د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6247
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في السابع من الشهر الجاري (فبراير) من عام 2010، كتب المحلل والمؤرخ الأمريكي "د. ل. آدمز" - وهو أحد مؤسسي ما يعرف بجماعة "أوقفوا أسلمة الولايات المتحدة SIOA" - مقالاً بعنوان: "الحرب من أجل الشريعة"، يعكس مقال "آدمز" جهلاً من هذا المؤرخ بالإسلام وبشريعته، كما يعكس كراهية شديدة للشريعة، تكاد تنطق في كل كلمة يصف بها هذه الشريعة.
يصف "آدمز" شريعة الإسلام بالقسوة والوحشية، والعنصرية والبربرية، ويهاجمها لأنها لا تسمح بالشذوذ الجنسي، ولا ترضى بأي هجوم على الإسلام، ولا تسمح بالارتداد عنه لمن دخل فيه.
يتصور "آدمز" أن الشريعة الإسلامية تنتقص من قدْر المرأة وتستعبدها، وتأمر بضرب الزوجات، وتدعم زواج الأطفال، ولا تتسامح مع غير المسلمين، وترفض حرية العقيدة وحرية التعبير... إلخ.
ولعل أبلغ ردٍّ على اتهامات "آدمز" هو ما كتبه "جراهام فوللر"، وهو مسئول رفيع المستوى في المخابرات المركزية الأمريكية، كان يشغل منصب نائب رئيس المجلس القومي للمخابرات، يقول "فوللر": "على عكس المسيحية، اعتنى الإسلام منذ أن بدأ بالسياسة والحكم، وقد وجَّه المسلمون بدءًا من حياة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - اهتمامَهم إلى مبادئ الحياة المجتمعية المحلية، والعدالة، والإدارة، والعلاقات مع غير المسلمين، والدفاع، والسياسة الخارجية، وما من شأنه أن يحقِّق الحكم الصالح، والقانون العادل، والمجتمع العادل، لقد أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بغرض الحفاظ على الوضع القائم، ولكن لكي يصلح ويغيِّر، المرأةُ على سبيل المثال أعطيتْ مركزًا قانونيًّا لم تكن تحظى به من قبل، بالإضافة إلى حماية قوية لها من قِبَل المجتمع".
Graham F Fuller, Islam, a force for change, mondediplo.com/1999/09/16islam.
الفكرة الأساس في مقال "آدمز" ليست جديدة، ونوقشت من قبل كثيرًا، يريد "آدمز" من الجنرالات العسكريين فرض نموذج الدستور الأمريكي على العراق وأفغانستان، مثلما فعل الجنرال "ماك آرثر" في اليابان، كما أراد "آدمز" أن ينبِّه الأذهان إلى أن ما يسمى بالحرب على الإرهاب هي في الواقع حرب لصالح الشريعة الإسلامية، وَقُودُها دماءُ الجنود الأمريكيين وثروات بلادهم، ما دام أن دستور هذين البلدين يقوم على الإسلام.
يقول "آدمز": "إذا كانت أهدافنا من الحرب في أفغانستان هي هزيمة طالبان، وتأسيس دولة ديمقراطية مستقرة، فالذي أراه هو أن هذا ليس صوابًا، ونفس الأمر يمكن أن نقوله بالنسبة لبناء دولة العراق، إن المقياس الحقيقي لجهودنا في هذين البلدين يجب أن يكون مرتكزًا على البحث عن الأساس الذي تنزف من أجله دماء جنودنا وتنفق فيه ثرواتنا. على دعاة الديمقراطية والحرية أن ينظروا بعمق في الأساس الذي يقوم عليه دستور هذين البلدين: العراق وأفغانستان، فإذا كان أساس هذا الدستور نفسه لا يتفق مع قيمنا ومبادئنا، فأي نوع من البناء يمكن أن يقام على أساسه؟!".
يقول "آدمز": "بعد أن نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في طرد طالبان من كابول، كنا نسعى إلى تأسيس أفغانستان جديدة تقوم على قانون دستوري. الواقع أنه لا دستور العراق ولا دستور أفغانستان يقوم على أساس النموذج الأمريكي العلماني الذي تكون فيه الدولة خاضعة لإرادة الشعب، إن هذا المفهوم هو أساس الديمقراطية الأمريكية التي قدَّمها لنا كلٌّ من "جيفرسون" و"واشنطن" و"آدمز" و"مادسون" و"مونورو" و"فرانكلين" و"هاميلتون".
من المؤسف أن هذا ليس هو الأساس الذي بنينا عليه إستراتيجيتنا في بناء دولتي العراق وأفغانستان، إن هاتين الدولتين إسلاميتان، كما ينص دستورهما على ذلك، والشعب فيهما شعبٌ مسلم يعمل على خدمة دينه، بمعنى أن الدولة هي الإسلام، والإسلام هو الدولة، وهذا الأمر لا يتفق مع أي شكل من أشكال الديمقراطية، ولا يرضاه معظم الأمريكيين، ولا يدعمونه".
يقول "آدمز": "مكث "دوجلاس ماك آرثر" بعد الحرب العالمية الثانية في طوكيو طويلاً؛ لكي يفرض دستورًا جديدًا على اليابانيين المهزومين، أطاح الدستور الياباني الجديد بسلطة الإمبراطور، وأنشأ ديمقراطية على النمط الأمريكي، تكون فيها سلطة الشعب فوق الحكومة بنص الدستور، هذا المدخل الجديد قلَبَ نظامَ الحكم الإمبراطوري الشمولي الياباني القديم.
وعند إعلان الدستور الجديد في طوكيو قال "ماك آرثر": بهذه الخطوة يكون الشعب الياباني قد أدار ظهره بثبات لماضيه الذي اعتمد على الروحانية وغير الواقعية، وليواجه بدلاً منها مستقبلاً من الواقعية مع معتقد جديد وأمل جديد.
أما بالنسبة للإمبراطور، فقد قال "ماك آرثر": إن الدستور الجديد قد أبقى على العرش، ولكن بدون سلطة حكومية أوملكية للدولة، إنه خاضع لإرادة الشعب، ومجرد رمز لوحدته".
يصور الدستور الجديد تحوُّلاً كاملاً وشاملاً لمعنى الحكومة في اليابان، والأكثر أهميةً من ذلك هو التحول في علاقة المواطن بالدولة، إنه يضع السيادة للشعب، ويؤسِّس سلطة حكومية بقوة مسيطرة تبقى في يد هيئة تشريعية منتخبة من الشعب، ولكن برقابة مناسبة على هذه السلطة، كما هو الحال في الرقابة على السلطة التنفيذية والقضائية؛ وذلك لضمان عدم وجود استبداد أو تعسف في إدارة حكومية، أو في أي شأن إداري من شؤون الدولة".
دستور يابان ما بعد الحرب هو القانون الأعلى في البلاد، إن هذا هو نفس بناء الديمقراطية الدستورية في الولايات المتحدة، كما حددها البند السادس في المادة الثانية من الدستور الأمريكي، سوف يظل الدستور هو القانونَ الأعلى، وليس هناك من قانونٍ أو أمر إمبراطوري، أو أي فعل حكومي أو جزء منه، يناقضه أو يكون له قوة أو شرعية قانونية.
لقد أكَّد الدستور الجديد الانقلاب على النظام الإمبراطوري القديم، فالإمبراطور اليومَ بلا سلطة قانونية ويخضع للدستور، إن على الإمبراطور والوصي على العرش - شأنهما في ذلك شأن الوزراء والقضاة، وكل الموظفين العمومين الآخرين - أن يحترموا الدستور ويساندوه".
الذي يبدو على السطح أن ما يريده "آدمز" هو الإطاحة بالشريعة الإسلامية في العراق وأفغانستان، واستبدال دستور جديد بها يقوم على نمط الدستور الأمريكي، مثلما فعل "ماك آرثر" في اليابان.
يقول "آدمز": "لقد أخذْنا مسارًا مأساويًّا مختلفًا في العراق وأفغانستان: المادة الأولى من الدستور الأفغاني تقرر أن أفغانستان جمهورية إسلامية مستقلة وكل لا يتجزأ، المادة الثانية من الدستور العراقي تقرر أن الدين الرسمي للدولة هو دين الإسلام وهو مصدر أساس للتشريع، كلا الدولتين حدَّدت الإسلام على أنه حجر الأساس للدولة وهو قانون البلاد، ولا يسمح بتشريع أي قانون يتعارض مع الإسلام.
لم ينتبه أحد إلى التعارض بين الديمقراطية والشريعة، صحيح أن الديمقراطية في أفغانستان بدأتْ تشق طريقها، لكننا لا يمكن أن نعتبر أن القانون الأفغاني وثيقة علمانية حقيقية.
الشريعة الإسلامية مشتقَّة من القرآن والسنة، وقانون الشريعة هو سلطة الله ثم الرسول، وهو تقنين لكلمات وأفعال الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - إن التأييد الأمريكي لهذا القانون البربري في أي مكان على الأرض لهو الغباء ذاته.
إذا كان قانون الشريعة الإسلامية متناقضًا تمامًا مع المفاهيم الأمريكية عن الحرية والديمقراطية، وإذا لم يكن هناك تلاقٍ بين مفاهيمنا عن العدالة وكرم الأخلاق وبين الشريعة الإسلامية، ومفاهيمنا عن الخطأ والصواب، والخير والشر، وكرم الأخلاق والبربرية، والعدالة والظلم لا تتلاقي أيضًا، فلماذا إذًا نقيم دولتين إسلاميتين بدماء الجنود الأمريكين وثروات بلادنا؟! ولماذا اتخذنا في العراق وأفغانستان موقفًا مضادًَّا لما اتخذناه في اليابان؟! ولماذا إذًا نحارب هناك؟!
ليس هناك من أمريكي يقدِّر دستورَنا والحرياتِ المضمونةَ تحته يمكن أن يقبل أو يؤيِّد قانون الشريعة في أي مكان، كيف نرضى أن نقول لجنودنا: إن عليهم أن يحاربوا ويموتوا من أجل الحرية في العراق وأفغانستان، وهم في الواقع يحاربون من أجل مساندة دولتين تتبنيان الشريعة الإسلامية؟! لماذا اخترنا أن نحرِّر الشعب الياباني من الرجعية، والشمولية، والحرب العدوانية لإمبراطورية اليابان، ولكن اخترنا أن نتعاون مع غيرنا في فرض ظلم ولا إنسانية ووحشية الشريعة الإسلامية على شعبي العراق وأفغانستان؟!
إن اللوم على هذه الكارثة يجب أن يمتد ليشمل الإدارتين الحالية والسابقة، يجب أن نعترف بأننا فشِلنا في خلق مجتمعينِ يقومان على العدالة والقانون العلماني، والديمقراطية الدستورية على النمط الأمريكي كما فعلنا في اليابان.
نحن في الواقع نتناسى أن حلفاءنا عبر العالم الإسلامي يطبقون الشريعة الإسلامية بدرجات متفاوتة، ويعملون في نفس الوقت على الالتزام بتطبيقها، نحن نتناسى أن هدف التوسع الإسلامي في كل مكان هو تطبيق قانون الشريعة في البلاد والثقافات التي لا تطبقها، نحن نتناسى أن "الجهاد" هو وقود هذا التوسع، ونتناسى كذلك أن "الجهاد" مطلوبٌ من كل من يتمسك بالإسلام، السؤال المطروح الآن: ما هو هدف الولايات المتحدة من جهودها في بناء هاتين الدولتين الجديدتين؟
نحن الآن نحارب حول العالم وفي الداخل ضد عدو إسلامي متوحِّش، ونسمي هذه الحرب بـ"الحرب ضد الإرهاب"، في الوقت الذي يحاربنا فيه الجهاديون ودافعُهم الأساس هو الدفاع عن عقيدة الإسلام، إننا نحارب إذًا من أجل بناء ومساندة دولتين إسلاميتين جديدتين تقومان على نفس العقيدة، أليس هذا غباء؟!
ما هي غايتنا من الحرب إذا كانت النتيجة قيام دولتين تتعارضان إيديولوجيًّا مع وجودنا؟! إننا أغبياء بل وأسوأ من أغبياء، إن أخطاءنا لها تكلفة غالية للغاية، إنه لكي تكون هناك أي قيمة أو معنى لجهودنا في أفغانستان والعراق؛ يجب أن نعترف بأن مسارنا مأساوي في أخطائه، ويجب علينا أن نسرع في إجراء التصحيح اللازم لهذه الأخطاء.
D.L. Adams,War for Islamic Sharia Law, www.americanthinker.com/2010
ناقش بعض الباحثين هذه الفكرة لـ "آدمز" - من قبل - وشرحوا أسباب فشلها، يقول "أكرم خميس": "إن نجاح الخطة الأمريكية في إعادة صياغة الحياة اليابانية، ثم في توظيف هذا البلد ضد الشيوعية، لا يعني بالضرورة أن واشنطن ستحقق هدفها في العراق؛ نظرًا للفارق الشاسع بين الحالتين؛ العراق يمتلك - خلافًا لليابان - قوى ممانعة سياسية وعسكرية قادرة على التأثير في المستقبل، إن لم يكن بإعادة صياغته، فعلى الأقل بإعاقة ما هو مطروح حاليًّا، هذا بالإضافة إلى أن العراق يختلف في ذلك عن اليابان بتداخله الديني والقومي مع جيرانه، مما يعني أن ثمة تأثيراتٍ إقليميةً مؤكدة ستفرض نفسها على المحاولة الأمريكية لتأميم مستقبله".
http://www.islamonline.net
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: لماذا سكت الغرب على إصرار شيعة العراق على إصدار دستور دائم على عجَلٍ بعد أن قتلوا مائتي ألف سني عراقي؟
يقول الدكتور "خالد حسين": كان شيعة العراق يراهنون على المد الإسلامي الشيعي في الشارع العراقي، والمشاعر الدينية الملتهبة بعد ظلم النظام البعثي لهم، ويعرفون جيدًا أن هذا المدَّ كغيره من المدود في الماضي هو مؤقَّت، وعمره قصير، ولا بد أن ينحسر قريبًا؛ لذلك يريدون أن يسنوا دستورًا إسلاميًّا (شيعيًّا) على عجَل، يكبلون به الشعب العراقي إلى أمد بعيد، تمامًا كما حصل للشعب الإيراني".
www.brob.org/hadatha/makala/destor61.htm
هذا في العراق، أما في أفغانستان، فقد نجح الشيعة هناك - كما يقول أبو الفضل نافع - في وضع بند في الدستور الأفغاني ينص على أن المذهب الشيعي الجعفري هو مذهب معترَف به في البلاد إلى جانب المذهب السني الحنفي، كما سيطروا على الاقتصاد والإعلام الأفغاني الذي أضحى في معظمه حكرًا على الثقافة الإيرانية، لا سيما في كابول، ومن ثم يكون السؤال: لماذا سكت الغرب عن ذلك رغم حقده وكراهيته لشريعة الإسلام؟ (أمير سعيد، خريطة الشيعة في العالم، مركز الرسالة للدراسات والبحوث الإنسانية، القاهرة 2009، ص 198- 199).
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: