محمود طرشوبي - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6443
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هناك موقفان متأصلان في إسرائيل، وفي ثقافتها السياسية تجاه العرب، وهما: العداء للوحدة العربية، والعداء للديمقراطية في الدول العربية. ويعود هذا العداء أساساً إلى أسباب سياسية؛ فقادة الصهيونية وإسرائيل اعتقدوا ـ وما زالوا ـ أن الديمقراطية والوحدة العربية تعززان من قوة العرب، وتفتحان المجال واسعاً ـ في المدى القريب والبعيد ـ لمقاومة إسرائيل وربما هزيمتها.
و من هنا ساندت إسرائيل أنظمة مستبدة مثل نظام مبارك بل و أكثر من ذلك إن مبارك كان حليف استراتيجي و صديق لإسرائيل وقادة إسرائيل، و لعل المقال الذي نشره الصحفي الإسرائيلي ألوف بن ـ قبْل أكثر من نصف عام من نشوب الثورة المصرية ـ كان الأكثر قرباً إلى وصف طبيعة موقف إسرائيل من مبارك وعلاقاتها معها خلال فترة حكم مبارك. حيث ابتدأ ألوف بن مقالَه، الذي جاء تحت عنوان "صلاة لسلامة مبارك"، بقوله: إن الشخص الأكثر قرباً من رئيس الحكومة الإسرائيلية من بين جميع رؤساء العالم هو رئيس مصر "مبارك". ثم استند ألوف بن إلى مصدر إسرائيلي رفيع أكد أن العلاقة بين مبارك ونتنياهو "وثيقة أكثر بكثير ممّا تبدو عليه"، فقد أصبحت مصر بفضل مبارك حليفا استراتيجيا لإسرائيل بدل إيران، ومزودها الأساسي بالطاقة، كما إن مصر منحتها التكئة الاستراتيجية، وضمنت لها الاستقرار الأمني، وبفضل السلام بين مصر وإسرائيل تقلص عبء ميزانية الأمن الإسرائيلي، وخُفض عدد الجيش، وصمد هذا السلام أمام امتحانات الحروب والانتفاضات في الجبهات الإسرائيلية الأخرى، والمسؤول عن هذا كله هو مبارك، الذي حكم بلاده أطول فترة منذ محمد علي؛ ونتيجة لكل ذلك فإنه "لو مُنح قادة إسرائيل اختيار أُمنية واحدة، كانوا سيطلبون إطالة حياة مبارك إلى الأبد ).
و لذلك كانت المفأجاة كبير بالنسبة لإسرائيل عند بداية الثورة المصرية خاصة منذ أن بدأت الثورة ترفع شعار ( الشعب يريد إسقاط النظام ) لأن معني ذلك سقوط مبارك الحليف القوي للكيان الصهيوني فبعد بدء الثورة المصرية بعدة أيام أرسلت وزارة الخارجية الإسرائيلية تعليمات سرية إلى سفراء إسرائيل في أكثر من عشر دول مهمة، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وكندا وعدد من الدول الأوروبية ذات الأهمية، وأمرتهم بالاتصال فوراً بالسلطات العليا في هذه الدول، والطلب من قادتها وقف انتقاد الرئيس المصري مبارك، والتأكيد لقادة هذه الدول على أن الاستقرار في مصر سيؤثر بدوره في مجمل الاستقرار في جميع أرجاء الشرق الأوسط كما جاء علي لسان براك رفيد، "إسرائيل في رسالة إلى العالم: توقفوا عن انتقاد مبارك"، هآرتس، 31 يناير 2011.
و قد عقبت صحيفة هآرتس علي الأحداث بعد ذلك قائلة ( أنه يسود امتعاض في إسرائيل من موقف كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من "الأحداث" في مصر. وذكر مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى أن الأمريكيين والأوروبيين ينجرون وراء الرأي العام ولا يفكرون في مصالحهم الحقيقية. وأضاف: حتى وإن كانت هناك انتقادات لمبارك فينبغي الوقوف معه و"منح الأصدقاء شعورا بأنهم ليسوا وحدهم. ففي الأردن والسعودية يرون رد فعل الغرب، وكيف يترك الجميع مبارك، وستكون لذلك نتائج وخيمة ).
لكن الأسباب الحقيقية التي دفعت الحكومة الإسرائيلية إلي مساندة نظام مبارك و حشد الدعم ضد ثورة مصر فتتمثل في :
أولاً : إن نظام مبارك كان يمثل رصيداً لإسرائيل في المنطقة، فالنظام المصري في عهد مبارك تحول إلي حليف إستراتيجي لإسرائيل، بل و ترك لها حرية العمل في المنطقة حتي عندما كانت الحكومات الإسرائيلية تشن هجوماً علي أي بلد عربي كانت تجد التغطية من جانب نظام مبارك.
ثانياً : إن رحيل مبارك يعني لإسرائيل أنها لا يمكنها الإعتماد علي الولايات المتحدة في ضمان إستقرار النظم الحليفة لإسرائيل في المنطقة، و ان تخلي إدارة أوباما عن مبارك يعد درساً مهماً لإسرائيل في ذلك.
ثالثاً : إن قيام أي نظام جديد في مصر سوف يعيد تشكيل النظر في بعض الإتفاقيات القائمة بين البلدين مثل اتفاقية الغاز و اتفاقية الكويز، و مبارك كان قائم بالحراسة علي هذه الإتفاقيات
رابعاً : إن إسرائيل تدرك أن أي نظام جديد في مصر لن يقدم علي إلغاء معادة السلام، و لكن المؤكد أن نهج مصر سوف يختلف تجاه إسرائيل و الفلسطينين و حركة حماس.
خامساً : أن النظام الديكتاتوري الذي أقامه مبارك في مصر، كان يصب في مصلحة إسرئيل باعتبارها الدولة الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، و هذا جعل العالم ينظر إلي إسرائيل علي أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة وسط منطقة تتمتع بالديكتاتوريات المستبدة.
سادساَ : أن النظام الذي سينشأ في مصر سوف يكون نظان يخضع للمساءلة و المحاسبة و بالتالي سوف تسنجيب الحكومات القادمة لمصر لمطالب المصريين و رغباتهم و هي رغبات لن تكون أبدا في مصلحة إسرائيل.
سابعاً : الحرية التي سوف تحدث في مصر سوف تكون أول خطوة علي لمصر علي طريق التطور الإقتصادي و هو أمر يتصادم و مصلحة إسرائيل طويلة المدي في المنطقة.
هذه قد تكون هي الأسباب الحقيقية وراء حشد إسرائيل طول فترة الثورة المصرية في إنقاذ مبارك و نظامه العفن من السقوط، لكن المؤكد أن الخوف الأكبر لإسرائيل هو تأثير مصر في المحيط العربي و الإقليمي بل و الإسلامي، و ظهور نظام مصري يضع علي عاتقه وضع حل جدري للقضية الفلسطينية مما يجعل إسرائيل في موقف ضعيف أمام طوفان التأثير المصري في العالم الإسلامي و الذي سيجعل من الدول الإسلامية نار تشتعل في وجه الكيان الإسرائيلي، و سوف يخرج قادة الدولة العبرية يترحمون علي نظام مبارك.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: