البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

(123) علم الاجتماع: صياغة دينية لمعتوه فرنسي (*)

كاتب المقال د. أحمد إبراهيم خضر - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7313


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


أوَّل ما يجبُ الإقرارُ به هو أنَّ علمَ الاجتماع بالمعنى الأكاديمي الحديث الذي يُدرَّس في جامعاتنا - بما فيها الجامعات الإسلاميَّة - هو أوروبي النَّشأة، تأسَّس على يد معتوهٍ فرنسي اسمه "أوجست كونت"، لا ارتباطَ له بالإسلام ولا بابن خلدون، وما يجبُ الإقرار به ثانيًا هو أنَّ أفكار علماء اجتماع الغرب التي تُدرَّس في جامعاتنا - بما فيها الجامعات الإسلاميَّة - لا تنفَصِل مُطلَقًا عن التيَّارات الفكرية والأخلاقية السائدة في بلاد الغرْب، وثالثُ ما يجب الإقرارُ به هو أنَّ الأنشطة الفكرية والنظريَّات الكبرى لعلماء الاجتماع تمَّت في أثناء أزماتٍ سياسية واقتصادية كانت المجتمعات الغربية تمرُّ بها، وكان على علماء الاجتماع أنْ يقدموا لمجتمعاتهم صِياغةً نظرية تُمكِّنهم من تَخطِّي هذه الأزمات.

ويعني هذا جميعُه أنَّنا لا شأنَ لنا في بلادنا بأفكار هذا المعتوه، ولا بالتيَّارات السائدة في العالم الغربي، ولا بأزماته التي مرَّ بها، لكنَّ رجال الاجتماع في بلادنا كانوا أكثر عتاهةً من (كونت)، فقَبِلُوا المقولات التي نشَأت وتطوَّرت في هذه المجتمعات ومع أزَماتها، برغم أنها تقومُ على مُسلَّمات تشكَّلت في ظُروفٍ تختلف تمامًا عن ظُروفنا، ولم يكنْ هناك من مُبرِّرٍ لقبول هذه المقولات واعتبارها مُسلَّمات.

نشَأ علم الاجتماع في مناخٍ وظُروف لا شأنَ ولا دَخْلَ لنا بها؛ دِين وكنيسة تدعو إلى الرهبانية، وتمحق الطاقات التي تُؤدِّي إلى المحافظة على النوع، حياة رجال الكنيسة مليئةٌ بالفواحش والمُنكَرات، استَحوَذَ عليهم الجشَعُ وحبُّ المال، انحطَّت أخلاقهم وأخلاق باباواتهم، يبيعون المناصب والوظائف كالسِّلَع، يُؤجِّرون الجنة ويُصدِرون صُكوك غفران في الوقت الذي كانوا يَأمُرون الناس فيه بالحِرمان باسم الدِّين، كنيسة أدخلت كثيرًا من الخُرافات على الدِّين، مَن لم يؤمن بها يُطرَد من رحمة الربِّ، منَعت الناسَ من البحث في فهْم الكتاب المقدَّس وتفسيره، ادَّعت آراء ونظريَّات جغرافية وتاريخية وطبيعية مليئة بالخُرافات والأخطاء عن الكون والإنسان والحياة، جعلَتْها مُقدَّسة لا تُناقَش ولا تُصحَّح ولا تُجرَّب، يَكفُر مَن لا يؤمن بها، وحينما انفجرت العقلية الأوروبية، وحطَّم العلماء قُيود الكنيسة، وأثبتوا خطأ هذه النظريات - ثارت الكنيسة عليهم، وعاملَتْهم كملحدين وزنادقة، وأنشَأت لهم محاكِم تفتيش عاقَبتْ ثلاثمائة ألف منهم، وأحرقت اثنين وثلاثين ألفًا أحياء، قتلت (برونو)، وأحرقت (جاليليو) وغيرهما من الناس والعلماء [1].


كان منطقيًّا إذًا أنْ يَثُور الناس على الدِّين والكنيسة، وأن يفصلوا بين الدِّين والحياة، وبين الدِّين والعلم، وبين الدِّين والعقل، وكان منطقيًّا أيضًا أن تصبح العقلانية والعلمانية هي دينهم الجديد، وأن يقيموا الحياة والعلم على أساسهما، ولكن ما لنا نحن ومال هذا كله؟! الدِّين والعلم في الإسلام متساندان، والدِّين والعقل في الإسلام مُتَسانِدان، والدِّين والحياة في الإسلام لا ينفَصِلان، لكنَّ الببغاوات في بلادنا راحوا يقلدون الغرب في كلِّ شيء، ويدخلون جُحر كلِّ ضب يدخله؛ ففصَلُوا بين الدِّين والحياة، والدِّين والعلم، والدِّين والعقل، وتكشف لنا الفقرة التالية لرجال الاجتماع في بلادنا قمَّةَ هذا العته الذي وصلوا إليه في تقليد الغرب.

يقول عزت حجازي: "فربط سِيادة الدنيويَّة (العلمانيَّة) بسِيادة مبادئ المنفَعَة واللذة ربطٌ ظالِمٌ، لقد خلَّصت الدنيويَّة الإنسانَ الأوروبي من جبروت كنيسةٍ لا تعرف الرحمة، كانت أداةَ إقطاعٍ في سحْق جُموع الشعب، واضطهاد المعارَضة؛ لهيمنتها بغلظة ووحشية، فالدنيوية في تقديرنا علامةٌ من علامات تقدُّم الإنسان الحقيقي، وإنْ كان في تُراث الحضارة الأوربيَّة الغربيَّة ما يُساعِدنا على الخلاص من التخلُّف والتبعيَّة وتحقيق نهضة، فإنَّه يرتبط بهذه القيمة"[2].


نشَأ علم الاجتماع نتيجةً لتغيُّرات ثوريَّة دِراميَّة عنيفة في البيئة الفكرية والدينية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الأوربي في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ويعكس مصطلح (الثورة) هنا هذه الطبيعة الدراميَّة للتغيُّرات التي حدثت في أوربا، ويعني أيضًا الطبيعة العنيفة والحاسمة لهذه التغيُّرات، وبالرغم من أنَّ هذه التغيرات قد استغرقت عشرات السنين لكي تُصبِح واقعًا فعليًّا، إلا أنها لم تكنْ تحوُّلات مفاجئة بقدْر ما كانت عمليَّات تطوُّريَّة غيَّرت طبيعة العالم الاجتماعي الأوربي بشدَّة.

ثلاث ثورات كُبرَى نشَأ في ظلِّها علم الاجتماع: ثورة (اقتصادية) قضَتْ على بَقايا نظامٍ اقتصادي قديم، وظهرت فيها الصناعات ذات الحجم الكبير، لكنَّ أهمَّ آثار هذه الثورة سُقوط سُلطة الدِّين واهتزاز بناء الأسرة، وثورة (فكرية) أُطلِق على أصحابها (فلاسفة التنوير)، وهم رجالٌ قدَّسوا العقل، وسحَقُوا الدِّين والأسرة؛ لأنهما غير منطقيَّيْن في نظَرِهم ولا يتَّسِقان مع العقل، لم يَرَ هؤلاء الرجال أنَّ فهْم الإنسان والمجتمع ممكنٌ بالرُّجوع إلى الدِّين؛ وإنما بالرُّجوع إلى نموذج "نيوتن"، أدخَلُوا الإنسان والمجتمع تدريجيًّا في حقْل العلم، وكان ذلك نقطة البدء في الانقطاع عن الدِّين الذي كان يُسَيطِر عليهما، كان جُهْد هؤلاء الرجال منصبًّا على مهاجمة الدِّين، وتحرير الفكر من التأمُّلات الدينيَّة، وإخْضاع هذه التأمُّلات لميدان العقل.

تبنَّى رجال الاجتماع والمثقَّفون من العلمانيين وغيرهم في بلادنا أفكارَ التنوير هذه، وانخدَع السُّذَّج منَّا بالمعنى الظاهر والبرَّاق لكلمة التنوير.

أمَّا الثورة الثالثة، فهي (الثورة السياسية)، ويُقصَد بها هنا الثورة الفرنسية التي لا تزال إلى اليوم تَلقَى احترامًا وتبجيلاً واحتفالاً في عالمنا الإسلامي، فقد أثَّرت تأثيرًا بالغًا على كافَّة عُلَماء الاجتماع، استمدَّت هذه الثورة فِكرَها من فلسفة التنوير، فزَلزلت كيان الأسرة، وضرَبتْ سُلطة الأب على أولاده بعد البُلوغ، وحارَبت الرابطة الأبديَّة للزواج، وعادتْ تماسُكَ الأسرة كما عادَت الدِّين أيضًا، ونادَتْ بإلغائه أو إعادة تنظيمه، وجعلَتْه خاضعًا لسُلطة الدولة لا مهيمنًا عليها.

ونحن في بلادنا لا شأنَ لنا بهذه الثورات، وقد أقرَّ عُلَماء الغرب أنفسُهم بأنَّ الثورة الفرنسيَّة تنتَمِي إلى تاريخٍ خاصٍّ بها، وكانت مسبوقة بإنتاجٍ فلسفي خاص بها، ومرتكزة إلى بناء اجتماعي ليس له أيُّ وجودٍ في العالم الإسلامي، وأقرَّ "برنارد لويس" - أشدُّ المستشرقين دَهاءً في إخفاء حقده على الإسلام - بأنَّه لا يمكن العُثور في اللغة العربية على لفظ مرادف لكلمة ثورة "[3] Revolution".

نشَأ علم الاجتماع بعد أنْ تَمَّ التأليف بين تيَّارين كانا يَسُودان في أوربا؛ هما: التيار العقلاني والتيار التجريبي، وهما تيَّاران يخلعان ثقتهما العظيمة على العقل والملاحظة كوسيلتين لحلِّ مشاكل الإنسان والمجتمع، ويَرَيان أنَّ المجتمَع يخضَعُ لسنن طبيعيَّة وليس لسنن إلهيَّة، وأنَّه يمكن حَلُّ مشكلات المجتمع بالكشف عن هذه القوانين لا بالرُّجوع إلى الله خالق هذه القوانين.

كلُّ فكرة من أفكار علم الاجتماع تَسُود في عالمنا اليوم يمكن ردُّها إلى ثلاثة اتِّجاهات رئيسة تَضرِب بجذُورها في علم الاجتماع؛ الاتجاه الأول هو الاتجاه (الراديكالي)، المتأثِّر بفلسفة التنوير، لم يكن هذا الاتجاه مقبولاً في البداية، لكنَّه فرَض نفسَه اليوم، يُنادِي أصحاب هذا الاتجاه بتغيير النظام القائم بالثورة عليه.

والاتجاه الثاني هو الاتجاه (الليبرالي)، وهو اتِّجاه يَقبَلُ النظام القائم، ولا يرى في الثورة مصدرًا للحريَّة، هذان الاتجاهان علمانيان إلحاديَّان، يقول أولهما: إنَّ إعادة بناء أوربا والإنسانيَّة لا يجبُ أنْ يقوم على الدِّين، ويُنادِي الثاني بتحرير الفكر من الدِّين، ويرى أنَّ التقدُّم لن يتحقَّق إلا إذا تحرَّر عقل الإنسان ورُوحه من الروابط الدينيَّة.

أمَّا الاتجاه الثالث، فهو الاتجاه (المحافظ)، يقفُ على رأسه "أوجست كونت"، الذي أُصِيب بأمراض عضوية واختلالات عقليَّة، وكان مُتزوِّجًا من بَغِيٍّ يتستَّر عليها ويَحمِيها من الشرطة، ثم أحبَّ امرأة سجين فرنسي هامَ بها عِشقًا، وخرج على العالَم بدِين جديد، ونصَّب من نفسه (بابا) هذا الدِّين.

كان أوَّل اسمٍ قرَع رُؤوسَنا بشدَّة ونحن طلاب في أيَّامنا الأولى من علم الاجتماع، هو اسم هذا المعتوه الفرنسي، وكان أوَّل ما تعلَّمناه منه هو قانون المراحل الثلاث، هذا القانون الذي أطاحَ بعقل نجيب محفوظ، فخرَج علينا برواياته التي تُهاجِم الله والدِّين، والأنبياء والرُّسل، وعلماء الدِّين وشُيوخه بصورةٍ رمزيَّة يَصعُب على غير المدقِّق إدراكُها.

الذي كان يريدُ أنْ يقوله لنا "كونت" من هذا القانون هو أنَّ عهد تفسير ما يجري في هذا الكون بالرُّجوع إلى الله وإلى الدِّين - قد ولَّى ومضى، إنَّه عهدٌ يُمثِّل الإنسانية في طُفولتها، إنَّ هذه الإنسانية تقدَّمت الآن وتخلَّت عن مثل هذه التفسيرات، ولم تَعُدْ تؤمن إلا بالعلم.

كان من أخطر الدروس التي تلقَّيناها في صِبانا "انفصال الدِّين عن العلم وتعارُضهما"، علَّمونا أنَّ من الرجعية والتخلُّف أن نُفسِّر الظواهر الطبيعية والاجتماعية تفسيرًا دينيًّا، فلا مجال في دراسة علم الاجتماع لتفسير الأحداث بالرُّجوع إلى الله والملائكة والجن والشياطين، فهذا كلُّه من الغيبيَّات، ومن أمور الميتافيزيقا التي لا يعترف بها العلم؛ لأنها خُرافة في خُرافة.

تعلَّمنا الفلسفة الوضعيَّة التي تحدَّثَ عنها هذا المعتوه، والتي استَغرَق تأليفها اثني عشر عامًا، وكنَّا نتوهَّم أنها مجرَّد تطبيق المبادئ العلمية على دِراسة الظواهر الطبيعيَّة والاجتماعيَّة، ما كُنَّا نَعِي أنها فلسفة إلحاديَّة لا تضع مكانًا لله أو للدِّين في حركة الظواهر، إلا بعد أنْ كشَفَها الشيخ مصطفى صبري - يرحمه الله - [4] كُنَّا نرى أن الدِّين والعلم في الإسلام متساندان، وطالما أنهما فلسفة علميَّة، فهي لا تَتعارَض مع الإسلام، لم نكن وحدنا الذين خُدِعنا بهذه الفلسفة، سبَقنا شيوخ الأزهر الذين كانوا يمتَدِحونها، وعرَفنا من الشيخ مصطفى صبري أنَّ الشيخ فريد وجدي قد وقَع في شِباكها، وعرفنا من أساتذتنا في علم الاجتماع الذين كانوا يكتبون بفخرٍ عنها أنها كانت وراء كتاب علي عبدالرازق "الإسلام وأصول الحكم"، ووراء أفكار طنطاوي جوهري، وأنها أحد أسباب سُقوط الخلافة الإسلامية[5].

عرفنا أنَّ الفلسفة الوضعيَّة تَعنِي: إحلال الروح العلميَّة محلَّ الروح الدينيَّة، وعرفنا أنَّ علم الاجتماع قد حلَّ بهذه الفلسفة مشكلات الأخلاق والدِّين، بنى هذا المعتوه الدِّين والأخلاق على فلسفته الوضعية التي لم يَعُدْ بها حاجة إلى الاعتماد على الدِّين، عرفنا أنَّ الفلسفة الوضعية تفصل الأخلاق عن الدِّين، وأنَّ "كونت" حاول أن يصطنع أخلاقًا وضعية بعيدة كلَّ البعد عن أيِّ فكرة دِينية، وخالية تمامًا من أيِّ مصدر إلهي.

الله عندنا هو محور الكون، ومن الله عرَفنا أصلَ هذا الكون ومصيرَه، وجاء أساتذتنا ليُعلِّمونا ما تعلَّموه من هذا المعتوه من أنَّه يستحيلُ على العقل البشري أنْ يصلَ إلى مفاهيم مُطلَقة، وأنَّه حينما يصلُ إلى المرحلة الوضعيَّة سيُقلِع تمامًا عن البحث في أصل الكون ومصيره، وعن معرفة العلل الباطنة من الظواهر، ليبدأ في الاستخدام العلمي المنظَّم المعتمد على الملاحظة والبَرهَنَة للكشْف عن القوانين التي تحكُم حركة الظواهر.

أدرَكْنا استحالةَ التقاء علم الاجتماع مع الدِّين؛ لأنَّ أساتذتنا علَّمونا أنَّ تأخُّر علم الاجتماع في الظُّهور كعلم وضعي ما كان إلا لأنَّ موضوعاته كانت تخضَعُ للأفكار الدينيَّة.

تعلَّمْنا من هذا المعتوه أنَّ المطلق لا وجودَ له في العالم، وأنَّه ليس إلا فكرة زائفة لا يقبلها علمُه الوضعي المحصور في المعرفة النسبيَّة، فقد كان المطلق الوحيد عنده هو "أنَّ كلَّ شيء نسبي" [6].

تعلَّمْنا من هذا المعتوه أنَّ الدِّين مَرَّ بثلاثة أطوار: بدَأ أولاً بالحالة الوثنيَّة؛ وهي عِبادة الطبيعة والشمس والنجوم، ثم مرَّ بمرحلة تعدُّد الآلهة، ثم انتهى إلى مرحلة التوحيد، عبادة الأصنام والشمس كما تعلَّمناها من "كونت" هي الصورة الأولى لفجر الدِّين، وأنَّ مرحلة تعدُّد الآلهة كانت مرحلة اضمحلال وتقَهقُر للفكر الديني، وأنَّ التوحيد هو السبب في ازدياد هذا الاضمحلال والتقهقُر في الفكر الديني.

علَّمَنا هذا المعتوه أنَّ مهمَّة علم الاجتماع هي أنْ يكشف عن سلسلة التحوُّلات المتتابعة للعنصر الإنساني، الذي بدأ من مستوى لا يَرقَى عن مجتمعات (القِرَدة العُليا)، وتحوَّل تدريجيًّا إلى حيث يجد الأوربيون المتحضِّرون أنفسهم اليوم.

الأديان عند هذا المعتوه وُلِدت من الخُزَعبِلات القديمة، ورأى أنَّ الدِّين يجب أنْ يبقى شكلاً، لكنَّ محتواه لا بُدَّ أنْ يتغيَّر؛ ولهذا انشغل في أواخر حَياته بصياغة دِين عالمي بلا إلهٍ، أبقى فيه على الطُّقوس، وبدلاً من أنْ يتَّجه الناس إلى إلهٍ غير مرئي، فإنهم يتَّجِهون إلى الإنسانيَّة لعبادتها.

اختَرَع هذا المعتوه دِينًا جديدًا أسماه (دِين الإنسانيَّة)، وهو دِين تثليثي كالنصرانية؛ أقانيمه: الموجود الأعظم: وهو الإنسان، والوثَن الأعظم: وهو الأرض، والمحيط الأعظم: وهو الفضاء الخارجي المحيط بالأرض، الوثَن الأعظم ضحَّى بنفسه فعرَّضَها للتقلُّب والمذلَّة ليكون منشئًا للموجود الأعظم، فنحن مَدِينون له بالعبادة شكرًا، لكنَّ ممثِّل الكمال الأعلى - وهو الإنسان - هو الأحق لأنْ يُتَّخذ معبودًا، والإنسان عند هذا المعتوه هو أفضل من الله، وأجدر بالعبادة؛ لكونه مستفيدًا من محبتنا، ومحتاجًا إلى خدمتنا، ولأنَّه لا يحثُّنا بالمكافأة على أفعالنا، والمرأة هي أجدَرُ بالعبادة؛ لأنها محلٌّ لتحقيق أماني الصداقة والعشق، جعل لها هذا المعتوه أربعة وثمانين عيدًا نحتفل بها، وتسعة مَراسِم تقديس في السنة[7].

كان هذا الدِّين الشاذُّ لهذا الفرنسي المعتوه ثمرةَ حُبِّه لزَوجة السجين، أحبَّ كونت (كلوتيلد دي فو)، أشعَلَ حبُّه لها قلبَه، وأثَّر في أفكاره ولون فلسفته، وانتهى من هذا الحب إلى القول: إنَّ العالم لا يمكن خلاصه وانتشاله إلا بدِين جديد يغذي في قلوب الناس محبَّة الغير الواهنة، ويُقوِّيها بتمجيد الإنسانية واتِّخاذها دينًا جديدًا وموضوعًا للعبادة، قال "كونت" في إحدى رسائله إلى محبوبته (دي فو): "لقد بدَأت الوضعيَّة الدينيَّة فعلاً في لقائنا الأول يوم الجمعة 16 مايو عام 1845"[8].

أمضى "كونت" أيَّام كُهولته في ابتكار نِظامٍ مُعقَّد من الطُّقوس والصلوات لهذا الدِّين الجديد، واقترح تقويمًا جديدًا استبدل فيه بأسماء الآلهة الوثنية وقدِّيسي العصور الوسطى أبطال الرُّقِيِّ والتقدُّم الإنساني [9].

وبلغت قمَّة شُذوذ هذا المعتوه حينما عيَّن نفسَه البابا الجديد للإنسانيَّة، ودعا المسلمين إلى التخلِّي عن دِينهم ودُخول هذا الدِّين الجديد [10].

نما "كونت" في مونبلييه في أسرةٍ تقليديَّة كاثوليكيَّة، فقَدَ الإيمان وهو في السادسة عشرة من عمره، وتحوَّل إلى شابٍّ مُتحرِّر يقرأ لـ(فولتير)، ثم سعى إلى إبعاد الله باسم الدِّين، وكان يقول: إنَّه مستعدٌّ لتقدير (الله) تاريخيًّا؛ شرط الانتهاء منه ومن ذكره نهائيًّا [11].

وقبل أنْ تنتَهِي قصَّتنا مع هذا الصنَم الذي أقامَه لنا أساتذتنا، أقاموا لنا صَنَمًا آخَر كان تلميذًا نجيبًا لكونت، إنَّه (إميل دوركايم) الذي كنَّا نقرأ في صدر ما ندرسه من مُقرَّرات إهداءات أساتذتنا مُؤلَّفاتهم لرُوحِه، لم يكن دوركايم معتوهًا كأستاذه، وإنما كان يهوديًّا خبيثًا سليلاً لأسرةٍ من الأحبار اليهود، تعلَّم العبريَّة، درَس التوراة و"بروتوكولات حُكماء صِهيَوْن"، أراد له أبوه أنْ يكون رجلَ دِين كما أراد هو ذلك لنفسه، لم يحدثنا أحدٌ عن خلفيَّته وانعكاسات يهوديَّته على فكره إلا حينما قرأنا عن مُخطَّطات اليهود وسَيْطرتهم الفعليَّة على العالم، عرفنا فيما بعدُ أنَّ نسبة علماء الاجتماع اليهود في الولايات المتحدة إلى أعدادهم تزيدُ ستَّ مرَّات، وعرفنا أنَّ اليهود يهتمُّون اهتمامًا غير عادي بعلم الاجتماع، وأنهم عاقدون العزمَ على تفادي نشر القيم، وأنهم يجدُون في إجراءات العلوم الاجتماعية الملاذَ في ذلك.

قرأنا ما كتَبَه "دور كايم" عن الدِّين والأخلاق، لكنَّ أساتذتنا لم يكونوا يعلمون أنَّه ينفذ تعليمات البروتوكول السابع اليهودي، الذي يدعو على زرع الألغام لتهديم الأديان، واستبدال مفاهيم رياضيَّة ماديَّة بمفاهيم الناس عن الله والرُّوح، كلُّ ما أعمى أبصارنا وأبصار أساتذتنا هو أنَّ "دوركايم" عالِم فَذٌّ أرْسى دعائم هذا العلم، وأوَّل مَن حدَّد خصائص الظاهرة الاجتماعية، وأبرز المنهج العلمي في دِراستها.

كان أساتذتنا يَهِيمون إعجابًا بدوركايم، وكانت رسائل الماجستير والدكتوراه تعرض وتشرح وتُفسِّر بإعجابٍ شديد آراءه وأفكاره.

أجرى هذا اليهودي دِراسةً عن الدِّين في عشيرة أستراليَّة بدائيَّة، وخرج من دراسته هذه بنتائج قال: إنها نظرية صالحة للتطبيق على مختلف (المجتمعات) وفي مختلف (الأزمنة)، كانت هذه العشيرة التي درسها "دوركايم" تعبُد (التوتم)، والتوتم هذا هو اسمٌ أو رمزٌ أو شعارُ العشيرة، وعلم يُعبِّر عن شخصيَّتها ويميِّزها عن غيرها، ويعتبر أفراد العشيرة أنفسهم مرتبطين بفضل هذا التوتم برباط قرابة قوي لا يقوم على صِلات الدم أو المصاهرة، وإنما يقومُ على اشتراكهم في اسمٍ واحد، هذا الاسم الذي تحمله العشيرة هو اسم نوع مُعيَّن من النبات أو الحيوان أو الجماد، تعتقد أنَّ لها أوثق الصلات به، هذا النوع النباتي أو الحيواني هو التوتم، وهو ليس حيوانًا بالذات كالسلحفاة أو الكنجارو، وإنما هو معنى كلي يُمثِّلهما على وجه العُموم، ويرمز التوتم إلى قوَّة غيبيَّة، وهو صورة أو وجود مقدَّس، الإله التوتمي هو القوة الغيبية، والتوتم هو الصورة المادية لهذا الإله.

الذي تعلَّمناه من أساتذتنا - وهم يشرَحُون لنا هذه النظرية المدمِّرة للدِّين - هو أنَّ (التوتمية) هي الصورة الأولى للحياة الدينيَّة، وهي أقدم أشكال الدِّين، وأنها مظهر شامل يُفسِّر وجود الله والنفس والعالم من وجهة النظر الاجتماعيَّة، تعلَّمنا أولاً أنَّ (الألوهية) ترجع إلى أصل توتمي، تعلَّمنا ثانيًا أنَّ (الألوهية) ما هي إلا (فكرة)، وأنَّ هذه الفكرة ليست عنصرًا مميزًا للحياة الدينيَّة، وأنَّ الدِّين لم يبدأ (بالإله)، ثم تعلَّمنا ثالثًا أنَّ الألوهية كفكرةٍ متغيِّرةٌ من حيث الزمان والمكان، وأنَّ (فكرة) الله في ذاتها في حاجة إلى شروط الثبات والمعقولية، تعلمنا رابعًا أنَّ الله والمجتمع هما شيء واحد، وأنَّ الله هو المجتمع، وأنَّ المجتمع هو الكائن المطلق، هو الله الذي يتجلَّى في روح الجماعة؛ لأنَّه قوة متسامية، وقيمة متعالية، تحقق غايات إنسانيَّة، ومُثُلاً جمعيَّة، وتعلَّمنا خامسًا أنَّ حقائق الدِّين تصدر من المجتمع على اعتبار أنها مسائل اجتماعيَّة.

تعلَّمنا بصفةٍ عامة أنَّ المجتمع هو الذي يفرز الدِّين، وأن الدِّين ليس نسقًا من الأفكار المتعلِّقة بموضوع محدَّد، وأنه لا شيء اسمه السموُّ والخلود والقَداسة، كلُّ ذلك أفكار وردت إلينا من العالم الاجتماعي.

دعا هذا اليهودي - مثلما دعا إليه أستاذُه المعتوه - إلى قِيام دِين وضعي علماني، وكان يطمح في مجتمع علماني يُسَيطِر عليه ما يشبه الحماسة الدينية، الدِّين الحي عند هذا اليهودي هو الذي ينبثق من الحياة نفسها وليس بما يُسمِّيه بالماضي الميت.

وعند أوَّل فرصة أُتِيحت أمام هذا اليهودي لوضْع أفكاره موضع التطبيق، أسهم في إصدار أوَّل قانون فرنسي في عام 1882 يحظر إمداد الأطفال في التعليم الأولي بتعليم دِيني من سنِّ السادسة إلى الثالثة عشرة، وطبق ذلك في المدارس الفرنسيَّة بالفعل.

وبعد أنْ قضى هذا اليهودي على كلِّ تفكير صحيح في عقولنا عن الدِّين، جاء ليُدمِّر الأخلاق وكلَّ تفكير صحيح في عقولنا عنها، قال دوركايم: "إنَّ علينا أنْ نصنع أخلاقًا لأنفسنا... إنَّه لكي نستطيع إصدار حكم سليم على الأخلاق ونعطيها حقَّها الواجب من الفهْم، فعلينا أنْ ننطَلِق من مُعطَيات الحاضر... إنَّ الحل الأخلاقي للمشكلة الاجتماعية إنما يكون من خِلال التربية العلمانية، ولكي تمارس هذه التربية دورها بكفاءةٍ وفاعليَّةٍ لا بُدَّ من وجودٍ قوي ومتعالٍ مثل (الله)، وهو المجتمع... إلخ".

ولم يُخفِ دوركايم أبدًا تعلُّقه بالعلمانية، التي رأى فيها ضَمانًا للترابط الاجتماعي، وشكلاً من أشكال الاحترام المتبادَل.

سار هذا اليهودي متَّسقًا مع المبادئ الماسونية وأفكار "سان سيمون"، فقال: "إنَّ الإصلاح الأخلاقي في المجتمع لا يتمُّ إلا بالإلغاء التدريجي لنظام الميراث" [12].

وراحَ رُوَّاد علم الاجتماع في بلادنا بلا فهم ولا بصيرة يترجمون إلى العربية ما كتبه هذا اليهودي عن (التربية الخلقية)، بلا أدنى كلمة اعتراضٍ، ولا حتى مجرَّد تعليق، ركَّز دوركايم في هذا الكتاب على سحب الأخلاق من القاعدة الأساسيَّة التي ترتكز عليها، وهي الدين، ترجم هذا الكتاب (السيد بدوي)، وراجعه (علي عبدالواحد وافي)، الذي أدخَلَ علم الاجتماع إلى واحدةٍ من أهم جامعاتنا الإسلامية، ولم ينبس ولو بكلمة تحذيرٍ واحدة تتعلَّق بخطورة هذا الكتاب.

ويمكن حصْر أهم الأفكار الخَطِرَة في هذا الكتاب على النحو التالي:


أولاً: تعليم تلاميذ المدارس أنَّ الأخلاق لا تعتمد على الدِّين، وإنما على العقل؛ حتى يتمَّ تخليصهما ممَّا يسمِّيه بالتحجُّر والثبات:
يقول دوركايم: "لقد استقرَّ عزمنا على أن تكون التربية الخلقية التي نُلقِّنها لأبنائنا في المدارس ذات صبغة دنيويَّة محضة، ونعني بذلك التربية التي لا تستند إلى المبادئ التي تقومُ عليها الدِّيانات المنزلة، وإنما ترتكز فقط على أفكار ومبادئ يُبرِّرها العقل وحدَه؛ أي: إنها في كلمة واحدة: تربية عقلية خالصة.

الواقع أنَّ بناء الأخلاق على أساسٍ عقلي يخلِّصها من التحجُّر والثبات الذي تتعرَّض له منطقيًّا إذا استندت إلى أساس دِيني".

ثانيًا: بعد أنْ يتمَّ فصل الأخلاق عن الدِّين، ويتمَّ تجريد المبادئ الدينية من طبيعتها وتسند إلى العقل - يتمُّ البحث عن وسيلة لإشعار الأطفال بعدم صحة الرموز الدينية، وبعدم الرُّجوع إلى الدِّين:
يقول دوركايم: "ويجب ألا ننسى أنَّه بالأمس فقط كان الدِّين والأخلاق يرتكزان على دعامة واحدة؛ إذ إنَّ "الإله" - وهو محور الحياة الدينيَّة - كان أيضًا الضمان الأعلى للنظام الخلقي، يجب ألا نكتفي بما نقوم به من فصلٍ ظاهري بين الدِّين والأخلاق، بل يجب أنْ نذهب بعيدًا وأن نقصد رأسًا إلى لب المبادئ الدينية؛ لكي نبحث بين ثناياها عن الحقائق الأخلاقية المخبَّأة؛ لكي نعرف كنهها بلغة العقل، وخُلاصة القول: إنه يجب علينا الكشف عن الرموز العقلية لهذه الأفكار الدينيَّة التي ظلَّت لفترةٍ طويلة تجرُّ في ركابها أهمَّ الأفكار الخلقية، حين نشرع في إنشاء تربية أخلاقيَّة غير قائمة على الدِّين، فلا يكفي أنْ نحذف؛ بل يجب أنْ نبدِّل، يجب أنْ نكشف عن هذه القوى الأخلاقية التي لم يستَطِع الناس حتى الآن تصويرها إلا في صورة رموز دينيَّة، يجب أنْ ننزع عنها هذه الرموز ونبرزها في حقيقتها العقلية العارية - إنْ صحَّ التعبير - وأن نجدَ الوسيلة لإشعار الطفل بحقيقتها دون الرجوع إلى أي وسيط ديني".

ثالثًا: التأكيد في النظام التعليمي - بعد إعادة صهره - على الاستعاضة عن الوحي بالعقل:
يقول دوركايم: "يجب علينا أنْ نصهر نظامَنا التعليمي في بوتقة حتى نستخلص منه شيئًا جديدًا، ويجب أنْ نستعيض عن مصدر الوحي القديم الذي لم يَعُدْ يبعث في القلوب إلا صدًى ضعيفًا خافتًا بمصدرٍ آخَر".

رابعًا: اعتبار المجتمع هو غاية السلوك الأخلاقي بدَلاً من "الله":
يقول دوركايم: "المجتمع هو غاية السلوك الأخلاقي، وما دُمنا قد حرمنا على أنفسنا الاستعانة بالأفكار الدِّينية، فلن نجد كائنًا معنويًّا واحدًا يَسمُو على الأفراد ويمكن ملاحظته تجريبيًّا سوى ذلك الذي يكون الأفراد عند اجتماعهم، وأعني به المجتمع، إنَّ الكائن الذي توجه الأخلاق إرادتنا نحوه، وتجعل منه هدفًا أسمى للسلوك لن يتعدَّى واحدًا من اثنين: إمَّا الكائن الإلهي، وإمَّا الكائن الاجتماعي، أمَّا الفرض الأول، فنستبعده على أساس أنَّه بعيد عن متناول العلم، فلم يبقَ إلا الثاني، وهو يَفِي بكلِّ حاجاتنا، ويحقق كل أمانينا؛ إذًا فما من شيء يصلح هدفًا للنشاط الأخلاقي سوى المجتمع، هو النموذج، وهو المصدر لكلِّ سلطة أخلاقية"[13].

تأليه المجتمع وإحلاله مكان "الله" هو الغاية التي سعى إليها هذا اليهودي، الواجب الخلقي يَصدُر من المجتمع، الكائن الأخلاقي الأعظم هو المجتمع، السلطة الأخلاقية العظمى تصدر من المجتمع، الخير الأسمى لسائر الناس هو المجتمع، المثل الأخلاقي الأعلى هو المجتمع، غاية الغايات هو المجتمع، المشرِّع الوحيد للقيم هو المجتمع، إنه خالقها وحافظها والحارس الأمين لكلِّ خيراتنا وفضائلنا، وهكذا تعلَّمنا من أساتذتنا، عبدالعزيز عزت يُهدِي مؤلفه عن الفلسفة وعلم الاجتماع إلى روح دوركايم، ويُصدِر كتابًا خاصًّا عن "الأخلاق" يُلخِّص لنا فيه الأفكار التي تعلمها من هذا اليهودي، ومن عبدالعزيز عزت وغيره من أساتذة الاجتماع المحدثين أيضًا تعلَّمنا أخطر مبدأ تعرَّضنا له، وهو أنَّ "الأخلاق نسبية وليست مطلقة، وهي وضعيَّة أيضًا، وتعلَّمنا تبعًا لذلك أنَّ ما هو أخلاقي وفاضل في مجتمعٍ ما، قد لا يكون كذلك في مجتمعٍ آخَر، وأنَّ الأخلاق تختلف باختلاف الزمان والمكان".

نجَح اليهود في تدمير الأخلاق غير القائمة على الدِّين، وأسند إلى دوركايم أوَّل منصب أكاديمي في فرنسا؛ لنجاحه في تطوير أخلاق علمانيَّة على مستوى التعليم الفرنسي، كان مدير التعليم العالي الفرنسي على إدراك كامل باهتمامات دوركايم وسعيه نحو الأخلاق العلمانية؛ فقدَّم له منحة إلى ألمانيا في عام 1887، وعيَّنَه في جامعة بوردو ليقوم بتدريس العلوم الاجتماعية وعلم أصول التدريس [14].

أصمَّ أساتذتُنا آذانَنا بكتاب دوركايم عن "تقسيم العمل الاجتماعي"، ولو كنَّا قرأنا مقدمته بإمعانٍ؛ لفهمنا خطورة هذا المؤلَّف على ديننا وعقيدتنا؛ لتأكيده على انفصال الدِّين عن العلم.

يقول دوركايم في مقدمة هذا المؤلَّف: "يُعتَبَر هذا الكتاب محاولة مثمرة لمعالجة حقائق الحياة الأخلاقية طبقًا لمناهج العلم الوضعي"[15].

كان التأمُّل في حقائق الحياة مرفوضًا عند دوركايم؛ لأنَّ العلم - والعلم فقط - هو الذي سيساعدنا على تكييف أنفسنا للواقع، وعلى تحديد ما هو مثالي، وعلى معالجة المشكلات، وبلغت به الثقة في العلم إلى درجة أنه ادَّعى أن العلم قادر على ألا يقف صامتًا حتى أمام الأسئلة المتعلقة بالمسائل المطلقة.

أعمى هذا اليهوديُّ أبصارَ أساتذتنا عن إدراك أي شيء غير مقولاته، لم تمتدَّ عيونهم إلى أبعد من أقدامهم وهم في أوربا، فلم يعرفوا أنْ "هنري بونكاريه" رفَض الأخلاق العلميَّة، وقال: إنها لم تكن ولن تكون، لم يعرفوا تلازُم الدِّين والأخلاق عند "فيخته" وقوله: "إنَّ الدِّين من غير أخلاق عبث، والأخلاق من غير دين عبث"، ولم يعرفوا أنَّ "كانت" لم يرَ ضمانًا للأخلاق يوثق به غير الدين، هذا إذا افترضنا أنَّ الإسلام قد مات في قلوبهم وليس لهم إلا الغرب قبلة يعترفون بها.

جُحر الضب الذي دخَل فيه أساتذتُنا أظلَمَ عليهم، فلم يُدرِكوا معنى أنَّ تلاميذ دوركايم من الفرنسيين - وعلى رأسهم "جاستون ريتشارد" - قد جهروا بإلحاده، وأنَّ من المربِّين الفرنسيين أنفسهم مَن صرخوا مُعلِنين خطورة هذا اليهودي؛ هذا "جان إيزوليه" يقول: "إن تأثُّر علم الاجتماع الذي يدرس في مائتي معهد للمعلِّمين في فرنسا بآراء السيد دوركايم وحدَه، من أعظم الأخطار القومية التي تُهدِّد البلاد"[16].

لم ينمَحِ من ذاكرتنا ما علَّمَه لنا أساتذتنا من أنَّ الدِّين ظاهرة اجتماعيَّة، وأنَّه نشَأ اجتماعيًّا، ولم يدرس لنا ذلك في الجامعات فقط، بل كان يدرس في المدارس الثانوية أيضًا[17].

وراح الجيل الجديد من الأساتذة ينقلون فكْر دوركايم هذا من مصر إلى العالم العربي كلِّه، إلى أنْ وصَل إلى الجامعات والمدارس في مدن الجزيرة العربيَّة نفسها، الرَّعِيل الأوَّل من أساتذة الاجتماع في بلادنا هم من تلاميذ المدرسة الفرنسيَّة هذه، هضَمُوا واستوعَبُوا تمامًا فكْر كونت ودوركايم وعلَّموه لنا.

يقول الدكتور محمد الجوهري - أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة -: "دخَل علم الاجتماع إلى مصر من الباب الفرنسي في وقتٍ مبكِّر تحسدنا عليه الكثير من الدول النامية"[18].

وتَصِفُ الدكتورة علياء شُكري - أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس - عُنفَ تأثير المدرسة الفرنسية وفِكر دوركايم على جيلها وجيل أساتذتها، فتقول: "إنَّ المدرسة الفرنسية هي من بين كافَّة المدارس الاجتماعية التي طبعت تقاليد علم الاجتماع في مصر بطابعها، ففي فرنسا ومن فرنسا أُلقِيت أوَّل دروس علم الاجتماع على الطلاب المصريين أساتذتنا الأوائل؛ سواء مَن ذهب بنفسه يدرس هناك، أو مَن تلقى مبادئ هذا العلم وقضاياه ومشكلاته على يد أساتذة فرنسيين في السنوات الأولى من علم الاجتماع بالجامعة المصرية (جامعة القاهرة حاليًّا)، لقد تلقَّينا ونحن طلاب بقسم الاجتماع بجامعة القاهرة دُروسًا عميقة في علم الاجتماع الفرنسي وفي دقائق علماء الاجتماع الفرنسيين، لم يكن يَخطُر ببالنا يومًا أنَّ إميل دوركايم قد أخطأ في رأيٍ من آرائه، أو قصَّر في دِراسة موضوعٍ من الموضوعات التي تناولها، أو أنَّ البحوث الحديثة قد تجاوزَتْه وتجاوزَتْ مدرسته في بعض النواحي".

وفي فقرةٍ أخرى لا تدعُ مجالاً للشك عن الدور الخطير الذي لعبَتْه المدرسة الفرنسية في السيطرة على عُقول الجيل الثاني من رُوَّاد علم الاجتماع في بلادنا، تقول علياء شكري: "إنَّ الفكر السوسيولوجي في فرنسا فكرٌ أمين على تراث علم الاجتماع، وإنَّ على كلِّ مَن يتناول علم الاجتماع الفرنسي المعاصر أنْ ينطلق من مدرسة "دوركايم"، إنَّ علم الاجتماع الحديث يَدِين بنشأته بشكلٍ مباشر إلى إنجازات المدرسة الفرنسيَّة الحديثة المعاصرة، وإنَّه لا يتصوَّر أنْ يشرع الدارس في دُخول هذا العلم دون أنْ ينهل من تراث هذا الفكر الكلاسيكي الرِّيادي الذي عبَّد الطريق أمام أجيالنا المعاصرة".

وفي مقدمة كتابها عن علم الاجتماع الفرنسي المعاصر، كتبت علياء شكري ما لا يحتاج منَّا إلى أيِّ إضافة أو تعليق، تقول: "... وإنما نحن نُقدِّم على صفحات هذا الكتاب باللغة العربية - فيما أعلم - معالجةً شاملةً، وإن تكن غير كاملة لفكر بعض علماء الاجتماع من المفكِّرين الاجتماعيين الفرنسيين، وعلى رأسهم أستاذي الراحل "جورج جيرفتش"، و"كلود ليفي ستروس"، فالواقع أنَّ معظم الكتابات العربيَّة عن علم الاجتماع قد غمطت هذين العالمين حقَّيهما من المعالجة المفصَّلة، ومع إدراكنا لما ينطوي عليه فكر هذين "العملاقين" من "غموض وصعوبة" على التناوُل، إلا أنَّ اقتحام المغامرة وبذل هذا الجهد الشاق رسالة أحسست أنَّ واجبي الأول أنْ أتصدَّى لها، خاصَّة في دراسةٍ كهذه كرَّسْتُها لعلم الاجتماع الفرنسي، وهما بلا جدال في جيل ما بعد دوركايم أبرز وجهين على ساحة علم الاجتماع الفرنسي"[19].

ظلَّ تأثير المدرسة الفرنسية قائمًا على أساتذة الاجتماع حتى أواخِر السبعينيَّات على مختلف الجامعات المصرية، باستثناء جامعة عين شمس التي يسَيطِر على أساتذتها في علم الاجتماع الفكر الماركسي اللاديني، وأسهَمَ الأساتذة الأجانب بدورٍ كبير في تدعيم تراث دوركايم في مصر، ومنهم عالم الأنثروبولوجيا المعروف "رادكليف براون".

آتَتْ جهود المدرسة الفرنسيَّة في ضرْب الإسلام ثمارها على يد أحمد الخشاب - أستاذ الاجتماع الأسبق بجامعة القاهرة - نظَر الخشاب إلى العقيدة على أنها أهمُّ عائقٍ في صِياغة نظريَّة عربيَّة، وأسماها بالأيديولوجيَّة الغيبيَّة، التي تُعتَبر إطارًا مرجعيًّا لتفسيراتٍ تبريريَّة لعقليَّة تسلُّطيَّة رجعيَّة[20].

هذه كانت أولى الثمار؛ ظهور جيلٍ من أساتذة الاجتماع العرب العقلانيين، الذين يرَوْن أنَّ التصوُّر الديني لم يعد الإطار المرجعي الأساس للفكر، وأنَّ التصوُّر العقلاني للعالم يُخلِيه من كلِّ ما هو مقدَّس، ويجعله يتكوَّن من عناصر قابلة للتركيب والاستعمال.

ومن المعروف أنَّ التراث العقلاني يرتَبِط بظُهور الفكر العلماني والتشكيكي في كلٍّ من فرنسا وإنجلترا في القرن التاسع عشر، وأنَّ العقلانية تتناوَل الدِّين تناولاً علمانيًّا بحتًا، وتخضع كلَّ ما هو دِيني ورُوحي وغيبي لأدوات تحليل عقلانيَّة، تنفي من المبدأ التصوُّرات الغيبيَّة.

لم ينجَحْ فكْر دوركايم في ضرب مفهوم الدِّين عند أساتذة الاجتماع في بلادنا فحسب؛ وإنما شوه هذا المفهوم عندهم أيضًا، فحتى هؤلاء الذين رفضوا اعتبار الدِّين ظاهرة اجتماعيَّة، أطاحُوا بشعائر الدِّين بعيدًا، وقبلوا اعتبار الألوهيَّة "فكرة"، واعتبروا الدِّين تجربةً يُعانِيها الصوفي، وأنَّ الله لا يتَّصل إلا بالإنسان الفرد، ولا ينكشف إلا في عُزلة ميتافيزيقية أو خلوة روحيَّة بعيدًا عن المجتمع، حاوَل هؤلاء الهروبَ من دوركايم، فوقعوا أسرى لأفكار الفيلسوف الوجودي "كيركجورد"[21].

الذي أردنا أنْ نقوله هنا أنَّ تأثير المدرسة الفرنسيَّة لم يقفْ عند حدود روَّاد علم الاجتماع الأوائل في بلادنا، إنما امتدَّ إلى الأجيال العديدة التي تلَتْهم حتى أواخر السبعينيَّات من هذا القرن.

انشغَلَ الجيل الأول بنقل الفكر الأوربي - وخاصَّة الفرنسي منه - إلى المكتبة العربية، تأثَّروا جميعًا بالمدرسة الفرنسية والفكر الدوركايمي، وحينما قرؤوا "مقدمة ابن خلدون" صبوها في إطارٍ دوركايمي، وعكست كتبهم برمَّتها هذا التأثير الفرنسي، علي عبدالواحد وافي واحدٌ من أتباع مدرسة دوركايم، تتلمذ على يد "فوكونيه" تلميذ دوركايم، لم يَتجاوَز وافي ولم يخرج عن الدائرة الدوركايمية، عبدالعزيز عزت لم يكن أقلَّ حماسًا من وافي في خُضوعه لفكر دوركايم، السيد بدوي هو الذي ترجم "التربية الخلقية" لدوركايم إلى العربية، كما ترجم للعديد من مُفكِّري هذه المدرسة، ولا يخرج عن ذلك أيضًا مصطفى الخشاب، وحسن سعفان، وغيرهما من الروَّاد الأوائل.

هاجَم الجيل الحالي من رجال الاجتماع في بلادنا الروَّاد الأوائل، واتَّهموهم بالتخلُّف، وبأنهم لم يكونوا قادِرين على مواكبة التطوُّرات الحديثة، سواء على المستوى العالمي، أو على مستوى استيعاب الواقع المحلي وتغيُّراته، وصَفُوا عهدهم بأنَّه حالِك السَّواد.

يقول محمد الجوهري مُشِيرًا إلى عهد هؤلاء الروَّاد: "... ولكنَّ الليل لا يمكن أنْ يكون حالكًا دونما نهاية، ولا بُدَّ أن تقشع بعضَ ظلمات الليل خُيوطٌ ولو واهية من ضوء الفجر"[22].

ولم يكن ضوء الفجر هذا إلا ظلمات وليلاً أشد حُلكة وظلمة من ذلك الذي أغرقنا فيه الروَّاد الأوائل.

لكنَّ أبرز ما كشف عنه محمد الجوهري هو أنَّ هذه الظلمة وهذا الليل الحالك السَّواد قد غَزَا جامعاتنا الإسلامية بلا استثناء، بما فيها ما يُسمِّيه بالجامعات الدينية[23].

دخَل هذا الظلام الحالك إلى جامعة الأزهر، تسلَّل إلى كلية اللغة العربية، ووقعت في هدوءٍ أكبرُ كارثة أكاديميَّة لم يفطن أحدٌ إلى حجم خُطورتها حتى الآن، عندما اقتحم علم الاجتماع كثيرًا من شُعَبِ كلية أصول الدِّين، وبالذات شعبة العقيدة، وامتدَّ أخطبوطه إلى كلية الشريعة وكلية البنات بجامعة الأزهر، أيضًا لتمتَزِج العقيدة العقلية اليقينية المقطوع تمامًا بأنها من الله - عزَّ وجلَّ - بنظريَّات ظنيَّة تُمثِّل انعكاسات للواقع الشخصي لمنظِّريها، ويختلط ما جاء به الأنبياء والرسل بما قاله العلماء والفلاسفة، ويذهب نَقاء هذا الدِّين وصَفاؤه مع ترَّهات علماء الاجتماع، كما ذهَب مع الطهطاوي من قبلُ.

الدكتور علي عبدالواحد وافي التلميذ المخلص الوَفِيُّ للمدرسة الفرنسية في علم الاجتماع يَصِفُ "دوركايم" بأنَّه "الشيخ العلاَّمة" لهذه المدرسة، ويصف هذه المدرسة بأنها صبَّت علم الاجتماع في أسس قوميَّة وسليمة، وأنها قدَّمت مؤلفات قيمة، وأنَّ العلم بفضلها خطَا خطوات حثيثة نحو الكمال، ويصف أعضاء هذه المدرسة - وعلى رأسها أستاذه فوكونيه - بأنهم نابهون[24].

بهذه الخلفيَّة أدخَلَ وافي علمَ الاجتماع إلى واحدةٍ من جامعاتنا الإسلامية البارزة بعد أنْ خَبَتْ شعلة الأزهر، ووضَع بنفسه منهجه وخطَّته، وألقى فيه محاضرات عامَّة وخاصَّة، ولم ينسَ بالطبع الإشارة إلى أنَّ هذا العلم سيدرس من منطلق إسلامي، وفي ضوء تعاليم الإسلام وما يُقرِّره من أحكام.

وفي جامعة إسلامية أخرى - زُرتها بنفسي - وهالني ما رأيتُه من اختلاطٍ في فُصول الدراسة بين الطلبة والطالبات، ومن صورةٍ لفتاةٍ محجبة ترتدي البنطلون في سِباقٍ للجري منشورة في قلب تقويم الجامعة، والأخطر من هذا وذاك أنَّ الجامعة هناك دمجت بين العلوم الاجتماعية والعلوم الشرعيَّة في قسمٍ واحد، ويتخصَّص الطالب في واحدةٍ من هذه العلوم بعد قضاء عامين تقريبًا في دراسته لكليهما، كما هالَنِي أنْ وجدتُ أنَّ أكثر من ثمانين بالمائة من مُقرَّرات علم الاجتماع لا تختلف عن مَثِيلاتها، ليس في أيِّ جامعة أخرى علمانيَّة، بل في أيِّ جامعةٍ غربيَّة كذلك، وفي جامعةٍ إسلاميَّة ثالثة انتُدِبتُ إليها مرارًا لم يختلف وضْع المقرَّرات في علم الاجتماع عمَّا أشرنا إليه في سابقتها، وعاصَرتُ فترةً تظاهرت فيها الطالبات من أجْل الاختلاط.

وعن حقيقة هذا الذي تُحاوِل جامعاتنا ربطَه بالإسلام، يقرُّ علماء الاجتماع في الغرب بأنَّ دراسة علم الاجتماع لا تهزُّ المعتقد الديني فقط، بل إنها تقتله كذلك.

يعترف بنتون جونسون باهتزاز الأساس الفكري للعلاقة بين الدِّين وعلم الاجتماع منذ لحظة تأسيس العلم[25].

ويعترف "روبرت بيلا" بأنَّ محاضراته عن الدِّين أدَّت إلى أزمات حادَّة في الإيمان بين طلابه، وأصرَّ "بيتر بيرجر" على ضرورة أنْ يكون منطلق علم الاجتماع هو الإلحاد المنهجي، ويجب أنْ يبدأ العلماء عملَهم انطلاقًا من الإنسان لا الله، وبضرورةٍ أنْ يعترف عُلَماء الأديان بالنتائج الإلحاديَّة التي وصلت إليها العلوم الاجتماعية، إنَّ عليهم أنْ يُكيِّفوا أديانهم مع الفكر الحديث [26]، علمًا بأنَّ لـ"بيرجر" هذا أنصارًا حتى في جامعاتنا الإسلامية، وهناك مَن هو على وشْك ترجمة أعماله إلى العربيَّة.

وتكشف البحوث الأمريكية أنَّ الشباب الذي لا يرفض الدِّين ولا القيم التقليدية، يُحجِم عن دراسة علم الاجتماع؛ لأنَّه يرى فيه تهديدًا للأمن النفسي الذي يمنحه له الدِّين [27].

كما تَكشِف هذه البحوث أيضًا أنَّ علماء الاجتماع الذين لا يَزال للدِّين صَدًى في نفوسهم، كما عبروا عن ذلك في توجُّهاتهم النظريَّة، لم يروا أنَّ المستقبل الكامل للدِّين، وظلَّ (الله) ابتسامة باهتة في أعمال الكثيرين منهم.

يرى مُؤرِّخو علم الاجتماع أنَّ القرن التاسع عشر كان قرن التخلُّص من الله أو التفكير فيه ولكن بصورةٍ مختلفة، كما يرون أيضًا أنَّ الله قد اختفى وإنْ كان قد نظم العالم قبل اختفائه، وأنَّ علم الاجتماع قد ظهَر في هذه الظروف محددًا أهدافه في فهْم أبنية المجتمعات الجديدة، وما إذا كان من الممكن أنْ يعيش الإنسان بدون إله.

ومنذ بُزوغ الخيوط الأولى لعلم الاجتماع أُعِدَّ له أنْ يحل محلَّ الدِّين، وليكون دينًا جديدًا، وأُعِدَّ لعلماء الاجتماع أن يكونوا رُسُلَ هذا الدِّين الجديد وأنبياءه، هذا ما قاله تلامذة "سان سيمون" الثلاثة، وهم "بازار" و"أنفانتان" و"كونت" في محاضراتهم التي ألقوها في باريس [28].

وقد حمل الأمريكيُّون لواء هذه الدعوة من الفرنسيين؛ يقول الباحثون الأمريكيون: "إنَّ مُعظَم القضايا التي تدخُل في ميدان علم الاجتماع لها ما يُناظِرها في الدِّين، وإنَّ المسألة ليست مسألةَ تشابُهٍ في القضايا فحسب، بل تشابهًا في الأدوار التي يضطلع بها علماء الدِّين وتلك التي يضطلع بها العلماء الاجتماعيون".

ويقولون أيضًا: "ليس هناك مَن يُنكِر أنَّ العالم الاجتماعي يُمارِس نفس الدور أو الوظيفة الاجتماعيَّة التي يقوم بها رجل الدِّين الذي يقرأ المستقبل في أحشاء الثور، وإنْ كان العالم الاجتماعي يقرؤه من الرسم البياني أو من تقريرٍ ما من الكمبيوتر".

وقالوا ثالثًا: بصراحةٍ واضحةٍ: "إنه يمكن النظر إلى علم الاجتماع على أنَّه أحد الضرورات البديلة للأديان التقليديَّة، إنَّ أحد الطرق التي يمكن التصرُّف بها بعد اختفاء الله هو خلق آلهة أخرى، وتطوير وسائل جديدة للخَلاص ولإنقاذ البشريَّة، ووضع تصوُّر جديد لبناء مملكة الإنسان التي ستحلُّ محلَّ مملكة الله التي اختفَتْ، ومن هنا ظهَر علم الاجتماع كدِيانة علمانيَّة جديدة".

وقالوا رابعًا: "إنَّ المعرفة فقط هي التي توصل إلى إدراك الحقيقة، وهي أساس إنقاذ الإنسان وخَلاصه، ولهذا رفَض علم الاجتماع الإيمان بالدِّين منذ نشأته".

نفذ الأمريكيون وَصايا هذا المعتوه الفرنسي وزميليه، وشكَّل علماء الاجتماع هناك جماعة دينيَّة، ولكن هل نجحوا في ذلك؟

ليقرأ رجال الاجتماع في بلادنا هذه الحقيقةَ الْمُرَّة التي انتهى إليها علم الاجتماع في الولايات المتحدة، عبْر تعليق العلماء الأمريكيين الذين يُتابِعون حركة علم الاجتماع كدِينٍ جديد، يقول هؤلاء العلماء: "لقد كان لعلماء الاجتماع كطائفة تلبس ثوب الدِّين نظرةٌ منحرفة للعالم، كانوا يعتقدون أنها صحيحة، وحاوَلُوا إقناع الآخَرين بصِدقها، واقع الأمر أنهم لم يُحقِّقوا أيَّ نجاحٍ في هذا الإقناع خارج قاعات الدرس، وكانوا يُغَطُّون فشلَهم المستمرَّ بمحاولات تنظيم أنفسهم، وعرض المكتسبات التي حقَّقَتْها جماعتهم في نشْر عقيدتها، كما كتبوا العديد من المقالات عن مُغامَراتهم الناجحة في هداية الوثنيين، وبذَلُوا جُهودًا في توثيق ما يقولون بعقْد محاضرات ومؤتمرات وندوات ولقاءات سنويَّة لإقناع أنفُسِهم بذلك، ومع بداية الستينيَّات صدَّق علماء الاجتماع الأساطير التي نسجوها حول أنفسهم مع تزايُد فُرَصِ العمل أمامهم، ومع توافُر ميزانيَّات للبحوث، وفتح أقسام جديدة لعلم الاجتماع، لم يكن النجاح الذي حقَّقوه إلا انعكاسًا لفشلٍ حقيقي؛ ولهذا كان لا بُدَّ لهم من البحث عن كبش فداء يلقون اللوم عليه، يجعلونه مَرَّةً في فساد مُؤسَّساتهم وجمعياتهم، وأخرى في فساد التوجيه النظري، وثالثة في فساد الجامعات نفسها، صاغوا كلَّ ذلك فيما أسموه بأزمة علم الاجتماع، التي لم تكن في حقيقتها سوى مرحلة انتقالية نحو معتقدات جديدة بدلاً من المعتقدات الخاصة بدِينهم الجديد" [29].

(*)
الحلقة الثالثة من كتاب اعترافات علماء الاجتماع



الإحالات:


[1] قطب، سيد، المستقبل لهذا الدين، دار الشروق. القاهرة 1983 م، ص33 - 46.
[2] حجازي، محمد عزت، الأزمة الراهنة لعلم الاجتماع في الوطن العربي، نحو علم اجتماع عربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1986م، ص38.
[3] بادي، برتران، أثر الثورة الفرنسية في العالم الإسلامي، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، باريس، 1989م، عدد 119 ص1.
[4] صبري، مصطفى، موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، دار إحياء التراث العربي، بيروت الجزء الأول ص148-149.
[5] عيسى، محمد طلعت، أتباع سان سيمون وفلسفتهم الاجتماعية وتطبيقها في مصر، رسالة دكتوراه قُدِّمت لجامعة القاهرة، 1957 م، ص113.
[6] De Cappens, Peter Roche ,ideal Man in classical sociology, The pensylvania state uni press, 1976,pp.12-46.
[7] تابع: مصطفى صبري، ص148.
[8] لاكروا، جان، أوجست كونت؛ ترجمة: منى النجار الرافعي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ص89-90.
[9] Normano.J.F., Saint simon. And American social Forces oct.,1932,pp.8-14.
[10] تابع: طلعت عيسى، ص29.
[11] تابع: لاكروا، ص94.
[12] تابع De Cappens والتفصيلات الدقيقة عن دوركايم ص47 وما بعدها.
[13] بدوي، السيد، التربية الأخلاقية؛ لإميل دوركايم، راجع ترجمة علي عبدالواحد وافي، مكتبة مصر القاهرة، ص4 وما بعدها.
[14] clark T.Emile Durkkheim And the institutionalizaion of sociology in the French University System. Archieves d europeam de Sociologie.9.1. 1965 pp.37-17.
[15] Durkheim,Emile Divisim of habor in society,n.y.,1933,pp.32-35.
[16] علياء شكري، علم الاجتماع الفرنسي المعاصر، دار الكتاب للتوزيع، القاهرة 1979 ص36.
[17] من الكتب المدرسية التي يدرس فيها لطلبة الثانويات منذ زمن بعيد أنَّ الدين ظاهرة اجتماعية، كتاب مصطفى فهمي وآخرين، مبادئ علم الاجتماع، مكتبة النهضة المصرية القاهرة، الطبعة الأولى، القاهرة 1954، وغيره كثير.
[18] الجوهري، محمد، الكتاب السنوي لعلم الاجتماع، العدد الأول، دار المعارف - القاهرة ص7.
[19] علياء شكري، مرجع سابق، المقدمة.
[20] الخشاب، أحمد، الاجتماع التربوي والإرشاد الاجتماعي، القاهرة، ص495-496، وانظُر أيضًا مُؤلَّفه: في تاريخ التفكير الاجتماعي، ص8-13، (الدكتور أحمد الخشاب من أتباع المدرسة الإنجليزية أصلاً).
[21] إسماعيل، قباري أحمد، علم الاجتماع والفلسفة، دار المعرفة الجامعية الجزء الثالث ص155-158.
[22] الجوهري، مرجع سابق، ص8.
[23] تابع ص11.
[24] علي عبدالواحد وافي، علم الاجتماع، القاهرة 1966 الطبعة الثانية ص127-128.
[25] Johnson Benton, social Theory and the Religious Truth,Sociological Analysis 1977V.38,41,pp.368-388.
[26] Baum, symphony Commonal 1980,9, p.263.
[27] Glen, D.N. and Weiner, D. some trends in social origins of American sociologist,4,1969 p.300.
[28] Penguin books1975,p.69.Gouldner A.for sociology
[29] انظر مقالتنا: أزمة علم الاجتماع، مجلة المجتمع الكويتية، عدد 862-12 أبريل 1988 ص38-39.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

علم الإجتماع، نقد علم الإجتماع،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 30-07-2011  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  (378) الشرط الأول من شروط اختيار المشكلة البحثية
  (377) مناقشة رسالة ماجستير بجامعة أسيوط عن الجمعيات الأهلية والمشاركة فى خطط التنمية
  (376) مناقشة رسالة دكتوراة بجامعة أسيوط عن "التحول الديموقراطى و التنمية الاقتصادية "
  (375) مناقشة رسالة عن ظاهرة الأخذ بالثأر بجامعة الأزهر
  (374) السبب وراء ضحالة وسطحية وزيف نتائج العلوم الاجتماعية
  (373) تعليق هيئة الإشراف على رسالة دكتوراة فى الخدمة الاجتماعية (2)
  (372) التفكير النقدى
  (371) متى تكتب (انظر) و (راجع) و (بتصرف) فى توثيق المادة العلمية
  (370) الفرق بين المتن والحاشية والهامش
  (369) طرق استخدام عبارة ( نقلا عن ) فى التوثيق
  (368) مالذى يجب أن تتأكد منه قبل صياغة تساؤلاتك البحثية
  (367) الفرق بين المشكلة البحثية والتساؤل البحثى
  (366) كيف تقيم سؤالك البحثى
  (365) - عشرة أسئلة يجب أن توجهها لنفسك لكى تضع تساؤلا بحثيا قويا
  (364) ملخص الخطوات العشر لعمل خطة بحثية
  (363) مواصفات المشكلة البحثية الجيدة
  (362) أهمية الإجابة على سؤال SO WHAT فى إقناع لجنة السمينار بالمشكلة البحثية
  (361) هل المنهج الوصفى هو المنهج التحليلى أم هما مختلفان ؟
  (360) "الدبليوز الخمس 5Ws" الضرورية فى عرض المشكلة البحثية
  (359) قاعدة GIGO فى وضع التساؤلات والفرضيات
  (358) الخطوط العامة لمهارات تعامل الباحثين مع الاستبانة من مرحلة تسلمها من المحكمين وحتى ادخال عباراتها فى محاورها
  (357) بعض أوجه القصور فى التعامل مع صدق وثبات الاستبانة
  (356) المهارات الست المتطلبة لمرحلة ما قبل تحليل بيانات الاستبانة
  (355) كيف يختار الباحث الأسلوب الإحصائى المناسب لبيانات البحث ؟
  (354) عرض نتائج تحليل البيانات الأولية للاستبانة تحت مظلة الإحصاء الوصفي
  (353) كيف يفرق الباحث بين المقاييس الإسمية والرتبية والفترية ومقاييس النسبة
  (352) شروط استخدام الإحصاء البارامترى واللابارامترى
  (351) الفرق بين الاحصاء البارامترى واللابارامترى وشروط استخدامهما
  (350) تعليق على خطة رسالة ماجستير يتصدر عنوانها عبارة" تصور مقترح"
  (349) تعليق هيئة الإشراف على رسالة دكتوراة فى الخدمة الاجتماعية

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رافد العزاوي، فتحـي قاره بيبـان، د. أحمد محمد سليمان، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد بشير، صفاء العربي، د - محمد بنيعيش، أنس الشابي، محمد اسعد بيوض التميمي، أحمد بوادي، مراد قميزة، مصطفي زهران، صلاح الحريري، جاسم الرصيف، أحمد الحباسي، د- جابر قميحة، فهمي شراب، صالح النعامي ، محرر "بوابتي"، د - محمد بن موسى الشريف ، د - عادل رضا، تونسي، الهيثم زعفان، عزيز العرباوي، أ.د. مصطفى رجب، فوزي مسعود ، صفاء العراقي، عمار غيلوفي، سامح لطف الله، أبو سمية، عبد الله زيدان، د - شاكر الحوكي ، الناصر الرقيق، وائل بنجدو، عراق المطيري، سيد السباعي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. خالد الطراولي ، د.محمد فتحي عبد العال، ضحى عبد الرحمن، عبد الله الفقير، محمد الطرابلسي، منجي باكير، سعود السبعاني، أحمد النعيمي، فتحي الزغل، إسراء أبو رمان، د. مصطفى يوسف اللداوي، إيمى الأشقر، يحيي البوليني، محمد عمر غرس الله، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سلام الشماع، طارق خفاجي، سامر أبو رمان ، سلوى المغربي، عبد العزيز كحيل، د- هاني ابوالفتوح، مجدى داود، محمد يحي، علي الكاش، د. عبد الآله المالكي، سفيان عبد الكافي، المولدي اليوسفي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صباح الموسوي ، د- محمود علي عريقات، د- محمد رحال، إياد محمود حسين ، المولدي الفرجاني، طلال قسومي، عمر غازي، محمود سلطان، سليمان أحمد أبو ستة، أشرف إبراهيم حجاج، عبد الرزاق قيراط ، محمد الياسين، العادل السمعلي، رحاب اسعد بيوض التميمي، رافع القارصي، رشيد السيد أحمد، نادية سعد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، بيلسان قيصر، صلاح المختار، ياسين أحمد، د. صلاح عودة الله ، أحمد ملحم، محمود طرشوبي، يزيد بن الحسين، د - المنجي الكعبي، حسن عثمان، محمد أحمد عزوز، حميدة الطيلوش، محمد علي العقربي، كريم السليتي، كريم فارق، محمود فاروق سيد شعبان، حسن الطرابلسي، حاتم الصولي، خبَّاب بن مروان الحمد، مصطفى منيغ، علي عبد العال، الهادي المثلوثي، عواطف منصور، عبد الغني مزوز، د - صالح المازقي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - مصطفى فهمي، د - الضاوي خوالدية، د. عادل محمد عايش الأسطل، رمضان حينوني، فتحي العابد، د. طارق عبد الحليم، محمد العيادي، خالد الجاف ، محمد شمام ، رضا الدبّابي، ماهر عدنان قنديل،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة