د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5825
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَخْمًا مُفَخَّمًا، عظيمَ الهامَة، عريض الصدر، واسع الجبين، أبيض اللون مُشربًا حمرة، شديد سواد العينين، سهل الخدَّيْن، في حاجبيه دقَّة وطُول، ضليع الفم، في أسنانه دقَّة ورَوْنق، يبلغ شعرُه شحمةَ أذنَيْه، كَثَّ اللحية، مات ولم يبلغ الشيب في رأسه ولحيته عِشرين شعرةً.
كان عنقُه وكأنَّه صورة أو نقْش في نحو رخام أو عاج، بادِنًا متماسكًا، سَوَاء الصدر والبطن، أَشعرَ الذراعين والمنكبين، غليظ الكفَّين والقدمَيْن.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلوَ المنطق، خافض الطرف، نظَرُه إلى الأرض أكثر من نظَرِه إلى السماء، يَسُوق أصحابه ويبدأ مَن لقيه بالسلام.
وصَفَه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بأنَّه أجود الناس كفًّا، وأرحبُهم صدرًا، وأصدقهم لهجةً، وأوفاهم ذمَّة، وألينهم عَرِيكة، وأكرمهم عِشرة، مَن رآه بديهةً هابَه، ومَن خالَطَه أحبَّه.
كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- متواصِلَ الأَحزان، دائمَ الفكر، ليست له راحة، ولا يتكلَّم في غير حاجة، طويلَ السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بجوانب فمه، سهل رخو، ليس بالجافي ولا المَهين، إِذا أَشار أَشار بكفِّه كلِّها، وإِذا تعجَّب قَلبها، وإِذا تحدَّث يصل بها يضرب براحته اليمنى باطن إِبهامه اليسرى، إِذا غضب أَعرض وأشاح، وإذا فرح غضَّ طرفه.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سهلَ الخلق، ليِّن الجانب، ليس بفظٍّ، ولا بغليظ، ولا بصيَّاح ولا بعياب، يتغافل عمَّا يشتهي، لا يذم أحدًا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلَّم إلا فيما يرجو ثوابَه.
كان سكوته على أربع: الحلم والحذر والتقدير والتفكير، يُساوِي بين الناس في النظر إليهم والاستماع لهم، كان كثيرَ الصمت، إذا تكلَّم بكلمةٍ ردَّدَها ثلاثًا، لم يكن يسرد سردًا، فصلاً في كلامه، يفهمه كلُّ أحد، إذا خطب الناس أحمرَّت عيناه ورفع صوته واشتدَّ غضبه كأنه منذرُ جيشٍ.
كان رحيمًا بالصبيان، ويطلب منهم أنْ يستبقوا إليه فيستبقون فيقفون على ظهره فيُقبِّلهم ويلتزمهم، كان يَدخُل في الصلاة فإذا أراد أنْ يطيلها وسمع بكاءَ صبيٍّ تجوَّزَ في صلاته خشية شدَّة وجْد أمِّه من بُكائه.
بُعِثَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خِير قُرون بني آدم قرنًا فقرنًا حتى كان من خير قرنٍ كان فيه.
خرج على ناسٍ من أصحابه يومًا فسمع بعضهم يقول: عجبًا، إنَّ الله - تبارك وتعالى - اتَّخذ من خلقه إبراهيم خليلاً.
وقال آخَر: ماذا بأعجب من كلام موسى؛ كلمه ربُّه تكليمًا.
وقال آخَر: ماذا بأعجب من جعْلِه عيسى كلمةَ الله وروحَه.
وقال آخَر: ماذا بأعجب من آدم، اصطَفاه الله عليهم وخلَقَه بيده، ونفخ فيه من رُوحِه، وأسجد له ملائكته.
فسلَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه، وقال: ((قد سمعتُ كلامَكم وعجبكم أنَّ إبراهيم خليل الله، وهو كذلك، وأنَّ موسى نجيُّ الله، وهو كذلك، وأنَّ عيسى روح الله وكلمته، وأنَّ آدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد ولا فخر، وأنا أوَّل شافع وأول مُشفَّع يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أوَّل مَن يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيُدخِلنيها ومعي فُقَراء المؤمنين، ولا فخر)).
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس، وأسخاهم، وأجودهم، ما سُئِل شيئًا، فقال: لا، ولا يبيت في بيته دينار ولا درهم، فإنْ كان ولم يجد مَن يأخذه وفجَأَه الليل، لم يرجع إلى منزله حتى يبرأ منه إلى مَن يحتاج إليه، لا يأخُذ ممَّا آتاه الله إلا قوت أهله عامًا فقط.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحلم الناس، وأشدَّ حَياء من العذراء في خِدرها، وإذا كره شيئًا عُرِفَ ذلك في وجهه، كان أشدَّ الناس تَواضُعًا، يُجِيب مَن دَعاه من غني أو فقير، أو حر أو عبد.
كان أرحم الناس؛ يُمِيل الإناء للهرة، وما يرفعه عنها حتى ترتوي؛ رحمةً بها.
كان أعفَّ الناس، وأشدهم إكرامًا لأصحابه، لا يمدُّ رجليه بينهم، ويوسع عليهم إذا ضاق المكان، ولم تكن ركبتاه تتقدَّم ركبة جليسه، له رفقاء يحفون به، إنْ قال أنصتوا له، وإنْ أمَرَ تبادَرُوا لأمره، كان يتفقَّد أصحابه ويسأل عنهم، فمَن مرض عاده، ومَن غاب دعا له، ومَن مات استرجع فيه، وأتبعه الدعاء له، ومَن تخوَّف أنْ يكون وجد في نفسه شيئًا، انطلق إليه حتى يأتيه في منزله.
كان يخرج إلى بساتين أصحابه، ويأكُل ضيافتهم، ويتألَّف أهل الشرف، ويُكرِم أهل الفضل، ولا يطوي بشره عن أحدٍ، ولا يجفو أحدًا، ويقبل مَعذِرة المعتذِر إليه، الضعيف عنده والقوي في الحق سَواء، لا يدع أحدًا يمشي خلفه، ويقول: ((خلُّوا ظهري للملائكة))، ولا يدع أحدًا يمشي معه وهو راكب حتى يحمله، فإنْ أبى قال: ((تقدمني إلى المكان الفلاني))، ويخدم مَن خدمه، وله عبيد وإماء، ولا يرتفع عنهم في مأكل ولا ملبس.
خدَمَه أنس بن مالك - رضِي الله عنه - نحوًا من عشر سنين، فما صَحِبَه في حضرٍ ولا سفرٍ ليخدمه إلا كانت خدمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- له أكثر من خدمة أنس له، ما قال له: أفٍّ، قطُّ، ولا قال لشيء فعَلَه: لِمَ فعلت كذا؟ ولا لشيء لم يفعله: ألا فعلت كذا.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكره أنْ يتميَّز على الناس؛ خرج يومًا إلى سفرٍ، فأمر بإعداد شاة، فقال رجل: يا رسول الله، عليَّ ذبحها.
وقال آخر: عليَّ طبخها.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وعَلَيَّ جمْع الحطب)).
فقالوا: يا رسول الله، نحن نكفيك.
فقال: ((قد علمت أنَّكم تكفونني، ولكن أكره أنْ أتميَّز عليكم؛ فإنَّ الله يكره من عبده أنْ يراه مُتميزًا بين أصحابه))، وقام يجمَع الحطب.
كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذِكرٍ، وإذا انتهى إلى قومٍ جلس حيث انتهى به المجلس، ويأمُر بذلك، ويعطي كلَّ أحد من جُلَسائه نصيبَه، لا يحسب جليسه أنَّ أحدًا أكرم عليه منه، وإذا جلس إليه أحدُهم لم يَقُمْ -صلى الله عليه وسلم- حتى يقوم الذي جلس إليه، إلا أنْ يستعجله أمرٌ، فيستأذنه، ولا يقابل أحدًا بما يكره، ولا يجزي السيِّئة بمثلها، بل يعفو ويصفح.
كان يحبُّ المساكين ويجالسهم، ويشهد جنائزهم، ولا يحقر فقيرًا لفقره، ولا يَهاب ملكًا لملكه.
يُعظم النعمة وإن قلَّت، ولا يذم منها شيئًا، ما عابَ طعامًا قطُّ؛ إن اشتهاه أكله، وإلا تركه.
وكان يحفظ جاره، ويُكرِم ضيفه.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر الناس تبسُّمًا، وأحسنهم بشرًا، ولا يمضي له وقتٌ في غير عمل لله، أو في ما لا بُدَّ منه، وما خُيِّرَ بين أمرين إلا اختار أيسرهما، إلا أنْ يكون فيه قطيعة رحم، فكان أبعد الناس منه.
كان يصلح نعله، ويرقع ثوبه، ويركب الفرس والبغل والحمار، وكان يركب خلفه عبده أو غيره، ويمسح وجْه فرسه بطرف كمه، أو بطرف رِدائه.
كان يحبُّ الفأل ويكره التشاؤم، إذا جاءَه ما يحبُّ، قال: ((الحمد لله ربِّ العالمين))، وإذا جاءه ما يكره، قال: ((الحمد لله على كل حال)).
إذا رُفِعَ الطعام من بين يديه قال: ((الحمد لله الذي أطعمنا، وسَقانا، وأَوانا، وجَعَلنا مُسلِمين)).
أكثر جلوسه مستقبل القبلة.
كان يُكثِر الذكر، ويُطِيل الصلاة، ويقصر الخطبة.
ويستغفر في المجلس الواحد مائة مرَّة.
كان يُسمَع لصدره وهو في الصلاة أزيزٌ كأزيز الرَّحَى من البكاء.
وكان يقوم حتى تتورَّم قدماه.
وكان يصوم الاثنين، والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وعاشوراء، وقلَّما كان يفطر يوم الجمعة، ويُكثِر في شعبان.
كان - عليه الصلاة والسلام - تنامُ عيناه ولا ينام قلبه؛ انتظارًا للوحي، وإذا نام لا يغطُّ.
وإذا رأى في منامه ما يكره قال: ((هو الله لا شريكَ له)).
وإذا أخذ مضجَعَه قال: ((ربِّ قِنِي عذابَك يوم تبعَثُ عبادك)).
وإذا استيقظ قال: ((الحمد لله الذي أحيانَا بعد ما أماتَنَا وإليه النُّشور)).
كان لا يأكُل الصدقة، وأرق ليلة ولم ينمْ لأنَّه وجد تحت جنبه تمرةً فأكلها، وكان عنده تمرٌ من تمر الصدقة، فخشي أنْ تكون منه.
لم يكن يتأنَّق في مأكَل، وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع، آتاه الله مفاتيح خزائن الأرض فلم يقبَلْها، واختار الآخرة.
كان يأكل ما وجد، ولا يردَّ ما حضر، أكل الخبز بالخل، وقال: ((نِعمَ الإدام الخلُّ))، كان لا يتكلَّف، ولا يتورَّع عن مطعم حلال؛ إنْ وجد تمرًا دون خبزٍ أكله، وإنْ وجد حُلوًا أو عسلاً أكَلَه.
كان أحب الشراب إليه الحلو البارد، وكان لا يأكل متَّكئًا، لم يَشبعْ من خبز بُرٍّ ثلاثًا تباعًا، حتى لقي الله - عزَّ وجلَّ - إيثارًا على نفسه، لا فقرًا ولا بخلاً، ويجيب الوليمة، ويجيب دعوة الحر والعبد، ويقبل الهدايا ويكافئ عليها ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب، كان يحبُّ القرع، والذراع من الشاة، وقال: ((كلوا الزيت، وادَّهِنوا به، فإنَّه من شجرة مُبارَكة)).
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحبُّ الحلواء بالعسل، ويشرب قاعدًا، وربما شرب قائمًا، ويبدأ بِمَنْ عن يمينه إذا سَقاه، شرب لبنًا فقال: ((مَن أطعَمَه الله طعامًا فليقل: اللهم بارِك لنا فيه وأطعمنا خيرًا منه، ومَن سقاه الله لبنًا فليقل: اللهم بارِك لنا فيه وزِدْنا منه)).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس شيءٌ يُجزِي مكان الطعام والشراب غير اللبن)).
شرب الماء الذي ينبذ فيه التمرات اليسيرة ليحلو.
كان يلبس الصوف، ولا يتأنَّق في ملبس، وأحبُّ اللباس إليه الحِبرة من بُرود اليمن، فيها حمرة وبياض، وأحبُّ الثياب إليه القميص، ويقول إذا لبس ثوبًا جديدًا: ((اللهم لك الحمد كما ألبستَنِيه، أسألك خيره وخير ما صُنِع، وأعوذ بك من شرِّه وشر ما صُنِع)).
تُعجِبه الثياب الخضر، وربما لبس الإزار الواحد ليس عليه غيره، يعقد طرفه بين كتفَيْه.
كان يلبس بُردَه الأحمر يوم الجمعة، ويلبس خاتمًا من فضة نقشه "محمد رسول الله" في خنصره الأيمن، وربما جعله في الأيسر.
ويحبُّ الطِّيب، ويكره الرائحة الكريهة.
كان يتطيَّب بالمسك، ويتبخَّر بالعود والكافور، وكان يكتَحِل وهو صائم، ويُكثِر دهن رأسه ولحيته يومًا بعد يوم.
يحبُّ التيمُّن في ترجُّله، وتنعُّله، وفي طهوره وفي شأنه كله.
وينظر في المِرآة، ولا تُفارِقه قارورة الدهن في سفره، والمكحلة، والمرآة، والمشط، والسواك، والإبرة، والخيط.
كان يَستاك في الليلة ثلاث مرَّات: قبل النوم وبعده، وعند القيام لِورده، وعند الخروج لصلاة الصبح.
كان يمزح ولا يقول إلا حقًّا.
آتاه الله علم الأوَّلين والآخِرين، وما فيه النجاة والفوز، وهو أميٌّ لا يكتب ولا يقرأ، ولا معلِّم له من البشر، آتاه الله ما لم يُؤْتِ أحدًا من العالمين، واختاره على الأوَّلين والآخِرين.
أبقى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن العظيم مُعجزًا خالدًا بين ظهرانينا إلى يوم القيامة بعدَ ذهابِه، لا تنكسف شموسه، ولا تذوي زهراته.
انشقَّ القمر على عهده فلقتَيْن، فقال: ((اللهم اشهَدْ))، فقالت قريش: سحر محمد أعيننا.
فردَّ بعضهم: لئنْ كان سحرنا ما يستطيع أنْ يسحر الناس كلهم.
تَعاقَدَ الملأ من قريش على قتله، فخرج عليهم، فخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم، وأقبل على رؤوسهم فقبض قبضةً من تراب، وقال: ((شاهَتِ الوُجوه)) وحصبهم، فما أصاب رَجُلاً منهم شيءٌ إلا قُتل يوم بدر.
بعثوا وراءه في الهجرة سُراقة بن مالك فانزلقت قوائم فرسه في الأرض الصلبة المستوية.
دعا لعمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أنْ يُعَزَّ به الإسلام، ودعا لعليٍّ - رضي الله تعالى عنه - أنْ يذهب عنه الحر والبرد، وتفل له في عينيه وهو أرمد، فعُوفِي من ساعته، ولم يَرقُدْ بعد ذلك.
ردَّ عين قتادة بعد أنْ سالَتْ على خده، فكانت أحسن عينيه وأحدَّهما.
دعا لعبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - بالتأويل والفقه في الدِّين، وكان يُسمى الحبر والبحر؛ لعلمه.
دعا لجمل جابر، فصار سابقًا بعد أنْ كان مسبوقًا.
دعا لأنس بن مالك - رضِي الله عنه - بطُول العمر وكثْرة المال والولد، فعاش مائة سنةٍ أو نحوها، ووُلِدَ له مائةٌ وعشرون ولدًا ذكرًا لصُلبِه، وكان نخله يُحمَل في السنة مرَّتَيْن.
دعا في تمر جابر بالبركة، فأوفى غُرماءَه، وفضل له ثلاثة عشر وسقًا.
استسقى للناس، فمُطِرُوا أسبوعًا.
دعا أعرابيًّا إلى الإسلام؛ فقال له الأعرابي: هل من شاهد؟ فقال له -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، هذه الشجرة)) ثم دَعاها فأقبلت، فاستَشهَدها، فشهدت له أنَّه كما قال ثلاثًا، ثم رجعَتْ إلى منبتها.
أمر شجرتين فاجتمعتا، ثم افترقتا.
أمر أنَسًا أنْ ينطلق إلى النخلات، فيقول لهن: أمركنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ تجتمعن، فلمَّا قضى حاجته أمره أنْ يأمرهن بالعود إلى أماكنهن، فعُدن، ونامَ.
جاءتْ شجرة تشقُّ الأرض حتى قامَتْ عليه، فلمَّا استيقظ ذكرت له، فقال: ((هي شجرةٌ استأذنت ربها أنْ تُسلِّم عليَّ، فأذن لها)).
سلَّم عليه الحجر والشجر حينما بُعِثَ، وقال: ((إنِّي لأعرف حجرًا بمكة كان يُسلِّم عليَّ قبل أن أُبعَث)).
حنَّ الجذع إليه.
سبَّح الحصا في كفِّه، وكذلك الطعام.
أعلمَتْه الشاة بسمِّها.
شكَتْ إليه البعير كثْرة العمل، وقلَّة العلف.
سألَتْه الظبية أن يُخلصها من الحبل؛ لترضع ولديها وتعود، فخلصها، فتلفَّظت بالشهادتين.
أخبر عن مصارع المشركين يوم بدر، فلم يعدْ أحدٌ منهم.
قال لعثمان - رضي الله تعالى عنه - أنَّه ستصيبه بلوى شديدة، فكانتْ وقُتِل.
دعا على عُتبة بن أبي لهب فأكله الأسد بزرقاء الشام.
أخبر بقتل العنسي الكذَّاب، وهو بصنعاء ليلةَ قتلِه.
قال لثابت بن قيس: ((تعيش حميدًا وتُقتَل شهيدًا))، فقُتِلَ يوم اليمامة.
لما ارتدَّ رجلٌ من المسلمين، ولحق بالمشركين، بلغه أنَّه مات، فقال: ((إنَّ الأرض لا تقبله)) فكان كذلك.
قال لرجلٍ يأكل بشماله: ((كُلْ بيمينك)) فقال: لا أستطيع، فقال له: ((لا استطعت))، فلم يُطق أنْ يرفعها إلى فيه بعدُ.
شهد الضبُّ بنبوَّته.
أطعَمَ ألفًا من صاع شعير بالخندق، فشبعوا والطعام أكثر ممَّا كان، وأطعمهم من تمرٍ يسير.
أتاه أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - بتمراتٍ قد صفَّهن في يده، وقال: ادعُ لي فيهنَّ بالبركة، فدعا له، فأخرج من ذلك التمر الوسق الكثير، كان يأكل منه، ويطعم منه، ولم ينقطع إلا في زمن عُثمان - رضي الله تعالى عنه.
نبع الماء بين أصابعه فشرب القوم وتوضَّؤوا، وهم ألف وأربعمائة.
وضَع أصابعه في قدح فيه ماء فلم يسع، فوضع أربعة منها، وقال: ((هلمُّوا)) فتوضَّؤوا أجمعين، وهم من السبعين إلى الثمانين.
ورد في غزوة تبوك على ماءٍ لا يروي واحدًا، والقوم عطاش، فشكوا إليه، فغرس سهمه فيها، ففار الماء، وارتوى القوم، وكانوا ثلاثين ألفًا.
شكى إليه قومٌ ملوحةً في مائهم، فجاء في نفرٍ من أصحابه حتى وقف على بِئرهم، فتفل فيها، فتفجَّر بالماء العذب المعين.
أتَتْه امرأةٌ بصبي أقرع، فمسح على رأسه فاستوى شَعره، وذهب داؤه، فسمع أهل اليمامة بذلك، فأتت امرأة إلى مسيلمة بصبي، فمسح رأسه، فتصلع، وبقي الصلع في نسله.
انكسر سيف عُكاشة يوم بدر، فأعطاه جذلاً من حطب، فصار في يده سيفًا، ولم يزل بعد ذلك عنده.
مسَح على رجْل أبي رافع بعد أنِ انكسرت، فكأنَّه لم يشكُ منها قطُّ.
زُوِيَت له الأرض، فرأى مشارقها ومغاربها، وبلغ ملك أمَّته ما زُوِي له منها.
قال لرجلٍ ممَّن يدَّعي الإسلام، وهو معه في القتال: ((إنَّه من أهل النار)) فصدق الله قوله.
دعا اليهود إلى تمنِّي الموت، وأخبرهم بأنهم لا يتمنَّونه، فحِيل بينهم وبين النُّطق بذلك.
أنذر بموت النجاشي، وراح هو وأصحابه إلى البَقِيع، فصلوا عليه، فورد الخبر بعد ذلك.
خرج على نفرٍ من أصحابه مُجتمعين؛ فقال: ((أحدُكم في النَّار ضرسُه مثلُ أُحُدٍ))، فماتوا كلهم على الإسلام، وارتدَّ منهم واحد، وهو الدجال الحنفي، فقُتِلَ مرتدًّا مع مُسيلمة.
وقال لآخَرين: ((آخِركم موتًا في نار))، فسقط آخرهم موتًا في نار فمات، وهو سمرة بن جندب.
أخبر فاطمة ابنته - رضي الله تعالى عنها - بأنها أوَّل أهله لحاقًا به، فكانت كذلك.
أخبر نساءَه بأنَّ أطولهن يدًا أسرعهن لحاقًا به، وكانت زينب بنت جحش الأسدية؛ لأنها كانت كثيرةَ الصدقة.
حكى الحكم بن أبي العاص مِشيته -صلى الله عليه وسلم- مُستهزئًا، فقال: ((كذلك فكُنْ))، فلم يزل يرتعش إلى أنْ مات.
خطب أُمامةَ بنت الحارث بن أبي عوف، وكان أبوها أعرابيًّا جافيًا، فقال: إنَّ بها بياضًا، فقال: ((لتكن كذلك))، فبرصت من وقتها، فتزوَّجَها ابن عمها يزيد بن حمزة، فولدت له الشاعر شبيب بن يزيد، وهو المعروف بابن البرصاء.
ومن علائم نبوَّته: حراسة السماء بالشُّهب التي تقذف الشياطين، فلا تسترق السمع، وبُشرى الكهان به والهواتف، وإخبار الأحبار بظهوره، وفِراسة بحيرى الراهب فيه.
ووُلِدَ -صلى الله عليه وسلم- مختونًا مسرورًا، قيل لعبدالمطلب: بِمَ سمَّيت ابنك؟ فقال: بمحمد، فقالوا له: ما هذا من أسماء آبائك! فقال: أردت أن يُحمَد في السماء والأرض.
إنه مُحمد وأحمد، والماحي الذي يمحو الله به الكُفرَ، والحاشر الذي يُحشَر الناس على قدمَيْه، والعاقب: الذي ليس بعده نبي.
وقد سمَّاه الله تعالى رؤوفًا رحيمًا.
إنَّه نبي التوبة، ونبي الرحمة.
إنه طه، ويس، والمزمل، والمدثر، وعبدالله.
مَرِضَ -صلى الله عليه وسلم- أربعة عشر يومًا قبل وفاته، وكان ما ابتدأ به الوجع صُداع، وتمادَى به، وكان ينفث في مرضه شيئًا يشبه أكل الزبيب، ومات بعد أنْ خيَّره الله تعالى بين البقاء في الدنيا ولقاء ربه، فاختار لقاء الله.
كانت وفاته -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين، حين اشتدَّ الضُّحى، لثنتي عشرة ليلة خلَتْ من ربيع الأول، ودُفِن ليلة الأربعاء، ولَمَّا حضره الموت كان عنده قدح فيه ماء، فجعل يُدخِل يده فيه ويمسح وجهَه ويقول: ((اللهم أعنِّي على سكَرات الموتِ))، وَسجي ببُرد حبرة، وقيل: إنَّ الملائكة سجتْه.
لما مات كذَّب عمر بذلك، وأُخرس عُثمان - رضي الله تعالى عنه - وأُقعِد علي - رضي الله تعالى عنه - ولم يكن أثبت من العباس وأبي بكر - رضي الله عنهم جميعًا.
غسَّله عَليٌّ والعباس وولداه: الفضل، وقثم، وأسامة وشقران مَولياه، وحضرهم أوس بن خولي من الأنصار، ونفضه عليٌّ فلم يخرج منه شيء، فقال: صلَّى الله عليك وسلَّم، طِبتَ حيًّا وميتًا.
قبل أنْ يغسلوه سمعوا من باب الحجرة: لا تغسلوه، فإنَّه طاهر مُطهر، ثم سمعوا بعد ذلك: اغسلوه؛ فإنَّ هذا إبليس، وأنا الخضر، وعزَّاهم فقال: إنَّ في الله عزاءً من كلِّ مصيبة، وخلفًا من كلِّ هالك، وَدركًا من كلِّ فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإنَّ المصاب مَن حُرِمَ الثوابَ.
كُفِّنَ -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب بِيض، ليس فيها قميص ولا عمامة، بل لفائف من غير خِياطة.
صلَّى المسلمون عليه أفرادًا، ولم يؤمَّهم أحدٌ.
وفُرِشَ تحته في القبر قطيفةٌ حمراء، كان يتغطَّى بها، لحده أبو طلحة، ونُحِّي فراشه، وحُفِرَ له مكانه في بيت عائشة - رضي الله تعالى عنها.
لَمَّا تُوفِّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكى عمر، وسُمِع وهو يقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد كان لك جذع تخطب عليه، فلمَّا كثُر الناس اتخذت منبرًا تسمعهم، فحنَّ الجذع لفِراقك، حتى جعلتَ يدك عليه، فسكن، فأمَّتك أولى بالحنين عليك حين فارقتهم.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنْ كان موسى بن عمران - عليه السلام - أعطاه الله حَجرًا تتفجَّر منه الأنهار، فماذا بأعجب من أصابعك حين نبع منها الماء، صلَّى الله عليك وسلَّم.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لئنْ كان سُليمان بن داود أعطاه الله الرِّيح غدوها شهر ورواحها شهر، فما ذلك بأعجب من البُراق حين سِرت عليه إلى السماء السابعة، ثم صلَّيت الصبح بالأبطح، صلَّى الله عليك وسلَّم.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لئنْ كان عيسى ابن مريم - عليه الصلاة والسلام - أعطاه الله تعالى إحياء الموتى، فما ذلك بأعجب من الشاة المسمومة حين كلَّمَتْك وهي مشويَّة، فقالت: لا تأكلني؛ فإنِّي مسمومة.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد دعا نوح على قومه، فقال: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: 26]، ولو دَعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخِرنا، فلقد وُطِئ ظهرك، وأُدمِي وجهك، وكُسِرت رباعيتك، فأبيتَ أنْ تقول إلا خيرًا، فقلت: ((اللهُمَّ اغفِر لقومي فإنهم لا يعلَمُون)).
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد اتبعك في قلة سنك، وقصر عمرك، ما لم يتبع نُوحًا في كبره، وطول عمره، فلقد آمَن بك الكثير وما آمَن معه إلا القليل.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لو لم تُجالس إلا كُفُوًا لك ما جالَسْتنا، ولو لم تَنكِح إلا كُفُوًا لك ما نكحت إلينا، لَبست الصوف، وركبت الحمار، ووضعت طعامك بالأرض، ولعقت أصابعك تواضُعًا منك، صلَّى الله عليك وسلَّم.
اللهم أدخِلْنا في شَفاعته، وأمِتْنا على ملَّته، ووفِّقنا إلى العمل بطاعتك، ولا تمكُر بنا عند الخاتمة، فإنَّا مُتوسِّلون في ذلك به إليك، ومُتوكِّلون في غفران الذنوب عليك، إنَّك جواد كريم، رؤوف رحيم، لا تردُّ مَن سألك، ولا تُخيِّب من قصدك، يا أرحم الراحمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: