د- جابر قميحة - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6097 gkomeha@gmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أصدر توفيق الحكيم في عام 1972 كتاب "عودة الوعي" مهاجمًا فيه جمال عبد الناصر بعنف.
وترتب على صدور هذا الكتاب ضجة إعلامية، حيث اختزل الحكيم موقفه من التجربة الناصرية والتي بدأت كما ذكر: يوم الأربعاء 23 يوليو 1952 حتى يوم الأحد 23 يوليو 1973، واصفًا هذه المرحلة بأنها كانت مرحلة عاش فيها الشعب المصري فاقدًا الوعي، وأنها مرحلة لم تسمح بظهور رأى في العلن مخالف لرأى الزعيم المعبود. وأعلن في كتابه أنه أخطأ بمسيرته خلف الثورة.
واقترح الحكيم بأن يقام لعبد الناصر تمثال ضخم تخليدًَا لذكراه بشرط أن يوضع في أكبر ميدان في تل أبيب. وتمنى أن يعود الوعي للشعب المصري في مواجهة عبد الناصر وظلمه وحوارييه.
**********
وإذا أردت أن أصف - في إيجاز شديد – حالة الوعي في عهد الرئيس المخلوع، امتدادًا للسنوات التي نقضيها بعده لقلت إننا نعيش سنوات " الوعي المفقود " وأتمثل في هذا السياق بالبرنامج الناجح الذي يقدمه - في فضائية تلفازية – الأستاذ ضياء رشوان بعنوان ( كلمة ومعنى )، فمن أيام طرح سؤالاً على المواطنين نصه : " ما هي السلفية ؟ ".... أجاب أحد الأفندية بسذاجة فاضحة " يعني تقصد أيه ؟... يعني دي حاجة عندنا ولا مش عندنا ؟... مش فاهم يعني فيهم الجماعة الإخوان ولا مش فيهم ؟ ". وأجابت سيدة – يبدو أنها محترمة جدًا – " السلفية... السلفية.... دي حاجة كتير قوي ".
هذا وغيره يدل على أننا نعيش بلا وعي، أو سنوات الوعي المفقود. ويرجع ذلك إلى أسباب متعددة. من أهمها :
1- ضعف الثقافة، وخصوصًا الثقافة الدينية.
2- تخلف التعليم في مصر، فهو من هابط إلى هابط.
3- ضعف الاقتصاد وسوء المستوى الاجتماعي والمعيشي الذي يعاني منه المواطن.
4- ضعف مستوى كثير من الدعاة الدينيين.
ففقدنا في التلفاز والقنوات الفضائية " الدعاة القمم " من أمثال محمد الغزالي، وعطية صقر، والدكتور محمد المسير، وكلهم في ذمة الله الآن.
والاضطلاع بمهمة الدعوة يقتضي أن يكون الداعية متحليًا بعدد من الصفات أهمها:
أ ـ أن يكون قدوة حسنة للآخرين في أقواله وأفعاله.
ب ـ أن يملك الداعية قدرًا كبيرًا من العلم، والفقه، والمعارف القديمة والمعاصرة، لتوظيفها لمصلحة دعوته.
ج ـ أن يكون قديرًا دقيقًا في عرض موضوعات الدعوة وفقًا لطبيعة البيئة التي يدعو فيها، أي يحرص على التوفيق بين معطيات الدعوة، واهتمامات المجتمع.
د ـ أن يتجنب في طروحاته مواطن الخلاف بين الفقهاء، وخصوصًا المتعلقة بالفرعيات.
هـ ـ أن يراعي المستوى العلمي والاجتماعي للمتلقين.
ومما يؤسف له أن نجد كثيرًا من الدعاة لا يعبر عن مضامينه إلا بالعامية، أما لغة القرآن فلا مكان لها عندهم. وبعضهم يتظرف بطريقة سمجة، ويتحدث بأسلوب العوام. وعلى سبيل التمثيل، نرى مشاهدة تسأل داعية مشهورًا : ما حكم الشرع في ابنتي التي طلقت مرتين ؟ فكان جوابه السمج ( بالعامية طبعًا في ركنه الأسبوعي ) : بسيطة يا ستي.... أتجوزها أنا ( !!!!! ).
وثالث يغرق المشاهدين ( باستعلاء مرفوض وحركات راقصة ) في مصطلحات لا مكان لها عند المشاهد، مثل التفريق بين الألوهية والربوبية.... إلى آخره.
**********
وقد كان الإمام الشهيد حسن البنا في منهجه الدعوي والخطابي مثالاً في اختيار موضوعاته، وطريقة معالجتها. وقد سمعته وأنا طفل صغير يتحدث إلى الجماهير في مدينة المنزلة، والمعروف أنها تقع على بحيرة المنزلة وأغلب أهلها يعملون في الصيد والبِحارة ( أي نقل البضائع وتسويقها والاتجار فيها عن طريق السفن الشراعية ).
وعلى مدى ثلاث ساعات أخذ يتحدث عن الإسلام مشبهًا الدين بالسفينة الشراعية : فجسم السفينة هو الأمة، ودفتها هي الحكومة، وشراعها هو الإيمان، وظل الجميع يستمعون إليه كأن على رءوسهم الطير، واستطاع كل من حضروا الحفل الحاشد أن يفهموا منطقه السديد.
وفي حفل أقيم له في بولاق – والمعروف أنها منطقة الفتوات الأشداء، وعلى رأسهم فتوة بولاق الشهير " إبراهيم كروم "، فأخذ الإمام الشهيد يتحدث عن قوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن حديث بعض الصحابة الذي يقول : " كنا إذا اشتد البأس في القتال وتحشرجت الصدور، وتقفعت الأصابع، وبلغت القلوب الحناجر.... اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ".
ويتحدث الإمام الشهيد عن " فتوة " المجتمع الجاهلي واسمه " ركانة "، وكيف تحدى رسول الله أن يصارعه، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم التحدي، ورفع ركانة إلى أعلى وألقاه في الأرض. قال ركانة " إن هذا لم يحدث معي أبدًا "، وأصر أن يصارع النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحطم غروره.
وقف إبراهيم كروم – فتوة بولاق – وبصوت جهوري أخذ يصيح ويصفق " اللهم صل على أجدع نبي ".
فالإمام الشهيد كان بارعًا في تخير موضوعاته، زيادة على ما يتسم به أسلوبه من : سهولة ووضوح وإشراق، مع الإكثار من الشواهد القرآنية والتراثية.
ألا ما أشد احتياج دعاتنا اليوم للمنهج الدعوي للإمام الشهيد حسن البنا... يرحمه الله.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: