريعة الاسلامية. ثم انهم لا يعترضون البتة على اتفاقات «كامب ديفيد» ومعاهدة السلام مع اسرائيل، ويعملون على دفع «حماس» (بوساطة تركية في المرحلة الاخيرة) الى الدخول في هذه المعاهدة. أما الجانب الاميركي فإنه يرى في الاخوان ضمانة للمصالح الاميركية ـ الاسرائيلية في المنطقة، بعدما أثبتت الأحداث أن الرهان الاميركي على القوى الليبرالية العلمانية كان رهاناً خاسراً.
صحيفة «واشنطن بوست» رصدت، بعد اندلاع ما سمي «ثورة 25 يناير»، خمسة معتقدات اعتبرتها «خاطئة» عن الاخوان المسلمين، في محاولة لتبرير الحوار الأخير الذي تواصله الادارة الاميركية مع الجماعة، وقد أوردتها بالترتيب الآتي:
- الاخوان ليسوا منظمة عالمية: صحيح أن الأفكار الاخوانية منتشرة في أكثر من 80 دولة، لكن التنظيمات الاخوانية عبارة عن وحدات صغيرة لا تشكل وحدة متماسكة، وقد فشلت محاولة تشكيل هيكل عالمي رسمي للجماعة.
- هناك أسباب تدعو للاعتقاد بأن الجماعة سوف تصل بصعوبة الى السلطة في مرحلة ما بعد مبارك. فقد أظهر استطلاع أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مؤخراً ان 15 في المئة فقط صوتوا لصالح الاخوان، فيما حصلت الجماعة بصعوبة على أكثر من 15 في المئة في استطلاع آخر.
- ان صراع الأجيال سوف يحدد أي نمط للشريعة سيصبح سائداً بعد مبارك، اذ لا يزال شعار الحرس القديم «القرآن دستورنا»، أما الجيل الثاني فيتحدث عن «حقوق الانسان» ويعقد مقارنة بين أفكار الاخوان وأفكار الديمقراطيين المسيحيين في اوروبا ويسعى الى الديمقراطية مع الحفاظ على الهوية الدينية. أما الجيل الثالث الموجود في المناطق الحضرية فيبدو موافقاً على هذا النهج.
- صحيح أن هناك علاقات تاريخية تربط جماعة الاخوان بالقاعدة، لكنها توترت في الفترة الأخيرة. وحده جناح صغير يقوده سيد قطب اختار جانب العنف وألهمت أفكاره الجهاديين في جميع أنحاء العالم، لكن الجماعة تبنت في معظم الحالات معارضة سلمية. وقد تأثر العديد من زعماء القاعدة بمن فيهم أسامة بن لادن وخالد شيخ محمد بأفكار الجماعة في وقت مبكر. لكن الطرفين (جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة) اشتبكا مؤخرا في خلاف دار حول بعض أفكارهما. كما قام أيمن الظواهري - القيادي الثاني في تنظيم القاعدة - بإصدار كتاب يهاجم فيه الجماعة بتبنيها أفكارا بعيدة عن استخدام العنف والسلاح.
- ان هناك قابلية للتعامل مع الأعضاء الأكثر اعتدالاً داخل الجماعة ـ وهو ما حدث في أيام ايزنهاور وفي بعض مراحل الحرب الباردة ـ وحتى أحداث 11/9/2011 عملت الاستخبارات المركزية الاميركية وزارة الخارجية على التعاون مع الجماعة ضد القاعدة، اقتناعاً منهما بأن المتطرفين فقط هم القادرون على هزيمة متطرفين آخرين مثلهم في الصراع القائم.
وتقول «واشنطن بوست» ان الولايات المتحدة مقتنعة بأن جماعة الاخوان التي كانت في موقع المعارضة لأكثر من ثمانين سنة، سوف تصبح أكثر واقعية في حال تسلمت السلطة في مصر.
الحرية والعدالة
في الوقت ذاته تشير معلومات وزعتها الخارجية الاميركية الى أن التوجه يتزايد الى فتح حوار مباشر ومعمق مع حزب «الحرية والعدالة» (حزب الجماعة) كبديل للحوار الذي كان قائماً بين واشنطن والحزب الوطني المنحل يوم كان في السلطة.
ومعروف أن العلاقة بين الحزب الجديد والحركة أكثر من وثيقة، وفي دراسة نشرها مؤخراً مركز كارنيغي للسلام (بتوقيع ناثان براون) أن هذه العلاقة سوف تخدم الحزب بشكل جيد في المجال الانتخابي على المدى القصير، وفي الاجتماع الأخير لمجلس شورى الجماعة (هيئة اتخاذ القرار) تم التشديد على الخطوات الآتية:
● بعد الإصرار مراراً وتكراراً على أن الحزب سيكون قادراً على اختيار زعيمه، لم تتمكن جماعة الإخوان من مقاومة تقديم هدية سخية على نحو غير عادي إلى ذريتها: سينتقل ثلاثة من أعضاء هيئتها العليا - مكتب الإرشاد - إلى الحزب لإدارته. الثلاثة جميعاً (محمد مرسي وسعد الكتاتني وعصام العريان) مهرة وذوو خبرة في جميع النواحي، كالتحدث إلى الصحافة، وتنظيم وإدارة شؤون الحركة، والعمل كأعضاء في البرلمان. وفي حين أن شخصياتهم متباينة جداً، فإنهم جميعاً يعطون انطباعاً بأنهم أشخاص أكفاء جداً، لكن يتميّز الثلاثة أيضاً بأنهم موالون جداً لحركة الإخوان.
● يقال أيضاً إن الحركة (وليس الحزب) وضعت اللمسات الأخيرة على برنامج الحزب الأساسي. وليس من المحتمل أن يكون هذا البرنامج وثيقة مقتضبة أو غامضة، ففي وقت سابق أشارت مسودات مسرّبة إلى مجموعة مفصّلة من المقترحات الخاصة بالسياسات.
● لم تكتف الحركة بكتابة برنامج الحزب فقط، بل صادقت أيضاً على نظامه الداخلي. وفي سياق هذه العملية، تركت الحركة بصمتها القوية جداً. إذ يوضح النظام الداخلي، على سبيل المثال، أن الحزب ملتزم الإصلاح السلمي والتدريجي على أسس إسلامية. إصلاح ماذا؟ يسعى الحزب إلى «إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع والحكومة، ومن ثَمَ مؤسسات الدولة». إصلاح المؤسسات السياسية أمور معيارية. لكن الأمر يحتاج إلى نوع خاص جداً من الأحزاب السياسية لتقول للناخبين إنها تريد إصلاحهم وإصلاح أسرهم كذلك. في الواقع تلك هي المهمة التقليدية للحركة الأم «الإخوان»، إذ من المنطقي أكثر بالنسبة إلى حركة كالإخوان التركيز على مساعدة أعضائها لتطوير أنفسهم من قيام حزب بالترشح على أساس إصلاح الفرد والأسرة كبرنامج له.
● قررت الحركة (وليس الحزب) أنها ستنافس على نصف المقاعد في البرلمان. (في وقت سابق، أشار قادة الحركة على الدوام إلى أنهم سيسعون في الغالب إلى الحصول على ثلث المقاعد، على الرغم من أنهم كثيراً ما كانوا حرصاء على إضافة أنه لم يتخذ أي قرار نهائي. ولم يتم توضيح الآفاق الانتخابية الزائدة للحزب بشكل جيد، وكانت الحجة الأكثر قبولاً هي أن المنافسة على المقاعد الإضافية ستكون أفضل وسيلة لضمان بلوغ الحزب الهدف الذي يبدو أنه يريده: ربع أو ثلث مقاعد البرلمان أو شيء من هذا القبيل؛ والإشارات المتقاطعة المحيطة بالقرار ربما تكون أيضاً نتيجة لنقل السلطة من مكتب الإرشاد الصغير والأكثر تماسكاً إلى مجلس الشورى الأكبر حجماً والأكثر تنوعاً والأقل سيطرة.
● الحركة لا تحدّد فقط عدد المرشحين للانتخابات النيابية التالية، بل يبدو أيضاً أنها تختار الأسماء. ووفقاً لإحدى الروايات على الأقل، تعدّ الحركة فعلاً قوائم منفصلة للمرشحين، بعضها خاص بنظام القائمة الحزبية (مليئة بأسماء البرلمانيين الأكفاء)، وبعضها خاص بنظام يستند إلى الدائرة (مليئة بأسماء من يرجّح أن يخدموا دوائرهم الانتخابية المحلية أيضاً). ولذلك، فإن القائمة النهائية للمرشحين لن تحدّد حتى يوضح القانون الانتخابي الجديد نظام التصويت المختلط الذي يعتمد القائمة والدائرة الانتخابية.
● أوضحت الحركة أيضاً توقعاتها في شأن مدى التزام أعضائها بتوجيهاتها في المجال السياسي. ليس مطلوباً من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين الانضمام إلى الحزب، لكن يقال لهم ألاّ ينضمّوا إلى أي حزب آخر. وقررت الحركة ألاّ ينافس أعضاؤها على الرئاسة، وإذا ما ترشّح عضو مكتب الإرشاد السابق عبدالمنعم أبو الفتوح بالفعل، فسيكون ذلك على الأرجح سبباً لطرد هذا القائد المُقصى أصلاً من التنظيم. وثمة روايات عديدة تقول إن جماعة الإخوان المسلمين تتجاوز مسألة إبلاغ أعضائها بما لا ينبغي أن يفعلوا؛ كما يقال إن الفروع المحلية للجماعة تقترح أسماء أعضائها الذين يجب أن يدخلوا ميدان العمل السياسي للحزب.
في ضوء هذه المعطيات يمكن قراءة محاولات القوى المدنية الليبرالية واليسارية في مصر (مؤتمر مصر الأول) التحالف فيما بينها في مواجهة الاخوان والجيش، بدليل أنها عقدت مؤتمرها في ظل مقاطعة التيارات الاسلامية. ويقول العارفون ان الغزل الاميركي ـ الاخواني سوف يبنى، في مرحلة اولى، على المصالح الاميركية من جهة ومصالح الجماعة من جهة أخرى، أي على مسلمتين أساسيتين: استقرار المنطقة وأمن اسرائيل. وفي هذا الإطار يتحدث مسؤولون اسرائيليون (وأتراك ايضاً) عن اتصالات مع حركة «حماس» حول عملية السلام، وعن امكان تحويل «حماس» الى شريك في الحوار، في الوقت الذي تشدد الولايات المتحدة وأوروبا على مبادئ الديمقراطية والتعددية.
في غضون ذلك تتبارى مراكز الأبحاث الغربية في الاشادة بـ»التيار الوسطي» في الحركات الاسلامية المعاصرة، ومن بينها جماعة الاخوان المسلمين في مصر، وحركة «النهضة» في تونس، وحركة «العدالة والتنمية» في المغرب، لجهة تمسكها بقواعد اللعبة الديمقراطية ومبدأ احترام حقوق الانسان الاساسية، في معرض الاستجابة للتغيرات الاخيرة التي تشهدها المنطقة والحقائق التي تفرض هذه الخيارات في المرحلة الانتقالية الدقيقة. وفي مواكبة هذه الاشادة استقبل رئيس حزب «العدالة والحرية» التابع للاخوان المسلمين السفير الفرنسي في القاهرة، كما جرت اتصالات بين حركة «النهضة» التونسية والحكومة الفرنسية.
وفي الوقت التي تتكثف التكهنات القائلة بإمكان الانفتاح الغربي على «حماس» كما على الحركات الاسلامية المتشددة في المانيا وبريطانيا، وامكان تغيير او تعديل نمط التعامل الاميركي والاوروبي مع الجاليات الاسلامية في الغرب، فإن هذه التكهنات لا تحجب وجود عدد من القضايا الخلافية بين واشنطن والجماعة، وهي مسألة طبيعية تعتبر جزءاً من الموروث القديم.
مرونة «نهضوية»
وما ينطبق على اخوان مصر ينطبق الى حد بعيد على «نهضويي» تونس، بعدما أسفرت التغيير التونسي عن رفع الحظر عن الأحزاب وأهمها حزب «حركة النهضة» الذي ظل محظوراً طوال عشرين سنة. ورغم أن كل شيء يدل على أن الوضع في تونس يتيح فرصة استقطاب الاعضاء، فإن الكثير من التونسيين ينظرون الى الحركة الاسلامية بتحفظ، لأن الشباب الذي قام بـ»الثورة» لم يعرف سوى الحزب الواحد وديكتاتورية الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ولم يطلع على طروحات «النهضة» بسبب الحظر الذي كان مسلطاً عليها، هذا فضلاً عن تحفظات الطبقات المتوسطة على حركة اتُّهمَت بالتطرف والإرهاب نظراً لما خلّفته أحداث باب سويقة وغيرها في أوائل التسعينيات في النفوس، يوم تسبب مناضلو حركة النهضة في وفاة مواطن إثر إحراقهم مقرًّا للحزب الحاكم آنذاك، كما تعمد أعضاء في الحركة رمي مادة محرقة في وجوه أشخاص. وقد اعترفت قيادة الحركة في 7 شباط (فبراير) الفائت ان بعض أعضاء الحركة أخطأوا في الماضي، لكنهم أصروا على أن القيادات لم يكن لها علم بالموضوع وان تلك كانت أعمال فردية.
وقد دخلت حركة النهضة المرحلة الجديدة بخطاب سياسي مرن يريد طي صفحة الماضي ويعطي تطمينات حول التزامها بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ونبذ العنف خصوصاً قبولها مجلة الأحوال الشخصية التي تجيز تعدد الزوجات وتقر بالمساواة بين الرجل والمرأة. فقد ورد في صحيفة لو تون (6 شباط/فبراير 2011) على لسان راشد الغنوشي أن مجلة الأحوال الشخصية مستمدة من الشريعة وأن تعدد الزوجات هو أمر ممنوع ومحسوم قانونياً. الغنوشي أعلن كذلك أن الحجاب هو خيار شخصي، كما أقر بعدم إمكان ممارسة عقوبة الرجم وقطع اليد، لكن هناك مؤشرات تظهر أنه لم يقع القطع النهائي مع المنظومة الراديكالية منها التصريحات المزدوجة لحمادي الجبالي أمين عام الحركة بنفيه لمشروع تطبيق الشريعة حوار نشر في مجلة «ريالتي» بتاريخ 17 شباط (فبراير) من جهة، وتصريحه بالالتزام بما ورد بها بالحوار ذاته من جهة أخرى.
وقد انضمت حركة النهضة الى لجنة حماية «الثورة» التي تشكلت في أواخر كانون الثاني (يناير) على وقع تظاهرات صاخبة والتي شارك فيها ما لا يقل عن 28 منظمة تشكل الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني من بينها الاتحاد العام التونسي للشغل والحركات اليسارية. وأثّر هذا التحالف الحركي على مجرى الأحداث بتدعيم وتغذية تجمعات ما يسمى باعتصام القصبة الأول (23 كانون الثاني/يناير) والثاني (25 شباط/فبراير). وهي حشود جاءت من المناطق الداخلية للبلاد ورابطت بساحة الحكومة بالقصبة حتى سقوط حكومة الغنوشي.
واذا كانت «النهضة» قد نجحت في الانصهار في «جبهة الدفع» الرامية إلى تجذير «الثورة»، إلا أنها لم تستطع من جهتها ردم الصدع في داخلها. فقد برز على السطح خلاف حيث عمل الجيل الجديد على إزاحة الشيخ عبد الفتاح موروا من الهيئة القيادية بسبب مطالبة الحركة بالقيام بنقد ذاتي حول أعمال العنف المرتكبة في باب سويقة في التسعينيات، ما دفع موروا إلى البدء بانتقاد الحركة والتلويح بتكوين حزب مستقل. بالإضافة إلى ذلك، حصلت تغييرات في التركيبة الرسمية للمكتب التنفيذي للنهضة برئاسة راشد الغنوشي بعدما أعلن من لندن تخليه عن القيادة الفعلية لصالح حمادي الجبالي الناطق الرسمي للحركة.
الخلافات النهضوية الداخلية لم تحل دون فتح حوار نهضوي مع المخابرات الاميركية، وحوار آخر مع المخابرات الفرنسية، بحثاً عن موقع واضح للنهضة في التركيبة التونسية الجديدة، بعدما اعترفت تونس ما بعد التغيير بالأحزاب الاسلامية ورخصت لها كي تشارك في العملية الانتخابية، ما يمكن أن يضفي دينامية خاصة على الحياة السياسية، ونوعاً من التوازن بين الحداثة والتقليد في مواجهة التطرف الديني.
العراب الفرنسي
والمفارقة في «المرونة» الاسلاموية التونسية، كما في «المرونة» الاخوانية المصرية، أن «الثورتين» اللتين دفعتا بالاسلاميين الى الواجهة بعد قمع طال، مهدتا لتلاقٍ مقصود أو غير مقصود مع بعض أركان اللوبي الاسرائيلي في اوروبا وأبرزهم برنار هنري ليفي صديق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي لعب دور «العراب» في الوصل بين المتمردين في ليبيا وقصر الاليزيه، ويحاول اليوم أن يلعب الدور إياه في الوصل بين قصر الرئاسة الفرنسي وأخوان سوريا.
اجتماع «السان جيرمان» الاخير الذي عقد في باريس، في إحدى دور السينما، بين شخصيات باريسية وبعض وجوه المعارضة السورية (الاخوان ضمناً) كشف عن حقيقة واضحة هي أن «الاخوان» لا يعترضون على التنسيق مع الاوساط اليهودية النافذة في أوروبا وخارج أوروبا من أجل مناهضة النظام السوري. وقد لوحظ ان عددا من المعارضين قاطعوا المؤتمر وحذروا منه، رغم وجود اسمائهم على لائحة المدعوين، في حين اعتبر الآخرون أن مشاركة أو حضور الفيلسوف الفرنسي الصهيوني (منظّر «الثورة» الليبية) لا يلزمهم وكل شخص مسؤول عن حضوره الشخصي!
وقد كشفت منظمة اللقاء لمى الاتاسي ان تكاليف الاجتماع دفعها «الاخوان» وهم من كبار رجال الاعمال السوريين، وهم أنفسهم من موّل مؤتمر انطاليا... وقالت ان من بين المشاركين اعضاء في اللجنة التنفيذية لمؤتمر انطاليا وعلى رأسهم ممثل الاخوان المسلمين ملهم الدروبي (عضو في مؤتمر انطاليا)، عهد الهندي (من اللجنة التنفيذية لمؤتمر انطاليا)، رضوان بديني (كردي سوري مقيم في بريطانيا عضو اللجنة التنفيذية لمؤتمر انطاليا)، ومحمد كركوتي (صحافي ـ اقتصادي مقيم في لندن وعضو اللجنة التنفيذية لمؤتمر انطاليا)، عبد الإله ملحم، سندس سليمان (عضو اللجنة التنفيذية لمؤتمر انطاليا وعضو في حزب الحداثة)، خولة يوسف (عضو اللجنة التنفيذية لمؤتمر لانطاليا). لكن مصادر من المعارضة السورية اكدت ان معظم من ذكرت اسماؤهم لن يحضروا الاجتماع ومن حضر منهم فبصفته الشخصية وليس ممثلا لمؤتمر انطاليا.
ماذا يعني هذا كله؟
انه يعني ان «الاخوان» الذين انفتحوا على المخابرات الاميركية والاوروبية، لا يجدون ضيراً في الانفتاح على ممثلي اسرائيل في أوروبا الذين يبررون قتل اطفال غزة، ويسوقون السياسات الاسرائيلية على امتداد الميادين «الثورية» العربية، ويعتبرون الجيش الاسرائيلي «اكثر الجيوش ديمقراطية في العالم» ـ والتعبير هنا لليفي نفسه.
ومعروف ان جماعة الاخوان المسلمين في سوريا عبرت بوضوح عن موقفها الرافض إجراء اي حوار مع النظام السوري، ونأت بنفسها عن مثل هذه الخطوة، في الوقت الذي أبدت استعدادا للدخول في حوار مع الولايات المتحدة والغرب عموماً
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: