(73) حقيقة تواطؤ المصارف الدولية مع أنظمة الحكم الفاسدة
د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7453
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أصدرت منظمة " جلوبال ويتنس " (1) فى عام 2009 تقريرا خاصا كشفت فيه تواطؤ البنوك الدولية مع أنظمة الحكم الفاسدة على سلب ثروات شعوب الدول الفقيرة. نشرت المنظمة هذا التقرير بغرض إثارة الانتباه إلى خطورة هذه القضية، وضرورة فتح باب النقاش حولها، حتى تحقق الشعوب الفقيرة لنفسها تنمية حقيقية.
يقول " جافين هايمان " مدير حملة منظمة " جلوبال ويتنس ": " تعمل المصارف الدولية على تدعيم الفساد فى معظم البلاد ذات النظم الهشة والفاسدة. إن هذا العمل الشائن المتسم بالجشع الذى لا يمكن كبح جماحه، يضع الاقتصاد العالمى كله فى خطر. إن تراخى القوانين المصرفية جعل هذه المصارف مسئولة عن الأزمة الاقتصادية العالمية، وسهل عملية سلب المصادر الطبيعية من نفط، وغاز، ومعادن، وغير ذلك لصالح رؤساء دول، وسياسيين فاسدين... إن على الحكومات أن تضطلع بمسئولياتها لكى تضع حدا لهذا التحالف بين هذه المصارف وهؤلاء الساسة الفاسدين وعائلاتهم ".
كانت أهم محتويات هذا التقرير الآتى :
أولا: عرف العالم خلال عامى 2008-2009 أسوأ أزمة اقتصادية منذ عدة عقود مضت. وعرف أيضا أن مسئولية هذه الأزمة تقع على عاتق المصارف الدولية، والحكومات التى تديرها. فَقَد العديد من مواطنى الدول الغنية أعمالهم، ولم يتمكنوا من سداد ديونهم العقارية. لكن العالم لم يستطع أن يفهم أن هذه المصارف وهذه الحكومات، مسئولة أيضا عن تدمير اقتصاديات الدول الفقيرة، ذلك لأن هذه المصارف الدولية تحالفت مع عدد من رؤساء دول، وأعضاء أسرهم، وقبلت إيداعاتهم المشكوك فى مصادرها. لم تكن هذه الإيداعات التى تم غسيل معظمها سوى حصيلة ما استولى عليه هؤلاء الرؤساء الفاسدون وعائلاتهم من دخول المصادر الطبيعية للبلاد من نفط، وغاز، ومعادن، وماس، وغابات...الخ. ولم يقتصر الأمر على رؤساء هذه الدول وعائلاتهم، وإنما شمل العديد من كبار المسئولين فى هذه البلاد. لقد كانت الثروات التى تحصل عليها هؤلاء الفاسدون، لإثراء أنفسهم، أو لقمع شعوبهم، أو لتمويل حروب أهلية مدمرة، كافية لرفع شعوب هذه الدول عن حد الفقر وتجنيبهم البؤس والمعاناة، والاعتماد على المساعدات الخارجية، التى يتحمل معظمها دافعوا الضرائب فى الدول الغنية.
ثانيا : لا تتم العمليات المصرفية غير المشروعة إلا بوجود طرفين. أحدهما : هؤلاء الرؤساء والرسميون الحكوميون الفاسدون القائمون على رأس السلطة فى بلادهم من الذين يتحكمون فى دخول ثروات هذه البلاد بمساعدة بعض الشركات المملوكة للدولة، أو بعض المصارف الوطنية المملوكة لفرد واحد، أو عدة جهات. والثانى : هو هذه المصارف الدولية الراغبة أصلا فى تلقى إيداعات العملاء الفاسدين. وغالبا ما تستخدم هذه الشركات المذكورة كآلية مالية تعمل خارج ميزانية الدولة، أما المصارف الوطنية فتتاجر فى المصادر الطبيعية خارج دائرة المنافسة الاقتصادية.
ثالثا : من أشهر المصارف الدولية التى تواطأت مع هؤلاء العملاء الفاسدين مصرف باركليز، ومجموعة سيتى بانك، ومصرف HSBE ومصرف DEUTSCHE. بالإضافة إلى بعض المصارف الأخرى الأمريكية التى أغلقت أبوابها بعد أن اكتشف تورطها فى عمليات غسيل للأموال. وهناك عشرات من المصارف الصينية، والأوربية، البريطانية، السويسرية بوجه خاص، التى قامت بإقراض شركات نفط قومية فى أفريقيا ببلايين الدولارات بضمان النفط. فَتَح مصرف "باركليز" حسابا لابن دكتاتور غينيا الاستوائية " تيودورين أوبيانج "الذى كان يودع فى هذا المصرف عائدات النفط من بلاده، وكانت هناك أدلة على أن عائلة هذا الدكتاتور كانت متورطة أيضا وبشدة فى سلب عائدات نفط البلاد. أما مصرف "سيتى بانك " فقد قام بتمويل الحروب الأهلية فى سيراليون وليبيريا. وتستَّر مصرف " HSBE " وراء قوانين السرية المصرفية فى لوكسمبورج وأسبانيا، وأحبط الجهود الرامية إلى إثبات ضياع عائدات النفط فى غينيا الاستوائية وكذلك عمليات غسيل الأموال. أما مصرف " DEUTSCHE " فقد ساعد رئيس تركمنستان " نيازوف " المعروف بوحشيته المفرطة وانتهاكاته لحقوق الإنسان على الاحتفاظ ببلايين الدولارات من دخول الدولة من الغاز، وجعلها تحت تصرفه بعيدا عن ميزانية الدولة.
رابعا : من المفروض أن تكون المصارف الدولية هى خط الدفاع الأول ضد الفساد، لكنها لم تكن فى الواقع كذلك، فقد كانت عملية نهب ثروات شعوب الدول الفقيرة تتم عبر هذه المصارف بالرغم من وجود قوانين مصرفية من شأنها أن تحول دون قبول العمليات المصرفية المشتبه فيها. هناك قوانين لمكافحة عمليات غسيل الأموال، وهناك قوانين تلزم المصارف بالتحقق من هوية المودعين المشكوك فيهم. لكن المشكلة هى أن هذه القوانين غامضة، وفضفاضة، وغير صريحة، ومليئة بالفجوات، وغير شاملة بحيث لا يمكنها التحكم فى العمليات المصرفية التى تجرى عبر الحدود الدولية. لا تحدد هذه القوانين الآلية المناسبة للتعرف على هوية العملاء المشكوك فى إيداعاتهم، أو من يتصدر بدلا منهم فى إجراء هذه العمليات، وكذلك لا تحدد هذه القوانين آلية يمكن بها التعرف على مصدر هذه العمليات، أو التأكد من أنها ليست ناتجة عن سلب مصادر ثروات البلاد. وفى الحالات التى تتطلب فيها القوانين المصرفية تقريرا عن العملاء المشتبه فيهم، كانت سلطات المصرف تستمر فى الإجراءات الخاصة بعملية التحويل المصرفى بحيث تأخذ شكلا قانونيا، رغم وجود اشتباه فى حقيقة هذه العملية.
الواقع هو أن هذه المصارف كانت تقوم بالحد الأدنى من الالتزام باللوائح المصرفية، وكانت تستغل غموض هذه اللوائح والفجوات بها بطريقة لا تضعها فى مشاكل قانونية كبيرة. كما كانت القوانين واللوائح المصرفية فى الحكومات القومية هشة تماما، وتعتمد فى انحرافاتها على قوانين السرية المصرفية. شجعت هاتين المسألتين المصارف الدولية على التعامل مع الأنظمة الفاسدة.
خامسا :تدعى المصارف الدولية التزامها بمسئولياتها الاجتماعية عن ضمان عدم تسرب الفساد إلى عملياتها المصرفية، لكن البيانات البلاغية المصرفية شيئ، والواقع على الأرض شيئ آخر. الحقيقة هى أن هذه المصارف المتعددة الجنسيات متورطة بالفعل فى التعامل مع رؤساء الدول الفاسدين وعائلاتهم. وهذا التورط إما يتم بشكل مباشر أو غير مباشر. من أمثلة التورط المباشر احتفاظ مصرف " باركليز" بحسابات " تيودورين أوبيانج " المشار إليه سابقا لفترة طويلة. لم يقم المصرف إلا بجهد محدود فى التحقق من سلامة عملية التحويل المصرفية، وكان ذلك سببا فى غسيل بلايين الدولارات الخاصة بعائدات النفط فى هذا البلد الأفريقى الفقير، والغنى فى نفس الوقت بمصادره الطبيعية التى كانت كافية لرفع شعبه عن حد الفقر. كان " تيودور" نجل الديكتاتور الأفريقى عميلا من نوع خاص للمصرف. كان يتقاضى فى بلاده راتبا شهريا قدره أربعة آلاف دولار بصفته وزيرا فى حكومة والده، وكان يملك قصرا فى كالفورنيا قيمته خمسة وثلاثين مليون دولارا، وأسطولا من السيارات السريعة التى اشتراها من باريس.
ومن أمثلة التورط الغير المباشر لهذه المصارف مساعدة مصرف "سيتى بانك" للرئيس الليبيرى السابق " شارلز تايلور " الذى يحاكم بتهمة اضطلاعه بجرائم حرب، فى الاستفادة من تحويل دخول المصادر الطبيعية فى بلاده إلى المصرف المذكور ثم استخد مها فى تمويل الحرب الأهلية فى بلاده.
حاول المسئولون فى منظمة " جلوبال ويتنس" مخاطبة البنوك فيما اعتبرته شواهد فساد، فكتبت إلى مصرف " باركليز " فى هذا الشأن. لم يرد المصرف على المنظمة بطريقة إيجابية بل استند إلى قانون السرية المصرفية، وأبلغها أن العمليات المصرفية تتم فى حدود اللوائح الخاصة بالمصرف، وفى ضوء التشريعات التى تحول دون إتمام عمليات غسيل الأموال.
سادسا : وضعت المنظمة خطة لمقاومة هذا النوع من الفساد أكدت فيها على ضرورة أن تقوم المصارف بالتأكد من هوية العملاء المشتبه فيهم، وأن على الحكومات أن تضع التشريعات التى تضمن فيها مكافحة عمليات غسيل الأموال، وضرورة أن تقوم الحكومات القومية بتحسين القواعد القانونية فى المصارف الوطنية وضمان الرقابة، والمحاسبة، والشفافية فى تعاملات هذه المصارف. وكذلك ضرورة أن تتأكد هذه الحكومات من تطبيق وفاعلية القوانين الدولية للتغلب على العمليات المصرفية الفاسدة. كما دعت المنظمة مجموعة دول العشرين أن تنفذ وعودها بمساعدة الدول الفقيرة، وأن تدرك أن التغلب على مشكلة الفقر فى هذه الدول يتوقف على القضاء على فرص سرقة ثروات شعوب هذه الدول التى غالبا ما يجعلها السياسيون الفاسدون خارج ميزانية الدولة.
المصدر: نقلا عن مجلة المجتمع الكويتية (www.magmj.com )
------------
(1) منظمة " جلوبال ويتنس " أو ما تسمى بـ " الشاهد العالمى " أو "منظمة الشفافية الدولية" هى منظمة غير حكومية ، ليست لها أية انتماءات سياسية. تأسست فى عام 1993، تسعى إلى القيام بحملات تعمل على كشف مصادر الفساد الناتج عن نهب واستغلال المصادر الطبيعيىة، كالنفط ، والغاز، والغابات، والماس، والكاكاو. وكيف يؤدى هذا الفساد إلى إثراء الفاسدين تغذية الصراعات والحروب الأهلية، وانتشار الفقر وانتهاك حقوق الإنسان عبر العالم. وللمنظمة مكاتب فى لندن، وواشنطن العاصمة. أجرت المنظمة تحقيقات، وكشفت عن تورط رؤساء دول وسياسيين كبارا وعائلاتهم فى عمليات فساد. حصلت المنظمة على عدة جوائز دولية لما قامت به من جهود فى هذا الميدان.
Global Witness, Wikipedia, the free encyclopedia, en.wikipedia.org/wiki/Global_Witness
التقرير الأصلى
1- Global Witness - How banks do business with corrupt regimes, www.undue-
diligence.org/Pdf/GW_DueDilligence_FULL_lowres.pdf
المصادر الأخرى
2- How banks do business with corrupt regimes, A report by Global Witness, March 2009.
elombah.com/index.php?...international-banks-do-business-with-corrupt-regimes...