د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7234
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عرض فى هذه الصفحة بعضا من الآراء التى تُطرح أثناء المناقشات العلمية بين أساتذة وطلاب الدراسات العليا، ثم نقدم تعقيبنا عليها. عسى أن تكون نافعة ومثمرة للجميع.
نستند فى موقفنا من هذه الآراء وفى تعقيبنا عليها إلى ثلاثة قواعد:
الأولى: وضعها الإمام الشاطبى فى الموافقات ومؤداها:
" عند التنازع فى الرأى لا بد من الرجوع إلى أصل تتفق عليه الأطراف المتنازعة وتنزل عنه لحسم مادة النزاع. إن المختلفين فى الرأى إما أن يتفقا على أصل يرجعان إليه أم لا. فإن لم يتفقا على شيئ لم تكن لمناظرتهما فائدة بحال. وإذا كان عند أحدهما دليل، لا يسلم به الخصم، يكون الاستدلال بهذا الدليل عبث غير ذى فائدة. إن مقصود المناظرة رد الخصم إلى الصواب بطريق يعرفه لأن رده بطريق لا يعرفه يدخل فى باب تكليف مالا يطاق. فلا بد من رجوعهما إلى دليل يعرفانه ويقران به سويا. وعلى ذلك دل قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]، فالكتاب والسنة لا خلاف فيهما عند أهل الإسلام ".
أما القاعدة الثانية فقد وضعها المفكرون الإسلاميون ومؤداها: " أن الإسلام له ذاتيته الخاصة وأصالته المقررة التي تجعله نسيجا واحدا متميزا مستمداً من طبيعته وقيمه وحدها ولا يقبل الانصهار في الفكر البشري أو الأممية والعالمية القائمة على الوثنية والمادية.
كما أن للإسلام منهجه الخاص المخالف فى طبيعته لكل المناهج البشرية القاصرة. والالتزام بهذا المنهج ضرورى كالالتزام بالعقيدة تماما وإدراك هذه الحقيقة يستلزم أولا التخلص من مناهج التفكير البشرية التى تضغط على العقول وتترسب فى الثقافة، فلا يتم التعامل مع هذا الدين بمنهج تفكير غريب عن طبيعته، لأن هذه المناهج البشرية الغربية الغريبة عن الاسلام يمكن أن تحقق أنظمتها البشرية، لكنها لا يمكن أن تحقق النظام الرباني. وينبغي الثقة تماما والاطمئنان إلى هذا المنهج وأنه الاعلى. يقول تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9].
أما القاعدة الثالثة فمؤداها أن هذا الدين قد اكتمل كما جاء فى قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3] وتعنى هذه القاعدة:
1- أن هناك مصدرا واحدا نتلقى منه منهجنا ونظام مجتمعنا وشرائعنا ومصالحنا إلى يوم القيامة.
2- أن هذا الدين كل لا يتجزأ، وكل متكامل سواء ما يختص فيه بالاعتقاد أو الشعائر، وما يختص بالحلال والحرام، وكذلك التنظيمات الاجتماعية والدولية. وأن هذا فى مجموعه هو الدين الذي يقول عنه الله تعالى أنه قد أكمله، لا فرق بين جزئية وأخرى، والخروج على هذا المنهج في جزئية منه كالخروج على هذا الدين، وخروج من هذا الدين بالتبعية.
3- أنه لم يعد لأحد منا أن يتصور أن في هذا الدين وفق هذا المعنى نقصا يستدعى الإكمال ولا قصورا يستدعى الإضافة، ولا محلية أو زمانيه تستدعى التطوير أو التحوير. وأنه قد استقر بكل جزئياته الاعتقادية والتعبدية والتشريعية فلا تعديل فيها ولا تغيير، ولا عدول عنها إلى منهج آخر أو شريعة أخرى، أو استبدالها بغيرها من صنع البشر فهذا الدين قد اكتمل وانتهى أمره، وتعديل شيئ فيه كإنكاره كله لأنه إنكار لما قرره الله تعالى من تمامه وكماله.
4- أنه من زعم أن شريعة الأمس ليست شريعة اليوم، ما هو إلا رجل يزعم لنفسه أنه أعلم من الله بحاجات وأطوار الإنسان.
أولا: كيف يفهم دعاة مشروع أسلمة المعرفة لوجهة نظر الدكتور أحمد إبراهيم خضر عن المشروع.
يقول الدكتور فتحي حسن ملكاوي في مقاله: " حوارات إسلامية المعرفة: عرض وتحليل في موقع إسلامية المعرفة عدد 25:
" تفتح مجلة البيان -ذات الاتجاه الإسلامي السلفي وتصدر من لندن- صفحاتها للدكتور أحمد إبراهيم خضر الذي يعرِّف بنفسه على أنّه أكاديمي مصري، لينتقد ما يسميه ظاهرة أسلمة العلوم وتأصيلها، وليصدر على دعاة هذا المشروع اتهاماً بأنهم يقعون في "خطأ أساس وهو عدم اعتقاد كمال الشريعة وتمامها وعدم كفايتها في مواجهة تغيرات العصر، وكأنما الله -تعالى الله عما يتصورون- لا يعلم بأن هذه التغيرات ستحدث، فلم يحسب حسابها، فجاء هذا المشروع ليستدرك ويستكمل على الله، فسلب صفات الكمال عن الله -تعالى- وعلوه على خلقه وكماله وقدرته، وزاد في الدين وأفسده وخلطه بما لم يأمر الله به، ولبّس الحق بالباطل وأعطى مشروعية لهذا الباطل، ولا يخرج هذا المشروع برمّته عن كونه هوى متبع وتبدع وتنطع...الخ". ولا ينقص هذا الأكاديمي المصري العلم والمعرفة والاطلاع، حيث يميز فيما يقرأ من أدبيات هذا المشروع بين ثلاثة اتجاهات داخل المشروع "يلبس الاتجاه الأول ثوب الاعتدال، وهو أخطرها، فيدعو أصحابه إلى الاستعانة بالقواعد الفقهية والمنهجية الأصولية وتطبيقها في العلوم الاجتماعية، وعرض نتائج العلوم الاجتماعية على علماء الدين وإقامة جسر بينهما؛ ويغلب على الاتجاه الثاني صفة السطحية والوصولية؛ أما الاتجاه الثالث فقد تطرف إلى الحد الذي دعا فيه إلى نقد التراث ومراجعة الدراسات التي بنيت على القرآن والسنة وتجديدها...". ومع ذلك فإن الكاتب يجمل حكمه على المشروع "برمته" وباتجاهاته الثلاثة كلها بأنها: "تتسم جميعها بسمة الاستعلاء على الكتاب والسنة وما انبثق عنهما من شريعة وفقه". وبعد أن ينقل أهداف المشروع كما يعرضها أحد دعاته "د. إبراهيم رجب" فيصفها بأنها "بريئة المظهر فاسدة المخبر"، ثم يقدّم ظنّه الحسن وبصيرته في التحليل ليؤكد أن الأهداف الحقيقية لهذا المشروع تتلخص في إضفاء الشرعية على العلوم الأوروبية التي نشأت أساساً لتزيح الدين وتحل محله، وإفساد المقصد من الشريعة، وضرب الفقه الأول وتحميله وزر تخلف المسلمين، واستبعاد مفاهيم الحق والباطل والإيمان والكفر والفرقة الناجية والفرقة الهالكة وغيرها، وتحويل مقولة زكي مبارك التي أكد فيها نزع راية الإسلام من أيدي الجهلة (ويقصد زكي مبارك كما يفسر الكاتب) إلى واقع ملموس.
أما مكمن الخطورة في المشروع فيؤكد الأكاديمي المصري أنه يتمثل في الإيحاء بأن الشريعة لم تتمّ وفي معاندة الشرع ومضاهاة الشارع، وتلبيس الحق بالباطل، وهو اجتهاد في غير موضعه ومن غير أهله، وقياس للدين بالرأي.. وتهم أخرى. والمقالة مليئة بالمصادرات والمغالطات والمتناقضات. ولعلّ أهم ما يمكن الإشارة إليه أن الشواهد التي أتى بها الكاتب ليبين رأياً معيناً هي أقرب إلى كونها شواهد للاستدلال على عكس ما ذهب إليه. ومن ذلك مثلاً قوله بأن أمور الشريعة تحتاج إلى اجتهاد لا يملك حقّه إلاّ أهله، في حين يستشهد بحديث جبريل "إن القرآن أنزل على سبعة أحرف" وفهم منه أن طلب ما لا يشترك عامة الناس فيه في الشريعة خروج على مقتضى الشريعة، وأن تكاليف الشريعة الاعتقادية والعملية "قريبة الفهم سهلة على العقل بحيث يفهمها من كان ثاقب الفهم أو بليداً؛ فلوكانت الشريعة مما لا يدركها إلاّ الخواصّ والمثقفون لم تكن شريعة عامة ولا أميّة". كذلك استشهد الكاتب بحديث الفرقة الناجية ووثقه بتخريج ابن عبد البر ونقل تعليق المحقق عليه بأنه لا يصح. وعلّق على قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ [يوسف: 2] وقوله سبحانه: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195] بكلام عجيب مفاده أن العلوم التي يسعى دعاة الأسلمة إلى تأصيلها إسلامياً وجمعها مع الشريعة علوم أوروبية الصنع، صدرت بلسان غير عربي، والشريعة نزلت بلغة العرب لا دخل فيها للألسن الأعجمية.. ولذا يلزم عند فهم الشريعة الاقتصار على كل ما يضاف علمه إلى العرب خاصة وليس إلى غيرهم".
رأى الدكتور ملكاوى:
"إن التهم التي يكيلها الكاتب تجعل أمر الحوار والمناقشة غير ذات طائل. وواضح أن الكاتب ينطلق من موقف لا يحتمل حواراً ولا مراجعة، بعد أن يصف دعاة إسلامية المعرفة بما لا يحتمل إلا الكفر، وبذلك يفتح معارك في جبهات متعددة. والحقيقة أننا في غنى عن كل هذه المعارك وأن مثل هذا الموقف لا يستقيم حتى من أشد المدارس السلفية تطرفاً".
دور الشيعة فى مشروع أسلمة المعرفة:
يختصر " الشيعة " مفهوم أسلمة المعرفة في قولهم بأنها: "عملية جمع بين العلوم الفقهية بأطرها الابستمولوجية والتصورات المعاصرة للعلوم الإنسانية والطبيعية وفق تصورها المعاصر".
يقول الدكتور " ملكاوى" في المقالة المشار إليها سابقا معترفا بهذا الدور:
أما الآن وبخاصة في العقدين الأخيرين فقد كانت المنتديات التي عقدها دعاة إسلامية المعرفة من الدائرة السنيّة تضمّ الكثير من العلماء والمفكرين من الدائرة الشيعية، كذلك أسهمت الجهود الثقافية في إيران بعد الثورة الإسلامية التي تضمنت دعوة الكثير من العلماء السنة على التخفيف من الاحتقانات النفسية. ويكاد لا ينعقد نشاط واحد من نشاطات المعهد العالمي للفكر الإسلامي مثلاً دون أن يشارك فيه أحد العلماء والمفكرين من الشيعة، وأن يكون هناك عدد من المستشارين العلميين لهذا المعهد من هؤلاء العلماء، وأصبحت أسماء العلماء والمجتهدين الشيعة تذكر جنباً إلى جنب في قائمة المجتهدين والمصلحين في العصر الحديث الذين عرفوا في عالم السنّة. ولا يشعر أحد بأية غرابة أن يتولى د. سيد حسين نصر التدريس في الجامعة التي يديرها د. طه جابر العلواني وأن يشارك في المؤتمرات السنوية لجمعية العلماء الاجتماعيين المسلمين وهكذ".
ثانيا: جذور نقل الفكر الغربى إلى بلاد الإسلام
إن المأمون بإيحاء من زعماء المعتزلة أرسل مجموعة من الرسائل إلى جملة من زعماء العالم الغير مسلم، فأرسل رسلاً إلى زعماء الهند والصين، ومنها رسالة إلى الملك جورج الأول ملك صقلية، وكانت صقلية في ذلك الوقت دولة جزء منها مسلم والجزء الآخر غير مسلم، فأرسل رسالة طلب فيها من ملك صقلية إعطاءه مجموعة من الكتب التي في خزانة كنيسة كذا وكذا. فجمع ملك صقلية الوزراء ورجالات الدين، وقرأ عليهم رسالة الخليفة المأمون، فقال: ما رأيكم؟ فأصر الجميع على عدم التجاوب؛ لأنه عدو محارب، وكلهم كان على نفس الرأي، ما عدا بابا الكنيسة، قال له: أيها الملك، لقد اطلعت على هذه الكتب، وقرأتها وعرفت ما فيها، فوالله ما دخلت هذه الكتب على قوم إلا أفسدت عقائدهم، فانسخ لهم منها نسخة وأرسلها إليهم. فارتاح الملك لهذا الرأي، ونسخ نسخة من هذه الكتب السرية التي أغلق عليها في أماكن خاصة، ثم أرسلها إلى المأمون.
بدأ المأمون ينظر إليها فإذا هي مكتوبة باللغة اللاتينية، لغة لا يعرفها لا هو ولا أتباعه فبدأ يبحث عمن يترجم هذه الكتب، فوجد اليهود مستعدين لذلك؛ لأن اليهود في ذلك الوقت يقرءون التوراة باللغة اللاتينية، ويجيدون العربية بحكم الاحتكاك مع المسلمين والعرب. وعندما قرءوا اليهود هذه الكتب، وجدوا فيها سلاحاً نزل عليهم فجأة ما كانوا يحلمون به، فهي كتب فاسدة عقائدياً إلى أقصى حد: كتب أفلاطون: كتب أرسطو، كتب فيثاغورث من زعماء اليونان. فبدءوا يكتبون ويكتبون، ثم أعطوا نسخة منها إلى المأمون واحتفظوا بنسخة عندهم ثم بدءوا ينسخون هذه النسخ، ويجعلونها في أماكن الوراقين، والنسخة التي تعد خمسمائة صفحة بدينار، وكتاب موطأ الإمام مالك مثلاً مائة صفحة بعشرين ديناراً، فهذا يشتري وذاك يشتري، حتى انتشرت الفكر التي جاءت عن طريق هذا المنهج. وبدأ الفكر ينتشر ويقوم على قضية تقديس العقل، وأن العقل هو الحكم في كل شيء، فما أحبه العقل يحب، وما كرهه العقل يكره، وما حكم به العقل يؤخذ به، وما رده العقل يرد. هذا هو المنهج الذي دان به هؤلاء الحكماء وعلماء اليونان ثم نشروه بين الأتباع. إذاً: هذه بداية النشأة، ثم بدأ يظهر ويتبلور، ويدعو إليه أصحابه بطرق معينة، يكتبون فيه كتابات، ويؤلفون فيه التأليف، وتظهر المناظرات والمحاضرات والدروس في المساجد لبث هذا الفكر العقلاني. (إسلام وب).
ثالثا: القضايا المطروحة التي تم التعقيب عليها
- التعقيب على تذكير الدكتور شعبان بموضوع القواعد العشر التي انطلقنا منها في عرض وجهة نظرنا فى عام 2002/2003 تقريبا ورأيه شعبان بأن الغرب بدأ الآن يراجع نظرياته وأنه عاد يعطى أهمية للعوامل الروحية ومن ثم يسقط ادعاء الدكتور أحمد خضر بفساد أصل هذه العلوم.
2- التعقيب على تعقيب الأستاذ الدكتور إبراهيم رجب بأن ما طَلب الخليفة المأمون نقله من الملك جورج الأول هو الفلسفة وليس العلوم الاجتماعية.
3- التعقيب على رأى الدكتور محمد النحراوى بأن الاستفادة من العلوم الاجتماعية تستند إلى القاعدة الشرعية في أن الأصل في الأشياء الإباحة.
4- التعقيب على القول بجواز الأخذ من العلوم الاجتماعية استنادا على أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل المسلمين الأوائل إلى النجاشي ملك الحبشة رغم أنه نصراني.
5- التعقيب على ما رآه الدكتور عادل بضرورة إلقاء الضوء على علاقة العلم بالدين.
6- التعقيب على رأى الأستاذ الدكتور سلامة بأن الأخذ من العلوم الاجتماعية يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم الحكمة ضالة المؤمن. ويستتبعه أن نطمئن الأستاذ الدكتور محمد عبد السميع أننا ننقل حكم علماء الشرع في الحديث ولا نحكم على مالا يدخل في دائرة اختصاصنا.
7- التعقيب على رأى الأستاذ الدكتور حمدي منصور في دعوته إلى استبدال مصطلح أسلمة المعرفة بعربمة المعرفة وأن يكون الأساس المعرفي لها هو تراث الفارابي وابن سينا وإخوان الصفا وابن رشد الذي تدرس آراؤه في الجامعات الغربية.
رابعا: التعقيب على تذكير الدكتور شعبان بموضوع القواعد العشر التي انطلقنا منها
التعقيب على تذكير الدكتور شعبان بموضوع القواعد العشر التي انطلقنا منها في عرض وجهة نظرنا في عام 2002/2003 تقريبا ورأيه شعبان بأن الغرب بدأ الآن يراجع نظرياته وأنه عاد يعطى أهمية للعوامل الروحية ومن ثم يسقط ادعاء الدكتور أحمد خضر بفساد أصل هذه العلوم:
1- أن الغرب قد بدأ فعلا يعدل موقفه من الدين وبالذات في علم الاجتماع وعلم النفس. لكن هذا التعديل كان قائما على أساس أن البحوث التي قام بها أثبتت أن للدين تأثيرا عميقا على التماسك الاجتماعي وعلى إصلاح الحالة النفسية للمرضى. فالذي فرض عليه هذا التعديل هو قوة وفاعلية الدين، لكن موقف العلماء الغربيين من الدين ظل ثابتا. النظريات الكلاسيكية كانت تقول أن الدين ليس بالشيء الطيب ولا بالشيء الحقيقى. التعديل الذي حدث بفعل نتائج البحوث هو القول بأن الدين شيء طيب لكنه ليس بالحقيقي بمعنى لا زال الدين عند علماء الغرب اختراع إنساني وأنه ظاهرة اجتماعية....الخ. ولهذا تبقى مسلمتنا بفساد الأصل قائمة.
2- أن اعتراف الغرب بأهمية العوامل الروحية، وتأكيد باحثينا أن هذا دلالة على أنه قد صلح حالها ويجوز الأخذ منها، يعكس عدم فهم باحثينا أن هذه مجرد نقلة من الإلحاد الفاضح إلى الإلحاد الخفى أو الإلحاد غير المباشر، وتأكيد كذلك على مقولة علماء الإسلام: أن مثقفينا يؤمنون إذا آمن الغرب ويكفرون إذا كفر الغرب.
الرئيس الأمريكي روزفلت قال " إني أؤمن أنه لابد أن يكون لأي أمريكي معتقد، ولكن لا يهمني ما هو هذا المعتقد " . كما هو مكتوب خلف الدولار الأمريكي." نحن نثق في الله " من هو هذا الإله؟ لا يهم.
فرح باحثونا بتعريف " سكيدمور " فى كتابه قاموس الخدمة الاجتماعية بأن العوامل الروحية هي التقوى والورع والتركيز على الجانب اللامادي للحياة، وتجاهلوا تماما تعريف " سيبورين " أن مفهوم العوامل الروحية يجب ألا يكون محددا بالاعتقاد في الإله أو في الروح. وهذا مفهوم يبطل المفهوم ذاته. وتعريف " إدوارد كاندا " في ملحق معارف الخدمة الاجتماعية بأن العوامل الروحية هي العوامل التي تتصل بالمكون الروحي لخبرة الفرد أو لخبرة الجماعة سواء أكان هذا الفرد موحدا مؤمنا بوجود الله أو ملحدا ينكر وجوده. لماذا لم يدرك باحثونا معنى تمييز "دافيد هودج " بين العوامل الروحية والدين. وتأكيد " تشارلز زاسترو" على أن مصطلح العوامل الروحية غير مصطلح الدين؟. على أخصائيينا الاجتماعيين طبقا لمفاهيم العوامل الروحية أن يقبلوا تصورات الآخرين واعتبارها دينية حتى ولو كانت ترفض الإيمان بالله واعتبار الفلسفات الإلحادية من الدين وأن يقبلوا الاعتقادات الدينية للآخرين مع مخالفتها لدينهم وألا يعتقد الإخصائى الاجتماعى أن دينه هو الدين الحقيقي الوحيد.
الخلاصة: أن أخطر ما في الأخذ بالعوامل الروحية هو تدمير دين الإخصائى تماما في مقابل إقرار صحة الأديان الأخرى.
أما عن القواعد التي يستند إليها الدكتور أحمد خضر في بيان وجهة نظره فهذه هي العشر الأولى منها:
1- القضية هي قضية عقيدة. وأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع، ولا يقبل أنصاف الحلول، ولا الهزل. والإحتكام إلى منهج الله في كتابه ليس نافلة ولا تطوعا ولا موضع اختيار، إنما هو الإيمان،أو عدم الإيمان.
ليست هناك مناهج متعددة للمؤمن أن يختار منها أو يخلط واحدا منها بالآخر. ليس هناك حل وسط ولا منهج بين بين، ولا خطة نصفها من هنا ونصفها من هناك، إنما هناك حق وباطل، هدى وضلال، إسلام و جاهلية، لأنه منهج الله أو غواية الشيطان.
الكتاب والسنة حق لا باطل فيه، واجب الأتباع لا يجوز تركه بحال أو ترك شيء مما دلت عليه وليس لأحد الخروج عن شيء مما دلت عليه وهو مبنى على أصلين: أن هذا جاء به الرسول والثاني أن ما جاء به الرسول واجب الأتباع.
2- الوقفة الأولى لأي مسلم أمام أي عقيدة ليست هي الإسلام أو فكر أو مذهب أو نظام غير منبثق من الإسلام هي وقفة التبرؤ والمفارقة منذ اللحظة الأولى قبل الدخول في أي محاولة للبحث عن مشابهات ومخالفات من شيء من هذا كله.
قضية الدين الأساسية هي: إما إتباع ما أنزل الله فهو الإسلام، وإما إتباع للأولياء من دونه فهو الشرك ولا بد من رفض ميوعة العلاقات وعدم تميزها ورفض الثغرات في المفاصلة بين من يؤمنون بالإسلام ومن يرفضونه. ورفض التستر وراء هذه الثغرات حتى لا يقف خلفها كل من لم يتجرد لهذه العقيدة، فيفتح الباب للأعذار التي يحتج بها من يتعاملون مع أعداء هذه العقيدة من أجل الكسب أو المصلحة.
3- أكمل الله تعالى للرسول ولأمته دينهم وأتم عليهم نعمته ولم يحوجه هو ولا أمته إلى عقل ونقل سواه. كما أقسم بأن الإيمان موقوف على تحكيم الرسول فيما شجر بيننا واتساع صدورنا لحكمه فلا يبقى فيها حرج.
أكمل الله تعالى للرسول ولأمته دينهم حتى أنه علمهم آداب الغائط، قبله وبعده ومعه، وآداب الوطء والطعام والشراب، وقد توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من طائر يطير فى السماء إلا ذكر منه لأمته علما، وقال لهم " تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك " وقال " ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ". وقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
وقال عمر ابن الخطاب: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه. ذكره البخاري.
وصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، ثم خطبهم حتى حضرت العصر فصلى العصر ثم خطب فيهم حتى غربت الشمس، فلم يدع شيئا كان ولا يكون من خلق آدم حتى قيام الساعة حتى أخبرهم به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه فكيف يتوهم من لله ورسوله ولدينه وقار أن يكون رسول الله قد أمسك عن بيان أمر لم يتكلم فيه بالصواب. الصواعق 1/170.
وأنكر الله على من لم يكتف بالوحي فقال:﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: 51]. وفى مراسيل أبى داوود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بيد عمر ورقة فيها شيء من التوراة فقال:" كفى بقوم ضلالة أن تبعوا كتابا غير كتابهم، أنزل على نبي غير نبيهم. وقال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون ﴾ [العنكبوت: 51]. وقال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، فأقسم سبحانه أنا لا نؤمن حتى نحكم رسوله فى جميع ما شجر بيننا وتتسع صدورنا لحكمه فلا يبقى فيها حرج، ونسلم لحكمه تسليما، فلا نعارضه بعقل ولا رأى، فقد أقسم الله تعالى بنفسه على نفى الأيمان عن هؤلاء الذين يقدمون العقل على ما جاء به الرسول، وقد شهدوا على أنفسهم بأنهم غير مؤمنين بمعناه وإن آمنوا بلفظه. وقال تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 10] وهذا نص صريح في أن حكم جميع ما تنازعنا فيه مردود إلى الله وحده، فهو الحاكم فيه على لسان رسوله، فلو قدم حكم العقل على حكمه لم يكن هو الحاكم بكتابه.
4- جميع علوم وأعمال وأمور الكافرين والمكذبين بالرسل التي ليست من أعمال المسلمين السابقين إما فاسدة أو ناقصة، ولا بد فيها من خلل يمنعهم أن تتم لهم منفعة بها. ولو فرض صلاح شيء من أمورهم على التمام لاستحقوا بذلك ثواب الآخرة.
لا تشتمل هذه العلوم على ما يؤمر به شرعا، وشريعة الإسلام غير متوقفة عليها، ولا يحدث منها الإيمان الواجب ولا يعرف منها صحة الإسلام وثبوته.
والذي يؤمن بها يكون بعيدا إما عن أصل الدين أو عن بعض شرائعه، لأنه لا ذكر فيها للنبوات وإن ذكرتها فبالسلب، فهي تقوم أصلا على عدم التصديق بالرسل مما يؤدى إلى الكفر والضلال.
لا يلجأ إلى هذه العلوم من يعلم أن الإسلام قد جاء لإصلاح الإنسان والنفس والمجتمع، أما الذى يغوص فيها فهو من فقد أسباب الهدى لأن كل ما فيها من العلوم والأخلاق والأعمال لا يوصل ولا يكفى للنجاة من عذاب الله فضلا عن أن يكون محصلا لنعيم الآخرة ولأن ما تحصل به السعادة والنجاة لا تتضمنه أصلا، فأصل السعادة والنجاة من العذاب هو توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له، والإيمان برسله واليوم الآخر والعمل الصالح وكل ذلك تخرجه هذه العلوم من دائرتها وتقذف به إلى دائرة اللاهوت.
وإذا فرض أن فيها أي منفعة فالصواب منفعته في الدنيا فقط. ما تقوله هذه العلوم إما إن يكون باطلا و إما أن يكون تطويلا لا يخلو من أخطاء تعوق الطريق عن الوصول إلى الحق. اصطلاحاتها واللغة التي تقوم عليها لا يحتاج إليها العقلاء ولا طلب العقلاء يكون موقوفا عليها ولا سيما من أكرمهم الله بأشرف اللغات الجامعة لأكرم مراتب البيان المبينة لما تتصوره الأذهان بأوجز لفظ وأكمل تعريف.
المعرفة لا تتوقف على هذه العلوم فعلوم الناس عامتهم وخاصتهم حاصلة بدون هذه العلوم، والأنبياء لا ريب فى استغنائهم عنها وكذلك أتباع الأنبياء من العلماء والعامة، فالقرون الثلاثة الأولى من هذه الأمة الذين كانوا أعلم بنى آدم علوما ومعارف لم يكونوا يعرفوها ولا ابتدعوها فلم تكن الكتب الأعجمية الرومية عربت لهم ولكنا حدثت بعدهم . وهذه العلوم فى عامتها لا تشفى عليلا ولا تروى غليلا، ومن ثم لا يحتاج إليها الذكي ولا ينتفع منها البليد، وهى على العموم قليلة الفائدة إما لكثرة الحشو فيها وطولها وإما لفسادها، وإما لعدم تميزها لما فيها من الإجمال والاشتباه، وهى لا تتضمن إلا كلاما مزخرفا مزينا محسنا يقوم على التلبيس والتمويه يمكن الإستغناء عنه.
إن كانت تتضمن علما فإن هذا العلم يمكن أن يحدث يدونها، وإن كان بعض الناس يستفيد منها فإن هذا لا يحدث لأكثر الناس.
إنها تبعد العقول عن العلوم والأعمال النافعة مما يضر بالكثيرين منهم ويسد عنهم طريق العلم الحقيقي ويوقعهم في الضلال والجهل، لسلوكها طرقا معقدة مستخدمة ترسانة ضخمة من الإصطلاحات الغامضة لا تؤدى إلا إلى إضاعة الوقت وشغل الناس عما لا ينفع وتثبت الجهل الذى هو أصل النفاق في القلوب حتى وإن ادعت أصل المعرفة والتحقيق.
والذين يمارسون هذه العلوم هم أكثر الناس شكا واضطرابا، وأقلهم علما وتحقيقا وأبعدهم عن تحقيق علم موزون، وإن كان فيهم من يحقق شيئا من العلم فذلك ليس لصحتها وإنما لصحة المادة والأدلة التي ينظر فيها وليس لأجلها ذاتها.، وموضوعاتها في جملتها تحتوى على أمور فطرية عقلية لا تحتاج إلى اصطلاحات خاصة. والمشكلة الكبرى في أرباب هذه العلوم أنهم يستجهلون كل من لم يشاركهم فيها حتى وإن كان إيمانه أفضـل من إيمانهم إذا كان فيه قصور في البيان والذكاء، ويرون كل مالم يتم الوصول إليه من غير علمهم ليس بعلم. أي أنها ترى أن العلم الذي يجب تصديقه ليس بعلم، وتجعل ما هو باطل وليس بعلم علما.
5- شريعة الإسلام ومعرفتها ليست موقوفة على شيء يتعلم من غير المسلمين أصلا وإن كان طريقا صحيحا.
كل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم يمكن العلم به بالطرق التي كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يسلكونها ولا يحتاجون معها شيء آخر، وإن كان كثير من الناس قد أحدثوا طرقا أخر ويظن كثير منهم أنه لا يمكن معرفة الشريعة إلا بها فهذا من جهلهم، مثال هذا من يظن أن العلم بالقبلة لا يمكن إلا بمعرفة أطوال البلاد وعروضها. وهو وإن كان علما حسابيا صحيحا يعرف بالعقل، إلا إن معرفة المسلمين بقبلتهم ليست موقوفة على هذا. ف 9/215.
من أخذ الشريعة عن غير ما صح عن صاحب الشريعة الذي أرسله الله تعالى بها واتبع من لم يأمره الله تعالى بإتباعه فقد خسر وبطل عمله، وكل حادث غير ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم باطل مفترى والباطل فرض اجتنابه.
6- كل ما ليس له علاقة بالعقيدة لا يعتبر من العقيدة.
يرتبط السلوك الإنساني بمفاهيم الإنسان عن الحياة، فهو يكيف سلوكه في الحياة بحسب مفاهيمه عن الأشياء.. ومن هنا إذا أردنا أن نغير سلوك الإنسان، من سلوك متدن إلى سلوك راق، علينا أن نغير مفاهيمه أولا. يقول تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
والذي يوجد هذه المفاهيم هو الفكر الذي يحمله هذا الإنسان. ويتميز الإنسان عن خيره بما يحمله من فكر أي بما عنده من مبدأ أو عقيدة. والعقيدة هي فكرة كلية عن الحياة والكون والإنسان. و ما قبل الحياة وما بعدها، وعن علاقة هذه الحياة بما قبلها وما بعدها. هذه الفكرة الكلية، وهى القاعدة التى تبنى عليها جميع الأفكار عن الحياة.
واقع العقيدة الإسلامية هو أنها فكر أساسي - لأن معنى كونها عقيدة أن تتخذ مقياسا أساسيا لغيرها، فإذا لم يكن الفكر أساسيا لا يعتبر من العقيدة فكل فكر من أفكار هذه الفكرة الكلية هو من العقيدة. كل ما يتعلق بالله وبيوم القيامة، وبخلق العالم وما شابه ذلك هو من العقيدة، وكل ما لا علاقة له بذلك لا يعتبر من العقيدة.
الفكر مقيد بالعقيدة والفعل مقيد بالأحكام الشرعية:
الذي يعين الفكر كونه من العقيدة أو من الأحكام الشرعية هو دليله الشرعي، فإذا كان الدليل خطابا متعلقا بأفعال العباد كان حكما شرعيا، لأن الحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد. وإن كان غير متعلق بأفعال العباد فهو من العقيدة. ما طلب الإيمان به أو كان ممالا يطلب فيه العمل كالقصص والإخبار بالمغيبات فإنه من العقيدة، وما طلب فيه العمل فهو من الأحكام الشرعية. فقوله تعالى: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [النساء: 136]،وقوله تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الرعد: 16] وقوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ﴾ [مريم: 16] ، وقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ﴾ [القارعة: 4- 5]... كل ذلك من العقيدة لأنه غير متعلق بأفعال العباد، ولأنه مما طلب فيه الإيمان ولم يطلب فيه العمل. وقوله تعالى ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾ [البقرة: 275] وقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 6] وقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58] كل ذلك كان من الأحكام الشرعية لأنه متعلق بأفعال العباد.
7- مفهوم التوحيد يعنى أنه لا مكان للاستمداد والتلقي إلا من الله في كل شئون الحياة.
مفهوم التوحيد يعنى أن الألوهية تشمل شؤون الحياة الإنسانية في السر والجهر كما تشمل شؤون الكون، وأن الإعتراف بهذه الألوهية يستلزم الإستسلام لأحكامها وحدها في هذه الشؤون جميعا. وأن معنى أن العبودية ليست إلا لله وحده هو أنه لا مكان للإستمداد والتلقي إلا من الله سواء في شريعة أو نظام أو أدب أو خلق أو اقتصاد أو اجتماع أو معاملة أو سلوك. وهذا يعنى أنه لا مكان للتوجه لغير الله في شأن من شؤون الحياة وما بعد الحياة.
8- لا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لقول إلا لكتاب الله عز وجل ولا يستقر للعبد قدم في الإسلام حتى يعقد قلبه على أن الدين كله لله وأن الحق دائر مع رسول الله وجودا وعدما، وأن عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أكمل عقول أهل الأرض على الإطلاق وأنه هو الغاية في كمال العلم والأحرص على هدى الخلق، ومن ظن أن غير رسول الله اعلم منه كان من الملحدين لا من المؤمنين.
ولا يستقر للعبد قدم فى الإسلام حتى يعقد قلبه على أن الدين كله لله وأن الحق دائر مع رسول الله وجودا وعدما، وانه لا مطاع سواه ولا متبوع غيره، وان كلام غيره يعرض على كلامه فان وافقه قبلناه لا على أنه قاله بل لأنه أخبر به عن الله تعالى ورسوله، وان خالفه رددناه، ولا يعرض كلامه صلى الله عليه وسلم على القياسيين، ولا عقول الفلاسفة وغيرهم. الصوا 1/78. كما لا يستقر للعبد قدم فى الإسلام حتى يعقد قلبه على أن عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أكمل عقول أهل الأرض على الإطلاق، وأنه لو وزن عقله بعقولهم لرجحها. والرسول صلى الله عليه وسلم هو الغاية فى كمال العلم، والغاية فى كمال إرادة البلاغ المبين والغاية فى القدرة على ذلك. وعلمه بذلك أكمل العلوم، فكل من ظن أن غير الرسول أعلم بهذا منه، أو أحرص على هدى الخلق منه فهو من الملحدين لا من المؤمنين، والصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن سلك سبيلهم فى هذا الباب هم على سبيل الإستقامة. ف ج5/30-31.
9- حكم الله تعالى على من يزعم التوفيق بين الأدلة الشرعية وعقليات الأمور المأخوذة من المشركين وأهل الكتاب بالضلال والنفاق.
حكم الله عز وجل على كل من تحاكم إلى غير كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكان له نظر واجتهاد في عقليات وأمور وغير ذلك بالضلال، كما حكم بالضلال والنفاق على كل من يزعم التوفيق بين الأدلة الشرعية وبين ما يسميه هو عقليات الأمور المأخوذة من المشركين وأهل الكتاب وغير ذلك، ونعت الجميع بالكبر وأخبر أنهم لن يصلوا إلى مقصودهم وأمر المؤمنين بالإعراض عنهم. يقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [غافر: 35]. وقال تعالى في ألآية الأخرى: ﴿ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير ﴾ [غافر: 56]. والسلطان هو الحجة المنزلة من الله. كما قال تعالى: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ﴾ [النجم: 23]. وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ [النساء: 60 - 63]. درء 1/56.
10- من أعظم الأخطاء، خطأ إدراك حقيقة مسمى العلم الذي تتم به السعادة والرفعة، أو الجزم بأن العلم ينحصر فيما نتعلمه من الغرب وأنه هو الذي يحقق لنا السعادة والرفعة. إن هذا التصور يسد علينا طريق العلم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ثم الإعتقاد بأنه ليس في القرآن والسنة علم وأن أدلتهما لفظية لا تفيد علما ولا يقينا.
ويقول علماء السلف في ذلك " إن حقيقة ما معهم هو كلام وآراء، والعلم وراء الكلام والآراء، وفرق كبير بين العلم والكلام. الكتب كثيرة جدا والكلام والمقدرات الذهنية كثيرة، والعلم بمعزل عن أكثرها وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ". يقول تعالى: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ [آل عمران: 61] وقال كذلك: ﴿ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ﴾ [النساء: 166] أي فيه علمه وقال أيضا: ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ [البقرة: 120] ويستطرد العلماء في ذلك قائلين:" لما ابتعد الناس عن هذا العلم آل الأمر بكثير من الناس إلى اتخاذ هواجس الأفكار وسو انح الخواطر والآراء علما وملأوا بها الأوراق، وأضاعوا فيها أعمارهم حتى اسودت قلوبهم وصرحوا بأنه ليست في القرآن والسنة علم وأن أدلتهما لفظية لا تفيد يقينا ولا علما، وتمكن منهم الشيطان في هذا المدخل، وقد قيل لأحدهم الذين انشغلوا بهذه الآراء " لو حفظت القرآن كان أولى فقال وهل في القرآن علم؟ إن الدليل على أن هذه الآراء والنظريات ليست من العلم هو أنها ليست من عند الله لما فيها من التناقض والاختلاف ومصادمة بعضها البعض الآخر. وقال تعالى في ذلك: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82] (الفوائد لابن القيم 191-194).
خامسا: التعقيب على قول الأستاذ الدكتور إبراهيم رجب
التعقيب على قول الأستاذ الدكتور إبراهيم رجب بأن ما طلب الخليفة المامون نقله من الملك جورج الاول هو الفلسفة وليس العلوم الاجتماعية.
من الأمور المسلم بها أن العلوم كلها انفصلت من الجذع الاول المشترك وهو الفلسفة ثم شهد التاريخ المعرفي للإنسان انفصالاً للعلوم عن الفلسفة الأم .
جعل أفلاطون الفلسفة تستوعب موضوعات الطبيعة والنفس والأخلاق وما وراء الطبيعة.
يقول أرسطو:" أن كلمة فلسفة "تشير إلى كل ضروب البحث العلمى أو المعرفة العلمية، فكانت مرادفة للعلم بمعناه العام. والفلسفة هى النظام الكلي الذي تتوحد فيه كل المعارف. إنها المعرفة التي تشمل كل المعارف وكل الفنون على حد سواء. فالفيلسوف على حدّ تعبير أرسطو كان يمتلك كل المعارف في حدود الإمكانيات المتاحة، وهذا يعني أن الفيلسوف كان في الوقت عينه رياضيًا وفيزيائيًا وكيميائيًا ومؤرخًا.. وبذلك فإن النظرة إلى الفلسفة من حيث أنها معرفة كلية شمولية استقرت خلال عقود طويلة من الزمن.
أن العلوم كلها قد انفصلت عن الفلسفة، حسب الترتيب التالي:
ظهرت الرياضيات والفلك منذ العصور القديمة وظهرت الفيزياء في القرن السابع عشر مع جاليليو وظهرت الكيمياء في نهاية القرن الثامن عشر مع "لافوازييه"، وظهرت البيولوجيا مع كلودبرنارد، وأخيرًا ظهرت العلوم الإنسانية مثل علم النفس وعلم الاجتماع. ففي القرن التاسع عشر أسس "ريبو" علم النفس، وفيه كذلك أسس "دوركهايم" قواعد علم الاجتماع، وأصبحت العلوم الإنسانية تفرض نفسها كعلوم ذات موضوعات متخصصة وتقنيات وطرائق خاصة تحاول أن تستلهم الطرائق المستخدمة في العلوم الفيزيائية.
وذهب بعض الباحثين إلى أن الفلسفة هى علم الإنسان، وأنه لا يمكن أن تكون ثمة فلسفة بدون فهم الظواهر النفسية ولا يمكن الاهتمام أن يقوم تفلسف بدون الاهتمام بمشكلات السلوك والإرادة والحرية والسعادة...الخ.
يذهب بعض الباحثين إلى أن الفلسفة هى علم الإنسان، وأنه لا يمكن أن تكون ثمة فلسفة بدون فهم الظواهر النفسية ولا يمكن الاهتمام أن يقوم تفلسف بدون الاهتمام بمشكلات السلوك والإرادة والحرية والسعادة...الخ.
سادسا: التعقيب على رأى الدكتور محمد النحراوى
التعقيب على رأى الدكتور محمد النحراوى بأن الأخذ من العلوم للاجتماعية يقوم على قاعدة أن الأصل فى الأشياء الإباحة:
1- تقول هذه القاعدة بالضبط أن الأصل فى الأفعال التقيد بالحكم الشرعى فلا يقام بفعل إلا بعد معرفة حكمه. والأصل فى الأشياء الإباحة مالم يرد دليل التحريم.
2- المسلم مأمور بتسيير أعماله حسب أحكام الشرع. قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ [النساء: 65]. وقال: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7] فالأصل فى المسلم أن يتقيد بأحكام الشرع.
3- القاعدة الشرعية هى " لا شرع قبل ورود الشرع" أآ لاحكم لأى مسألة قبل ورود حكم الله فيها فقبل أن يرد حكم الله فيها لا تعطى أى حكم. أى لاتعطى حكم الإباحة.
4- الإباحة إذن حكم شرعى لا بد أن يثبت بخطاب الشارع وإلا لا تكون حكما شرعيا. لأن الحكم الشرعى هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد، فكل ما لم يرد فيه خطاب الشارع لا يكون حكما شرعيا.ومن هنا ليست الإباحة هى عدم ورود شيئ يحرم بل هى ورود دليل شرعى على المباح. أى ورود التخيير بالفعل وعدمه من الشارع. ولهذا فإن الأصل هو التقيد بالحكم الشرعى وليس الأصل هو الإباحة.
5- يقول الشاطبى " ليس هناك شيئ مسكوت عنه فهو إما منصوص، وإما مقيس على منصوص، والقياس من جملة الأدلة الشرعية.فلا نازلة إلا ولها فى الشريعة حكم فانتفى المسكوت عنه. إن خلو واقعة من حكم الله محال الوقوع شرعا وإن كان جائزا عقلا.
6- يتخرج من هذه القاعدة قاعدة أن الأصل فى المنافع الإذن وفى المضار المنع. هذه القاعدة بمثابة القيد على القاعدة الأم، لأنها تنص على أن شرط الحكم بالإباحة أن تكون نافعة، فإن كانت ضارة فهى محرمة. وكون الشيئ نافعا أوضارا لا يكون إلا من خلال استقراء مقاصد الشرع، لأنه ليس كل ما فيه مصلحة مأذون فيه شرعا. فالمصلحة والمنغعة هى التى يقررها الشرع.
سابعا: التعقيب على القول بجواز الأخذ من العلوم الاجتماعية
التعقيب على القول بجواز الأخذ من العلوم الاجتماعية استنادا على أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل المسلمين الأوائل إلى النجاشى ملك الحبشة رغم أنه نصرانى.
لم يرسل الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى النجاشى لأنه رجل نصرانى ولكن لأنه "ملك عادل صالح" و"أنه ملك لا يُظلم عنده أحداً"، ويقال عنه أنه كان عبداً صالحاً لبيباً زكياً، عادلاً عالماً.
عندما توفى النجاشي نعاه الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" : قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": " مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة". فصف بهم وكبر أربع تكبيرات وقال العلماء أنه صلي عليه لأنه كان يكتم إيمانه عن قومه فلم يكن عنده يوم وفاته من يصلي عليه عقب عودة المسلمين من الحبشة، فصلى الرسول "صلى الله عليه وسلم عليه" صلاة الغائب، ويقال أن وفاته كانت في رجب السنة التاسعة من الهجرة.
ثامنا: التعقيب على ما أثاره الدكتور عادل عن علاقة العلم بالدين.
الأصل أنه لا شيئ من العلوم يمانع أساس الدين وينكر وجود الله:
1- يعرف العلم بأنه معرفة مضمون قضية من القضايا، وهو يشتمل على معنيين:
الأول: هو المعرفة الجازمة سواء أكانت مبنية على البداهة أو المشاهدة أو على معرفة سببها فيدخل فيه ما علم بالبداهة مثل " الكل أعظم من الجزء"، وما علم بالحواس، وما علم بالدليل العقلى.
الثانى: اسم لكل علم من العلوم المدونة مثل الهندسة والطبيعة والمنطق وأًصول الفقه وأصول الدين وغيرها.
العلم بالمعنى الأول مؤيد للدين. أما العلم بالمعنى الثانى فكل علم من العلوم المدونة يشتغل بخاصة نفسه أى يحكم فى المسائل التى تتعلق بموضوعه، ويقف فيما وراء ذلك على الحياد لا يثبت ولا ينفى ولا يدعى لنفسه حق الحكم فيه ويقول فيه لا أدرى.
الخلاصة: أن العلوم منها ما يؤيد الدين ومنها ما يحايده لعدم دخوله فى موضوعه، ولا شيئ من العلوم يمانع أساس الدين وينكر وجود الله.
2- بدأ الصراع بين الدين العلم حين هاجمت الكنيسة العلماء الذين قالوا بكروية الأرض وهددتهم بالحرق أحياء في الأفران وكانت الكنيسة هي المعتدية بلاشك، وكانت حماقة شنيعة منها أن تقف هذا الموقف من أمور علمية بحتة، يخطئ العلما ء فيها أو يصيبون ولكنها تظل في دائرة العلم لا يتدخل فيها " رجال الدين " لأن الدين الصحيح لم يحرم البحث العلمي، وإنما لفت نظر البشر إلى آيات الله في الكون، وقال لهم تفكروا فيها وتدبروا لتعرفوا قدرة الخالق العظيم، دون أن يقيدهم بنظرية معينة في تفسير ظواهر الكون بل ترك ذلك للعقل البشري يحاول فيه بقدر ما يطيق.
3- هناك فارق بين التأثر بثقافة الآخر والإنتفاع بها. فالتأثر بالثقافة يعنى دراستها وأخذ محتويات أفكارها وإضافتها إلى الثقافة الأصلية، إما لوجود أوجه تشابه بينهما وإما لاستحسانها. ويؤدى التأثر بالثقافة إلى الإعتقاد في أفكارها وإلى إختلاط الأفكار مع بعضها وضياع الأفكار الأصلية منها. أما الإنتفاع بالثقافة فيبدأ بدراسة الثقافة دراسة عميقة ومعرفة الفروق بينها وبين الثقافة الأصلية، واستعارة المعاني والتشبيهات دون أن يتطرق التناقض للثقافة الأم ودون أخذ أو تبنى أفكار الثقافة الأخرى عن الحياة والتشريع بحيث لا تؤثر مطلقا على وجهة النظر في الحياة.
الذى حدث لباحثينا أنهم تأثروا بالثقافة الغربية واحتجوا بحماقة الكنيسة وقاموا بنقل فكرة الفصل بين الدين والعلم.
4- القاعدة هو لا ضير من الإنتفاع بجهود البشر فى العلوم البحتة علما وتطبيقا مع ربطها بالمنهج الإيماني من ناحية الشعور بها، وكونها من تسخير الله للإنسان ومن ناحية توجيهها والإنتفاع بها فى خير البشرية وتوفير الأمن والرخاء لها وشكره بتوجيه هذه المعرفة وهذا التسخير لخير البشرية. أما التلقي فى مسائل الإيمان والعقيدة وتفسير الوجود وغاية الوجود الإنسانى ومنهج الحياة وأنظمتها ومنهج الأخلاق والسلوك فلا يكون إلا من الله عز وجل.
وقد عبر عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فى معرض أخذ العلوم من الكفار بقوله " إذا ذكروا مالا يتعلق بالدين مثل مسائل الطب والحساب وما غايته الإنتفاع بآثار الكفار والمنافقين فى أمور الدنيا، فهذا جائز.. فأخذهم علم الطب من كتبهم مثل الاستدلال بالكافر على الطريق واستطبابه... وإن ذكروا ما يتعلق بالدين فإن نقلوه عن الأنبياء كانوا فيه كأهل الكتاب وأسوأ حالا" (الفتاوى 4/114)، كما أجاز العلماء - كما يقول الخراشى- الاقتباس من الكفار فى الأمور التى تنظم حياة الناس (كأنظمة المرور المعاصرة ونحوها مثلما اقتبس عمر رضي الله عنه الديوان ونحوها من الأمور التنظيمية) بشرط ألا يشهد الشرع ببطلانها، وألا تكون معارضة للنصوص الشرعية وألا تبعد الناس عن سلطان الإسلام.
5- العلوم الاجتماعية ليست علوما محايدة بل إنها علوم عقائدية. أقر بذلك عزت حجازى وغالى شكرى ونقله حيدر إبراهيم نقلا عن إدوارد سعيد. ويقول عادل حسين: أن النظريات الغربية نظريات عنصرية تقوم على الإحساس بالتقوق والهيمنة، وتبرر سيطرة الغرب على النظام العالمى. ويرى دوركايم أن الغرب هو الغاية الوحيدة للتقدم الإنسانى. وتقدم الغرب مسلمة من مسلمات ماكس فيبر. وأكد جاك بيرك أن علم الاجتماع علم استعمارى بطبيعته.
6- أكد العلماء الاجتماعيون على ان النظريات الاجتماعية توجه اتهامين للدين بصفة عامة وللمسيحية بصفة أولهما أن التعاليم الدينية ليست صحيحة وأن الدين يشجع على القيام بالعديد من الشعائر التى تحول دون رفاهية البشر. وخلاصة مانتهت إليه هذه النظريات الغربية أن الدين ليس بالشيئ الحسن ولا بالشيئ الحقيقى.
تاسعا: التعقيب على قول الدكتور سلامة
التعقيب على قول الدكتور سلامة بأن الأخذ من العلوم الاجتماعية يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم الحكمة ضالة المؤمن وبيان أنه ليس عند العلماء الاجتماعيين الغربية حكمة يمكن أخذها باعترافهم.
أنزل الله على الرسول الكتاب والحكمة كما قال: ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [البقرة: 129] وكان يذكر فى بيته الكتاب والحكمة وأمر أزواج نبيه بذكر ذلك فقال: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [الأحزاب: 34] فآيات الله هى القرآن والحكمة كما قال أكثر واحد من السلف هى السنة، وقال أيضا طائفة كمالك هى معرفة الدين والعمل به، وقيل غير ذلك وكل ذلك حق، فهى تتضمن التمييز بين المأمور والمحظور، والحق والباطل، وتعليم الحق دون الباطل وهذه السنة هى التى فرق بها بين الحق والباطل وبين الأعمال الحسنة من القبيحة والخير من الشر، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم:" تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدى إلا هالك " ف 19/ 175.
وعن حديث " الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها" يقال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها" رواه الترمذي. وجاء فى سنن ابن ماجه:" الكلمة الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها".
الحكمة فى كتاب الله نوعان: مفردة ومقترنة بالكتاب:
فالمفردة: فسرت بالنبوة، وفسرت بعلم القرآن. قال ابن عباس رضي الله عنهما هى علم القرآن: ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهة، ومقددمه ومؤخره، وحلاله وحرامه وأمثاله.
وقال الضحاك: هى القرآن والفهم فيه. وقال مجاهد: هى القرآن والعلم والفقه. وفى رواية أخرى عنه هى: الإصابة فى القول والفعل. وقال النخعى: هى معاني الأشياء وفهمها. وقال الحسن هى: الورع فى دين الله.
أما الحكمة المقرونة بالكتاب: فهى السنة، وكذلك قال الشافعي وغيره من الأئمة. وقيل هى القضاء بالوحي، وتفسيرها بالسنة أعم وأشهر. وأحسن ما قيل فى الحكمة: قول مجاهد ومالك: أنها معرفة الحق والعمل به، والإصابة فى القول والعمل. وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن والفقه فى شرائع الإسلام وحقائق الأيمان.
قال علماء الحديث بعد أن رووا الحديث بطرق متعددة:
وقَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ الْمَدَنِيُّ الْمَخْزُومِيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
وقال إبراهيم بن الفضل المخزومى المدنى و كنيته أبو إسحاق متروك.
وقال بعض علماء الحديث أنه مرسل و هذا المرسل لا ينجبر بالإسناد المتصل السابق من طريق إبراهيم بن الفضل لأن هذا الأخير شديد الضعيف.
وقيل أنه على سبيل المثل الدائر على الألسنة و ليس من قول النبى صلى الله عليه و سلم و الله أعلم.
الخلاصة: يقول محقق الحديث: أنى لم أعثر على إسناد نظيف أو متماسك نستطيع من خلاله أن ننسب هذا القول لأحد سواء كان من الصحابة أو التابعين أو حتى من غيرهم.. و الغريب حقا أن كثير من الوعاظ و الدعاة بل و بعض العلماء يرددون هذا الحديث و يرفعونه إلى النبى مع علم بعضهم بضعفه متعللين بقول من يرخص فى ذكر الأحاديث الضعيفة فى فضائل الأعمال.. مع أن الذين يقولون بذلك يشترطون ألا يكون الحديث شديد الضعف.. و لعلى بينت وهاء الأسانيد فيما وقفت عليه.. و الله أعلى و أعلم و ما كان من خطأ أو نسيان فمنى و من الشيطان.. و الله المستعان.
يعترف العلماء الغربيون أنفسهم يعترفون بأن ما لديهم ليس من الحكمة، وأن علومهم - المتعلقة بالإنسان والمجتمع - تحتوى على ترسانة ضخمة من المصطلحات الغامضة وأن مقولاتهم مقولات من الدرجة الثانية وأن ما لديهم هو نفس الذى يعرفه رجل الشارع، والفارق هنا هو أنهم " يعيدون صياغة ما يقوله كل أحد بطريقة لا يفهمها أى أحد" وأن علومهم ليست عالمية كما أنها لا تستند إلى قاعدة كافية عن سائر المجتمعات البشرية، وأن نظرياتهم ليست مختلفة فقط، ولكنها متضاربة ومتصارعة وذات قضايا مكررة وسطحية وغير متجانسة وليس هناك اتفاق عليها.وأنها رطانات لا تدعمها الحقائق، القليل منها هو الذى يعطى تفسيرا منطقيا جادا للقضية التى يتناولها، كما ليس لنظرياتهم قوة توجيهية وأنها غير قادرة على فهم المشكلات الواقعية ولا تستطيع تحديد مشكلة بطريقة منظمة ولا توجه جهدا لحل مشكلة.
وإذا كان هذا هو اعتراف علماء الغرب بأقلامهم فأين الحكمة التى يمكن أن تؤخذ منهم فضلا عن أن نستعين بما لديهم فى فهم إسلامنا بل نسعى إلى تجذيره فى تربتنا الإسلامية؟
عاشرا: التعقيب على ما جاء به الأستاذ الدكتور حمدى منصور
عاشرا : التعقيب على ما جاء به الأستاذ الدكتور حمدى منصور فى دعوته إلى استبدال مصطلح أسلمة المعرفة بعربنة المعرفة وأن يكون الأساس المعرفى لها هو تراث الفارابى وابن سينا وإخوان الصفا وابن رشد الذى تدرس آراؤه فى الجامعات الغربية.
من المسلم به أن أى بناء معرفى يجب أن يبنى على عقيدة صحيحة فإذا سلم الأساس سلم البناء كله. والمعروف أن حكم الأخذ من هؤلاء الأعلام هو أنهم إذا قالوا أمورا تتعلق بالطب والهندسة والحساب فيجوز الأخذ منهم لأن هذه العلوم تؤخذ من الكافر وغير الكافر أما فيما يتعلق بالفكر والدين فالمسألة تتوقف على مدى سلامة العقيدة عندهم.
الذى أجمع عليه علماء الإسلام هو فساد عقيدة هؤلاء الأعلام.
ابن سينا كفّره الغزالي في كتاب (المنقذ من الضلال) كما كفر الفارابى. ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان [2/291] قول الذهبي في ابن سينا: (فلسفي ضال) وزاد " لا رضي الله عنه " يقول ابن الحموي الشافعي: (وقد اتفق العلماء على أن ابن سينا كان يقول بقدم العالم ونفي المعاد الجسماني ولا ينكر المعاد النفساني ونقل عنه أنه قال: إن الله لا يعلم الجزئيات بعلم جزئي بل بعلم كلي فقطع علماء زمانه ومن بعدهم من الأئمة ممن يعتبر قولهم أصولاً وفروعاً بكفره وبكفر أبي نصر الفارابي من أجل اعتقاد هذه المسائل وأنها خلاف اعتقاد المسلمين) ونقل قول ابن الصلاح فيه: (لم يكن من علماء الإسلام بل كان شيطاناً من شياطين الإنس)ا.هـ.
قال ابن تيمية عنه: " وكان هو وأهل بيته وأتباعهم معروفين عند المسلمين بالإلحاد وأحسن ما يظهرون دين الرفض وهم في الباطن يبطنون الكفر المحض.
أما عن ابن رشد فقد كان هدفه الأكبر هو نشر فلسفة أرسطو الفيلسوف اليوناني المعروف ونصرتها، وإن كلفه الأمر محاولة إثبات أنها لا تعارض لا في جزئي ولا كلي الشريعة الإسلامية، والأساس عنده هو الحكمة أي الفلسفة لا الشريعة، وليس الأساس عنده هو الحكمة مطلقاً، أكثر التأويلات التي فعلها ابن رشد إنما هي تأولات للشريعة، وتفسير نصوصها بطريقة تخالف ما فهمه منها علماء الشريعة أنفسهم.وقد كانت تأولات الشريعة عند ابن رشد بطريقة حاصلها أن علماء الشريعة لم يفهموا حقيقة مراد الشريعة، وما نسبوه إليها من أفهام وأحكام في هذه المطالب إنما هي تقولات عليها، وكذب وتشويه لحقيقتها.
أما إخوان الصفا فلهم (رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا) التي أذاعوها بعد أن كتموا أسماءهم واستتروا وراء تلك الرموز الخفية التي وضعوها هنا وهناك من فصول كتاباتهم، واستهدفوا منها وضع برنامج للعمل السري الذي يستهدف القضاء على الإسلام ودولته وتأسيس دولة أخرى على أنقاض الدولة الإسلامية تضم العقائد الوثنية والمجوسية والإباحية التي نسقوها في جماع ركام الفكر البشري الزائف الممتد من فارس إلى الهند إلى اليونان.
وصفهم (أبو حيان التوحيدي) في كتابه (الإمتاع والمؤانسة) بأنهم (عصابة تألفت بالعِشْرة وتصادقت بالصداقة فوضعوا مذهباً زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله وذلك أنهم قالوا: إن الشريعة قد دنست بالجهالات، واختلطت بالضلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة ؛ لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية.
تعارض رسائل إخوان الصفا الإسلام فى عدة أصول أساسية:
1- إنكار البعث بالأجساد.
2- تفسير الجنة والنار والآخرة تفسيرًا مخالفاً لما تواتر عند المسلمين.
3- تفسير الكفر والعذاب تفسيراً باطنياً معنوياً.
4- قولهم بأن النبوة يمكن أن تكتسب عن طريق الرياضة وصفاء القلب.
5- قولهم بأن من ارتقى إلى علم الباطن سقط عنه التكليف واستراح من أعبائه.
6- محاولتهم صهر الأديان والعقائد كلها في صورة زائفة، ومن ذلك قولهم، الرجل الكامل يكون فارسي النسب، عربي الدين، عراقي الأدب، عبراني المخبر، مسيحي النهج، شامي النسك، يوناني العلم، هندي البصيرة، صوفي السيرة، ملكي الأخلاق "!!!.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: