كلمات وشعارات في مواجهة الواقع
د - جابر قميحة - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 14869
Komeha@Menanet.net
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أعتقد أن مصر في عهد الثورة من أكثر بلاد العالم في استخدام الشعارات، في شكل عبارات، وكلمات مفردة.
والمعنى اللغوي "للشعار" هو ما التصق بالبدن مباشرة من الثياب، وتطلق كلمة الشعار ـ اصطلاحًا على المفردات الآتية:
1 ـ العلامة التي ينصبها الجنود، أو يحملونها في الحرب ـ كراية ذات لون معين، أو عبارة معينة، ليعرف بها الجندي فريقه، وقد يكون ذلك في السفر أيضًا.
2 ـ الهتاف الذي تعلو به أصوات الجنود ـ في الحرب غالبًا ـ تعبيرًا عن قوة العقيدة، ورسوخ الإيمان، ولتحميس الجنود، ورفع معنوياتهم، وبث الخوف في نفوس الأعداء.
وهو كذلك الهتاف الذي يردده جمهور أو تجمع معين تعبيرًا عن توجه حزبي، أو وطني.
3 ـ العلامة الرسمية المطبوعة التي تدل على الدولة، وغالبًا ما تكون في علمها: كعبارة ":لا إله إلا الله محمد رسول الله" في علم السعودية، والنجمة السداسية في علم دولة العدوان الصهيوني، وقد يكون الشعار لجماعة من الجماعات: كالسيفين يعانقان المصحف، شعار الإخوان المسلمين، وفي الوقت الحاضر نرى كل محافظة من محافزات مصر تتخذ لنفسها شعارًا يمثل ـ غالبًا ـ أهم منتج لها في مجال الصناعة أو الزراعة.
4 ـ العنوان الذي يدل على موضوع محوري، يناقش في مؤتمر عام، كأن ينعقد المؤتمر تحت شعار "الحضارات حوار لا صراع" أو شعار "سلام بلا تنازل" أو شعار "حرية التعبير، لا حرية التدمير".
ولم تكن الشعارات أيام الرعيل الأول من المسلمين، مجرد عبارة مكتوبة، أو هتاف تعلو به الحناجر، ولكنه كان إعلانًا نابعًا من القلوب، يبين عن التزام عملي صادق بالانتصار للحق، وإعلاء كلمة الله، والاستهانة بالموت، والثبات على الإيمان واليقين.
وفي مصر: قامت الثورة سنة 1952م، فملأت على الناس حياتهم بالشعارات، وعلى أوسع نطاق نشرت السلطة شعار " الاتحاد، والنظام والعمل " وهو شعار يحمل في ظاهره دعوة إلى وحدة الصف والتعاون، والتماسك، وأخذ النفس بالنظام في كل مناحي الحياة، والعمل المتواصل في صدق وإخلاص، دون تكاسل وقعود، فهو إذن شعار سلوكي عملي "لو تحقق" على كل المستويات، وأخذ الناس أنفسهم به حكامًا ومحكومين ـ لحققنا من التفوق والتقدم والانتصارات الكثير والكثير.
ولكن المسألة كانت جعجعة بلا طحن.. كلامًا في الهواء، للإيهام والدعاية، والاستهلاك المحلي لانعدام القدوة الحسنة في الحكام الثوريين الذين دب الشقاق في صفهم، فشقه، واصبح التآمر هو سيد الموقف، فتخلص عبد الناصر من محمد نجيب القائد الحقيقي للثورة، ومن أبطالها الحقيقيين من أمثال عبد المنعم عبد الرءوف، وأبي المكارم عبد الحي، ويوسف صديق، ونجح عبد الناصر وبطانته في زرع روح الرعب في نفوس الشعب، فكثيرًا ما كنا نسمع الأمثال والعبارات الآتية: الحيطان لها ودان، وأنا مالي يا عم سبنا ناكل عيش، وأنا مالي أنا راجل عندي عيال، وهيمنت كذلك ـ بفعل الخوف ـ روح اللااكتراث واللامبالاة.
ونشأت طبقة جديدة هي، طبقة الضباط العظام، الذين نهبوا القصور الملكية، وأموال الحراسات، وتحكموا ـ هم وأقاربهم ـ في أعناق الشعب، وتحكموا في الاستيراد، والتصدير، والتجارات، والتهليبات، وأصبحوا هم الوساطات النافذة لتخطي القوانين، وتحقيق المعجزات.
أما النظام فقد نسينا شكله ومضمونه في الشوارع والمصانع، والمتاجر، والدواوين الحكومية.
وأخيرًا، أثبتت الإحصاءات الرسمية أن متوسط "ساعات" العمل اليومي للعامل المصري هو 28 دقيقة في اليوم، فالأصح إذن أن نقول "متوسط دقائق العمل اليومي".
فأين الاتحاد.. والنظام.. والعمل.. يا مفجري الثورة الميمونة؟!
**********
ومن الشعارات الثورية التي ولدت ميتة ؛ لأنها كانت كذلك تناقض الواقع الذي تعيشه الأمة ـ شعار "لا صوت يعلو على صوت المعركة"، وهو شعار غريب غامض؛ لأن المعركة عمل ناشط ـ لا صوت له ـ يهدف إلى تحرير الأمة، والدفاع عنها، ومواجهة أعدائها، ولكن هذا الشعار الذي اخترعه الثوريون، اتخذ ذريعة لإخراس كل نقد نزيه، وإلغاء صوت العقل والضميرلا، وإلقاء المخالفين في غيابات السجون.
فإذا كان للمعركة صوت، فقد كان هناك صوت أخر يعلوه، ويتفوق عليه هو صوت الظلم والاستبداد، والحكم الفردي المطلق الذي لا يسأل عما يفعل.
**********
وكان لا بد لهذا الشعار من شعار آخر يسانده، فكان شعار "الحرية للشعب" ولا حرية لأعداء الشعب، والثوريون ـ أبناء الميمونة ـ لا يقصدون بأعداء الشعب الأمريكان، أو الملاحدة، أو التهليبيين، أو قطاع الطرق، ولكنهم يقصدون بأعداء الشعب معارضيهم، وناقدي سياستهم التي جرت الوطن للخراب، والمتمسكين بدينهم وقيمهم فلم يسايروا الحكام في تمجيد حماقاتهم، وحرق بخور النفاق تحت أقدامهم فهؤلاء ـ في نظر أبناء الميمونة لا يستحقون أن يتمتعوا بالحرية، ومثواهم السجون، وعقباهم القتل والتشريد، وقطع الأرزاق.
أما الشعب الجدير بالحرية ـ في نظر أبناء الميمونة ـ فالمقصود بهم بطانات السوء، والمنافقون والمهرجون والمطبلون والراكعون الساجدون لفراعين الميمونة.
**********
وكان أشهر شعار ساداتي هو "لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة"، ولا يكاد خطاب واحد من خطاباته يخلو من هذا الشعار. ويشاء الله أن ينتفض السادات نفسه شعاره هذا بإدخاله الدين في السياسة، فقد كان يختم كل خطبة "سياسية" من خطبه بقوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران: 8).
ولسنا في مقام الرد على هذا الشعار المفتري، ولكنا نشير إلى أن وسائل الإعلام، وحملة المباخر، والعلمانيين حاولوا تأييد هذا الشعار، بما يدور في فلكه مثل قول الشاعر:
الدين للديان جل جلاله =
لو شاء ربك وحد الأقواما
ومثل قولهم "الدين لله، والوطن للجميع". وهي عبارة فاسدة، و "قسمة ضيزى" والصحيح أن نقول "الدين لله، والوطن لله، فهو القائل: (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ) (النحل: 52) جاء في التفسير الوجيز، ومعناه: ولله سبحانه جميع ما في السماوات والأرض ملكًا وخلقًا وتصرفًا، وله الطاعة والإخلاص دائمًا لازمًا، أتخافون غير الله الذي لا يضر ولا ينفع؟".
ويمكن أن نقول "الدين للجميع، والوطن للجميع"، بمعنى أن اعتناق الدين واجب حتمي على كل إنسان، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: 13).
والدين بقيمِهِ ومُـثله العليا، هو الذي يجعل للوطن كيانًا صالحًا قويًا، لا يضعف، ولا يهون، ورحم الله من قال "إن قيمة الوطن ليست بما فيه من ماء وطين، ولكن بما فيه من خلق ودين".
**********
ومن الشعارات التي أتمنى أن تختفي من حياتنا ذلك الهتاف الفارغ الأعشى "بالروح.. بالدم نفديك يا ريس". وقد استخدم هذا الشعار في عهد السادات أكثر من غيره.. ويوم المنصة.. يوم مصرع السادات في السادس من أكتوبر سنة 1981م، لم نجد واحدًا من الذين هتفوا "بالروح بالدم نفديك يا سادات " إلا ولاذ بكرسي من كراسي المنصة. ورقد تحته خوف الرصاص.
**********
أما شعارات الحرب التي كانت ترددها الجماهير فحدث عنها، ولا حرج، ومنها: " في العقبة قطع الرقبة "، " عبد الناصر يا حبيب بكره عيدنا في تل أبيب ".
ومن الشعارات الاجتماعية: "البدلة الشعبية، أحسن من الجلابية (مع ملاحظة أن السادات في لقائه السنوي مع همت مصطفى كان حريصًا على الظهور بالجبلابية)".
ومنها الدعوة إلى شد الأحزمة على البطون "مع ملاحظة أن الذين وجهوا هذه الدعوة كانوا يستحضرون بالطائرة للاستعمال الشخصي أرقى أنواع الكافيار، والفودكا، والجبن، والكانجرو".
**********
شعار واحد فقط نجح في عهد الميمونة، وهو ذلك الهتاف الذي كان جنودنا يطلقونه بثقة وإيمان وهم يقتحمون خط بارليف، وهو شعار "الله أكبر" فنصرهم الله، وثبت أقدامهم.
**********
ولنختم مقالنا بالعهد المباركي: عهد الحزب المسمى (الحزب الوطني الديمقراطي) وقد كثرت الشعارات، مما يحتاج إلى مبحث مستقل، وأكتفي بإشارة عاجلة إلى شعار (العبور الأول)، و (العبور الثاني)، وليس هناك من الشعب من يعرف مفهومهما، ولا الفرق بينهما.
**********
وربما كان أخر العطاءات اللغوية للرئيس عبد الناصر هو استعماله كلمة " فشخرة "، وذلك في مقام حملته على رجال الأعمال الذين يبذرون أموالهم في المظاهر الكذابة، وحياة الرفاهية، وأذكر أنني لم أسمعها من زعيم قبله، وإن اشتهرت الكلمة في الأوساط العامية. فيقال : فلان بتاع فشخرة : أي مظهريات وانتفاشيات، وفلان متفشخر، أي يظهر أمام الناس بهذه الصورة. والكلمة لا وجود لها في معاجم اللغة، وإن كان هناك وجود لكلمة أخرى هي " فشخ " :جاء في ( لسان العرب ) الفشْخُ : اللطم والصفع في لعب الصبيان والكذب فيه ؛ فشَخه يفشَخه فشْخاً. وفشَخَ الصبيان في لعبهم فشْخاً : كذبوا فيه وظلموا. وفَنْشَخَ وفَنْشَخَ: أَعيا.
والكلمة تستعمل في العامية كثيرا بالمعنى الذي قصده رئيس الجمهورية، وقد يبين عن ذلك ما كتبه أحد المفكرين، وننقل عنه السطور الآتية، وهي بعنوان " الفشخرة الكذاية ! " :
" أعتقد أن ابن خلدون هو القائل بأن الناس على دين ملوكهم. أى أن الرعية من الناس تميل إلى تملق الحاكم بتقليده والسير فى ركابه إيثاراً للسلامة وراحة البال. ولو كان الرئيس مبارك محقاً فى دعوته لرجال الأعمال بالابتعاد عن مظاهر " الفشخرة " لضرب لهم المثل أولاً بحكومته ورجال دولته الذين يجاهرون بالفشخرة، وينهلون منها أكثر مما ينهل غيرهم من الأثرياء ورجال الأعمال. أليست مواكب المسئولين التى تمخر الشوارع فى الرواح والغدو وتعطل مصالح الناس نوعاً من الفشخرة ؟ أليست الحاشية التى تضم العشرات من المستشارين والسكرتارية والشماشرجية الذين يحيطون بكبار المسئولين وحتى صغارهم. فى مكاتب الحكومة نوعاً من الفشخرة ؟ أليست المهرجانات التى لا يكاد الواحد منها ينتهى حتى يبدأ الاعداد للتالى نوعاً من الفشخرة ؟ أليست قصور وفيلات المسئولين فى شرم الشيخ والساحل الشمالى والغردقة. نوعاً من الفشخرة ؟ أليس السفر لمصايف أوربا وكثرة السفريات للخارج نوعاً من الفشخرة ؟ أليست مؤتمرات شرم الشيخ المتتالية وانتقال الحكومة بكامل هيئتها إلى هناك نوعاً من الفشخرة ؟
لماذا إذن نطالب رجال الاعمال بالكف عن الفشخرة ومظاهر الترف بينما نقوم نحن بالإسراف والفشخرة والبذخ أكثر مما يفعل هؤلاء ؟ لماذا نأمر الناس بالبر وننسى أنفسنا ؟! لو كانت الحكومة قد فرضت الضرائب على الفشخرة والبذخ وتشددت فى تحصيلها من هؤلاء الذين يتفشخرون ويسرفون ويبذخون. لما وصل هؤلاء إلى ما وصلوا إليه متجاوزين كل حد للأسراف والبذخ.!
لماذا نكتفى بالرجاء وفى يدنا سيف القانون والسلطة ؟! لماذا نطلب منهم رجاء وبالحسنى أن يكفوا عن البذخ والإسراف والفشخرة. وفى أيدينا أن نجبرهم على ذلك بالقانون لنأخذ منهم حقاً رفضوا أن يمنحوه لأصحابه طواعية وعن طيب خاطر ؟
لو رأى هؤلاء التقشف من الحكومة. وتوخي العدل. لشعروا بالخجل مما يقومون به من فشخرة وإسراف. ولكنهم لم يلمسوا ذلك من حاكمهم. بل رأوا عكس ما يطالبهم به. فتصوروا أنهم يطالبونهم بالكف عن الاسراف والبذخ والأبهة لتكون لهم مظهراً وحقا لأصحاب السلطة وحدهم دون أن ينافسهم فيها أحد.!
والغريب أن يحدث ذلك فى بلد يستجدى الناس تبرعاً لبناء مستشفى سرطان الاطفال. ويتجول فى شوارعه عشرات الألوف من الأطفال الضائعين. ويبدأ مواطنوه يومهم بالوقوف فى طوابير الخبز. ويعيش نصف سكانه تحت خط الفقر. بينما تقوم حكومته ببناء دار للاوبرا فى دمنهور. قبل أن يتخلص مواطنوها من الناموس والقمامة فى الشارع.!
إذا كنا صادقين فى دعوتنا للكف عن الفشخرة والإسراف. فلنضرب المثل بأنفسنا. ونتقى الله فى أموال الناس التى جعلنا مستخلفين فيها بالحق. وليس بالغصب وسيف السلطان !!
سليمان الحكيم (المصريون) : بتاريخ 10 - 5 – 2009
**********
وهناك كلمة تدور على ألسنة المواطنين من عشرات السنين، بل مما يزيد على قرنين، وهي كلمة " طــــز ". وفي الاستعمال الدارج تسأل شخصا ما : مارأيك في فلان ؟ فيأتيك الجواب : " طــــز "، أو " طـــــز فيـــه ". والكلمة لا تدل إلا على الاستهانة والتحقير، وعدم المبالاة.
وهي ليست كلمة عربية، ولكنها كلمة تركية قديمة. ومعناها " ملح " . وحكايتها أنه عندما كان الأتراك يسيطرون على العرب في مراكز التفتيش كان العرب يذهبون لمبادلة القمح بالملح..
فعندما يمر العربي خلال بوابة العسكري التركي وهو يحمل اكياس الملح يشير إليه التركي بيده إيذانا بالدخول ودونما اكتراث بقول(طز) (طز) (طز) فيجيب العربي (طز) بمعنى إنه فقط ملح أي لا شئ ممنوع أو ذا قيمة، فيسمح له بالدخول دون تفتيش.
**********
مبارك مصر.. أم مصر مبارك؟!
الحاكم للوطن، والوطن للجميع. وأنا أعتقد أن مبارك لا يرضيه تعبير «مصر مبارك» الذي يتردد في الصحف والأغاني، وعلي ألسنة كثير من الوزراء والكبار، وهو -كما هو واضح- تعبير ضليع في «النفاقية» لأنه يعكس الحقيقة السوية التي تلزمنا أن نقول: مبارك مصر, وجيش مصر، و«نظيف» مصر.
وقبل قيام الميمونة سنة 1952 لم يقل أحد: «مصر فاروق، أو مصر فؤاد، ولا مصر محمد علي». وإني لأخشي أن نسمع في السنوات القادمات. مصر والي، ومصر الشريف، ومصر الشاذلي!!!.
توجيهات الرئيس
وفي الفلك نفسه تدور عبارة أخري - وإن كانت أقل توهجا- وهي «عملا بتوجيهات السيد الرئيس» أو «تحقيقا واستجابة لما وجهنا إليه سيادة الرئيس... سنعمل كذا... أو... نطبق كذا...», وهي عبارة دارت, وتدور علي لسان كل وزير, أو كبير.
وتوجيهات الرئيس ترمي إلي تحقيق المصلحة العامة من وجهة نظره, ومن وجهة نظر الوزير علي الأقل. ولكن هدف الوزير من هذا التصريح هو إكساب عمله شيئا من الحماية, وتقدير الشعب والجهات الرسمية له... وذلك برده, أو ربطه بأعلي قمة في البلد.
وقد تبلغ حماسة الوزير لمشروعه, وحرصه علي تنفيذه حدا غير سوي بأن يجري علي لسان الرئيس مبارك ما لم يقله, كذلك الوزير «التحفة» الذي زعم أن الرئيس قد وافق علي مشروعه في «ردم» جزء من النيل, ولا أدري كيف تلقي الوزير الصدمة, وهو يري الرئيس يكذبه, ويعلن أنه لم يُبٍد أية موافقة علي هذا المشروع.
وعودا علي بدء أسأل: ما موقف الوزير -أي وزير- لو أن الرئيس لم يكن له توجيهات في نطاق الأعمال والمهام التي يضطلع بها الوزير? هل يتوقف عن العمل إلي أن تصدر مثل هذه التوجيهات, ولو في شكل عام دون تحديد? ألا يكون في ذلك تعطيل للعمل العام, وإساءة إليه? وأين ما يجب أن يتمتع به الوزير -أي وزير- من عقلية فاعلة, وفكر ابتكاري, واستقلالية في اتخاذ القرار?!!
نعم إنها أمنية أن تختفي من حياتنا -إلي الأبد- هذه العبارات, وما يدور في فلكها: «مصر مبارك- وعملا بتوجيهات الرئيس - وبالروح والدم نفديك يا ريّس؟».
**********
ومما يؤسف له أن هناك " وصفا "، بلغ حد الاصطلاح وهو " المحظورة " يطلقه رجال الحزب الوطني الديمقراطي ( !!!!!؟؟ ) حزب الأغلبية ( !!!!!؟؟ )، وأعضاء لجنة السياسات، والهبارون والهباشون أصحاب الكروش الواسعة، ومن صار على دربهم، وتعلق بأذيالهم من الكتاب والصحفيين. وهذا اللقب أو الوصف، أو الاصطلاح لا يطلق إلا على جماعة الإخوان، ويقصد به أن هذه الجماعة محظورة، أي ممنوعة من الوجود، لأن القانون لا يعترف بها، وأصبح مجرد الانتساب لها جريمة يعاقب عليها المنتسب.
والحق يلزمنا أن نعرض على القاريء قليلا من التفصيل :
الحظر في واقعنا السياسي..
الحظر – لغة - هو المنع والحجر -كما ذكرنا. ودون أن ننفصل عن هذا التعريف, وفي ضوئه أري من الضروري - في هذا السياق - أن نلقي نظرة علي واقعنا السياسي والحزبي في العهد المباركي:
1- فهناك أحزاب وُلدت «محظورة بطبيعتها، وحظرها حظر ذاتي إرادي، فهي أحزاب «مجمدة» أو معلبة, لأنها لا تملك من «القدرة» والقوة الشعبية ما يمكنها من التحرك والتأثير. والناس لا يعرفون إلا اسم رئيس الحزب, وأعضاء مجلس إدارته هم جمهوره وأنصاره, ولا يعرفهم الناس, ولا يعرفون عنهم شيئًا, وما سمحت الحكومة بقيام عدد من هذا «النوع» «الجامد أو المجمد أو المعلب» إلا ذرا للرماد في العيون, وهي تدعي بأننا «دولة ديمقراطية» بدليل وجود هذا العدد الكبير من الأحزاب عندنا.
2- وهناك أحزاب محظورة حظرًا جزئيًا فهي مشروعة ولكنها لا تملك من حرية الحركة إلا ما تسمح به الحكومة, وشبيه بذلك حالة حزب «العمل» الذي «جُمد» نشاطه مع أنه نشأ مشروعًا في الأصل.
الحزب الوطني هو المحظور
والذين يحكمون بالحظٍر, أو الإباحة في مجال الأحزاب يعتمدون علي الظاهر المشهور من التحرك والنشاط والإجازة القانونية. ويغفلون أهم قواعد الثبات والبقاء والتفوق الحزبي. وأعني بها القاعدة النفسية, أي مكان أو مكانة هذا «التنظيم الحزبي» قادة, ومبادئ, وخططا في نفوس أعضائه بخاصة, ونفوس الشعب بعامة, لأن الحظر أو الإجازة لا يكونان بقرار حكومي سلطوي, ولكن بقرار شعبي عملي يصدر بلسان الحال , لا لسان «المقال», ويتمثل في ثلاثية: الحب والاعتناق والالتفاف. أي حب الأعضاء للحزب وإخلاص الود والوفاء له, واعتناق مبادئه والإيمان بها إيمانًا عميقًا, والالتفاف بمعني حماية الحزب, والتضحية في سبيله بالنفس والولد والمال.
ولننظر إلي الحزب الوطني, وترجمته تتمثل مفرداتها فيما يأتي:
1- إمكانات ضخمة من المال والمباني والحراسات وأمن السلطة.
2- أغلبية مدّعاة, قالوا إنها لا تقل عن ثمانين في المائة, وأنها لن تقل عن ذلك في المستقبل, وكل مستقبل, بل ستزيد زيادات مطردة, بذلك صرح الشاذلي ذات يوم لصحفي «بالعربي الناصري» وأقول «قلبك أبيض يا شاذلي... فالغيب لا يعلمه إلا الله».
3- براعة فائقة في فنون تزوير الانتخابات والإرادات, والتأمين «الأمني» المكثف.
4- تقديم أهل الولاء الحزبي علي أصحاب الخبرات والولاء الوطني, بصرف النظر عن مصلحة الشعب, وخصوصًا الطبقات الدنيا.
5- الوعود البراقة التي لم يتحقق منها شيء, بل تحقق بها نقيض المنشود مثل: الوعد.. بل الوعود برفع المعاناة عن المواطنين, والقضاء علي البطالة, والارتفاع بمستوي التعليم والثقافة... إلخ.
وبعد كل أولئك من حقي أن أقول إن هذا الحزب الوطني هو «المحظور» الأول في كل الأحزاب, فهو «المكروه» الأول, وهو «المعزول» الأول, فليس له «قاعدة نفسية» في نفوس الشعب, بل بني كبارهم بينهم وبين قلوب شعبنا المطحون حائطًا خرسانيًا سميكًا متينًا. فإذا سمع أحد المواطنين اسم «الحزب الوطني» قفزت إلي خاطره كلمات النفعية والادعاء والتزوير والبهرجة و«العض» علي الكراسي بأسنان أقوي من حديد «أحمد عز»!
**********
فمتى نرى حكامنا يتحيزون إلى الحق والحقيقة، ويبتغون ــ فيما يفعلون، وفيما يقولون ــ وجه الله، ثم مصلحة مصر والعرب، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ويجعلون العدل هو المصباح الذي يبدد ظلمات حياتهم، وسياستهم ؟... متى ؟... متى ؟... نأمل أن يكون ذلك قريبا.
21-05-2009
|