(127) الليبراليون عدو قديم معاد للشريعة وللإسلاميِّين وللأنظمة
قراءة في تقرير قدَّمه الليبراليون للأمريكيِّين
د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7492
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بعيدًا عن اختلاف الموسوعات، والمعاجِم، والقواميس في تعريفِ وتحديدِ المقصود بـ"الليبراليين"، فإنَّ المفكِّرين الإسلاميِّين انتهَوْا إلى تعريف محدَّد وواضح لهذه الفِئة من الناس، يصف هذا التعريف الليبراليِّين بأنهم:
"جيش جرَّار من العملاء، مدَمَّرُ الظاهر والباطن، لا يستطيع أن يدرك حقيقةَ التلف الذي وقع في بنائه وتكوينه، يُعِدُّ نفسه لقيادة هذه الأمَّة، متوهمًا أنه يفكر لها، ويعمل على إصلاحها والنهوض بها، إنَّه جيل يتمثَّل في صورة أساتذة، وفلاسفة، ودكاترة، وباحثين، وأحيانًا كتَّاب، وشعراء، وفنانين، وصحفيِّين، يحملون أسماءً إسلامية.
يقوم هذا الجيش بمهمَّة خَلْخلة العقيدة في النفوس بشتَّى الأساليب، في صورة بحث وعلم، وأدب وفن وصحافة، وتوهين قواعد هذه العقيدة مِن الأساس، والتهوين مِن شأن العقيدة والشريعة على السواء، وتأويلها وتحميلها ما لا تُطيق، والدق المتَّصل على رجعيتها، والدعوة للتفلُّتِ منها، وإبعادها عن مجالات الحياة، وابتداع تصوُّرات، ومُثُل، وقواعد للشُّعور والسلوك، تناقض وتحطِّم أسس العقيدة ذاتها، كما تقوم بتزيين تلك التصوُّرات المبتدعة بقَدْر تشويه أمور العقيدة، كما تقوم بالدعوة إلى إطلاق الشهوات، وسَحْق القاعدة الخُلُقية التي تقوم عليها هذه العقيدة، بالإضافة إلى تشويه التاريخ، وتشويه النصوص".
هناك سِمتان أساسيتان يصِف بهما هذا التعريف حقيقةَ الليبراليِّين:
السمة الأولى: عداؤهم للشريعة وللمنادين بتطبيقها.
والسمة الثانية: عمالتهم لأعداء هذه الشريعة في الغَرْب الذين يصفونها:
بـ"القسوة والوحشية، والعنصرية والبربرية، واستعْباد المرأة، والانتقاص مِن قدْرها، وضرْب الزوجات، وزواج الأطفال، وعدم التسامح مع غير المسلمين، ورفْض حرية العقيدة وحرية التعبير..... ورفْض الشذوذ الجنسي، ورفض أي هجوم على الإسلام، أو حتى الارتداد عنه لِمَن دخَل فيه".
في مايو من عام 2006 كتَبت الدكتورة "هالة مصطفى" رئيسة تحرير Al-Ahrams political quarterly، Democratic Review. مقالاً بعنوان "سياسة تحفيز الديموقراطية الليبرالية في مصر"، نشر هذا المقال في سلسلة White Paper التابعة لِمَا يُعرف بمؤسسة الدِّفاع عن الديموقراطية FDD، ومقرها واشنطن العاصمة، تصَدَّر المقالَ عنوانٌ يقول "أصوات من الشرق الأوسط تُطالب بالديموقراطية والإصلاح".
جاء في تقديم الـ FDD لهذا المقال ما نصُّه: "هناك جَدلٌ نشط في دوائر صنع القرار الأمريكيَّة حولَ الحِكمة، ومدى الفاعلية في العمل على تعزيز الديموقراطية في الشَّرْق الأوسط، كسِلاح طويل المدى في الحرب ضد "الإسلام المتشدِّد"، ونحن نسعى في هذه السِّلسلة إلى أن نطرحَ للنقاش أصوات هؤلاء الذين يمثِّلون الجبهة الأمامية لنشْر الديموقراطية، وغيرهم من النُّشطاء المدنيِّين، والمثقَّفين المنشقِّين، وقادة المعارضة، ترى الدكتورة "هالة مصطفى" في المقال الذي تحت أيدينا أنَّ الولايات المتحدة تركِّز على وجود صِراع بيْن الإسلاميِّين، وبيْن ما يُسمَّى بأنظمة الحُكم التسلطية، وأنَّ الولايات المتحدة اختارتِ الوقوف إلى جانب هذه الأنظمة ضدَّ الإسلاميِّين، هذا الاختيار في نظر "هالة مصطفى" اختيار خاطئ؛ ولهذا فهي ترى أنَّ على السياسة الأمريكية التي تحثُّ على نشْر الديموقراطية أن تبحثَ في التمهيد لطريق ثالِث يعمل على تقوية الليبراليِّين الديموقراطيِّين، وليس التركيز فقط على العملية الديموقراطية.
قدم الليبراليُّون للأمريكيِّين كل ما لديهم من أسباب؛ لكي يقنعوا الأمريكيِّين بالوقوف إلى جانبهم بدلاً من التركيز فقط على تشجيعِ الاتجاه نحوَ الديموقراطية، ولعلَّ أقوى هذه الأسباب هي نظرتُهم إلى العلاقة بين الأنظِمة الحاكمة والإسلاميِّين على أنها منافِسة على الأرضية الإسلاميَّة، وتقاسم السلطة، ومِن ثم تزيد من مخاوفِ الأمريكيِّين، وتدعوهم إلى تمكينهم، ومِن ثم الاعتماد عليهم لا على الأنظمة.
كانت أهم الأسباب التي استند إليها الليبراليُّون العرب في حثِّ الأمريكيِّين على ذلك الآتي:
1- أنَّ الخطوات التي اتخذَها الغرب نحوَ تعزيز الديموقراطية والإصْلاح في دول الشَّرْق الأوسط هي خُطُواتٌ محدودة حقَّقت نتائجَ قليلةَ الفاعلية، وكانت في مجملها مجرَّدَ أشكال تجميليَّة أكثرَ منها خُطوات فعلية، تحقِّق الإصلاح السياسي المنشود.
2- أنَّ أنظمة الحُكم القائمة تشجِّع النظرة القائلة بأنَّ البديل الوحيد لنظام الحُكم القائم هو النظام الإسلامي، وأنَّ مصير البلاد يتوقَّف على الصِّراعِ بين هذين القُطبين، إنَّ هذه النظرةَ القطبية كما يتصوَّر الليبراليُّون لا تفسح مجالاً للقُوى الليبرالية والعلمانية بأنْ تشغل أي موقع يشكِّل أهمية في هذا الصِّراع.
3- هناك بعضُ دول العالم العربي لا تمثِّل مجتمعًا متجانسًا بسبب الانقسامات الطائفية والاثنية، ممَّا يحول بيْنها وبيْن نشْر الديموقراطية، لكنَّ هناك دولاً عربية أخرى تتمتَّع بإرْث ليبرالي – علماني خاص، يجعل منها نموذجًا لدولة علمانية ليبرالية عصرية معتدلة، تُشكِّل أساسًا للعملية الديموقراطية، التي تسعى إليها الولايات المتحدة.
يعتمد هذا الإرث العلماني - الليبرالي على بُروزِ شخصيات أسهمتْ في تحديث هذه البلاد بتأكيدها على أهميةِ القانون والنِّظام، واستقلال القضاء، والتأكيد على الهُويَّة القومية في مواجهة الهُويَّة الدينية والقبلية، وكذلك التأكيدُ على الحرية الفردية، والحريات العامَّة، وحريَّة الصحافة، والتعليم العام، وحقوق المرأة، والتعدديَّة السياسية، والحَركات النقابية.
حقَّقتْ هذه الدول الأخيرة ليس التحديث والليبرالية السياسية فقط، ولكنَّها حقَّقتْ إلى جانب ذلك تقدمًا ثقافيًّا في الفنون، والسينما، والموسيقا، كما تتميَّز هذه البلادُ بأنَّ الكثيرين من قادة هذا التقدُّمِ كانوا ذوي خلفية دِينية، لها مكانتُها في المجتمع، عمِل هؤلاء القادة الدِّينيون على نشْرِ سُبُل التجديد والإصلاح الدِّيني، وساند بعضُهم فِكرة الدولة العلمانية.
4- لم تكن لدَى العسكريِّين الذين وصلوا إلى السُّلطة في بعض هذه البلاد أَجندة سياسية خاصَّة بهم؛ ولهذا أخذوا البلاد بعيدًا عن كل المبادئ الليبرالية، وتبنَّوْا أيديولوجية مضادَّة لها، جمعوا فيها بيْن الإيديولوجيات الاشتراكية، والشعبية، والإسلامية، والقومية العربية؛ وذلك عملاً على تدعيم شرعيَّتهم، ولتأكيد هذه الشرعية حظَرُوا قيام الأحزاب السياسية، وتبنَّوا فكرة الحزب الواحد، الذي تدعمه آلة أمْن قوية، اعتمد تجنيد الصفوة السياسية في هذه البلاد على مبدأِ الولاءِ أكثرَ مِن مبدأ الجدارة، كما اعتمدتِ السياسة الخارجية فيها على محارَبةِ العدوِّ الخارجي ضمانًا لشرعية النِّظام أيضًا، هذا بالإضافة إلى الرِّقابة القوية على الإعلام، بحيث لا يُسمَح بحرية التعبير، أو تعدُّد الآراء.
5- لم يكن دافِع سياسة الانفتاح النسبيَّة التي أخذتْ بها بعضُ دول الشرق الأوسط هو الالتزامَ بالمبادئ الليبرالية، وبذلك لا تُعتبَر موافقتها على تأسيس أحزاب أخرى غير الحِزب الحاكم انفتاحًا حقيقيًّا؛ لأنَّ دورَ هذه الأحزاب في العملية السياسية ليس إلا مجرَّدَ عملية تجميليَّة لوجه النظام.
6- تؤكِّد بعضُ الدساتير في البلاد العربية على أنَّ الإسلام هو المصدرُ الأساس للتشريع، في الوقت الذي تحظُر فيه إنشاءَ أي حزب أو برنامج حزبي علماني، هذا التأكيد وإنْ كان براجماتيًّا، فإنَّه يعني أنَّ النظام لا يعطي اهتمامًا كبيرًا لإصلاحات بنائية عميقة هامَّة، ومِن ثَم يُعتبر هذا الانفتاح استثناءً في سياسة النظام.
7- الصُّعود الثابت للقُوى الإسلامية هو ناتِج طبيعي لركود الحياة السياسية، ووجود تشريعات تُقيِّد تأسيسَ أحزاب سياسية علمانية ليبرالية، هذا الركود وهذا القَيْد يجعل من المسجدِ الممرَّ الوحيد الممكن للتعبير عن الآراء السياسية، ومعارضة النِّظام، مما يعني أنَّ العلاقة بيْن النظام والإسلاميِّين ما هي إلا منافسة على الأرضية الإسلاميَّة إلى حدٍّ كبير، فالنظام وإنْ لم يعترف قانونًا بالإسلاميِّين، فإنَّه يقوم بعمليات أسْلَمة متزايدة في سياسته على حِساب فئات أخرى، منها وضعُه قيودًا على حرية الفِكْر والإبداع، التي تتناقض مع مبادئ الإسلام، كما يُشجِّع النظام الإسلاميِّين على التعبير عن المبادئ الإسلامية في أجهزة الإعلام، ويحظُر على الليبراليِّين ذلك.
كما يسمح النِّظامُ للإسلاميِّين بدخول الانتخابات تحتَ مسميات غير حِزبية، فيحتلُّون - بناءً على ذلك - مقاعدَ في البرلمان، ويُسمح لهم كذلك بالترشيح لانتخابات النِّقابات المهنية، والقصد من ذلك كلِّه بيانُ وجود اتفاق سياسي صامِت بيْن الإسلاميِّين والنِّظام على حساب الليبراليِّين.
8- هذا الصِّراعُ بيْن النظام والإسلاميِّين على الأرضية الإسلامية جعَل مِن الصعب على المحلِّلين والمراقبين تثمينَ القوة الفِعلية للإسلاميِّين، وتقدير حجْمها، طالما أنَّ التنظيمات الإسلامية لا تكشف عن عدد أعضائها، فأصبح مِن الصعْب الوقوفُ على حقيقة الجِهة التي تقف وراء النموِّ المتزايد في اتجاه المجتمع نحوَ الأسلمة، هل هو النِّظام أم التنظيمات الإسلامية.
هناك نموٌّ متزايد للمساجد، هناك زِيادة ملحوظة في أعداد المنتقِبات، هناك حظْر لشُرْب الكحوليَّات في بعض المناطق الشعبية، هناك لجوء للخطاب الدِّيني من قِبل الدولة، لمَن يُنسَب كل هذا: للنِّظام أم للإسلاميِّين، هناك أيضًا عدم فاعلية في التوجُّه نحو الديموقراطية تتمثَّل في نقْص المشاركة السياسية.
هناك أغلبيةٌ صامِتة، لكن من غير المعروف لمَن تنتمي، فإذا قيل: إنَّ الإسلام يمثِّل أقوى القوى السياسية في البلاد، كما يظهر في بعضِ الأحيان، فإنَّ هذا يعني أنَّ المسرح السياسي يكون قد تغيَّر تمامًا لصالحهم.
9- طرَح الليبراليُّون هذا السؤال على الأمريكيِّين: هل تؤدِّي مشاركة الإسلاميِّين في السياسة بالضرورة إلى التقليل مِن الاتجاه نحوَ التشدُّد والدعوة إلى الجهاد؟ أجاب الليبراليُّون: لا، بالتأكيد؛ لقد أثبتت التجارِب في الماضي صحَّةَ هذه الإجابة.
إنه مِن غير المحتمل أن يؤدِّي الاعتراف القانوني بالتنظيمات الإسلامية إلى التقليل مِن الاتجاه نحوَ الإرهاب والعُنف المسلَّح، العكس هو الصحيح، إنَّ هذا الاعترافَ من شأنه أن يقدِّم أرضًا خصبة لنموِّ التنظيمات الإسلامية، سواء أكانتْ عنيفةً أم غير عنيفة.
إنَّه يجب أن يُنظر إلى دخول الإسلاميِّين إلى الحياة السياسية على المدَى الطويل، وليس على المدى القصير، وتمثِّل التجرِبةُ التركية نموذجًا طيبًا هنا، فقد كان تكامُل الإسلاميِّين في الحياة السياسية ممكنًا؛ لأنَّ الدولة التركية دولةٌ حيادية تُجاهَ الدين، الدستور فيها علماني، ويُعتبَر صمام أمْن ضد محاولات حِزب العدالة تحويلَ الدولة إلى دولة أوتوقراطية، هذا بالإضافة إلى حِماية الجيش لعلمانية الدولة وللنِّظام العلماني، الذي أسَّسه أتاتورك.
إنَّ هذا الأمر لا يتوافَرُ لدول العالَم العربي، حيث لا تتصرَّف المؤسَّسة العسكرية كحارسٍ للعلمانية.
10- السَّماح للإسلاميِّين بالتكامل مع الحياة السياسية يتوقَّف على إعادتهم النظرَ في واحد من أهمِّ مبادئهم السياسية، وهو اعتبارهم الشريعةَ المصدرَ الرئيس للتشريع، وعليهم قَبول مبدأ أن تكون الشريعة أحدَ مصادر التشريع، أو مصدرًا أساسيًّا، وليس المصدر الوحيد، وإلا فلن يكونَ الإسلاميُّون قادرين على التعايش مع الجماعات العلمانية والليبرالية.
وقد يُمكن القول بأنَّ الإسلاميِّين - كحركة سياسية - قد يَقْبلون التفاوض حولَ هذا المبدأ الذي يدور حولَ التعديل المقترَح بأن تكون الشريعةُ أحدَ مصادر التشريع في حالةِ ما إذا كان قَبول ذلك موصلاً إلى اعتراف دولي بهم، ومن هنا تكون الخُطوة الأساس التي تمهِّد الطريق لتأسيس نِظام ليبرالي علماني - في نظر الليبراليِّين - هي إجراء تعديل دستوري يقلِّص دورَ الشريعة في النِّظام السياسي. إنَّ مثل هذا التقليص سوف يضمنُ حيادية الدولة، ومِن ثَمَّ يكون الدستور أكثرَ ملائمة للحدِّ مِن أسلمة الدولة والمجتمع، وستكون هناك فرصةٌ للتنوع الفكري والسياسي.
11- يرَى الليبراليُّون أنَّه على النقيض من العلاقة المتبادلة بيْن الأنظمة والإسلاميِّين، ووضوح أنَّ الخلاف بينهما هو على تقاسُمِ السلطة، وليس على الأيديولوجية، فإنَّ سِمة الصِّراع بيْن الأنظمة والليبراليِّين هو أنه صراع أيديولوجي عميق؛ بمعنى: أنَّ الصِّراع بيْن الأنظمة والليبراليِّين هو أكثرُ ضراوةً من الصِّراع بين الأنظمة والإسلاميين، فالأنظمة تتحالَف براجماتيًّا مع الإسلاميين، وتعتمد على المبادئ الإسلامية كتعويضٍ لافتقارها إلى تبنِّي أيديولوجية واضحة المعالِم.
12- يرى الليبراليون أنَّ الأنظمة تُقصي عمدًا أصحابَ الفكر الليبرالي من مثقَّفين وأكاديميِّين وغيرهم مِن الحياة السياسية، باستثناء جماعةٍ صغيرة من رجال الأعمال، تستفيد الأنظمةُ منها في الجانب الاقتصادي، لكنَّ النِّظام يشترط على هذه الجماعة عدمَ تحدِّي أساس النظام القائم، وعدم إجراء أي تغييرات بما فيها السياسة الاقتصادية للنِّظام، وبسبب هذه الشروط المقيّدة لحركة هذه الجماعة، لم تتمكَّن هذه الجماعةُ من صنع أي إسهام في مجالات الإصلاح الاقتصادي والسياسي معًا.
هذه هي الأسباب التي اعتمَدَ عليها الليبراليُّون لإقناع الولايات المتحدة للقيام بدَوْر فعَّال في مساندتهم، لم يكتفِ الليبراليون بتقديم هذه الأسباب، لكنَّهم قاموا بتقديم تصوُّرٍ للأمريكيين يساعدهم على تحقيقِ ما يُسمَّى بالإصلاح السياسي الحقيقي في البلاد، ويقوم هذا التصوُّرُ على مطالبة الولايات المتحدة بتعديل أولوياتها عندَ التعامل مع الأنظمة؛ بمعنى: أنَّ عليها أن تُعطي أسبقية للإصلاح السياسي على اهتماماتها بالاقتصاد والتجارة، والتعاون المخابراتي في مجال مكافَحة الإرهاب.
وعلى الولايات المتحدة أيضًا أن تُعيدَ النظر في مدخلها التقليدي؛ لتشجيع الديموقراطية في بلاد الشَّرْق الأوسط الذي يقوم على قُطبين هما: مساندة المجتمع المدني، ودفْع النِّظام إلى انتخابات حرَّة وعادلة.
لقد أثبتتِ التجرِبة - كما يرى الليبراليُّون - أنَّ الاعتماد على هاتين الإستراتيجيتَيْن لم يحقِّق إلا نتائج محدودة جدًّا على المستوى العملي، وأنَّه قد يصلُح لبعض الدول في الشرق الأوسط دون الأخرى، كما يتجاهل هذا المدخل الدور المركزي الضابط للدولة، وتدخل آلة الأمْن في الحياة السياسية، وهذا مِن شأنه أن يحولَ دون قيادةِ نشطاء المجتمع المدني لعملية إصلاحٍ سياسي في الداخل. كما أنَّ اختزال العملية الديموقراطية في صناديق الاقتراع يُمكِّن قوةً سياسيةً واحدة - وهي القوة الإسلاميَّة - من تحقيقِ مكاسبَ على حساب القوى الليبرالية؛ وذلك بسبب القيود الصارِمة التي يفرِضها النظامُ على الجماعات السياسية العلمانية والليبرالية.
يبدأ المدخلُ الصحيح في نظَر الليبراليِّين بالضغط المباشِر على الأنظمة بقَبول "لبرلة" النِّظام السياسي والإعلام، وإنْ لم يتحقَّق ذلك، فستظلُّ جهود الولايات المتحدة والمجتمع الدولي محدودةً، وسوف يتمُّ سحْق عملية الإصلاح، وخسارة المكاسب الليبرالية.
إنَّ إستراتيجية الولايات المتحدة يجب أن تركِّزَ على تقوية الليبراليِّين الديموقراطيِّين، وليس فقط على العملية السياسية، وذلك بالتركيز على الأسبقيات الآتية:
أولاً: ضرورة تعديل الدُّستور بإلْغاء المادة التي تنصُّ على أنَّ الشريعة الإسلاميَّة هي المصدرُ الوحيد للتشريع، وإدخال موادَّ أخرى في الدستور تجعله متشبِّعًا برُوح المبادئ العلمانية، والليبرالية والتعددية.
ثانيًا: يجب تغيير موادِّ قانون الأحزاب، والأنشطة السياسية، وأنشطة المجتمع المدني، بحيث تسمح للأحزاب الليبرالية والعلمانية التي تحمِل أفكارًا مخالِفة لأفكار الأحزاب القائمة بالوجود، حتى وإنْ لم يكن لها أيُّ رصيد شعبي؛ ولهذا يجب السماحُ لهذه الأفكار بأن تُحقَن في جسَد الشعب؛ حتى لا تكون السيطرةُ للإسلاميين وغيرِهم كاملة عليه.
ثالثًا: يجب على الولايات المتحدة أن تضغطَ على الأنظمة بتغيير سياساتها، بحيث يُسمَح للقيادات الليبرالية بالوجُودِ في المناصِب الحكومية والإعلامية، حتى تتمكنَ هذه القيادات من تحقيق وإنجاز عملية الإصلاح المنشودة، وكذلك مِن تحديث الخِطاب السياسي، وإيجاد إطارٍ سياسي قادِر على استيعاب التحوُّلاتِ الديموقراطية.
لقد ضغطتِ الولاياتُ المتحدة لعدَّة سنوات على الأنظمة العربية بإجراءِ إصلاحات اقتصادية في الحكومة، لكنَّها لم تقمْ بهذا الضغط من أجْل الإصلاح السياسي، ومِن ثَمَّ لم تُتحِ الفرصة لاحتمالات حقيقية تدفع عمليةَ الإصلاح إلى الأمام.
رابعًا: يجب أن تحثَّ الولاياتُ المتحدة الأنظمةَ على الانفتاح و"لبرلة الإعلام"، وذلك بالسماح بوجود مساحة أكبرَ لوِجهات النظر المعارضة في الصحافة، ووسائل الاتصال الأُخرى.
إنَّ سياسة خصْخَصة الإعلام ليستْ هي الحلَّ السحري، ربما يكون ذلك صحيحًا على المدى الطويل، أمَّا بالنسبة للمدى القصير، فيجب "لبرلة" كلِّ وسائل الاتصال؛ لأنَّ هذا القطاعَ هو أكبر القطاعات تأثيرًا على توجيه الرأي العام، وما لم تؤخذْ هذه الخُطوةُ، فإنَّ الإعلام الحالي سيدعم الوضعَ القائم، ويظل يعكس دائمًا الصوت الأحادي.
خامسًا: يجب أن تستمرَّ الولايات المتحدة في سياسة تمكين المرأة، وأن تضغطَ على الأنظمة بالسَّماح للمرأة بأن تشغلَ مناصبَ أساسية في دوائرِ وقياداتِ البناء السياسي الأساسي، ودوائر صُنْع القرار، وأن تسنَّ قوانين جديدة تسمح بنِسبة تمثيلٍ عالية للنساء في المؤسَّسات الحكومية والإعلام المملوكة للدولة، وفي مجالس الإدارات وفي البرلمان.
إنَّ تمكينَ المرأة وَفقَ هذه السياسة سيقف في وجه "المتشدِّدين" الإسلاميِّين، ويحول بيْنهم وبيْن كسْب أرضية واسعة في البلاد.
سادسًا: يجب الضغط على الأنظِمة بتحجيم تدخُّل آلة الأمْن التابعة له في الحياة السياسية.
الخُلاصة هي أنَّ هذا المشروع الليبرالي يحاول إقناعَ الولايات المتحدة بأنَّ تشجيعَها ومساندتها للأفكار وللقيادات الليبرالية في توسيع دَوْرها في الحياة السياسية، سوف يؤدِّي إلى تغيير الوضع السياسي الداخلي في البلاد، كما سيؤدِّي أيضًا إلى ظهور نموذج معتدل في المنطقة، يصلح أن يكونَ حجرَ زاوية في ظهور بِيئة منفتِحة، معتدلة مستقرَّة، تسمح للولايات المتحدة بنشْر الديموقراطية في المنطقة وحلِّ مشاكلها.
هذا المشروع الليبرالي - في تصوُّرِنا - علامةٌ واضحة على فشَل الليبراليِّين في تحقيق مكاسبَ في أرض يشكل الإسلامُ الحجرَ الأساس فيها، كما يدلُّ أيضًا على عقم الفِكر الليبرالي إذا ما قُورن بتنوُّع الفكر الإسلامي، حتى في مسألة المشاركة في العمل السياسي.
المشاركة الحالية للإسلاميِّين في الحياة السياسية تمثِّل جانبًا واحدًا من الفكر الإسلامي المتعلِّق بعملية المشاركة هذه، فهذا الجانب الذي قبل هذه المشاركة يَتبنَّى فِكرة جواز حُكم المشاركة في المجالس النيابية والوزارة، وإنْ كان البعض يعتقد أيضًا بأنَّ الأصل الذي تدلُّ عليه النصوص الصريحة في المشاركة في الحُكم هو عدم الجواز.
لكنَّ هناك قطاعًا آخرَ من الإسلاميِّين يعترض على فِكرة المشاركة في العمل السياسي أصلاً، ويرى أنَّ هذه المشاركة "عبَث لا يؤدِّي إلى نتيجة، وتفكير ساذج مهمَا كانت مبرراته، وينطوي على مزالقَ خطيرةٍ تصيب الدعوة في الصميم، وتعوقها كثيرًا بالرغم مما يبدو لأوَّلِ وَهْلة أنَّ هذه المشاركة تمكِّن للدعوة، وتعجِّل لها الخطوات".
عدَّد هؤلاء المعارضون المزالقَ العقدية المترتبة على هذه المشاركة، وكذلك المزالق السياسية كمزالقِ الوقوع في اللعْبة السياسية وغيرها، يقول أصحاب هذا الرأي: "لو افترضْنَا جدلاً أنَّ الإسلاميِّين توصَّلوا إلى تشكيل برلمان مسلِم مائة في المائة، يطالب كلُّ أعضائه بتحكيم شريعة الله، فإنَّ هذا البرلمان لن يستطيعَ أن يفعل شيئًا بدون قاعدة مسلِمة، وأنه يمكن لانقلابٍ عسكري أن يحلَّ البرلمان، ويقبض على أعضائه، فيودِعهم جميعًا في السجون والمعتقلات، وينتهي كلُّ شيء في لحظات".
ويقول معارِضون آخرون لهذه المشاركة أيضًا: "إنَّ مشاركةَ الإسلاميِّين في العملية السياسية تترُك مفاسدَ كثيرة، وتوقِع الجماهير العريضة في الحَيْرة والتضليل، والالتباس والشك والإحراج، وتُعتبر دليلاً على شرعية الأنظِمة التي تتبنَّى القوانين الوضعية".
هذا بالإضافةِ إلى أنَّ مَن يعارضون فكرةَ المشاركة في العملية السياسية يستندون إلى أنَّه لا فائدةَ من محاولة إقناع البرلمان بتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية، ودليلهم في ذلك آخِرُ كلمات أحدِ نوَّاب البرلمان الذين بذلُوا جهدًا مضنيًا لإقرار هذه القوانين، وهذا نصها:
"يا حضراتِ النواب المحترمين، لستُ عابدَ منصب، ولستُ حريصًا على كرسيٍّ لذاته، ولقد كان شعاري مع أهل دائرتي" أعطني صوتَك لنصلح الدنيا بالدِّين"، وكنت أظنُّ أنه يكفي لإدراك هذه الغاية أن تُقدَّم مشروعات القوانين الإسلامية لكنه تراءى لي أن مجلسنا هذا لا يرى لله حكمًا إلا مِن خلال الأهواء الحِزْبية، وهيهاتَ أن تسمحَ بأن تكونَ كلمةُ الله هي العليا..... لقد وجدت طريقي بينكم إلى هذه الغاية مسدودًا؛ لذلك أُعلِن استقالتي مِن البرلمان غيرَ آسِف على عضويته"، انصرف النائب العالِم إلى داره في أبريل 1981، ورُفعت الجلسة، رحَل النائب العام عن البرلمان، ثم رحَل عن هذه الدنيا كلِّها بعدَ ذلك بعدة سنوات، وبقي البرلمان يقضي ويشرع، وينفذ بغير ما أنزل الله".
هذا مِن ناحية عُقْم الفِكر الليبرالي وعجْزه، حتى عن مجرَّد فهْم أبعاد مشاركة الإسلاميِّين في العمل السياسي.
يُضاف إلى ذلك أنَّ المشروع الليبرالي المرفوع إلى الأمريكيِّين يُعاني من نقص معرفي حادٍّ، وعدم دراسة أو بحْث أو متابعة آخِر ما انتهى إليه الأمريكيُّون في تعاملهم مع ما أسماه الأمريكيُّون بـ"الأصولية الإسلامية والتطرُّف الإسلامي"، ومن ثَمَّ - كما نتصوَّر - لن يكون هذا المشروع المعروض أمامَ الأمريكيِّين سوى تقرير أخير بالعَجْز والفشَل، وعدم الدراية لهؤلاء الليبراليِّين، فهو لن يُضيف إلى الأمريكيِّين جديدًا، وإنَّما يجعل من الليبراليِّين أداةً ودُمية يستفيدون منها في الوقت المناسِب كعادتهم دائمًا.
منذ ربع قرْن مضى - وبالتحديد في 24 يوليو 1985 - بدأتْ جلسات استماع للجنة الفرعية لشؤون أوربا والشَّرْق الأوسط، وهي اللجنة المنبثِقة من لجنة الشؤون الخارجية التابِعة للكونجرس الأمريكي برئاسة (لي هاميلتون)؛ لمناقشة ما أسماه الأمريكيُّون بحركة الأصولية الإسلامية والتطرُّف الإسلامي.
استعانت اللجنة بلفيفٍ من الخبراء والمختصِّين في شؤون الإسلام والمسلمين، من هؤلاء الخبراء والمختصِّين: "هيرمان إليتز" أستاذ العَلاقات الدولية بجامعة بوسطن، والسفير السابق للولايات المتحدة في عِدَّة دول خليجية، و"شاروخ آخافي" أستاذ السياسة والدِّراسات الدولية في جامعة جنوب كارولينا، و"جون سبوسيتو" أستاذ الدِّراسات الدِّينية بكلية الصليب المقدَّس بوروسستر، و"أغسطس نورتون" الأستاذ في الأكاديمية العسكريَّة الأمريكيَّة، وآخرون، وننقُل هنا بعضَ فِقرات لما قاله "أغسطس نورتون"؛ لنبيِّنَ منها أن ما جاء به الليبراليُّون العرب للأمريكيِّين لا يُعتبر جديدًا عليهم.
يقول "نورتون" في تقريره الذي قدَّمه للجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس الأمريكي: "إنَّ المشاركة السياسية في شكْل انتخابات، أو استفتاءات عامَّة زائفة، وهي في الغالب عمليةُ استعراض أكثرَ منها كشيءٍ حقيقي...".
"... إنَّه مما يلفِتُ الانتباه بوجه خاص هو هذه البراجماتية، التي تُميِّز العديد من الحركات الإسلامية في الوقت الذي تُصِرُّ فيه هذه الحركات أنها صاحبة مبدأ.....".
"إنَّ الإسلام مثله مثل أي (أيديولوجية) أُخرى سياسية، هو موضع للاستخدام والاستغلال مِن قِبل السياسيِّين أيًّا كانت هُويتهم، سواء أكانوا رِجالَ دِين، أم ضبَّاط جيش سابقين، إنَّهم جميعًا يتنافسون لملءِ هذه الرمزية الإسلامية، سواء بأسلوب فعَّال أو غير فعَّال".
"إنَّ الإسلام جزءٌ لا يتجزأ من ثقافة الشَّرْق الأوسط، وهو بالنسبة للمسلمين مظهرٌ متجدِّد لمصداقية ولُغة معتادة للتظاهر، والفعل السياسي، والإسلام على عكس الشيوعية والليبرالية والاشتراكية، لم يفسد لارتباطِه بالغرب، فما زالتِ المنطقة تهاجِم الغرب، وتتهم أفعالَه في الماضي والحاضر بأنَّها أفعال إمبريالية".
الدليل الثاني على النقص المعرفي الحاد الذي يتمتَّع به الليبراليُّون العرب، هو أنَّ عداءهم للشريعة أعماهم عن الوقوف على كلِّ جوانب الموقف الأمريكي من هذه الشريعة، فعلى خلافِ هذا الهجوم الحادِّ على الشريعة الذي أشرْنا إليه سابقًا، هناك جانبٌ آخر يمثله واحدٌ من أرْفع المسؤولين الأمريكيِّين الذي كان يشغل منصبَ نائب رئيس المجلس القومي للمخابرات، وهو "جراهام فوللر".
يقول "فوللر" مثنيًا على الشريعة: "على عكس المسيحيَّة اعتنَى الإسلام منذ أن بدأ بالسياسة والحُكم، وقد وجَّه المسلمون بدءًا من حياة النبيِّ محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم) اهتمامَهم إلى مبادئ الحياة المجتمعية المحليَّة، والعدالة، والإدارة، والعَلاقات مع غير المسلمين، والدِّفاع، والسياسة الخارجية، وما مِن شأنه أن يحقق الحُكم الصالح، والقانون العادل، والمجتمع العادل، لقد أتى النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) ليس بغرَض الحِفاظ على الوضْع القائم، ولكن لكي يصلح ويغيِّر.
المرأة على سبيل المثال أُعطيت مركزًا قانونيًّا لم تكن تحظَى به مِن قبل، بالإضافة إلى حماية قويَّة لها من قِبل المجتمع"، وهو اعتراف يدحض كلَّ آراء أعداء الشريعة، سواء أكانوا من الأمريكيِّين الآخرين، أو من الليبراليِّين العرب.
وهناك دليل ثالث آخَرُ لا يدل فقط على النقْص المعرفي الحاد عندَ الليبراليِّين، ولكنَّه يدل على مكابرتهم وإصرارِهم على الدخول في معاركَ مع الإسلام، أثبتوا هم أنفسُهم عجزَهم فيها.
لقد سبَق أنِ اعترف الليبراليُّون على لسان "سامي خشبة" بالآتي:
أولاً: أنَّهم كانـوا يتخـبَّطون في مساراتهم بسبب انبهارِهم بالنماذج الغَرْبية المتناقِضة، ومنها الماركسية، وما انبثق عنها مِن فكر وتطبيق.
ثانيًا: أن تصوُّراتِهم الفكرية عن الواقع الإسلامي للمجتمع لم تكن ناضجةً قبل الثمانينيات؛ أي: فـي الفـتـرة التي بدأتْ فيها الصحوة الإسلامية تترك بصماتِها بوضوح على الأصعِدة السياسية والاجتماعية والثقافية.
ثالثًا: أنَّ الواقع الإسلامي للمجتمع يمثِّل كيانًا ثقافيًّا واجتماعيًّا خاصًّا ومتميزًا، وله تاريخُه الخاص والمتميِّز، وهو نفْس ما توصَّل إليه "نورتون"، وقدَّمه في تقريره إلى الكونجرس الأمريكي - كما أشرْنَا سابقًا.
هذه الحقائق التي أقرَّ بها الليبراليُّون - وعلى رأسها: إقرارُهم بخصوصية المجتمع المسلم - لم تُفدْهم في شيء، فهم لا يزالون يتخبَّطون في مساراتهم بيْن منجزات الفِكر الغربي؛ بدليل اعترافهم في فترة سابقة بافتتانهم بالتيارات النقدية الغربية، وإنْ أضافوا إليها بما اعتقدوا أنَّه منجزاتهم النقدية الخاصَّة، ومنجزات شعوب الثقافات الأخرى، ومِن ثَمَّ تظلُّ تصوراتهم الفكريَّة عن الواقع الإسلامي للمجتمع غيرَ ناضجة، خاصَّة وأنها محاطةٌ بسِياج عدائي مسلَّح، يمتلك كلَّ سُبل الضبط والتأثير، وسِياج عدائي آخرَ يمثله الليبراليُّون أنفسهم، الذين يرون في هذا الواقع تهديدًا لوجودهم وكيانهم، ومراكزهم ومصالحهم وشهواتهم.
الدليل الرابع على هذا النَّقْص المعرفي الحادِّ الذي يتمتَّع به الليبراليُّون: هو عدم درايتهم بآخِر ما قام به الغربيُّون من تقويم لمعركتهم مع الإسلام.
"دافيد سيلبورنى" كتَب مؤلفًا بعنوان "المعركة الخاسِرة مع الإسلام"، ثم كتَب مقالةً قصيرة في مجلة "التايمز" بعنوان "هل يستطيع الغربُ أن يُوقِف التهديد الإسلامي؟"، أو يَهْزِمه بمعنى أصح، حدَّد "سيلبورني" عشرة أسباب رأى فيها أنَّ هزيمة الغَرْب للإسلام أمرٌ غير ممكن.
حصَرْنا هذه الأسباب العشرة عند "سيلبورني" فيما يلي:
أولاً: الانقسام السِّياسي بيْن غير المسلمين، وعدم اتِّفاقهم على ما يجري حولهم.
ثانيًا: عدم استطاعة الغَرْب تقديرَ قوة المجتمع الإسلامي تقديرًا حقيقيًّا، وعدم فَهْمه لطبيعة الإسلام فهمًا حقيقيًّا.
ثالثًا: المستوى المتدنِّي من القيادة الغربية، وخاصَّة في الولايات المتحدة.
رابعًا: التشوُّش والفَوْضى في صِياغة سياسة أو فَهْم متناسِق عن الإسلام.
خامسًا: عدم استيعاب التقدميِّين المعارِضين للإسلام لمواطِنِ القوَّة فيه، وانحسار هجومِهم على ما يُسمَّى بالمظاهر الرجعيَّة في دِين الإسلام.
سادسًا: حالة الرِّضا مِن غير المسلِمين على التحرُّك الأمريكي ضدَّ الإسلام.
سابعًا: الفَقْر الأخلاقي للقِيم الغربية عامَّة وللولايات المتحدة خاصَّة.
ثامنًا: الاستخدام الماهِر للإسلاميِّين لوسائل الاتِّصال عبرَ شبكات الإنترنت العالمية.
تاسعًا: اعتماد الغَرْب على المصادِر المادية للبلاد العربية والإسلاميَّة.
عاشرًا: اقتناع الغرْب الوهمي بأنَّ تكنولوجيته المتقدِّمة تقود إلى العصرية، وأنَّ أفكار السوق أسمَى من الإسلام الرجعي.
خلاصة القول:
أنَّ الليبراليِّين العَرَب اتَّخذوا موقِف العداء للشريعة، وموقِف المواجهة مع الإسلاميِّين، ثم موقِف استعداء الولايات المتحدة على الأنظِمة، عن جهْل ومكابرة، لا عن عِلم ودراسة، ولا استقراء لنتائج تاريخهم السابِق في هذه المواجهات، لكن هذا لا يُنسينا مقولة "مايكل بيرليج": "إنَّ أي جهْد تبذله الأصواتُ الليبراليَّة في البلاد الإسلامية يجب تدعيمُه وتشجيعه".
المصادر:
1- أحمد إبراهيم خضر، الإسلام والكونجرس، حلقات نشرتها مجلَّة المجتمع الكويتية اعتبارًا من العدد 914 الصادر في 25 أبريل 1989 إلى العدد 975 في 24 يوليو 1990، وأعيد نشرُها في كتاب بنفس العنوان، نشرتْه دار الاعتصام في عام 1994.
2- أحمد إبراهيم خضر:
أ- هزيمة الغَرْب للإسلام أمرٌ غير ممكن، موقع نور الإسلام.
ب- وتظل الشريعة عدوَّهم الأول، موقع الألوكة.
ج- وقائع برلمانية، مجلَّة البيان، العدد 66.
د- التنويريون الجُدد، الإستراتيجيَّة والواقع، موقع بوابتي تونس.
3- عمر سليمان الأشقر، حُكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية، دار النفائس للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ص 116.
4- محمود محمد شاكر، أباطيل وأسمار، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1972، ص 446.
5- D.L.. Adams، War for Islamic Sharia Law،www.americanthiner.com/2010
6- Hala Mustafa، Policy For Promoting Liberal Democracy in Egypt، White paper Series:(Voices from the Middle East on Democratization and Reform)، FDD (Defense of Democracy)، May 2006.
(بتصرف)
7- David selboorni، Can the West defeat the jihad? Ten reasons why not، Jihad watch. September 9، 2006.
8- Graham F Fuller، Islam، a force for change، mondediplo.com10-1999/ 09 /16 islam.
9- Michael Burleigh، how defeat global jihadists، Standpoint online، June 2008.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: