د- جابر قميحة - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8725
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من الحِكم الصينية المشهورة : ليس من العيب أن تسقط، ولكن العار كل العار أن تصر على السقوط.
وفي السطور الآتية أقدم للقارئ ــ في إيجاز ــ قليلا من عينات هذا الإصرارالمخزي:
**********
أشهد أن صحيفة الأهرام وقفت موقفا محايدا من قضية هشام طلعت ، فعرضت القضية برمتها، وبكل تفصيلاتها، دون أن تخدش أحدا من القضاة والشهود والمحامين وهشام طلعت نفسه.
ولكن تكية أخبار اليوم وعلى رأسها ممتاز القط مالت كل الميل إلى صف المتهم، موحية للرأي العام أنه بريء. والمعروف أن المتهم رجل " ذو حيثية " في الاقتصاد والسياسة، فانتماؤه للجنة السياسات، والحزب الوطني معروف.
ولا عجب إذن أن نرى "كرم جبر" سلطان تكية روز اليوسف في برنامج تلفازي جمع بينه وبين فريد الديب محامي المتهم. وبخفة دم مرفوضة رأينا السلطان كرم جبر يقول : ولماذا يقتل هشام طلعت سوزان تميم، وفي استطاعته أن يحظى بــ " لوري " من النساء الجميلات.
وأعجبني المحامي إذ رد عليه على البديهة قائلا : هذا كلام غالط مرفوض إنما الصواب أن تقول : لوري من النساء الساقطات. فوقع المحترم كرم جبر في حيص بيص، وعجز عن الرد راسما على شفتيه ابتسامة مغتصبة متكلفة.
ونقف أمام لقب جديد نرى أنه يناسبه في وضعه الحالي وهو " الألفي" , وكان لقبا لأحد زعماء المماليك واسمه " محمد بك "... ويقال : إنه لُـقِّـب "بالألفى " لأنه كان على رأس ألف مملوك من أشجع المماليك.
ونحن هنا نصف كرم جبر " بالألفي "، لأنه رئيس مجلس إدارة مجلة اسمها " روزليوسف " لاتوزع فى الإسبوع أكثر من ألف نسخة... ومن ثم تكلف الدولة آلاف الجنيهات كل يوم. لماذا؟ علم ذلك عند الله ، ثم الدولة، ثم كرم بك الألفي.
**********
وكرم مغرم باطلاق كلمة المحظورة على جماعة الإخوان ...فكان يقول "الجماعة المحظورة " ثم أصبح..يستخدم " المحظورة " فقط أي بلا " جماعة " أي أنه يتعامل مع الصفة بلا موصوف،
فكثيرا ما تقرأ لكرم : علينا أن نتصدى للمحظورة.. خطر المحظورة... المحظورة رائدة الإرهاب... الخ.
فالرجل يجد متعة كبيرة فى تكرار هذه الكلمة.. التي يكتبها فى مجلته الألفية أو يذكرها – ويصر عليها – فى برامج التلفاز، فكأنها أصبحت عضوا من أعضائه.. أو جزءا من جهازه العصبي.
**********
ومن أيام وفي برنامج " العاشرة مساء " أعلنت السيدة منى الشاذلي أن هناك مفاجأة مهمة جدا، وهي الاستماع لــ " فلان " الذي زار هشام طلعت، ومكث معه خمسا وأربعين دقيقة. وكان هو الضيف الوحيد في الحلقة. ونورد في السطور الآتية قطوفا مما جرى على لسانه. يقول " فلان " هذا، والدموع تغرق عينيه :
لقد دخلت عليه فرأيته في حالة روحانية عجيبة، وهو يردد قول النبي صلى الله عليه وسلم ، مخاطبا رب العزة :
" اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلَّة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الرحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدوٍ ملكته امري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي ".
وانطلق صاحبنا والدموع تغرق عينيه يتحدث عن إنسانية هشام طلعت، وفضله على الاقتصاد المصري، وتحدث عنه بكلمات أخر منها : "... ونحن جميعا نعرف أن هشام طلعت من أسرة عريقة جدا، أصيلة جدا، شريفة جدا، تنتشر في كل أنحاء الجمهورية " .
وكنا ننتظر أن تتدخل السيدة الفاضلة منى الشاذلي معترضة على منطقه هذا، بمقولة أن عراقته وامتداد أسرته، وأصوله الكريمة، وشرفها، وأمجادها... كل أولئك لا دخل له في الثواب والعقاب.
وكان عليها أن تذكره بالشريفة الأصيلة التى سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر أن تقطع يدها، ووسَّط الناس الحِب بن الحِب أسامة بن زيد ليشفع لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظهر الغضب على وجهه ونهر أسامة وقال : " ما هذا يا أسامة !! أجئت تشفع في حد من حدود الله ؟ ! لقد أهلك من كان قبلكم أنهم كانواإذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الفقير أقامواعليه الحد . والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ". وأمر بقطع يدها.
كان هذا ما يجب أن تدحض به السيدة منى حجة صاحبنا، ولكنها ــ للأسف ــ لم تقل هذا، ولا ما يقرب من هذا. وسألت السيدة منى هذا الضيف : ماذا تقول في ملايين الدولارات التى دفعها للتخلص من سوزان ؟ أجاب " فلان " والدموع تملأ عينيه، ولكن في نبرة غاضبة : من قال هذا ؟ من قال هذا ؟... هذا لم يحدث أبدا.
سألته منى الشاذلي : باسم من يتكلم ؟ فأجاب على البديهة : إنني أتحدث باسم العائلة كلها وخصوصا مدام سحر، والمهندس طارق... و... و.
وكان الانطباع عند كل من شاهد هذه الحلقة أن ضيفنا " فلان " حضر مبرمجا، وأنه فرض على مقدمة البرنامج من جهة سيادية، لا تستطيع منى أن ترفضها، أو تناقشها بحرية، أو كانت تحضر مع فلان هذا ضيفا يمثل الرأي الآخر في هيئة ندوة. ولكن صاحبة العاشرة مساء ما كانت تستطيع أن تفعل ذلك.
**********
وكم استبد بي الحزن والأسى وأنا أرى قاضيا كبيرا يعلن الحكم على عدد من المتهمين في قضية مشهورة، فوجدته ينطق كلمة " مائة " ماءَه ، وتكرر منه ذلك فبدلا من ثلاثمائة ينطق ثلاثماءه. وستمائه ينطقها سيادته : ستماءه.
وكانت لطمة على وجه العربية، من قاض المفروض أنه ــ في الأحكام التى ينطق بها على الأقل ــ يملك ناصية اللغة، فاللغة هي هوية الأمة، بل عرضها.
وكان اللحن ( أي الخطأ في اللغة ) يعد عارا، ما بعده عار. ونقرأفي كتب التراث عن عبد الملك بن مروان حينما سئل : ما الذي شيبك ؟ فأجاب " طلوع المنابر، وتوقع اللحن".
**********
ولعلنا نذكر أن القط الذي يتربع على كرسي تكية أخبار اليوم ، كان يدافع دفاع المستميت عن صفقة القمح الفاسدة. فهو في صف شحنة القمح التى استوردها رؤوس كبيرة من روسيا، ويبسِّط المسألة على المواطنين زاعما أن الشحنة صالحة للاستعمال البشري،معتبرا غير رأيه هذا خيانة وطنية، فمما كتبه سيادته في أخبار اليوم بتاريخ 23 مايو 2009 ::
"..... لكن لا أحد ــ ايضا ــ يقبل أن تكون زوبعة القمح الروسي الفاسد المثارة هذه الايام، مجرد "شو اعلامي" لتغطية حروب المستوردين، الذين يكشرون عن أنيابهم ضد الحكومة، التي لجأت ونجحت في تنويع، وتوسيع مصادر الحصول علي القمح.
والغريب، أن توقيت اثارة وجود قمح روسي فاسد، جاء رغم أن الشحنة لاتزال تمر بالقنوات الطبيعية للافراج عنها، سواء مطابقتها للمواصفات الخاصة بالجودة، أو مطابقتها صحيا وزراعيا.
ولكن اللوبي الذي يقدم خدماته لكل من يدفع أكثر، نزل بكل ثقله ليروج شائعات كثيرة حول فساد القمح، وكان من الطبيعي أن تبدأ ردود الفعل من هنا وهناك، بما فيها نفي المسئولين الروس، لما تروج له بعض وسائل الاعلام الخاصة، التي ترتبط بمصالح قوية وراسخة، مع لوبي رجال الاعمال وكبار المستوردين.
اختيار التوقيت لزوبعة القمح الروسي الفاسد، جاء متزامنا مع جو من البلبلة والتشكيك في سلامة الاغذية، بما يولد شعورا من عدم الثقة، والنفور بين المواطنين، في إطار حالة الإحباط التي تحاول قوي الظلام فرضها علي المجتمع، والتشكيك في كل شيء."
وجند القط عاميته الساقطة يؤيد بها رؤيته للقمح، فكتب بعاميته الكسيحة تحت عنوان : عايزين جنازة ونشبع فيها لطم!!
"حقيقة يبدو أنها اصبحت سياسة ثابتة لبعض أحزاب المعارضة التي تصول وتجول في محاولة لهدم كل بارقة أمل في حياة أفضل!! تحولت صفقة من القمح إلي فضيحة تحاول المعارضة أن تجعلها شعارا تصم به كل مايتم علي أرض مصر، رغم أن الصفقة المتهمة كانت لاتزال تدورفي مرحلة الشبهات والاتهامات التي لا تستند لدليل".
**********
فما رأي القط بعد أن جاءت الريح بما لا تشتهي سفينته : فقد أمر المستشار عبد المجيد محمود النائب العام بإعادة شحنة القمح المستوردة من روسيا إلى خارج البلاد، وإلزام المستورد برد قيمتها البالغة 9.6 مليون دولار إلى الهيئة العامة للسلع التموينية، والتي قام المستورد بصرفها من حساب الهيئة ، وأشاد مجلس الشعب بقرار النائب العام بإعادة صفقة القمح الفاسدة لروسيا (الأهرام 10 ــ 11 6 2009 ).
نعم يا قط، ما رأيكم دام فضلكم ؟؟!!!
**********
وفي (أخبار اليوم ــ 13 6 2009 ) يكتب القط في ازدهاء وانبهار، بعنوان" فنجان شاي مع الرئيس" :المكان هو، الفيلا الصغيرة (!!!!!!!) الخاصة بالرئيس مبارك وعائلته في شرم الشيخ. وكان في المنزل أحد عمال البناء يقوم بطلاء الجدران، عندما فوجيء العامل بالرئيس مبارك يأتي إليه مصافحاً، ويجلس بجواره، داعياً إياه لتناول كوب من الشاي معه.
لم يصدق العامل نفسه، حاول إخفاء فرحته، كلماته تلعثمت وهو يصافح ويتحدث للرئيس،.
سأله عن المواصلات التي يستخدمها.. وأين يقيم.. وشيئاً فشيئاً بدأ العامل يستجمع شجاعته، وهو غير مصدق أنه يجلس مع الرئيس، ويتحدث إليه... مبارك الذي كان من أحلامه أن يراه علي الطبيعة، وليس من خلال شاشة التليفزيون.
**********
في مدخل استراحة برج العرب، توجد مجموعة من المنازل الريفية القديمة يملكها بعض البسطاء، بالاضافة لبعض محلات البقالة الصغيرة، رفض الرئيس مبارك بشدة أن يتم إخلاؤها من سكانها أو هدمها، وقال الرئيس: "النبي وصَّي علي سابع جار.. وهم أصحاب المكان، اتركوهم في أماكنهم، فهم جيران أعزاء "..
**********
مبارك ابن الارض الطيبة.. القرية التي صاغت منظومة حب وولاء وانتماء لكل أبنائها، وسط سياج من الأخلاق والأصالة، التي يظل بريقها ذهباً لا يخبو مع الايام.
الرئيس مبارك يستيقظ مبكرا، ليبدأ في ممارسة عمله الجاد والشاق.. عشرات المكالمات التليفونية يجريها الرئيس مع الوزراء والمحافظين وكبار المسئولين، وكثير منها يرتبط بشكاوي المواطنين وطلباتهم.
ويورد القط عددا من الحالات الفردية تحتاج لإنقاذ عاجل. يتصل الرئيس هاتفيا (من فيلته الصغيرة !!!!!!) بالوزير أو الكبير المسئول، ويأمره بحل مشكلة المواطن فورا، ولو كان في ذلك تخطي اللوائح والقوانين.
ولو كان القط كاتبا حرا، يعتز بشخصيته ومصريته وعروبته، وقيمة العدل والمساواة... لوجَّه لمبارك ــ في هدوء وتظرف وابتسامة عريضة ــ الكلمات الآتية، أو ما يحمل معناها :
" سيادة الرئيس : انطلاقا من سماحتك واعتزازك بكل المواطنين نأمل أن تصدروا قرارا بالإفراج عن المعتقلين والمسجونين السياسيين، بما فيهم الذين حوكموا أمام القضاء العسكري ".
معذرة أيها القارئ،لا تتعجل وتتهمني بالسذاجة، فأنا أعلم أنني أطلب المستحيل من قط يقول لمبارك ــ بلسان الحال ولسان المقال ــ " إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ". إنما قلتها قاصدا بها وجه الله، وفي جعبتي قول الشاعر:
لقد أسمعتَ لو ناديت حيا = ولكــن لا حــياة لـمن تنـادي
ونار لونفخت بها أضاءت = ولكن ضاع نفخك في الرمادِ
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: