(50) تعدى نجيب محفوظ على الله والأنبياء :"إبداع أدبى وحبكة فنية روائية أم انحراف عقدى"
د - أحمد إبراهيم خضر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 20396
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
استفاض النقاد والكتاب من الغيورين على الدين فى بيان مدى تعدى وتطاول "نجيب محفوظ" على "الله" تعالى والأنبياء، لكن الذى نود التأكيد عليه هنا، هو أن هذا التطاول لم يكن وليد ما يسميه المتطاولون على الدين بالإبداع الأدبى أو مايسمونه بالحبكة الفنية في الرواية، وإنما هي خط فكرى التزم به الكاتب منذ بداية أعماله الأولى وحتى حصوله على جائزة نوبل. وقد شهد عليه بهذا بخلاف الدكتور"عبد المحسن بدر" الدكتور "عبد الرحمن ياغي" . يقول " الدكتور ياغى" فى كنابه " الجهود الروائية بين سليم البستانى ونجيب محفوظ " ص 93 :"... أقول أن مقالات – المجلة الجديدة – الشهرية هي أهم الدراسات بالنسبة لموضوعنا الآن...ومن أهم هذه المقالات دراسته (الجريئة) عن (الله) فى عدد يناير 1936... ثم يتابع الإلحاح على هذه القضية مرة اخرى في مقاله "فكرة الله في الفلسفة "عدد يناير 1936". استخدم " محفوظ" الرمزية فى هذا التعدى فرمزإلى "الله" تعالى بشخصيات بارزة فى رواياته مثل شخصية " سيد سيد الرحيمى " وشخصية " الجبلاوى".
لكن الدكتور " محمد حسن عبد الله " الذى اتهمه بعض مريدى " نجيب محفوظ" بالإلتباس والخطأ فى فهم " محفوظ"، دافع عن أديبه فى دراسته " الإسلامية والروحية فى أدب نجيب محفوظ" فاعتبر أن هذه الرمزية لا تعتبر جرأة على الله وإنما هي شدة إيمان بالله لأن الرواية عند "نجيب محفوظ" ترى أن البداية من الله وأن الحل كله في يد الله، فيقول الدكتور " عبد الله " في ص 18: " أن الحل كله في يد الرحيمي، وان انتساب الإبن لابيه يعني أساساً انتفاء الجريمة وعدم وقوعها من الأصل... الإنتساب إلى الأب هو الطريق الطبيعي.... البداية من الله لا غير".
هذا الدفاع الذي يقدمه الدكتور" عبد الله " إدانة لـ " نجيب محفوظ"، وشهادة في نفس الوقت على تأثر الأخير بفكرة التثليث النصرانية حيث يشعر القارئ بشدة هذا التأثير في رواياته من خلال شخصيات الأب والإبن ومارجريت والكنيسة. كما تفوح ارتباطاته النصرانية في الحديث الذي أدلى به لجريدة وطني (القبطية) في 20/12/1964 وقال فيه (كنت منشغلاً بعواطف مختلفة أهمها الإحساس بالوطنية وكان شعورى كوطني هو المسيطر على أفكارى ومشاعرى.. شعور أي انسان في أزمة الحرب وشعوره بالتناقض الكبير بين أفكار مضت وأفكار جديدة).
وعن الروح القدس، الشق الثالث في فكرة التثليث... يرى الدكتور"غالى شكرى" وهو أدرى الناس بذلك " بحكم ديانته النصرانية أن "إلهام" وهي واحدة من بطلات روايات "نجيب محفوظ " هي " سيد الرحيمي " في لحظة حضور وتجسد. ويعلق "سليمان الشطي" على رأي " غالى شكرى" قائلاً:" أننا لا نتحفظ على كون " إلهام " هى " سيد الرحيمي " بقدر ما هي طريق يصل إليه أى إلى الله ".
فإذا التبس الأمر على الدكتور "عبد الله" كما يقول مريدى " محفوظ " فصمت عن رمزية " محفوظ " لـ " الله " تعالى بشخصيات رواياته فلا نعتقد أن الكتاب البارزين الآخرين قد التبس عليهم الأمر أو أخطأوا فى فهمه كالحال عند الدكتور "عبد الله". هذا "محمود أمين العالم" يقول في كتابه "تأملات في عالم نجيب محفوظ" ص 119 :" لعل الأب هو محور القضية كلها فلنبدأ بتأمله إذن من هو هذا الأب حقيقة ؟ هل هو أب محدد ؟ سيد سيد الرحيمي، زوج السيدة بسيمة عمران (.....؟) ووالد صابر (...؟) ؟ إنه هو إشارة رمزية الى الله ".
أما الدكتور" رجاء عيد" – وهو كاتب لا يستطيع أحد أن يتهمه بالإلتباس والخطأ فى فهم " محفوظ"، فقد فضح إلحاد " نجيب محفوظ" بلا مواربة، فيقول في كتابه " دراسة فى أدب نجيب محفوظ" ص 69 " وإذا كان نجيب محفوظ " قد آثر فكرة الرمز في روايته "الطريق".. إلا أن الرمز يشف بداهة عن الرموز فلم يكن سيد سيد الرحيمى الا هذه القوة الغامضة التي تتحكم فينا. لقد بحث وأضناه البحث وبلغ به اليأس مبلغه ولم يبق إلا الإيمان بان سيد سيد الرحيمي مات وأن الله مات) تعالى الله عما يقولون. ويعلق الدكتور "رجاء " في حاشية هذه الصفحة قائلاً (أنظر اختيار الاسم سيد سيد وقارنه باصطلاح (ملك الملوك) ولفظ الرحيمي وقارنه بالرحمن مثلاً أو الرحيم.
ولنبتعد قليلا عن الدكتور " عبد الله". هناك " مصطفى التواتي " الذى يقول : " أن العديد من الدارسين مثل " لويس عوض" قد اعتبروا أن سيد سيد الرحيمي الأب المفقود ليس إلا رمزاً واضحاً بمدلولة الروائي واللغوى " لله " وما بحث صابر عنه إلا بحث عن الله. وهو مواصلة للبحث الذي بدأه الكاتب في أقصوصة "زعبلاوى" التي نشرها ضمن مجموعته القصصية "دنيا الله" وبالتالى فإن"الجبلاوى "في أولاد حارتنا و" زعبلاوى " و"الرحيمى" و"سر الوجود" فى رواية " الشحاذ" ليست إلا مترادفات لمسمى واحد وهو الله ".
ولعل أكبر المتحمسين لهذه الفكرة هو" جورج طرابيشي"، وأبرزها في كتابه "الله" فى رحلة نجيب محفوظ الرمزية " يرى" الطرابيشى" :" أن السؤال الذي كان يتردد في أولاد حارتنا (أين أنت يا جبلاوى؟) هو محور المرحلة الفلسفية لدى نجيب محفوظ وخاصة في رواياته اللص والكلاب والطريق والشحاذ ". هذا ولا يغيب عن إدراكنا مغزى ودلالة التفاف هذا الكم من الكتاب والأدباء والنصارى حول أدب وروايات نجيب محفوظ. أما " سليمان الشطى" فى كتابه سالف الذكر فيقول في ص 228 : " لا جدال في رمزية سيد سيد الرحيمي حيث أن الأبوة هنا متجاوزة في حرفيتها وممتدة إلى الأفق الواسع تماما كأبوة الجبلاوى، فإننا نجد الأبوة هنا في أشد صورها شمولاً وأكثر معانيها جوهرية وأصالة، فهي إشارة رمزية إلى الله. ويقول " الشطي " أيضاً في ص 229 :" لذلك يعتبر الرحيمي رمزاً لمعنى الألوهية في ذات الانسان). ويقول أيضاً في ص 215 :" إن الإتفاق يكاد يكون معقوداً على سمو الفكرة التي يمثلها الجبلاوى في هذه الرواية التي تمثل قصة البشرية فهو عند البعض رمز للإله، كما ان الحارة تمثل الدنيا وصفاته كلها تثبت ألوهيته" في الرواية كلها فهو يشي بالسلام والجلال والرهبة والجمال وما يحيط من جنات وسماوات يدل على هذا".
أما لماذا يلجأ "نجيب محفوظ" إلى الرمزية فإن " الشطي " يجيب عن ذلك في كتابه الذي خصصه كاملاً لـ ( الرمز والرمزية في أدب نجيب محفوظ) في فيقول في ص 10 ":" ولكن للرمز بعض الظروف الخاصة التي تدفع إلى إشاعته أحياناً بحدة وبوضوح وهذه مرتبطة بالوسط الذي يعيشه الفنان، وخاصة إذا كان يسعي في سبيل رسالة معينة أو يقف موقفاً رافضاً من السلطة المهيمنة فينشط الرمز عنده مستجيباً لهذه الظروف طارحاً من خلاله قضايا حاضرة ". وما هي هذه السلطة – في تصورنا- إلا سلطة الدين التي أعلن ثورته عليها منذ مقالته الاولى (احتضار معتقدات وتولد معتقدات).
ورمزية " نجيب محفوظ " رمزية مفضوحة لا تحتاج إلى كثير عناء في اكتشافها. يقول " التواتي" فى في ص 147 من كتابه سالف الذكر:" غير أن رمزية نجيب محفوظ هي كما أسلفنا رمزية مفضوحة أي سرعان ما يكتشفها الكاتب نفسه فلا نحتاج إلى الكثير من الإجهاد لحل مغلقها إذا أنه يلقي لنا المفاتيح هنا وهناك في شكل كلمات اخرى...". ويؤكد ذلك أيضاً "محمود امين العالم " فيقول في ص 119 " إن الأمر لن يحتاج إلى اكتشاف رمزى.. حقاً أن نجيب محفوظ لم يترك شيئاً لاجتهاد ناقد" .
ولو كان نجيب محفوظ دارساً للعقيدة وما يرتبط بها، كما يقول (الشطى) لما تجرأ هذه الجرأة العجيبة على "الله" عز وجل، ولكان أول ما صده عن الخوض في هذا الطريق أن يمتثل لقوله تعالى (ليس كمثله شئ). ولننظر ما يقوله " سيد قطب " الذي استشهد به " الدكتورعبد الله " لبيان إسلامية نجيب محفوظ في تفسيره لهذه الآية يقول (سيد قطب) في ص 3146 من ظلال القرآن:" .. ليس هناك من شئ يماثله، ليس كمثله شئ والفطرة تؤمن لهذا بداهة.. فخالق الأشياء لا تمثاله هذه الاشياء التي هي من خلقه ).
أما تفاسير القرأن الكريم فتقول في ذلك (ليس كمثله شئ أي ليس لله تعالى مثيل ولا نظير لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله فهو الواحد الأحد الفرد الصمد... والغرض تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين... والكاف هنا لتأكيد النفي أي ليس مثله شئ. ومعنى الآية ليس كالله جل وعلا شئ. وقال "القرطبي": "....جل الله اسمه في عظمته وكبريائه وملوكيته وحتى اسمه لا يشبه شيئاً من مخلوقاته ولا يشبه به احد. وما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق فلا تشابه بينهما في المعني الحقيقي إذ صفات القديم عز وجل بخلاف صفات المخلوق وإذ صفاتهم لا تنفك عن الأعراض وهو تعالى منزه عن ذلك. وزاد "الواسطى" فقال (ليس كذاته ذات ولا كإسمه إسم ولا كفعله فعل، وهذا مذهب أهل الحق ).
ولا شك أن حس أي مؤمن يقشعر بشدة لمثل هذه الجرأة على "الله تعالى"، فما بالنا لو أن هذه الرمزية ترتبط عند الكاتب بأمور تضرب هذا الحس في الصميم، مثل رمزيته بموت الله تعالى في موت الجبلاوى او سيد سيد الرحيمي... ولا يستطيع مدع أن يبرر هذا التطاول بمذهبية فنية لا يقدر على فهمها الذين لا يفهمون في الفن والادب، وهم ما اخترعوا هذه المذهبية الفنية إلا ليستخدموها كغطاء لتحقيق هدفهم الأساس وهو ضرب هذا الدين. كما يبررون هذا التطاول من جانب آخر بقولهم أن "الكاتب كان يصور واقع وتطور ونمو الفكرة الدينية وأنه يسجل أزمة الدين وفكرة الألوهية في عصر العلم ".. وهذا القول مردود عليه بأن هذه الأزمة غربية الأساس والمنشأ لتصارع الدين والعلم في بلاد الغرب ولا يحق لهم تصورانسحابها على الإسلام ومن ثم نقلها الى بلادنا لأن العلم والدين في الإسلام متساندان. ويكفينا هنا أن " الشطي " قد حصر نجيب محفوظ في زاويتين : فهو في نظره إما مؤمن وإما غير مؤمن، فلو كان مؤمناً لما جعل الذات الألهية تموت.
ولنتابع المدى الذي وصلت إليه رمزية "نجيب محفوظ " ولنرى إلى أي مستوى من الانحطاط وصل إليه هذا الكاتب في تطاوله على "الله عز وجل". يقول "محمود أمين العالم " في ص 120 عن سيد الرحيمي :".... الأب والإله وهو يستعين بملايينه وثرائه الفاحش للتنقل بين القارات جارياً وراء النساء لا يعتق امرآة أياً كانت في كل ركن من أركان الارض له أبناء " ويصف لنا "محمود العالم " كيف يطبق هذا المفهوم على "الله عز وجل" فيقول: " وبهذه الكثرة العددية من الأبناء يتغير مفهوم الأبوة ويتعالى فوق المفهوم المحدد الجزئي، إنه هناك يلهو فوق الكرة على حين يتردى ابنه في السجن منتظراً حبل المشنقة " تعالى الله عما يقولون. كما يؤكد " محمود العالم" عدم انفصال سيد الرحيمي الأب عن سيد الرحيمي الإله وفى أكثر من موضوع يحرص نجيب محفوظ على هذا المفهوم الرمزى الشامل للأبوة وفي أكثر من موضع يحرص كذلك على مفهومها الجزئي المحدد وليس في هذا تناقض فكلا المفهومين متضمن في الآخر".
هذا المعنى الذي شرحه "محمود العالم" في عام 1970 أعاد " التواتي" تأكيده في عام 1986 فيقول في كتابه السابق ذكره في ص 72 فيقول :" ويفهم هذا البعد الميتافيزيقي بسهولة عندما نعلم أن الرحيمي كان يتجول بين القارات مثلما يجول الإنسان بيده فوق الخوان ولا عمل له إلا (الخلق) ممثلاً في ممارسة الحب مع جميع النساء من مختلف الأشكال والألوان والطبقات وفي هذا العدد الهائل من أبنائه المنتشرين في جميع أرجاء المعمورة وهو وحيد واحد لا أخ له ولا اخت ثم أنه رغم طول عمره مازال يمتمع بشباب وجمال عجيبين ويتصرف في ثروة لا حد لها.. ومن هنا نستخلص أنه يتمتع بصفات أساسية من صفات الله وهي الوحدانية – الخلق – الغنى – الجمال – الخلود – القدرة... ".
هل يمكن أن نعتبر بعد كل ذلك أن ما صوره " نجيب محفوظ" هو أمانة رصد ودقة تحليل وعمق إدراك ورؤية، وأنه كاتب مؤمن بالقيم العليا كما يدعى البعض ؟.
ولنعد إلى " الدكتور عبد الله" الذى اتهم بالإلتباس والخطأ فى فهم " محفوظ". يعترف " الدكتور عبد الله " فى ص 150 من كتابه بـ " أن رواية أولاد حارتنا أثارت لغطاً كبيراً في دلالتها العقدية الدينية إلى درجة ان كاتبها أسقطها من قائمة مؤلفاته التي يلحقها بكتبه ". لكن " الدكتور عبد الله "يعود فيقول: " أن الرواية دفاع حار عن القيم الدينية السامية وملحمة بطولية لنبي الاسلام ". فمحفوظ إذن يتعرض للدين وللعقيدة وللرسول صلى الله عليه وسلم باعتراف "الدكتور"، لكنه أى " محفوظ " لا يهدف من ذلك إلى تعيم الدين ولا تبسيط مبادئه إنما يقدم الدين والعقيدة في صورة عمل أدبي، لهذا يطالبنا "الدكتور" بأنه عند النظر إلى هذه الرواية يجب أن نحتكم أولاً إلى المقياس الأدبي ثم نحتكم بعد ذلك الى مقياس العقيدة. وهى نفس مطالبة مريدى " محفوظ" بألا يخضع العمل الأدبى لمقياس الشرع. فإذا كان الشرع هنا هو موضع الخلاف، والأدب ينال من الشرع، أفلا يحق لمريدى الشرع أن يدافعون عن شريعتهم، أم أن الكلمة الأولى والأخيرة تكون للأدب ؟.
وإذا كان هؤلاء الذين يحكمون الشرع على العمل الادبي كما يقول الدكتور" عبد الرحمن ياغي " وغيره من مريدى " محفوظ" عناصر لا تتدبر ولا تتعقل ولا تحسن فهم المذاهب الأدبية..فهل يحق للعناصر الأخرى التى تتدبر وتتعقل وتحسن فهم المذاهب الأدبية- تحت ستارالرمزية فى الأدب أو الفن- أن تتطاول على الله عز وجل وعلى الانبياء عليهم السلام ؟.
وإذا اعترض الغيورون على الدين من جرأة هذه المحاولة قيل لهم : أن المشكلة هي من الناحية الفنية مشكلة – قارئ- الذي يقرأ قصة جبل وفي ذهنه موسي عليه السلام...أو أن يقرا قصة قاسم وفي ذهنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم مطالبون بأن يقرأوا روايات " محفوظ" متحررين من محاولة التنظير المستمر، مادام " محفوظ " نفسه لم يلجأ إلى المطابقة المطلقة في الرمز واكتفى بالمعنى المجرد العام. كما يطالبونهم ايضاً بأن ينظروا إلى الرواية كعمل فني له كيانه الخاص وشخصيته المميزة ولا يحيلوه إلى الأصل الذي يفرض نفسه على أفكارهم ويصنع تصوراتهم فى حكم مسبق . إن مريدى " محفوظ" يستخفون بعقول الآخرين حينما يدعون بأن القرأن الكريم هو المصدر الأساس لرواية " أولاد حارتنا". فإذا كان القرآن الكريم هو المصدر الوحيد ووجهة النظر القرأنية هي محل الرعاية فيها – كما يدعون - فلم يحجرون على القارئ إذن أن يحيل الرواية على هذا الأصل. وهل كون الرواية عملا أدبيا فنيا، يعطي الحق لكاتبها بأن بتلاعب بالأصل ويعيد صياغة موضوعاته بالطريقة التي يريدها ولا يعطي الحق للآخرين بمحاسبته وردعه.
ولا يهمنا هنا رأي أديب او ناقد أو متأمل في روايات "نجيب محفوظ " لأنهم – كما يرون- ينظرون الى هذه الروايات كعمل فني وآخر ما يفكرون فيه هو اتساق هذا العمل أو عدم اتساقه مع العقيدة، وحتى إذا ما فكروا في ذلك فإنهم ينظرون إلى العقيدة من منظروهم الخاص الذي غالباً ما يكون متأثراً بوجهة نظر فلفسية غربية... كل ما يهمنا هنا هو القارئ الذي تنتقل إليه الفكرة المنحرفة لعقيدة الكاتب والمغلفة في ثنايا الحوار بين ابطال الرواية
ويبقى لنا أن نضرب امثلة نعرض فيها لأفكار " نجيب محفوظ" وكيف يجريها فى حوار على لسان أبطال رواياته، وهو هنا صريح في تعديه على الله وعلى الدين وعلى النبي صلى الله عليه وسلم وجرئ وصريح أيضاً في دعوته إلى الإلحاد مع تزيينه وتحسينه بحيث يصبح الإدعاء بان الكاتب يعرض ذلك من باب الرمز إلى الصراع الفكرى بين الإيمان والإلحاد أو بين الدين والعلم نوع من الاستخفاف بالعقول. وهذه الامثلة للفكرة والحوارعلى النحو التالى :
اولاً : بيان أن الدين تخلف وأن الدين الحقيقي هو العلم، وتصويره للدين بأنه عبث وأنه عائق وأنه ليس طريقاً يجب ان يسلك.
ما جاء في رواياته :
1- يقول كمال: (...... وما الدين الحقيقي إلا العلم وهو مفتاح أسرار الكون وجلاله ولو بعث الأنبياء اليوم ما اختاروا سوى العلم رسالة لهم... أما الدين فهو من اقدم الاثار المتخلفة على وجه الارض فمتى يشب الانسان عن طوقه ويعتمد على نفسه ؟).
2- (الانسان قديماً واجه العبث وخرج منه بالدين ).
3- (..يسأل مصطفى :ولكن الدين..... فيقاطعه عمر لم أعد أكترث لهذه العوائق ).
4- يقول التواتي في ص 73 :" ونجيب محفوظ في هذه الروايات يعرض طريق الدين في صورة اللاطريق فنرى أن سعيد مهران يهرع الى بيت الجنيدى – الشيخ – في لحظات اليأس ولكنه سرعان ما يرفض دعوته بأن يتوضأ ويقرأ فيقول (وداعاً يا مولاي).
ثانياً : بيان أن الله تعالى خرافة ودعوة إلى الشك في وجوده وإلى التحرر من الإيمان به وتصويره بأن موقف الله من الإنسان موقف انتقامي.
ما جاء في رواياته :
1- في حوار عن الرحيمي الذي يرمز له نجيب محفوظ بالله :
- سألت عنك مرة أخرى
- من أنت ؟
- إلهام
- خرافة كالرحيمي.
2- أدرك أنه يسأله عن الرحيمي فقال وهو يمضي مجيباً سأبحث عنه في القرافة (أي المقابر).
3- عن مناقشة لوجود الله :
- معى دقيقة واحدة هل هو موجود (أي الله) بعد حوار يعود قائلاً... لا أحد.. يحيبني هل هو موجود ؟
- أليس من الجائز أنه يملك ولا يحكم ؟
- طيب يا أخي إذا حكمنا بالفوضى الضاربة في كل مكان فلا يجوزأن يوجد.
4- وهكذا يواجه صابر مسئوليته وحيداً وأكبر مسئولية واخطرها هي الحرية... يقول الطبيب للحمزاوي... من الآن فصاعداً أنت ( أي الإنسان ) تخل عن فكرة الله فأنت حر والعقل الصادر عن الحرية نوع من الخلق.
5- يقول التواتي في ص 73 :" ولكن الله يهمل عبده الإنسان ولا يهرع لمساعدته فقد ألقي به وحيداً يشق طريقة وسط الظلام ولا بصيص من نور يضئ له السبيل، بل إن هذا الإله قد أعلن تبرؤه منه حين قال الرحيمي في المنام لصابر " ابعد عني لا ترني وجهك ولا شأن لي بك... اذهب" وكأن موقف الله من الانسان موقف انتقامي. وقد جاء هذا تعليقاً على رواية (الطريق).
ثالثاً : تطاول على الإسلام ودعوة الى الإلحاد مع تحسينه وتزيينه ومساواته بالايمان.
ما جاء في رواياته :
1- وفضلا عن ذلك فإن تعاليم الاسلام تستند الى ميتافيزيقا أسطورية تلعب فيها الملائكة دوراً خطيراً ولا ينبغي أن نبحث عن حلول لمشكلات حاضرنا في الماضي.
2- اللهم لطفك يا أرحم الراحمين.
- ألا يزال أرحم الراحمين... وداعاً فلن أعبده بعد اليوم.
3- تحول كمال إلى الإعتقاد بأنه حينما يتحرر من الدين يكون أقرب الى الله مما كان في إيمانه به.
4- انه لابد من عنصر الإيمان ولكن ليس بلازم ان يكون الإيمان دينيا شريطة أن يكون لإيماننا صدق الإيمان الديني الحقيقي وقدرته المذهلة على خلق البطولات.
5- واعتقد أن للملحد مبادئ كما للمؤمن مبادئ مثلا.. إن الخير أعمق أصولاً في الطبيعة البشرية من الدين فهو الذي خلق الدين قديماً وليس الدين هو الذي اوجده كما يتوهم... كنت فاضلاً بدين وبغير عقل اما اليوم فأنا فاضل بعقل ولا خرافة..
6- بقاء عقيدة اكثر من ألف سنة ليس آية على قوتها ولكن على حطة بعض بني الإنسان، ذلك ضد معنى الحياة المتجددة.
7- ليكن لي في إبليس أسوة حسنة، الرمز الكامل للكمال المطلق، وهو التمرد الحق والكبرياء الحق والطموح الحق والثورة على جميع المبادئ.
رابعاً : التعرض لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في ثوب من السخرية.
1- حول انغماس ما يسميهم بـ "رجال الدين " في الرذيلة يرد هذا الحوار :
- وبعد الفسق ألا تجد شيئاً يسرك.
- قرة عيني في الصلاة.
- جميل صوتك وأنت تؤذن.
2- فماذا تقول وأنت المؤمن الورع في ولعك بالنساء. كان السيد معتاداً لصراحته فلم ينزعج لانقضاضه وضحك ضحكة مقتضبة ثم قال : وما على من ذلك ألا يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حبه للطيب والنساء.
خامساً : هجوم على الأخلاق المنبثقة من الدين.
ما جاء في رواياته :
- أما أخلاق الدين فيقول عنها مصطفى – الأخلاق التي تديننا اخلاق ميتة مستوحاة من عصر ميت.
كيف يمكن لقارئ فيه ذرة من العقل أن يتصور مثل هذا التطاول على الله والدين والأنبياء المصاغ فى صورة حوار بين أبطال الروايات على أنه إبداع أدبى أو حبكة فنية روائية. إن أقل ما يمكن وصفه هو القول بأنه أشد حالات الإنحراف العقدى.
---------------
د أحمد إبراهيم خضر
الأستاذ المشارك السابق بجامعات القاهرة، والأزهر، وأمدرمان الإسلامية، والملك عبد العزيز
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
17-05-2009 / 01:52:42 د أحمد إبراهيم خضر
اعدة فى بيان معيار تعلم ما يخالف العقيدة ، ومعيار مدى الإنتفاع بالثقافات الأخرى.
قاعدة فى بيان معيار تعلم ما يخالف العقيدة ، ومعيار مدى الإنتفاع بالثقافات الأخرى.
أولا : فى الفصل الحادى والثلاثين من الباب السادس بعنوان " فى إبطال الفلسفة وفساد منتحليها، يقول " ابن خلدون" فى مقدمته :" ....هذه العلوم عارضة فى العمران كثيرة فى المدن ، وضررها فى الدين كثير، فوجب أن يُصدع (يطاع) بشأنها، ويُكشف عن المعتقد الحق فيها ................فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطبها ، وليكن نظر من ينظر فيها بعد الإمتلاء من الشرعيات والإطلاع على التفسير والفقه ، ولا يَكّبنّ ( يعكفن) أحد عليها وهو خُِلوّ (فارغ) من علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطبها". وخلاصة ذلك أنه لا يعكف أحد على النظر فيما يخالف العقيدة ، وهو غير متسلح بالعلوم الشرعية.
ثانيا: تعرض العلماء المعاصرون لدراسة هذه القضية وانتهوا فيها إلى ما يلى :
1- أن جواز النظر فيما يخالف العقيدة إستنادا إلى قاعدة أن " الأصل فى الأشياء الإباحة " فيه تفصيل . فالأصل فى الأفعال التقيد بالحكم الشرعى ، فلا يقام بفعل إلا بعد معرفة حكمه ، والأصل فى الأشياء الإباحة مالم يرد دليل التحريم.
إن المسلم مأمور بتسيير أعماله حسب أحكام الشرع. وعليه أن يتقيد بها. والقاعدة الشرعية تقول:" أنه لا شرع قبل ورود الشرع " أى لا حكم لأى مسألة قبل ورود حكم الله فيها. فقبل أن يرد حكم الله فيها لا تعطى أى حكم . أى لا تعطى حكم الإباحة . والذى يتم التأكيد عليه هنا هو أن " الإباحة حكم شرعى لا بد أن يثبت بخطاب الشارع " وإلا لا تكون حكما شرعيا ، لأن الحكم الشرعى هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد. فكل مالم يرد فيه خطاب الشارع لا يكون حكما شرعيا. ومن هنا ليست الإباحة هى عدم ورود شيئ يحرم ، بل الإباحة هى ورود دليل شرعى على المباح ، أى ورود التخيير بالفعل وعدمه من الشارع ، ولهذا يكون الأصل التقيد بخطاب الشارع ، وليس الأصل هو الإباحة . لأن الإباحة نفسها ، يحتاج إثبات حكمها إلى خطاب الشارع ، وهذا عام يشمل الأفعال والأشياء. فالمسلم إذا أراد أن يقوم بفعل أى فعل كان ، وجب عليه أن يتقيد بحكم الله فى ذلك الفعل. ووجب عليه أن يبحث عنه حتى يعرفه ويتقيد به. وكذلك إذا أراد المسلم أخذ شيئ أو إعطاء شيئ ، أى شيئ كان ، وجب عليه أن يتقيد بحكم الله فى ذلك الشيئ ، ووجب عليه أن يبحث عنه حتى يعرفه ويتقيد به.
ومن هنا لا يحل لأحد أن يذهب إلى القول أن بعض الأفعال أو الأشياء أو بعض الوقائع خاليا من الحكم الشرعى على معنى أن الشريعة أهملته إهمالا مطلقا بحيث لم تنصب عليه دليلا أو تضع إمارة تنبه بها المكلف عليه ، أى علة تدل المكلف على حكمه هل هو الإيجاب أو الحظر أو الندب أو الكراهة أو الإباحة ، فإن هذا القول ومثله طعن فى الشريعة ، وعليه لا يحل لأحد أن يقول أن هذا الفعل مباح لأنه لم يرد دليل شرعى يتعلق به فيدعى أن الأصل الإباحة إذا لم يرد دليل شرعى . كما لا يحل لأحد أن يقول أن هذا الشيئ مباح لأنه لم يرد دليل شرعى يتعلق به ، فيدعى أن الأصل الإباحة إذا لم يرد دليل شرعى ، لأنه لم يوجد فعل أو شيئ إلا وفى الشرع دليل عليه ، فيجب البحث عن حكم الله فى الفعل أو الشيئ. يضاف إلى ذلك أن خطاب الشارع جاء لمعالجة فعل العبد وليس للشيئ ، وجاء الشيئ باعتباره متعلقا بفعل العبد ، فيكون الأصل فى الخطاب هو فعل العبد والشيئ جاء تابعا لفعل العبد سواء أجاء الخطاب للفعل ولم يذكر الشيئ مطلقا ، أو جاء الخطاب للشيئ ولم يذكر الفعل مطلقا . وخلاصة ذلك أنه يتحتم على الناظر فيما يخالف العقيدة أن يبحث عن الحكم الشرعى فى تعلم ما يخالف العقيدة وألا يستند إلى مجرد فهمه عن أن الأصل فى الأشياء الإباحة.
2- يشرح العلماء القاعدة الشرعية التى مؤداها أن "الوسيلة إلى الحرام محرمة" فيقولون: أنه لا بد من تحقق أمرين فى هذه الوسيلة : أحدهما أن تكون موصلة إلى الحرام حتما بحيث لا تتخلف ، فإذا كانت لا توصل إلى الحرام كأن يخشى منها أن توصل إلى الحرام لا تكون الوسيلة هنا حراما ، لأن الخشية من التوصيل لا تكفى للتحريم ، وثانيها أن يكون الفعل قد ورد الشرع بتحريمه. وينتهى العلماء فى شرح هذه القاعدة إلى القول بأن " الشيئ المباح إذا أوصل فرد من أفراده إلى ضرر حرم ذلك الفرد وحده وبقى الشيئ مباحا " . وخلاصة ذلك أن النظر فيما يخالف العقيدة إذا تحقق فيه الشرطين السابقين كان حراما ، أما إذا كان فيه ما يؤدى إلى ضرر حُرّم هذا الذى يؤدى إلى هذا الضرر وبقيت الوسيلة مباحة".
3- أن غير العقائد والأحكام من المعارف يجب أن تكون العقيدة مقياسا له من حيث الأخذ والإعتقاد ، أما من حيث المعرفة والتعلم فلا يوجد ما يمنع تعلمها . والدليل على ذلك أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " اطلبوا العلم" جاء عاما. وجاء فى القرآن الكريم من الأفكار والعقائد ما يناقض الإسلام مثل " وما يهلكنا إلا الدهر" وغير ذلك . مما يدل على جواز تعلم الأفكار التى تناقض العقيدة الإسلامية من غير أخذ لها ولا اعتقاد فيها . فهناك فارق أساس بين تعلم المعارف التى تناقض العقيدة وبين أخذها والإعتقاد فيها. ويستلزم ذلك أن يستتبع النظر فيما يخالف العقيدة ضرورة بيان زيفها ونقض أفكارها حتى لا يترتب عليها أخذ أو اعتقاد. وهناك من العلماء من لم يبح ذلك إلا للمختصين من أهل العلم الذين يقومون بالرد على الإنحرافات والأباطيل الواردة فى هذه المعارف .
4- نأتى أخيرا إلى قضية الإنتفاع بالثقافة المخالفة للعقيدة ، وكيف كان المسلمون الأوائل يتعاملون معها. الواقع أن النظرة إلى الثقافة تختلف بين علماء الغرب وعلماء الإسلام. يرى الغربيون أن الثقافة هى كل ما صنعه الإنسان من عناصر مادية وروحية ، وهى تشتمل في نظرهم على المعايير والغايات وأشكال السلوك والنظم والأفكار والمثل العليا والاتجاهات والإيديولوجيات التى يسترشد بها في سلوكه ويبرر بها هذا السلوك. ويمتزج داخل هذه الثقافة كافة القوى والمنجزات الفكرية والروحية والإجتماعية والمادية وصور التعبير كالدين والعادات والفنون ومنظمات المجتمع من الأسرة حتى الأمة ومستوى التكنولوجيا المستخدمة وكذلك القدرة على التنظيم الإقتصادى والعمل العسكري.
أما علماء الإسلام فيعرفون الثقافة بالمعنى الإصطلاحى بأنها المعرفة التى تؤخذ عن طريق الإخبار والتلقي والاستنباط وتشمل التاريخ واللغة والفقه والفلسفة وسائر المعارف غير التجريبية. وهم يفرقون بين العلم والثقافة. فالعلم عالمي لجميع الناس لا تختص به أمة دون أمة. أما الثقافة فهى : إما خاصة : تنسب لأمة معينة وتعتبر خاصة من خصوصياتها كما في الأدب وسير الأبطال والتصوير والنحت والموسيقى. وإما عامة: كالتجارة والملاحة والحرف وما شابه ذلك من الصناعات. كما يفرقون كذلك بين التأثر بالثقافة والإنتفاع بها. فالتأثر بالثقافة يعنى دراستها وأخذ محتويات أفكارها وإضافتها إلى الثقافة الأصلية ، إما لوجود أوجه تشابه بينهما وإما لاستحسانها. ويؤدى التأثر بالثقافة إلى الإعتقاد في أفكارها وإلى إختلاط الأفكار مع بعضها وضياع الأفكار الأصلية منها. أما الإنتفاع بالثقافة فيبدأ بدراسة الثقافة دراسة عميقة ومعرفة الفروق بينها وبين الثقافة الأصلية ، واستعارة المعاني والتشبيهات دون أن يتطرق التناقض للثقافة الأم ودون أخذ أو تبنى أفكار الثقافة الأخرى عن الحياة والتشريع بحيث لا تؤثر مطلقا على وجهة النظر في الحياة.
كما يوضح علماء الإسلام كيف كان المسلمون الأوائل يدرسون الثقافات غير الإسلامية والفارق بينهم وبين الدارسين لهذه الثقافات من المسلمين المعاصرين. كان المسلمون الأوائل يجعلون عقيدتهم أساس ثقافتهم ، وكانوا يدرسون الثقافات غير الإسلامية للإنتفاع بها وليس لاعتناق أفكارها ، بمعنى الإنتفاع دون التأثر. فبالنسبة للمعارف الشرعية كالتفسير والحديث والفقه ، لم تتأثر مطلقا بالثقافات غير الإسلامية ، إذ انطلق الدارسون من قاعدة أن الشريعة الإسلامية تجب جميع الشرائع السابقة لها وأنه من الضروري التقيد بأحكام الإسلام. كما لم تتأثر اللغة العربية بلغات البلاد المفتوحة وثقافتها ، بل هى التى أثرت فيها ، وكادت اللغات الأخرى تتلاشى ، وبقيت اللغة العربية وحدها هى لغة الدولة والثقافة والعلم والسياسة ، وبالرغم من انتفاع الأدب العربي بما صادفه في البلاد المفتوحة فإنه لم يتأثر بالأفكار التى تناقض الإسلام ، وذلك باستثناء القليل من الشعراء الذين ذكروا في أشعارهم معان لا يقرها الإسلام . واصطدم المسلمون بديانات وثقافات مسلحة بالفلسفة اليونانية والمنطق ، فركزوا جهودهم في إبطال هذه العقائد وإثبات زيفها، لكن البعض منهم لم يتقيد بالعقيدة الإسلامية ، فتأثر بهذه الفلسفات فوقع في العديد من الأخطاء ، وكانوا على نوعين : الأول : أخطأ في الفهم ، لكنه كان يحمل عقيدة وعقلية إسلامية وهم المتأثرون بالثقافة الهندية التقشفية.. والثاني: أخطأ في الإدراك وانحرف عن العقيدة تماما وهم المتأثرون بالفلسفة اليونانية.
أما الدارسون المعاصرون للثقافات غير الإسلامية ، فإنهم يدرسون هذه الثقافات ويستحسنونها ويضيفونها إلى الثقافة الإسلامية بالرغم من تناقضها معها . وقد أدت هذه الطريقة من الدراسة إلى الأخذ بعدة أفكار كالأفكار الديموقراطية التى ترى أن الأمة مصدر السلطات وهى التى تضع التشريعات وتسن القوانين ، دون نظر إلى تناقض ذلك مع الإسلام الذى يضع السيادة للشرع لا للشعب ، ويعتبر الحاكم منفذا للشرع مقيدا به راعيا لمصالح الأمة حسب الشرع ، لا أجيرا عند الأمة ومنفذا لإرادتها ، كالحال في الديموقراطية الغربية. كما أدت دراسة الثقافات غير الإسلامية إلى الأخذ بأفكار أخرى تتناقض مع الإسلام كالإشتراكية والشيوعية والحداثة ......الخ.
أحمد إبراهيم خضر
16-05-2009 / 01:30:29 فينيق
سؤال مازلت لا تجيب عليه .!
السلام عليكم
سيدي الدكتور خضر .. اريدك ان تعرف أنني مستمتع جدا بهذا النقاش .. و أنّ هذا النقاش مازال يضيف الى معرفتي الكثير .. و انا اشهد الله على ذلك .. و هذا من باب ذكر الفضل
ثانيا .. هل نناقش موضوع اي اديب للتحذير من كتاباته ؟؟؟ أم لمنع قراءته ؟؟؟ أم لتوجيه القاريء .. و انا قد اسال سؤال تكونت قناعات كثيرة عنه نتيجة القراءة المستمرّة .. و لكن قد اطرحه لاثراء النقاش .. و قد اكون متفقا معك في الكثير من نقاط مقالتك .. و لكن و هو سؤال كبير يطرح ، و قد طرح اثناء ازمة " نصر حامد ابو زيد في مصر " و اثناء رواية سيء الذكر " سلمان رشدي " و " تسنيمة نسرين " و هي ما حدود ثأثير فتاوى رجال الدين على حريّة الاديب ، او المفكّر في أن يكتب ما يريد .. و ماهي حدود معرفة " القاريء للنص الأدبي " و غربلته .. و ما هو مبدأ " الرقابة الذاتيّة " و الكثير الكثير من التساؤلات .. و في وقتها كان هناك " الصادق نيهوم " و الكثير من عتاة العلمانيّة .. و كانت الاراء جميعها تسفّه تدخل " الرأي الديني " في قراءة " النص " .. و أنّه يشكل تدخل سافر في النص الابداعي
و تلقّيه .. و عليه فهل اثرت ترجمات النصوص الاغريقيّة الى العربيّة ، و على ايدي مفكرين اسلاميين في عصر " عندما كانت شمس العرب تسطع على الغرب " .. على العقيدة في شيء .. ام اثْرت فكرهم .. و جعلتهم يتقدمون .. و كانت معظم النصوص في حينها وثنيّة .. قام بكتاباتها وثنيون .. و من هنا انطلقت في تساؤلاتي
هل استطيع أن اقرأ نجيب محفوظ " كنص ادبي " او " ماركيز " أو .. اي " مبدع لنص ادبي " ام اقف عند حدود الشرع .. فلا أقرأ .. و اعتمد على تحليلك الاسلامي ... و مطالبتي في الوقوف عند حدود " شرع الله " .. فلا أقرأ .. و عليه فأنا لم اكن ابحث عن صك البراءة لنجيب محفوظ .. و انّما عن حقي في القراءة خارج قراءة " كتاب الله ، و سنته " .. و بالتالي ماهي حدود هذا الشرع على قراءتي
ابنك فينيق
15-05-2009 / 19:57:53 د أحمد إبراهيم خضر
قاعدة فى معيار الحكم على أعمال الكاتب أو الأديب أو الروائى
يقول العلماء : ما من فعلة وإن صغرت ، إلا وينشر لها ديوانان: لم وكيف . أى لم فعلت وكيف فعلت . فالأول سؤال عن علة الفعل وباعثه والداعى إليه . هل هو لغرض من أغراض الدنيا من محبة المدح من الناس ، أو خوف ذمهم ، أو استجلاب نفع عاجل أو دفع مكروه . أم الباعث على القيام بالفعل هو القيام بحق العبودية والتودد والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وابتغاء الوسيلة إليه. وبمعنى آخر هل الفعل لله أو الهوى . والثانى: سؤال عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم . هل ما يكتبه الكاتب أو الأديب أوالروائى فيه متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ . أى هل كان الفعل طبقا لما شرعه الله تعالى على لسان رسوله ، أم كان عملا لم يشرعه الله ويرضاه. السؤال الأول عن الإخلاص ، والثانى عن المتابعة . فإذا قيل أن أمر الإخلاص أمر لا يمكن الحكم عليه فهو بين الكاتب وربه ، فإن أمرالمتابعة لا يحتاج إلى عناء فى معرفة مدى موافقته أومخالفته لأمر الشارع . ولا بد للعمل - حتى يقبله الله تعالى - من أن يكون خالصا ، أى يتجرد فيه الإخلاص لله ، وأن يكون صوابا أى يجرى طبقا لما شرعه الله تعالى على لسان رسوله . والعمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل.
فإذا تقرر هذا انبنى عليه عدة قواعد منها : أن كل عمل كان المتبع فيه الهوى بإطلاق من غير التفات إلى الأمر أو النهى أو التخيير ، فهو باطل بإطلاق ، لأنه لا بد للعمل من حامل يحمل عليه وداع يدعو إليه .فإذا لم يكن لتلبية الشارع فى ذلك مدخل فليس الباعث إلا مقتضى الهوى والشهوة. وما كان كذلك فهو باطل بإطلاق ، لأنه خلاف الحق بإطلاق . وكل فعل كان المتبع فيه بإطلاق هو الأمر والنهى أو التخيير فهو صحيح وحق ، لأنه قد أتى به من طريقه الموضوع له ووافق فيه صاحبه قصد الشارع فكان كله صوابا.
ولعل هذه القاعدة هى التى تجعل البعض يرفض بشدة تطبيق الشرع على الأعمال الأدبية أو الروائيه ، لأن الشرع يحكم عليها بالبطلان طالما أنها تخالف أحكامه . لكنهم يحكمون عليها بالإبداع لأنها تجرأت وخالفت هذه الأحكام.
وقد وضع العلماء عدة قواعد فرعية فى هذا المجال يمكن إجمالها فيما يلى :-
1- لا يركن أحد إلى شرع نفسه وشرع ابيه وبين يديه شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا وهو لا يعلم ولايهتدى. وليقل عن نفسه أو ليقل عنه غيره ما يشاء أنه يعلم وأنه يهتدى ، فالله سبحانه وتعالى أصدق. ومن يعدل عن شرع الله إلى شرع الناس فهو مغترضال جهول.
2- استحسان الإنسان أو استقباحه ليس هو الحكم فى الأمر ، والأدب مع الله يقتضى تلقى أحكامه يالقبول والتنفيذ.
3- لا يعترف الإسلام بهدف ولا عمل لا يقوم على أساس العقيدة مهما بدا فى ذاته صالحا. ، ولا يتصور إمكان إنفصال أى جزئية فى حياة المسلم عن الإسلام لأنه ليست هناك جوانب من جوانب الحياة يمكن أن تخرج عن منهجه. وبعنى آخر فإن كل جزئية فى الحياة الأنسانية يجب أن تخضع خضوعا مطلقا لسلطان الله المطلق .يتمثل هذا السلطان فى شريعة الله والخروج على سلطان الله فى جزئية صغيرة يعنى الخروج عن الدين جملة .
4- مشركوا العرب كانوا يقرون بوجود الله وما كانوا يجحدون الله تماما ، بل كانوا يقرون بوجوده سبحانه وبأنه الخالق الرازق المالك المحي المميت ، لكن انحرافهم الذى وصمهم بالشرك هو أنهم ما كانوا يعترفون بمقتضى اعترافهم ذاك بتحكيم الله سبحانه فى أمرهم كله ، ونفى الشركاء له فى تدبير شؤون حياتهم ، واتخاذ شريعته وحده قانونا ورفض مبدأ تحكيم غير الله فى أى شأن من شؤون الحياة. هذا الذى وصمهم بالشرك والكفر مع إقرارهم بوجود الله سبحانه .
أحمد إبراهيم خضر
15-05-2009 / 02:53:01 فينيق
تحليل النص الأدبي .. خاضع لأهواء الأشخاص
السلام عليكم ...
لا أدري مالذي جعلك تجزم أنّ الدكتور " رجاء عيد " لا يستطيع أحد أن يتهمه بالإلتباس والخطأ فى فهم " محفوظ"... و هل نصّه مقدس لأقبل به .. هذا اولا
وثانيا .. مصر العظيمة لن تعدم من يواجه نجيب محفوظ ، و بالعلن ، و بالدعاوى القضائية وقد كانت للمصريين سوابق في هذا المجال .. و القصة الوحيدة التي اثارت لغط الأزهر في مصر .. هي رواية " اولاد حارتنا " ... ثمّ لا ادري ما هي الأمانة العلمية .. في اشتقاق مقاطع من ديالوجات اخذت من روايات ، و على السنة ابطالها أنّها تحرض على الدين .. أو منولوجات داخليّة تحرض على احاديث رسول الله .. ثمّ لا ادري هل كان " نجيب محفوظ " يتحدث عن ذلك ، و هو يشرح صحيح البخاري .. أو يفسر آية قرآنيّة .. مازلنا هنا نتحدث عن " نص ادبي " يا سيدي الدكتور خضر .. ثم انني اريدك أن تعرف أنّ لي مآخذ كثيرة على نجيب محفوظ . و كتاباته .. و لكن الى الآن لم أجد فيما تقدّم دليلا على الالحاد .. او الكفر
ثمّ أنك الى الان تعتمد على تحاليل " دكاترة .. او ادباء " لنص ادبي بشري .. و رواياته لم تشكّل مجموعات ايديولوجيّة .. أو مجموعات الحادية .. أو مجموعات تحولت الى النصرانيّة بفعل تأثرها بفكرة التثليث " هذا ان صدق التحليل " و انا اشكّ في ذلك .. طبعا مع تقديري الصادق .. لهذا الجهد الذي قمت به في قراءة هذا العدد من الكتب التي تتناول " ادب نجيب محفوظ " .. و لكن هل قرأت الرواية التي يتحدث بها كمال عن " الدين ، و الايمان " .. و في اي سياق " ادخل نجيب محفوظ " هذا الديالوج ... ثمّ في اي سياق كانت الجمل المجتزأة التي تحدثت فيها عن التطاول على الاسلام ، و الدعوة الى الالحاد .. الم يكن هذا حوارا طويلا .. اثبت في نهايته ان الحقيقة هي في رفض اي " جملة " من الجمل التي اجتزئتها من دراسات .. و ليس من نصّ الرواية .. أنّ كل روايات نجيب محفوظ .. لم تترك اي اثر في تحويل معتقد على اي قارىء لهذا التراث .. و الآن استطيع أن اقول .. نعم ان نجيب محفوظ نال جائزة نوبل " لأنّه كان مع قضيّة التطبيع مع الكيان الصهيوني" ، و انّه تعرض لمحاولة اغتيال " لهذا السبب " .. و أنا في رأي أن هذه اخطر من كل الهرطقات التي حوتها كتاباته .. و ان ايضا " انظر الى قطرية عنصرية بغيضة في كتاباته عندما يتحدث عن " فرعونية مصر " و في رأي ايضا انها اخطر من كل هرطقاته .. و لكن الم يقدم نجيب محفوظ صورة واقعية ، و امينة عن مجتمعه في كل ما كتب؟؟؟ هذا سؤالي الأول .. و سؤالي الثاني .. هل اذا كنت مسلحا بايمان صادق ، و عقيدة سليمة استطيع أن أقرأ اي نص ادبي ... و سؤالي الثالث .. هل أنا بحاجة الى " مرشد ، او رقيب " ليحدّد لي ما اقرأ .. ثم و هذا الاساس .. هل استطيع ان أقرأ نص ادبي " كيفما كانت طبيعته " ام لا ؟؟؟
ابنك فينيق
17-05-2009 / 01:52:42 د أحمد إبراهيم خضر