د أحمد إبراهيم خضر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9328
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الولاياتُ المُتَّحِدَةُ - أكبرُ قُوَّ ةٍ في العالَمِ – و حُلَفَاؤُها مِنَ الأوربيينَ، استطاعوا أنْ يُطِيْحُوا بنظامِ " طالبان "، لكنَّهم لم يستطيعوا القضاءَ عليها تمامًا، رغمَ سبعِ سنواتٍ مِنَ الحربِ ضدَّها . لقدِ اعتقدتِ " الولاياتُ المتَّحدةُ " – كما يقولُ الكاتبُ الأمريكيُّ " مايك هويتني " – أنَّ " طالبان " متى رأتْ قمَّةَ تكنولوجيا الحربِ بالليزرِ ؛ فستفرُّ إلي الجبالِ . نَعَمْ فرَّتْ " طالبان " بالفعلِ إلى الجبالِ، ثم تراجعتْ، لكنَّها تراجعتْ تراجُعَ المتحرِّفِ للقتالِ، فانتظرتْ، ثُمَّ أعادتْ تنظيمَ نَفْسِها، و تمكَّنتْ مِنْ حَشْدِ تأييدِ قبائلِ " الباشتون "، ثُمَّ انتقمتْ ؛ حيثُ شَنَّتْ عملياتٍ عسكريةً في العاصمةِ " كابول"، و احتلَّتْ مواقعَ في : " لوجار"، و" وارداك "، و" غزني "، و فرضتْ سَيْطَرَتَها على مناطقَ واسعةٍ في : " زابل" و" هلمند " و " أورزجان" و " قندهار" . حاربتْ " طالبان " وَفْقَ قواعدَ " منهجيةٍ و مُخَطَّطَةٍ "، أثبتتْ فيها أنَّها تستطيعُ البقاءَ في ظلِّ أصعبِ الظُّروفِ، و ما زالتْ تحقِّقُ انتصاراتٍ عسكريةً تكتيكيةً على الجيشِ الأكثرِ إعدادًا، دَافِعِيَّتُها للقتالِ عاليةٌ، و تعتقدُ أنَّ قضيتَها التي تحاربُ مِنْ أَجْلِها عادلةٌ، إنَّها لا تقاتلُ مِنْ أَجْلِ احتلالِ أُمَّةٍ أجنبيةٍ ؛ و لكنْ دفاعًا عَنْ أُمَّتِها ؛ و هذا الأمرُ مِنْ شَأْنِهِ أنْ يُقَوِيَ مِنْ عزيمتِها، و يحافظَ على رُوْحِها المعنويةِ المرتفعةِ، و ذلكَ على حَدِّ قَوْلِ " هويتني" : " طالبان" - كما يرى الباحثونَ في الشَّأْنِ الأفغانيِّ - تقومُ على إيديولوجيةٍ ذاتِ ثلاثةِ محاورَ :
- الأول : أنَّ " الإسلامَ " - كعقيدةٍ و منهجِ حياةٍ - لا تحملُهُ إلا صَفْوَةٌ مختارةٌ لا كثرةٌ، تكونُ هي نَفْسُها سببًا في هزيمتِهِ، و أنَّ قَدَرَها أنْ تكونَ هي هذه الصَّفْوةَ .
- الثاني : أنَّ الغربَ- كما ترى طالبان- لا يُطِيْقُ أنْ يَرَى الإسلامَ قائمًا حِيَالَهُ، و مناقضًا في أصلِ وجودِهِ له، مخالفًا له مخالفةً جذريةً أصيلةً، في الصغيرةِ و الكبيرةِ مِنْ مناهجِهِ، يُهَدِّدُ بقاءَهُ بما في طبيعتِهِ مِنَ الحيويَّةِ و الحركةِ لمقاومةِ عدوِّهِ، و أنَّ الغربَ لا يقعدُ عَنِ الفَتْكِ بالإسلامِ و المسلمينَ، بلا شَفَقةٍ و لا رحمةٍ، إلا إذا عَجَزَ عَنْ ذلك، و أنَّه لا أمانَ له، و لا عَهْدَ و لا ذِمَّةَ، و أنَّ هذا هو الخطُّ الأصيلُ، الذي لا ينحرفُ عنه الغَرْبُ، إلا لطارئٍ زائلٍ، ثُمَّ يعودُ فيأخذُ طريقَهُ المرسومَ .
- الثَّالث : أنَّه و إنْ كانَ مِيْزانُ القُوَى بينها و بينَ الغرب غيرَ مُتَكَافِئٍ، لكنَّ القوَّةَ التي يستندُ إليها الغرب ُ – في نَظَرِ طالبان – هي قوةٌ مُؤَقَّتَةٌ، تستندُ إلى عواملَ ماديةٍ بَحْتَةٍ، و هذه العواملُ مِنْ شَأْنِها ألاَّ تَدُومَ ؛ لأنَّ فسادَ الحياةِ الاجتماعيةِ و الشُّعوريةِ عندَ شعوبِها ؛ سيقضي عليها و لو بَعْدَ حينٍ .
أمَّا " العسكريَّةُ الأمريكيَّةُ و الأوربيَّةُ " - كما يرى علماءُ الاجتماعِ العَسْكَرِيِّ - فتعتمدُ أصلاً على التكنولوجيا العاليةِ ؛ لِنِضُوْبِ مَوَارِدِها مِنَ القوةِ البشريَّةِ ؛ بسببِ العقليَّةِ المادِّيةِ التي تحكمُ سكَّانَها ؛ و بسببٍ آخرَ أهمَّ ؛ و هو أنَّ المجنَّدِيْنَ في قواتِها، يُمَثِّلُونَ أدنى المستوياتِ الاجتماعيةِ، تلك التي تجدُ في الجيشَ أفضلَ بديلٍ لها، في سوقٍ يعتمدُ علي المنافسةِ الحُرَّةِ، و لهذا كان غالبيةُ المجنَّدِيْنَ في الجيشِ الأمريكيِّ مِنَ الريفيين والزُّنوجِ و النِّساءِ، حتَّى أنَّ المسئولينَ العسكريينَ، اضْطُرُّوا إلى تخفيفِ مستوياتِ الالتحاقِ بالقواتِ المسلحةِ، و إلى إعادةِ تجنيدِ حتَّى هؤلاءِ الذين ثبتَ عدمُ لياقتِهم نفسيًا و عقليًّا ؛ لهذا يكونُ مِنَ المنطقي، أنْ تكونَ القُوَّةُ التي تستطيعُ أنْ تُحَيِّدَ هذه التكنولوجيا العاليةَ، و تُجْبِرَ الأمريكيينَ على حَرْبِ الشَّوارعِ و المُدُنِ و الجبالِ - قادرةً على إحراجِ هذا الجيشِ العظيمِ، و لا تُمَكِّنُهُ مِنْ نَصْرٍ حاسمٍ، و قدْ أثبتتْ هذه الحقيقةُ صِحَّتَها في العراقِ و أفغانستانَ، و خَسِرَ الأمريكيونَ - رغمَ الدُّروسِ التي قدمتْها إسرائيلُ لهمْ عَنْ حَرْبِ الشَّوارعِ و المُدُنِ - أربعةَ آلافِ قتيلٍ، و أكثرَ مِنْ ستينَ ألفَ مُصَابٍ على أقلِّ التَّقديراتِ .
في الثالثَ عَشَرَ مِنْ فبراير عام 2008م، نشرَ الكاتبُ الأمريكيُّ " مايك هويتني " مقالاً يحملُ عنوانًا ساخرًا، هو : " أغنيةُ البَجْعَةِ للناتو : التَّكْلِفَةُ الفعليَّةُ للهزيمةِ في أفغانستانَ "، بدأ " هويتني " مَقَالَهُ بمُقَدِّمَةٍ قالَ فيها : " مِنَ المُفْتَرَضِ أنْ تكونَ حَرْبُنا في أفغانستانَ حَرْبًا مِنْ أجلِ الخيرِ، و مِنْ أجلِ التَّحريرِ، حربًا تَلْفِتُ أنظارَ العالَمِ إلى القوَّةِ العسكريَّةِ الأمريكيَّةِ، و فنونِها القتاليَّةِ، و جنودِها العِظَامِ، إنَّها القوَّةُ العُظْمَى في العالَمِ، التي لا يمكنُ أنْ تُهْزَمَ أوْ تُقَاوَمَ . إنَّ " واشنطن " تستطيعُ أنْ تنشرَ قواتِها في العالَمِ، وتستطيعَ أنْ تُطِيْحَ بأعدائِها في أيِّ وقتٍ تشاءُ " . لكنَّ الحربَ في نَظَرِ " هويتني " ليستْ " سياسةً خارجيةً "، إنَّها " مَذْبَحَةٌ "، ولا تزالُ " مَذْبَحَةً " بعدَ سَبْعِ سنواتٍ مَضَتْ . أطاحتْ " طالبان " بهذه التَّصوُّرَاتِ عَنِ القوَّةِ الكُبْرَى في العالَمِ و جيشِها العظيمِ، وانحرفتْ بالحربِ عمَّا أَسْمَاهُ " هويتني " بـنصوصِ الكتابِ المُقَدَّسِ للبنتاجون .
قالَ " بوش " : " إنَّ الحربَ في أفغانستانَ، يجبُ أنْ تستمرَّ، و إلا ستصبحُ البلادُ ملاذًا للمُخَدِّراتِ، و الإرهابِ، و الجريمةِ . إنَّنا نحاربُ إيديولوجيةً هدَّامةً للتطرُّفِ الإسلاميِّ، الذي يُهَدِّدُ بأنْ يُصْبِحَ حركةً عالميةً " . هذه هي نَظْرَةُ " بوش" . أمَّا " طالبانُ و " قبائلُ الباشتون"، فإنها تنظرُ إلى الأمرِ مِنْ زاويةٍ مختلفةٍ ؛ إنَّهم ينظرونَ إلى الحربِ ضدَّهم، على أنَّها حربٌ استعماريَّةٌ، تُزِيدُ مِنْ معاناةِ شَعْبِهم، الذي يعيشُ أكثرَ مِنْ نِصْفِ سُكَّانِهِ تحتَ خَطِّ الفقرِ، و سُوْءِ التغذيةٍ، و انخفاضٍ لمتوسطِ الأعمارِ، و توقُّفٍ للتعليمِ، و نُزُوْحٍ للآلافٍ مِنْ قُرَاهُمْ و مُدُنِهم . انتشرتْ تجارةُ المُخَدِّرَاتِ ؛ فالبلاد تنتجُ 90% مِنْ أفيونِ العالَمِ، يحكمُها جنرالاتُ الحربِ، و تجَّارُ المُخَدِّراتِ، و الحكومةُ الموالية للغرب . و لا شيءَ يُبْذَلُ مِنْ أَجْلِ التَّخلُصِ منهم . البلادُ في حالةِ خرابٍ، لا شيءَ يَتَحَسَّنُ، ليستْ هناك مِنْ خططٍ لإعمارِها، و تحسينِ مستوى معيشةِ المواطنِ الأفغانيِّ، كلُّ ذلكَ ناتجٌ مباشرٌ للاحتلالِ الأجنبي، و لوْ ظلَّ هذا الاحتلالُ قائمًا لمدةِ عشرِ سنواتٍ أُخْرَى ؛ لبقيتِ البلادُ كما هي على حالِها اليومَ، و رُبَّما أسوأُ . لم يَجْنِ الاحتلالُ على البلادِ سِوَى الفقرِ الطَّاحنِ، و القتلِ العَشْوَائيِّ، الذي لا مُبَرِّرَ له .
لمْ تَفِ " الولاياتُ المتحدةُ " بِوُعُوْدِها التي قَطَعَتْها على نَفْسِها : الحريةِ، الديمقراطيةِ، السلامِ، الرخاءِ، الاستقرار، لا شيءَ مِنْ هذا كلِّهِ، استبدلَتْ بكلِّ ذلكَ الاحتلالَ، ليسَ لَدَيْها خطةٌ احتياطيةٌ لأفغانستانَ و بالأَحْرَى ليستْ هناكَ خطةٌ على الإطلاقِ، و معَ ذلكَ كلِّهِ لا يلوحُ هناك أيُّ أملٍ في الأُفُقِ .
أصدقاءُ الغربِ مِنَ الأفغانِ الذين ساعدوا " الولاياتِ المتحدةَ " في مشروعِها " القتالُ مِنْ أَجْلِ كَسْبِ عقولِ و قلوبِ الأفغانِ " - اعترفوا بفَشَلِ هذا المشروعِ، و سَجَّلَ " هويتني" على لسانِ " الهيئةِ الثوريَّةِ لنساءِ أفغانستانِ " الآتي :
1- إنَّ إعادةَ تحالُفِ الشَّمالِ للسُّلطةِ، لم يحققْ للشَّعبِ الأفغانيِّ الحريةَ و الرخاءَ، اللذَيْنِ كان يطمحُ إليهما، و أنَّ سياسةَ الاعتمادِ على عدوٍّ واحدٍ لهزيمةِ آخرَ - سياسةٌ خاطئةٌ، هذه السِّياسةُ أدَّتْ في نَظَرِ " الهيئةِ المذكورةِ "، إلى إحكامِ قَبْضَةِ رجالِ التَّحالُفِ الشَّماليِّ على البلادِ .
2-
2- إنَّ ادِّعاءَ إدارةِ " بوش " بالحربِ لهزيمةِ الإرهابِ، لمْ يَعُدْ لها مطلقًا أيِّ معنى، و أنَّ الولاياتِ المتحدةَ لا تريدُ هزيمةَ " طالبان و القاعدةِ " ؛ لأنَّها إذا هَزَمَتْهُما ؛ فلنْ يكونَ لها أيِّ مُبَرِّرٍ للبقاءِ في " أفغانستانَ "، وتحقيقِ أهدافِها الاقتصاديةِ والاستراتيجيةِ في المنطقةِ .
. بعدَ سَبْعِ سنواتٍ مِنَ الحربِ، ليسَ هناكَ سلامٌ، و لا إعادةُ إعمارٍ، و لا ديمقراطيةٌ، إنَّه الفقرُ و المعاناةُ، تزيدُ حِدَّتُهما كلَّ يومٍ .
3- إذا غادرَ الحلفاءُ " أفغانستانَ " فسيكونُ الأفغانُ أكثرَ حُرِيَّةٍ و إنَّ هذه الحريةَ لنْ تتحقَّقَ إلا على يدِ الأفغانِ أَنْفُسِهم .
4-
يقول " هويتني" في المقالِ الذي أَشَرْنَا إليه : " لمْ تحصلِ الولاياتُ المتحدةُ على أيِّ شيءٍ مِنْ غَزْوِها لأفغانستانَ، إنَّ الجنودَ الأمريكيينَ لمْ يًسَيْطِرُوا – تمامًا - على كيلومترٍ مربعٍ واحدٍ مِنْ تربةِ " أفغانستان "، و في اللحظةِ التي يرفعُ هؤلاءِ الجنودُ فيها أقدامَهم عَنْ هذه الأرضِ ؛ ستعودُ هذه الأرضُ لطالبان " . أشار " هويتني " إلى تصريحِ القائدِ العَسْكَرِيِّ الأمريكيِّ الجنرالِ " دان ماكنيل"، الذي قالَ فيه : " تحتاجُ " الولاياتُ المتحدةُ " لكَسْرِ مقاومةِ " الباشتون "، إلى أربعمائةِ ألفِ جنديٍّ، في حين أنَّ للأمريكيينَ و حِلْفِ الناتو - الآنَ - ستةً و ستينَ ألفَ جنديٍّ، و يرفضُ الحلفاءُ إرسالَ جنودٍ أكثرَ، إنَّ النَّصرَ على المستوى اللوجستي البَحْتِ مستحيلٌ " .
حاولَ وزيرُ الدفاعِ الأمريكيِّ " روبرت جيتس "، التَمَلُّقَ للحُلَفاءِ، و دَعْوَتَهم إلى إرسالِ المزيدِ مِنَ القواتِ إلى " أفغانستانَ "، لكنَّ دَعْوَتَهُ قُوْبِلَتْ بمقاومةٍ جافَّةٍ ؛ قالَ الوزيرُ : " رُبَّما لا يدركُ الكثيرونَ مِنْ سكانِ القارَّةِ الأوربيَّةِ، حَجْمَ التَّهديدِ المباشرِ الذي يتعرَّضُ له الأمنُ الأوربيُّ، يجبُ علينا ألاَّ ننقسمَ إلى قِسْمَيْنِ : قسمٍ يريدُ الحربَ، و آخرَ لا يريدُها، إنَّ هذا الأمرَ لو تَفَاقَمَ بكلِّ أهميتِهِ لأَمْنِنَا المشتركِ ؛ فسوفَ يُحَطِّمُ التَّحالفَ بالفِعْلِ " .
الحُلَفاءُ الأوربيُّونَ لهمْ نَظْرَةٌ مختلفةٌ ؛ إنَّهم يَرَوْنَ أنَّ احتمالاتِ الحربِ في أوربا ضعيفةٌ، و الأوربيونَ لا يحتاجونَ إلى احتلالِ بلادٍ أخرى لاستيفاءِ احتياجاتِهم مِنَ الطَّاقةِ ؛ إنَّ بلادَهم مُزْدَهرةٌ ؛ و يستطيعونَ تَحَمُّلَ شراءِ الوقودِ مِنَ السُّوقِ المفتوحةِ، " فالولاياتُ المتَّحدةُ " فقطْ هي التي تريدُ الحربَ، و الحربُ جزءٌ مِنِ استراتيجيتها الكُبْرَى ؛ لفَرْضِ هَيْمَنَتِها على المنطقةِ ؛ للتَّحَكُّمِ في مصادرِها . و يرى الحُلَفاءُ أنَّه ليسَ هناكَ مِنْ أملٍ في نجاحِ هذه الخطّةِ الأمريكيَّةِ .
لنأخذْ " ألمانيا " كمثالٍ ؛ اقتصادُ " ألمانيا " هو ثالثُ اقتصادٍ في العالَمِ، عَزَّزَتْ " ألمانيا " في السنواتِ الأخيرةِ روابَطها مع " روسيا "، وعَقَدَتْ معها اتفاقياتٍ ؛ لإمدادِها باحتياجاتِها مِنَ الطَّاقةِ . لكنَّ "روسيا" مُسْتَاءَةٌ مِنَ التَّحالُفِ الألمانيِ الأمريكيِّ في " أفغانستانَ "، و يعتقدُ " بُوتن " أنَّ أمريكا تحاربُ في المنطقةِ ؛ لتُرَسِّخَ أقدامَها في " آسيا الوُسْطَى " ؛ حتَّى تتحكَّمَ في طرقِ خطوطِ الأنابيبِ ؛ و محاصرةِ " رُوسيا و الصِّينِ " بالقواعدِ العسكريَّةِ ؛ لذلك سعى " بوتن " إلى الضَّغْطِ على " إنجيلا ميريكل " ؛ لتسحبَ قواتِها مِنْ " أفغانستانَ " ؛ حتى يمكنَه شَنَّ عاصفةٍ ضدَّ التَّحالُفِ الذي تقودُهُ " الولاياتُ المتحدةُ " . و يُدْرِكُ " القادةُ الألمان " أنَّه " مِنَ الغباءِ أنْ تَحُكَّ أَنْفَ مَنْ يُمِدُّونكَ بالطَّاقةِ " ؛ و همُ الرُّوسُ مِنْ أجلِ مغامراتِ " الولاياتِ المتحدةِ " . و إذا انسحبتْ " ألمانيا" مِنَ التَّحالُفِ ؛ فسوفَ يتفكَّكُ " الناتو "، و ينشأُ تحالُفٌ جديدٌ . كل هذا يعنى، أنَّ بدايةَ الشُّقوقِ التي ستؤدي إلى تَصَدُّعِ " الناتو " قدْ ظهرتْ في الأُفُقِ. هكذا يَرَى الحُلَفاءُ الحقيقةَ، و هكذا تتصوَّرُ " طالبان " نَفْسَها ؛ فَكَسْبُ الحربِ بالنسبةِ لطالبان أمرٌ حَتْمِيٌّ، و إنْ طالَ أَمَدُهُ . أمَّا الحلفاءُ فلا يختلفُ تَصَوُّرُهم لكَسْبِ الحربِ عَنْ تصوُّرِ" طالبان " . و لقدْ سَجَّلَ " هويتني " هذه الحقيقةَ بقَوْلِهِ : " إنَّ الحلفاءَ سَيَرَوْنَ بالتَّدريجِ أنَّهم مُتَوَرِّطُونَ في حَرْبِ " بوش "، التي لا يمكنُ كَسْبَها، و أنَّ استمرارَ القتالِ لا يُجْدِي نفعًا، و ليسَ هناكَ حلٌّ عسكريٌّ للصِّراعِ في " أفغانستان "، و الأملُ في الحلولِ السياسيَّةِ، يبدو كَلَيْلٍ حالكِ السَّوَادِ دائمًا، هذا بالإضافةِ إلى الإحساسِ النَّامِي بالإحباطِ " . أمَّا " طالبانُ " فهي عدوٌّ متماسِكٌ، يزدادُ قوةً يومًا بعدَ يومٍ، و بعدَ أنْ يُدْرِكَ الأوربيونَ عَدَمَ جَدْوَى الحربِ، سينسحبونَ منها، و سيكونُ ذلك نهايةَ النّاتو " .
و خُلاصةُ ما انتهى إليه " هويتني "، أنَّه ما أنْ تُغادرَ " الولاياتُ المتحدةُ و النّاتو " أرضَ " أفغانستانَ "، و ما أنْ تحلَّ " طالبان " مكانَهما ؛ حتى يُسَجِّلَ التَّاريخُ وَقْفَتَهُ الثَّالثةَ ؛ فالوقفةُ الأولى كانتْ هزيمةُ " الإمبراطوريةِ البريطانيةِ "، تلك التي لمْ تكنْ تغيبُ عنها الشَّمسُ، بعدَ انتهاءِ الحروبِ الثلاثةِ " الأنجلو أفغانية "، على أرضِ "أفغانستان " . أمَّا الوقفةُ الثانيةُ ؛ فكانتْ هزيمةُ " الإمبراطوريةِ السُّوفيتيةِ " منذُ عشرين عامًا، على نَفْسِ هذه الأرضِ . و تأتي الوقفةُ الثَّالثةُ ؛ و هي نهايةُ الغربِ، وستكونُ هذه الوقفةُ الأخيرةُ، حاشيةٌ يُضِيْفُها الأفغانُ إلى سِجِلاَّت ِتاريخِهمُ الدِّراميِّ، على حَدِّ قَوْلِ " هويتني " .
----------------
د. أحمد إبراهيم خضر
دكتوراة فى علم الإجتماع العسكرى
الأستاذ المشارك السابق بجامعات القاهرة، والأزهر، وأم درمان الإسلامية، والملك عبد العزيز.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: