البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

(41) أبعاد التخريب العلماني
محمد أركون.. أنموذجاً

كاتب المقال د. أحمد إبراهيم خضر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 17781


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


بالأمس... طلب خالدُ بن عبد الله القسري، أمير العراق، الجعدَ بن درهم، حتى ظفر به، فخطب بالناس في يوم الأضحى، وكان آخر ما قاله في خطبته: أيها الناس، ضحّوا، تقبّل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهــــم؛ فإنه زعـم أن الله لم يكلـم مـوسى تكليماً، ولم يتخـذ إبراهيم خليلاً، تعالى الله عما يقــول الجعد علواً كبيراً. ثم نزل فذبحه في أصل المنبر، فكان ضحية، ثم طفئت تلك البدعة فكانت كأنها حصاة رُمِيَ بها(1).

واليوم.. المرعى الإسلامي غداً بابه مفتوحاً لـكـــــل (عرجاء) و(عوراء) لا يجزئ لحمها في الأضحية (2).

إنهم أهل التخريب العقدي، يحاربون الإسلام من داخله بإثارة شكوك المسلمين بما يؤمنون به، يهدفون عبر زعزعة الترابط العقدي تفكيكَ المجـتـمـــع الإسلامي برمته(3). يصفون أنفسهم بأنهم علماء مجتهدون متفرغون لتطوير المعرفة(4)، ولا تخرج مقولاتهم عند كونها لوناً من ألوان (الرقاعة الثقافية)(5)، يميزون أنفسهم عن المسلمين الآخرين (المقلدين)، أما هم، فإنهم باحثون تحرروا مما أطلقوا عليه (المعارف الخاطـئــــة) التي تعارف عليها كل المسلمين عن الإسلام. يدعون إلى العقلانية ويطالبون باتساع العقـل وحرية البحث حتى في القضايا الدينية الحساسة التي ترتبط بما هو مقدس ولا يمس (كالوحي والقرآن والسنة). يشجعون الإبداع الفكري الذي يصل عندهم إلى حد القول بأن الاعتقـاد بأن الشريعة ذات أصل إلهي (وهمٌ كبير)(6) ومع كل هذا الانحراف والضلال يطالبون الآخــريــن بالتسامح معهم، والإقبال على مناظرتهم، وعدم الخلط بين العرض العلمي للقضايا ومواقـف العوام، والتقيد بما يفرضه البرهان العقلي. يتهمون ما يسمى (بالخطاب الإسلامي) بأنه خـطـــاب مليء بالـنـقـائــض والرذائل والمثالب، يحمّل المفكرين (أمثالهم) ما لم يفكروا فيه، وما لم يدّعوه، وما لم ينطقوا به(7).

ماذا يريدون بالضبط؟



همهم الأول القضاء على الإيمان العقدي ومحوه من الأفق البشري: حتى لا يبقى هناك إلا الأفق الاجتماعي. يريـــدون منا أن ندخل تجربة الغرب التاريخية التي خاضها منذ أكثر من قرنين فتخلص من الأفق الديني القروسطي (نسبة إلى القرون الوسطى).

لا يجهلون الإسلام وإنما يصرون على تحليله في ضوء النصرانية الكنسية والقرون الوسطى التي ارتبطت في أذهان الـغــرب بالتصور المظلم والمرعب عن الدين. أفقهم المعرفي لا يخرج عن حدود الفكر الغربي والـثـقـافـــة الأوروبية. يتزلفون للغربيين حتى القسس منهم على حساب دينهم؛ ولهذا يضيقون ذرعاً بمطالبة الإسلاميين بخصوصية إسلامية وأصالة عقلية وعلمية مطلقة جعلتهم في غنى عما أبدعته انحرافات الفكر الغربي والبحث العلمي خارج دائرة المعارف الإسلامية المتأصلة في القرآن والمنطلقة منه، فراحوا يتصورون أن الإسلاميين كآباء الكنيسة يقتلون في الإنسان حس المبادرة والحركة ويدعون إلى الاستكانة والاستسلام ورفض الانخراط في العالم(8).


أهل السنة والجماعة في نظر أهل التخريب العقدي (أورثوذكسيون):



لأنهم يُجمعون على عقيدة إسلامـيـــــة صحيحة ومستقيمة، ويُبرزون معايير التفرقة بينها وبين البدع والاعتقادات الطارئة المنحرفــــــة عن الإسلام. (والأورثوذكسية) أصلاً مصطلح غربي نقله أهل التخريب إلى العربية ولا يربطـونـــه بالمذهب الأورثوذكسي في النصرانية؛ لأنه مصطلح سابق على ظهور هذا المذهب. لا يروق لهم المعنى الحرفي للكلمة (وهو الطريق المستقيم أو الطريق الصحيح) إنما يأخذون معناها الاصطلاحي وهو (النواة العقائدية الصلبة والمغلقة على ذاتها لدين ما، أو لأيديولوجية ما، أو اتجاه سياسي ما، والتي ترفض كل ما يقع خارجها باعتبار أنه ضلال وهرطقة). يقول أهـل التخريب إنهم لم يستطيعوا ترجمة مفهوم (الأورثوذكسية) بكل أبعاده الأيديولوجية بالـسـنّــة؛ لأن أهـل السنة والجماعة قد احتكروا المفهوم لصالحهم وعدلوا به عن معناه في القرآن(9)، ولم يـعــط أهــــل التخريب العقدي دليلاً واحداً مقنعاً يبين صحة تأويلاتهم الفاسدة الخارجة أصلاً عن حدود القرآن والسنة.

وحتى لا يُتـهــــم أهل التخريب العقدي بالكفر، سارعوا إلى وضع مفهوم جديد لـلإيمان والكفر. فهموا من الإمام الغزالي أن الكفر هو تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام في شيء مما جاء به، والإيمــــــان هو تصديقه في جميع ما جاء به، فاليهودي والنصراني كافران لتكذيبهما الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والبرهمي كافر بالطريق الأوْلى؛ لأنه أنكر مع رسولنا سائر المرسلين.

هذا الذي يتبنى مفهوم الغزالي عن الكفر ويطبقه على (العلماء المجتهدين) أمثالهم رجل مقلد بلغ درجة من العـمـى والـتـعـصـــب في أحكامه؛ لأن الإيمان والكفر في فلسفة أهل التخريب العقدي مرتبطان بالبحوث النـفـســــانية واللغوية عن تكوين البنية الشخصية والجماعية التي ينشأ فيها كل فرد. ولم يـكـتـف أهــل التخريب العقدي بذلك بل ألقوا مسائل الحلال والحرام والمقدس والقصص الديني في أحضان العلوم الحديثة (علوم الإنسان والمجتمع)(10) التي تعطي لها تفسيراً خاصاً يخرج بها كلية عن ارتباطاتها العقدية. ومن المسلّم به في العلوم الاجتماعية أن نظرياتها التقليدية تـرى أن الأفكار الدينية زيف ووهم، أما نظرياتها الحديثة فتتجنب مسألة حقيقة الدين، لكـنـهـــا تغذي هذه التحليلات التي تحقر من أي رؤية جدية للأفكار الدينية وتنظر إليها على أنها غير حقيقية(11).


موقفهم من خاصية ثبات الأصول:



واجهت أهل التخريب العقدي مشكلة النظرة العقلية المستمرة والمتكررة التي ترى وجود إســــــــلام صحيح يتطابق مع مفهوم الدين الحق لمكافحة البدع والرد على أهل الأهواء والنحل، وإبـطـــال الملل الضالة المضلة، وإبعاد أو إخضاع جميع المنحرفين عن الصراط المستقيم والحق الـمبين، فقالوا: إن الإجماع بأن هناك إسلاماً جوهرياً لا يقبل التغير ولا يخضع(للتاريخانية)(12) ـ هو هو كالأقنوم الإلهي يؤثر في الأذهان والمجتمعات ولا يتأثر بها ـ لـيـــس إلا تحجراً عقلياً وتطرفاً وتعصباً وإرهاباً، ودعوا إلى العدول عن هذه النظرة التقليدية والإقـــــرار بضرورة التعددية العقائدية؛ ويسوِّغون دعواهم الضالة والمضلة بأن النصوص القرآنية قد ألهمت ولا تزال تلهم (تأويلات) بتغير الزمان والمكان(13).

يؤمن أهل السنة والجـمــــــاعة بأن التأويل الذي دلت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها هو التأويل الصحيح، والتأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص وما جاءت به هو التأويل الفاسد. وكل تـأويــل وافق ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو المقبول وما خالفه فهو المردود. لكن أهل التخريب العقدي بعد أن طرحوا بعيداً ربط الكفر بـتـكـذيـب الـرســـــــول صـلى الله عليه وسلم ردوا السنة برمتها إلى دائرة (الـبـحـــث التاريخي)(14)، وسـعـوا إلى إعادة قراءة النصوص الدينية، تلك التي أسموها بالنصوص التاأسيسية أو النص الأول (الـقــرآن) والنصوص الثانية (السنة وغيرها)، في ضوء العلوم الحديثة.

والتأويل عند أهل التخريب الـعـقـــــدي لا يخــــرج عما يقوله عنهم (ابن القيم) من أنه (استخراج معاني النصوص وصرفها عن حقائقها بأنــواع المجـــــــازات وغرائب اللغات ومستنكر التأويلات، فأدى بهم هذا الظن الفاسد إلى نبذ الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وراء ظهورهم، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف والكذب عليهم وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف. (والتأويل) إذا تضمن تكذيب الرسول -صلى الله عليه وسلم- فحسبه ذلك بطلاناً) وتأويلات أهل التخريب العقدي من هذا الطراز(15).


القطيعة المعرفية ماذا تعني؟



خرج علينا أهل التخريب العقدي بمصطلح جديد أسموه: (القطيعة المعرفية) ومن المعروف عـنهــم أنهم لا يأتون بجديد، وإنما يستخرجون أفكارهم بعد أن يدخلوا جحر كل ضب دخله قبلهم المفكرون الغربيون، ثم يلوكون هذه الأفكار ويطبقونها على الإسلام.

ومصطلح (القطيعة المعرفية) طرحه أصلاً المفكر الإيطالي (فيكو) وكتب فيه الأمريكي (توماس كون) وعـالـم الــرياضيات الفرنسي (رينيه توم). تناول كل هؤلاء مسألة القطيعة في تاريخ العلوم وكيفية تفـسـيـرها: متى تحدث القطيعة في فكر ما؟ ما هي الشروط الموضوعية التي ينبغي توافرها لكي تحـصـل القطيعة؟ أي: لكي يتوقف الناس فجأة عن التفكير بالطريقة التي كانوا يفكرون بها سابـقـــــــــاً منذ مئات السنين. ولأن الحقد والغل يملأ قلوب أهل التخريب العقدي على الإسلام طبـقـــــوا هذا المفهوم على الإسلام؛ فدعوا إلى التوقف عن التفكير في الإسلام بالطريقة التي يؤمن بها الناس حالياً والتفكير فيه بطريقتهم التدميرية.
ويدعونا أهل التخريب العقدي إلى أن نـدرك مـعـنـى القطيعة المعرفية، أي أن نتخلى عن معارفنا التقليدية عن الإسلام التي يصفونها بأنها مـعـــارف (خاطئة أسطورية ذات معانٍ خيالية) وأن نفكر بالطريقة التي فكر بها الأوربيون مـنــــذ القرن السادس عشر، فنغير ـ مثلهم ـ نظرة العقل إلى المعرفة وطرق إدراكه للواقع وتعـبـيره عن تأويلاته لهذا الواقع.


هل نحن بحاجة إلى الفلسفة؟



وعـبــر إصرارهم المستميت على تخريب عقيدة الإسلام يزرعون الألغام الواحد تلو الآخر، فتجدهم يدعون إلى الانفصال بين الحكمة والشريعة ويفسرون الحكمة بأنها (الفكر العلمي) ويسمون الشريعة (بالظاهرة الدينية)(16) مع أن الحكمة تعني العلم والفقه والمعرفة بالقرآن وخـشـيـة الله والفهم والبصر والعقل، كما جاء ذلك عن ابن عباس ومجاهد وابن مسعود، وزيد بن أسلم، ومالك؛ وذلك في تفسير قوله ـ تعالى ـ: ((يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) [البقرة: 269]، وقوله ـ تعالى ـ: ((وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ)) [لقمان: 12](17).

وتارة أخرى ينظرون إلى (الحق) على أنه خاضع (للتاريخانية) بمعنى أن وجوده ومظاهره تتغير بـتـغـيـــر نظرة العقل إليه، كما يتغير العقل بدوره بتغير النتائج ووجوه الحق التي يستبينها ويتعقلها.

كما يتبنون وظـيـفــــــــة الفلسفة لتسويغ الموجودات والأحكام إلى العقل في كل الممارسات والمعالجات بما في ذلك إثارة مسائل وقضايا ومواقف معرفية ما كان التفكير فيها ممكناً بل كان مستحيلاً، ولذلك تجــدهم يُرجعون انتشار المدّ الإسلامي إلى غياب الفلسفة عن معظم المدارس والجامعات بالبلدان الإسلامية. والحقيقة أن الفلسفة لا تمارس تأثيرها إلا في غيبة نور الوحي الإلهي، أو فـي حـالـــة خفوته، أو في حالة جهل الناس بحقيقتها وجهلهم بالمنهج النبوي على وجهه الصـحـيـح. وتملك الفلسفة القدرة على التلبيس بما تملكه من أدوات، فهي تتزيّا بزي العقل حيناً، وبزي العلم حينا آخر، وتملأ الفراغ المخيف الذي تتركه غيبة الهداية الإلهية عن العقول(18).

وبينما اشتهر أهل التخريب العقدي في مصر وسوريا باستخدام مصطلحات: (نقد الخطاب الديني) و (نقد الفكر الديني)، استخدم نظراؤهم المستوطنون في دول الغرب مصطلح: (نقد العقل الإسلامي).

يعرِّف أهل التخريب العقدي (العقل الإسلامي) بأنه هذا العقل المتقيد بالوحي أو الـمُعطَى المنزل. ويقر بأولوية المعطَى لأنه إلـهي، وأن دور العقل ينحصر في خدمة الوحي، أي فهم وتفهيم ما ورد فيه من أحكام وتعالـيم وإرشاد، ثم الاستنتاج والاستنباط منه، فالعقل تابع وليس بمتبوع اللهم إلا بالقدر الذي يسمح به اجتهاده المصيب بفهم وتفهيم الوحي.

لا يقر أهل التخريب العقدي بذلك، ويصـبــون كل انتقاداتهم على علاقة العقل بالـمُعطى المنزل، وعلى رضاه بأن يبقى دائماً في الدرجة الثانية، أي في حدود الخادم دون أن يجرؤ أبداً على مبادرة أو سؤال أو تأويل لا يسمح به الوحي المحيط بكل شيء، بينما العقل لا يدرك شيئاً إدراكاً صحيحاً إلا إذا اعتمد على الوحي المبين(19).

إنه ما عُصي الله بشيء إلا أفسده على صاحـبـــــه؛ ومن أعظم معصية العقل إعراضه عن كتاب الله ووحيه، فأي فساد أعظم من فساد هذا العقل؟ إن علم الأنبياء وما جاؤوا به عن الله لا يمكن أن يدرك بالعقل ولا يكتسب، وإنما هو وحي أوحاه الله إليهم بواسطة الملك، أو كلام يكلم به رسوله منه إليه بغير واسطة كما كـلـم موسى. وهذا متفق عليه بين جميع أهل الملل المقرين بالنبوة المصدقين بالرسل، ولا يخالـفـهــم فـي ذلــك إلا جهلة الفلاسفة وسفلتهم. ولكن أهـل التخريب العقـدي يريـدون أن يعكسوا شـرعـة الله وحكمته؛ فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ جعل الوحي إماماً والعقل مؤتماً به، وجعله حاكـمـــــاً والعقل محكوماً عليه، ورسولاً والعقل مرسلاً إليه، وميزاناً والعقل موزوناً به، وقائداً والـعـقــل منقاداً له؛ فصاحب الوحي مبعوث، وصاحب العقل مبعوث إليه، والآتي بالشرع مخصوص بوحي من الله، وصاحب العقل مخصوص ببحث عن رأي أو فكرة. الرسول يقول: معي كتاب الله، وهم يقولون: معنا العقل. الرسول يقول: معي نور خالق العقل به أهدي وأهتدي، ويقول: قال الله كذا، قال جبريل عن الله كذا، وهم يقولون: قال فيكو.. قال بيير بــورديو.. قال جاك دريدا.. قال فرانسوا إيوالد.. إلخ.


بين العقل والوحي:



إن قـضـايــا العقل تشمل على العلم والظن والوهم، وقضايا الوحي كلها حق؛ فأين قضايا مأخوذة عن عقل قاصر عاجز عرضة للخطأ، من قضايا مأخوذة عن خالق العقول وواهبها هي كلامه وصفاته؟!(20).

(العقل هو المصدر والعامل في كل ما يعبر عن الإنسان ويبلغه بلغة من اللغات، وهو المسؤول عن عملية تركيب المعاني في إنتاج جميع المنظومات)، هكذا يقول أهل التخريب العقدي في دفاعهم عن (فـتـنـــة خـلــــق القرآن)، وقد وصل بهم التبجح إلى القول بأنه (لو استمرت المناظرات بين العقل القائل بخلق القرآن والعقل الخادم الخاضع للقرآن غير المخلوق، لكان الوضع المعرفي للعقل الإسلامي اليوم على غير ما هو عليه، بمعنى: أن الفسحة العقلية ما كانت لتصبح ضيقة محدودة تسودها الأرثوذكسية العقائدية المعروفة اليوم)(21) أي انتصار أهل السنة والجماعة، الذين يقولـــون إن القــــرآن كلام الله ـ تعالى ـ منه بدأ، فنزل غير مخلوق، ألفاظه ومعانيه عين كلام الله، سمعه جبـريل من الله، والنبي سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهـــــــو القرآن المكتوب بالمصاحف المحفوظ بالصدور المتلو بالألسنة. القرآن عند أهل السنة والجـمـاعـــــة كلام الله ـ تعالى ـ بالحقيقة وليس بمخلوق ككلام البرية، ومن سمعه وزعم أنه ككلام البـشــر فقد كفر، وقد ذمه الله ـ تعالى ـ وعابه، أو أوعده عذابه حيث قال: ((سَأُصْلِيهِ سَقَرَ)) [المدثر: 26] التي أوعدها الله لمن قال: ((إنْ هَذَا إلاَّ قَوْلُ البَشَرِ)) [المدثر: 25] (22).


البؤس الفكري لدي بعض المفكرين العرب:



وقد اعترف أهل التخريب العقدي بأن التوجه الإسلامي الصحيح قد كشف أزمة المجتمع فـي الـعـمــق، وكشف في الوقت نفسه عن البؤس الفكري لمعظم المثقفين العرب ومراهقتهم الفكرية، كما أنه كشف كذلك عن التخلف المنهجي والمعرفي للفكر العربي المعاصر؛ فالواقع في واد وهم فـي واد آخـــر؛ فبؤسهم الفكري عاجز عن طرح أي مشكلة بشكل صحيح بل عاجز حتى عن رؤية المشكلة ذاتها.
أقر أهل التخريب العقدي بأن زميلهم (المثقف العربي) يقف أمام نظيره الغربي (كالفلاح الفقير الذي يقف خجلاً بنفسه أمام الغني الموثر) ويقولون في ذلك: (يقف مثقفنا العربي أمام نظيره الغربي وهو يكاد يتهم نفسه ويعتذر عن شكله غير اللائق ولغته غير الحضارية ودينه المتخلف، ويستحسن المثقف الغربي منه هذا الموقف ويساعده على الغوص فيه أكثر فأكثر حتى ليكاد يلعن نـفـســــــه أو يخـــــرج من جلده لكي يصبح حضارياً أو حداثياً مقبولاً)(23).
لقدأحسن أهل التخريب العقدي وأجادوا في وصف حال المثقفين العرب الذين هم أيضاً من دعاة هذا التخريب. لكن حال أهل التخريب العقدي أمام المثقفين الغربيين ليس بأفضل من حال المثقفين العرب الذين يهاجمونهم. هاهم يقفون خجلين أمامهم من الخطاب الإسلامي الــــذي يتحدث عن التوحيد والصلاة والصيام والزكاة والحج والحجاب والجهاد. إنهم يقدسون لغة الغرب، ويكتبون بها، ويرونها مؤيدة للنقد الفلسفي والتاريخي والعلمي وأن لها أرضـيـة خصبة من الجهاز المفهومي الداعي إلى المزيد من الدقة والتعمق في النقد. أما لغتهم (اللغــــة العربيـة) فلا تتحمـل اقتران النقـد بالعقل الإسلامـي. ها هم يعتذرون عن شكلهم غير اللائق، ولغتهم غير الحضارية، ودينهم المتخلف فيحذرون الإسلاميين من أن خطابهم المتردد على ألسنة الخواص والعوام يمجه جميع الناس في الغرب، وأنه لا يتيح إلا المزيد من الرفض والاستبعاد وسوء التفاهم، ويحذرون أيضاً بأن على الخطاب الإسلامي أن يغير من طريـقــتــــه الـتي تثير ردود فعل وتحريض للغرب على الإصرار في الهيمنة واستراتيجية الإخـضــــاع والتسيير التحكمي للعالم (الإسلامي) المتخلف. ثم يدافعون عن الغرب ويقولون: (بأن للغرب حق الحماية لقيم مدنيته والدفاع عن أمانته أمام قوى العنف والجهل وعدم التسامح)(24).

يريد أهل التخريب العـقـــــدي خطاباً إسلامياً يتحدث للغرب بلغة ما وراء الحداثة(25) والديموقراطية، ومفهومي الـفـرد والمواطن، والتعاقد والتفاعل بين دولة القانون والمجتمع وأن يراعي الجانب الحقوقـي والفلسفي للتجربة الديموقراطية، وإلا فهو خطاب متخلف يستحق أن يمجه الغربيون ويرفضوه.


---------------------

الهوامش :



(1) الجعد بن درهم مبتدع ضال. قال بخلق القرآن، وكان مؤدب مروان بن محمد، قتله خالد ابن عبد الله القسري ســنـــة 118هـ يوم النحر. انظر ابن قيم الجوزية، الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، تحقـيـــق د. علي بن محـمـــد الدخيل الله، ج3، دار العاصمة، الرياض، 1412هـ، ص 1071.
(2) سـلـيـمــان بن صالح الخراشي، محمد عمارة: في ميزان أهل السنة والجماعة، دار الجواب، الرياض، 1413هـ ـ 1993م، ص 9.
(3) أمين أبو عــــز الدين (نقلاً عن محمد وقيع الله أحمد)، الدين والعلمنة في طروحات محمد أركون، الآداب، عدد 5، مايو 1993م، ص 29.
(4) محمد أركون، أين هو الفكر الإسلامي المعاصر، ترجمة هاشم صالح، دار الساقي، ص 7.
(5) (الرقاعة الثقافية) تعبير استخدمه الدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه، قصة أبو زيد وانحسار العلمانية في جامعة القاهرة، الدار الذهبية، القاهرة، ص 13.
(6) أمين أبو عز الدين، مرجع سابق، ص 24.
(7) محمد أركون، مرجع سابق، ص 3.
(8) المرجع السابق، ص 30، 66، ص 8. (9) المرجع السابق، ص 16، 9.
(10) المرجع السابق، ص 5، 7، 6.
(11) انظر: الأساس الإلحادي للنظريات المعاصرة في علم الاجتماع، في كتابنا: علماء الاجتماع وموقفهم من الإسلام، المنتدى الإسلامي، لندن، 1413هـ ـ 1993م، ص 177 ـ 193.
(12) (التاريخانـيـــة) مصطلح طبقه أهل التخريب العقدي على الإسلام، ويعنون به فهم الإسلام في حدود الحقـبــة الزمنية التي ظهر فيها، وفي ضوء البيئة الاجتماعية والثقافية التي عمل عبرها؛ مع التأكيد على نسبية وعدم اتساع قواعده ومفاهيمه لتطبق على حقب زمنية لاحقة.
(13) محمد أركون، مرجع سابق، ص 4، 17.
(14) انظر التاريخانية.
(15) ابن القيم (بتصرف) مرجع سابق، ج1، ص 163، 187، 192.
(16) محمد أركون، مرجع سابق، ص 4، 7، 11.
(17) محمد رشاد خليل، الفلسفة وأثرها في أصول الدين، مجلة كلية أصول الدين، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عدد 5، 1403ـ 1404هـ، ص 259.
(18) المرجع السابق، ص 260. (19) محمد أركون، مرجع سابق، ص 15.
(20) ابن القيم (بتصرف)، مرجع سابق، ص 880، 891.
(21) محمد أركون، مرجع سابق، ص 15.
(22) أبو جعفر الأزدي الطحاوي، عقيدة أهل السنة والجماعة، تعليق محمد بن مانع، مكتبة المعارف، الطائف، ص 8.
(23) محمد أركون، مرجع سابق، ص 23 ـ 25.
(24) المرجع السابق، ص 21.
(25) في الوقت الذي يدعونا فيه أهل التخريب العقدي بالتعامل مع الغرب بعقل ما بـعـد الحداثة فإن هناك من المثقفين العرب من يؤجل دخول مجتمعاتنا الإسلامية هذه المرحـلـة على أساس أن ما بعد الحداثة نقد غربي يسوي حسابات غربية ولا يقدم لنا مشروعـيــة تاريخية؛ لأن مجمعاتنا في نظرهم مجتمعات ما قبل الحداثة. وعلى كل فـــإن مـــــا بعد الحــداثة اتجاه ثقافي غربي يسدل الستار على الحداثة كمشهد عابر في العرض المسرحي الممتد للتقدم الثقافي، ويرى أن الحداثة قد استنفدت أغراضها وأن قيمتها المعرفية بهتت أو ربما صارت أصباغاً على لوحة لم يعد لها ملامح أو هوية. وما بعد الحداثة مفهوم ينكر ثنائية الحداثة ـ التقليدية، ولا يقدم بالضرورة على القطيعة مع الماضي أو الميراث الثقافي، ولا يقبل النموذج الارتقائي الذي يجعل المجتمع الأوروبي هو الصورة النموذجية للعالم المتخلف. انظر: محمد السعيد سعيد، ما بعد الحداثة ومصير التنوير، العربي، عدد 413 إيريل 1993م، ص 24 ـ 28. وهــــذا لا يـعـني أن أهل التخريب العقدي قد عدلوا بهذا المفهوم موقفهم من الإسلام، ويكفينا لبيان ذلك أن نشـيـر إلـى أنهم أعطوا للوحي مفهوماً يخالف ما هو معروف عنه، ونظروا إليه على أنه جملة من الإكـراهــــات والقيود وتكرار الشعائر والطقوس والقيام والقعود، وفرض القوالب النهائية الجامدة. (انظر محمد أركون، مرجع سابق، ص 75).


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

محمد أركون، ليبيرالية، علمانية، الحداثة، النص والتأويل، نقد الخطاب الديني، غزو فكري، التراث والمعاصرة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-03-2009  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  (378) الشرط الأول من شروط اختيار المشكلة البحثية
  (377) مناقشة رسالة ماجستير بجامعة أسيوط عن الجمعيات الأهلية والمشاركة فى خطط التنمية
  (376) مناقشة رسالة دكتوراة بجامعة أسيوط عن "التحول الديموقراطى و التنمية الاقتصادية "
  (375) مناقشة رسالة عن ظاهرة الأخذ بالثأر بجامعة الأزهر
  (374) السبب وراء ضحالة وسطحية وزيف نتائج العلوم الاجتماعية
  (373) تعليق هيئة الإشراف على رسالة دكتوراة فى الخدمة الاجتماعية (2)
  (372) التفكير النقدى
  (371) متى تكتب (انظر) و (راجع) و (بتصرف) فى توثيق المادة العلمية
  (370) الفرق بين المتن والحاشية والهامش
  (369) طرق استخدام عبارة ( نقلا عن ) فى التوثيق
  (368) مالذى يجب أن تتأكد منه قبل صياغة تساؤلاتك البحثية
  (367) الفرق بين المشكلة البحثية والتساؤل البحثى
  (366) كيف تقيم سؤالك البحثى
  (365) - عشرة أسئلة يجب أن توجهها لنفسك لكى تضع تساؤلا بحثيا قويا
  (364) ملخص الخطوات العشر لعمل خطة بحثية
  (363) مواصفات المشكلة البحثية الجيدة
  (362) أهمية الإجابة على سؤال SO WHAT فى إقناع لجنة السمينار بالمشكلة البحثية
  (361) هل المنهج الوصفى هو المنهج التحليلى أم هما مختلفان ؟
  (360) "الدبليوز الخمس 5Ws" الضرورية فى عرض المشكلة البحثية
  (359) قاعدة GIGO فى وضع التساؤلات والفرضيات
  (358) الخطوط العامة لمهارات تعامل الباحثين مع الاستبانة من مرحلة تسلمها من المحكمين وحتى ادخال عباراتها فى محاورها
  (357) بعض أوجه القصور فى التعامل مع صدق وثبات الاستبانة
  (356) المهارات الست المتطلبة لمرحلة ما قبل تحليل بيانات الاستبانة
  (355) كيف يختار الباحث الأسلوب الإحصائى المناسب لبيانات البحث ؟
  (354) عرض نتائج تحليل البيانات الأولية للاستبانة تحت مظلة الإحصاء الوصفي
  (353) كيف يفرق الباحث بين المقاييس الإسمية والرتبية والفترية ومقاييس النسبة
  (352) شروط استخدام الإحصاء البارامترى واللابارامترى
  (351) الفرق بين الاحصاء البارامترى واللابارامترى وشروط استخدامهما
  (350) تعليق على خطة رسالة ماجستير يتصدر عنوانها عبارة" تصور مقترح"
  (349) تعليق هيئة الإشراف على رسالة دكتوراة فى الخدمة الاجتماعية

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
الردود على المقال أعلاه مرتبة نزولا حسب ظهورها  articles d'actualités en tunisie et au monde
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
 

  29-09-2010 / 13:22:20   حمادي بلخشين
عن الجعد بن درهم رحمه الله

ما كان الحعد بد درهم رحمه الله ضالا و لا مضلا بل واجه التزييف الملكي للدين و استنكر الجبرية التي ارساها معاوية و بررها دين الملك.. اي اهل السنة بشقيه الحنبلي/ الشافعي و الأشعري.
و لا حياة لدين الإسلام ما لم يقع ارجاع الإعتبار لأمثال الجعد و غيلان الدمشقي و معبد الجهني و نسيان البطات الجالسة و المبررة للظلم امثال بن حنبل و الشافعي و بن عبد الوهاب و الألباني و سائر الرخويات السلفية

حمادي بلخشين صاحب كتب
من جرائم السلفية
السلفية هي العدو
كوكتيل سلفي
لو كانت لكم شجاعة ادبية اعرضوها في موقعكم و بينوا " ضلال" صاحبها: و ما اظنكم تفعلون فذلك داب السلفية الحنبلية الوهابية في الهروب من المواجهة

  4-04-2009 / 18:57:55   بوابتي


المتدخل الكريم الحمامي، السلام عليكم

يا اخي امر الاشراف فعلا محرج وحساس، فهو يرتكز على عملية تقدير للمساهمات، ولكن هذه الاخيرة يقع تقييمها حين نشرها بطرق مختلفة كل من زاوية نظره، وعليه فان نتائج تقيمنا لن ترضي عادة الطرف المقابل، ولكن تأكد ان الموقع يحاول جاهدا ان يحافظ على رسالته الفكرية بدون النزول لمستويات هابطة بقدر المستطاع، وان سمح احيانا ببعض التجاوزات، فان ذلك من باب الاجتهاد الذي ينبني على تصور ان الامر متعادل بين الطرفين
فكما ان المتدخل فينيق اوجع ربما في بعض الالفاظ نحوك، فقد اوجعته انت ايضا احيانا ( انظر مثلا الفاظ الرجاء بقطع دابره..)

الموقع يتمنى من كل المتدخلين تجنب مثل هذه الالفاظ، وهو يفسخ التجاوزات حينما تتفاقم ، وماعدا ذلك، فموقع بوابتي يعتذر ان فهم من تمريره لبعض المداخلات إساءة لأي طرف، فما قصدنا ابدا الاصطفاف مع طرف ضد اخر ولا تحويل المنبر لساحة قذف شخصي، لان امر المداخلات اصلا لا ينظر فيه لتوافق محتواها مع راي المشرف، فكل مايكتب ينشر مادام لم يخرج عن ضوابط النشر

  4-04-2009 / 18:37:14   حمامي


لا حول ولا قوة إلا بالله إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع لما آل إليه حال من دعا إلى ألحق أو اتبعه. هو طريق مليء بالجراح والألام طريق من قال كلمة حق أو دعا لها ثم انك تنفر يمينا فشمالاً فلا تجد من يفقه لك حديثاً أو حتى من يحاول بل تجد مسلمين إما يتهمونك في نيتك فيتبعونك بازلام الأنظمة أو يركزون على ما ذكرته عرضاً لكي يقلبوا عليك الطاولة ويلحقونك آلياً بمن يخالفونهم وألحق أنكم متفقون !! وهذا هو الارهاب بعينه يجعلونك تدافع عن نفسك من أمر لست مرتكبه. يأتي هناك الصادقون الذين لطالما نصرتهم "في هذا الموقع " وغيره فلم أجد منهم إلا عبارات الشكر الجائعة ولو راجع أحدكم بعض ما قيل لي وتخيل نفسه مكاني!! لست دون ذا قيمة لكي يقال لي مثل ما قيل لكن أعداء ألدين من حسبو أن آل سعود هم ألدين أو على الأقل حاولوا ايهام الناس أنهم كذلك فإنهم أجدر ألا يحترموا. فإن قصدهم تنفير الناس من ألدين وليس من آل سعود
لو أن هذا الكلام قيل لك يا مشرف موقع بوباتي هل كنت لتنشرة ؟ أم أنك أنت الاسلام الذي لا يجوز سبه ومن عدا ذلك فهو ممن دب وهب؟ مفهوم الحرية المطلقة وحرية الانتقاد والقذف المطلق هذا يا أخي مفهوم غربي أما المسلم فله حرمة أم أنك تخالفني الرأي؟ إن لم تفهم فضع نفسك مكاني، أقول قولي هذا وأترككم غير آسف على فراقكم فإني مازلت أعتقد أن للمسلم حرمة.

  4-04-2009 / 15:33:00   فينيق
وهابي حتى النخاع .. يا حمامي

الفاظك تشير الى العقلية البدويّة العنزيّة الجافة الخارجة عن نطاق اللياقة
و من علمك اصول دينك قال فيهم القرآن ( اشد نفاقا ، و كفرا ) .... و هؤلاء هم ( عشيرة عنزة ) التي امتطت ( افكار ابن وهاب ) لتغرق المسلمين في ظلام العصور الجاهليّة .. و في التكفير ، و الشتم .. و لولا حرمة موقع بوابتي لجعلتك تعرف قيمة ما تتلفظ به انت ومن تعبد من اشخاص.. و قتك تقسمه بين الشتيمة ، و بين اختراع الشتيمة .. و هذا مفهوم اعمى البصر ، و البصيرة الذي اشبعك ( كره الرأي المخالف ) .. و هم كثر في منبع الكفر ، و النفاق ، و خروج قرن الشيطان .. يتوارثونها .. و هابيا .. كابرا عن كابر .. ما دعى اليه محمد بن عبد الوهاب ... هو انّه قرن سيف آل سعود بفتاوي تبرر لهم قتل مخالفيهم .. اي خلط بين الدين ، و اركبه قناع السياسة الاجراميّة التي كان البريطانيون يلقنونها للقتلة من آل سعود .. من اجل ان تكون بلاد الحرمين .. ماوى لكل المرتزقات الصليبيّة التي تركب على ظهور آل سعود .. و تمرر الفتاوي لشيوخهم لينطقوا بفتاوى اجهزة المخابرات الصليبيّة .. و يثيروا الفتن الطائفيّة ، و يألّبون الناس على المسلمين .. انظر الى مفرداتك .. و قارن بينها و بين اي منتدى وهابي يزعم كذبا ، و نفاقا .. انذه منتدى ( اهل السنّة ، و الجماعة ) و سترى مقدار التقارب.. و ان كان شيخك ( العنزي ) الشاعر قد علمك كتاب الاغاني .. فانّه سكت عن طريقة اصول الغناء .. التي ينعم بها شيوخك ( بالسرّ ) مع ما ملكت ايمانهم ، و شمالهم .. ومن فوقهم ، و من تحت
و يتركونكم لفتاوي التكفير ، و رمي الناس بالزندقة ، و القبورية ...

  3-04-2009 / 06:15:26   حمامي
إلى فينيق قطع الله دابر أمثاله

أنا اتحدث في القران دون أن أعرف؟ ولغة القران ليست بسيطة؟ هلا قرأت كتبا ككتاب الأغاني لابي الفرج الأصفهاني أو حتى بعضاً من المعلقات؟ ارني بعدها كيف أن لهجة القران ليست بسيطة وهو قد نزل ليخاطب من فقه في لهجة قريش ومن لم يفقه أو قلي ما معنى كلمة "عالمين" يا من ألممت بما وراء القاموس المحيط؟؟
لن ارد على كل النقاط لان وقتي ليس للتبديد مع من لا يستدعي الاحترام وأقولها بمعناها وحرفيتها ولكن إن كان عندك شك بسيط فانا اتمنى لو كنت استحق نعتي بالوهابي ذلك أنك، وككل قبوري ضال أو شيعي محترق أو حتى علماني منافق أو متكلم زنديق، تجهل ما دعا إليه محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

  2-04-2009 / 02:38:51   فينيق
و الله يا حمامي

و الله يا حمامي .. لو تبتعد شوي عن هذه الشوفينيّة .. و يبدو أنّك تتحدث في القرآن دون ان تعرف .. و انا لست عراقي ، و يشرفني ان انتسب الى اي بلد ينطق لغتي العربيّة صافية من ادران القطريّة البغيضة .. و القرآن جاء على سبعة احرف .. و يحتوي مفردات ليست بسيطة ، و تعبر عن لهجة .. و انا اناقشك بشكل علمي ، و انت في واد آخر .. و الان اعطني تفسير كلمة " هيت لك " ، و اتحداك انت ، و جميع المفسرين أن يعرف احد معنى هذه الجملة ، و أعطني الفرق بين ( قمح ، و برّ ) .. و لغة القرآن هي لهجة ( قريش ) و جاء بها القرآن لهدف بعيد عن ( شوفينيتك القطرية ) و هو هدف " توحيد " .. و لو خرجت من عباءتك الوهابيّة .. و جعلت الشمس تدخل الى الكهوف التي وضعك بها ( ابن باز ، و قائمة المكفرين ) لعرفت أن اللغة العربيّة هي مزيج من لهجات ابناء المنطقة العربية .. و انت تقرأ حديث عن ابي ذر الغفاري .. او ابو هريرة ( بمنطوق لفظ رسول الله ) و ليس بلهجة ظفار ، او دوس
التي تختلف عن لهجة قريش .. و كون جميع اللهجات منبعها واحد .. فقد فهم ابو ذر حديث رسول الله ، و وعاه .. و لفظه .. و انا كان ردي لاغناء النقاش ، و انت تحرفه الى ( نكد شخصي ) ، و لم تناقشني بأي فكرة طرحتها .. و استاذك الذي نقلت لنا مداخلته .. لا يعرف بعل .. من بل .. لأنّه يعتمد في دراساته على ما يقول ، و يترجم ( معلمه المستشرق الصهيوني ) ، و انا لن استفيض حتى لا يتدمر ( فكرك المنغلق ) و لتعرف يا محترم ( و انا اقصدها بحرفيتها ) أن هناك كثير من مفردات ، و الفاظ الشعر ( الذي يسمونه جهلا ، بالجاهلي ) لا يستطيع ( مؤلف القاموس المحيط ) ان يجد لها مقابل في لهجة ( قريش ) بل يجب ان يعود الى قواميس ( لهجات قديمة منها قاموس الأكاديّة ) .. و عندما يناقش أحد في ( مواضيع من يسمون - علمانيين ) و من يناقشون في النص و التاويل ان يكون عنده المام بشيء من اللهجات القديمة حتى يستطيع ان يردّ عليهم . بدون ( قصد النص ، و تأويل النص ، و المقدس ، و غير المقدس ، و دلالات اللفظ ) .. و ان يعرف عن الجرجاني ، و عن سيبويه ، و ان يعرف في التاريخ .. و في السلوك ، و في الالسنيّات .. و انا وعيت ما قصده د . ابراهيم خضر ، و انت لصقت محاضرة فقط لتظهر " حرتقتك " و هذه ايضا لفضة عربيّة

  31-03-2009 / 21:42:07   حمامي


والله يا فينيق ربما لو تحدثت بلهجة العراق لهجتك على ما يبدو يكون أفضل لنا لنفهم بعض ما تقول على الأقل.
إن كنت تبحث عن الفصاحة فلست من لهجة القران بأفصح وكلماته أبسط.
أو ربما أنا من لا يفهم...

  31-03-2009 / 01:33:40   فينيق
في التوراة ....شيء من الحقيقة

في اعتقاد عدد كبير من دارسي التاريخ العربي منذ " العصر النطوفي " و بناءا على مفردات " اللفظ " المكتوب باللغة القديمة " بطريقة النطق " لأهل المنطقة
أنّ ترجمة اللقي على ايدي " المستغربين " قد هشمت معنى العبارات ، و الالفاظ المنطوقة .. فعلى حين تمّ ترجمة كلمة ( جلجامش ) .. الملك .. سيد البلاد .. فإنّ احدا لم يستطع ان يعطيهامعناها العربي " باللهجة السريانيّة " وهي تعني على العموم بلهجةاهل العراق ..و التي يعتقد انّها هي ذات اللهجة منذ وجد الانسان هناك .. جل قميش .. حيث تلفظ الشين اقرب الى الجيم .. جل قميج = جل غميق =جل عميق .. اي جليل الأعماق .. و كلمة عميق تنسحب الى كل " عمق " بئر .. قاع نهر ... " بمعنى آخر هناك دراسات في نقد " النص المقدس اليهودي " تصحح الفاظ ، و مفردات الترجمات ، و تعيدها الى معناها العربي الصحيح " المقارب للفظها " فإذا ما تمّت دراستها بشكل جيد ، و عميق .. فإنّ هناك عدد كبير من القصص " في العهد القديم " تكاد تكون مطابقة لما جاء في النص القرآني ، و عليه فإنّ بامكاننا أن نتحدث عن لفظ " اسطرة = تأريخ ".. فنفهم مقولة " اساطير الأولين " ليس " قصص الأقدمين الكاذبة " بل احداث حيواتهم تاريخيّا ، و التي ما عادت تفيد الأن " اقصد في زمن الرسول صلى الله عليه و سلّم " .. و الاّ لو كان الوحي يتحدث عن قصص فإنها حتما لن تكون كاذبة .. أو ان نقول بأنّ الرسول تحدث عن " قصص أهل المنطقة " و سور القصص " في غالبها مكية " و الرسول كان يدعوا في مواسم العرب .. اي انه كان يحدثهم " بقصص ابائهم " التي وصلت اليهم مشافهة " كون العرب اميّون "و أن " كتبة العهد القديم " كانوا يكتبون تلك القصص بما تحمله من حقائق ، بالاضافة الى ما لحق بها من مبالغات اثناء النقل من جيل الى جيل .. و التي انحرفت عن " تأريخيتها بالزيادات " .. فجاء القرآن الكريم لتنقيتها من شوائبها .. و ليثبت صحتها .. و عليه ايضا نستطيع أن ندرس التاريخ في القرآن الكريم .. بعيدا عن مفهوم القصّة .. و أنّ احسن القصص " من الممكن ان تكون " افضل ، و اصدق الحقائق التاريخيّة " .. فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبي ، و شخصيّة تاريخيّة .. استطاع سيدنا عمر رضي الله أن يجعل للمسلمين تاريخ بداية و هو هجرته عليه السلام ..كما استطعنا ان نتعرف على حقائق تاريخيّة من كتب السيرة ، و المغازي ، و سيدنا عيسى عليه السلام .. نبي ، و شخصيّة تاريخيّة .. و موسى عليه السلام ، و ابراهيم عليه السلام .. و هكذا

  29-03-2009 / 13:27:22   حمامي
آخر شطحات المنافقين مع رد جميل من جريدة الصباح

حقيقة العلاقة بين القرآن والفكر الأسطوري
بقلم: محمّد فوزي المهاجر(*)

حضرت بكليّة العلوم الإنسـانيّة والإجتماعيّة، بتـونس يومي 12 و13 مارس الجاري، ندوة فكريّة دوليّة، نظّمتها وحدة بحث: "في قراءة الخطاب الديني". وكان عنوان هذه الندوة التي إلتأمت احتفاء بالمفكّر "محمّد أركون": "قي قراءة القرآن".






وقد تخلّلتها عدّة مداخلات قدّمها أساتذة تونسيّون، إلى جانب مداخلة للأستاذ محمّد أركون، ركّز فيها الحديث على بيان مشروعه الفكري، المركّز على الإسلاميّات التطبيقيّة. ولكن ما جلب إنتباهي خاصّة، مداخلة قدّمها رئيس وحدة البحث المنظمة لهذه الندوة، وهو الأستاذ "وحيد السعفي" تحت عنوان: "في بعض شؤون القصّ القرآني أو ..Fragments d'un discours religieux ".

لقد ركّز الأستاذ السعفي على مسألة اعتبرها مهمّة ومفصليّة في الحديث عن القرآن، وهي كما يقول: " أنّ النصّ القرآني ذي بنية أسطوريّة.." Structure Mythique منتهيا إلى أنّ هذا النصّ (القرآن) لم يكن بوسعه القفز على ذلك الواقع الفكري الذي " نشأ فيه"، موضّحا أنّ المجتمع الجاهلي الذي وجد فيه القرآن، هو مجتمع يغلب عليه التفكير الأسطوري، أو الفكر الميثي.

لقد قامت هذه المداخلة - التي دامت قرابة 45 دقيقة، رغم استغناء الأستاذ عن جانب كبير منها، يتعلق بملاحظات حول تدوين القرآن - على طرح مجموعة من الأسئلة/الإشكاليات، إنّها لم تقدّم إجابات بقدر ما طرحت أسئلة، حول واقعيّة القصص القرآني، وعلاقته بالبيئة الثقافيّة العربيّة والأجنبيّة المتاخمة، التي كانت على صلة بالمنطقة،...

جميل أن يجتهد المرء، في مسائل كانت تعدّ من المحرّمات في أزمنة قديمة، ولكنّ الأجمل أن يأتي بأمثلة عمليّة تؤيّد ملاحظاته. ولكن ما يثير الإنتباه أنّ الأستاذ السعفي كان يتحدّث بصفة عامّة، فهو لم يفصّل القول بخصوص هذه "البنية الميثيّة" كما يقول. صحيح أنّه أورد عديد الأمثلة حول بعض القصص القرآني وصولا إلى حادثة الإسراء والمعراج، لكنّه لم يأتينا بأمثلة دقيقة تؤيّد ملاحظاته. كان من الواجب في مثل هذا المقام تطبيق المنهج المقارن، لأنّ المقارنة تمثل شكلا من أشكال توضيح الرؤى والتصوّرات، ورسم معالمها رسما يسهّل استيعابها، وهو السّبيل الأسلم إلى بيان حدود كلّ مقالة، ثمّ إنّ المقارنة تمكّننا من إدراك المسيرة التي قطعتها كلّ فكرة.

أي كان على الأستاذ أن يقارن بين القصص القرآني وهذه الأساطير التي كانت منتشرة في الثقافات المحاذية للمنطقة العربيّة التي نزل/أو وجد فيها القرآن حسب رأيه، حتى يبرز وجه التشابه بين القصص القرآني وهذا الفكر الميثي الذي كان سائدا زمن نزول القرآن كما كان يرى.

ولكن يبدو أنّه غاب عن الأستاذ أنّ النصّ القرآني في حدّ ذاته قد انتقد الفكر الأسطوري، إذ برجوعنا إلى القرآن الكريم نجد أنّه يورد لفظ "أساطير" بصيغة الجمع، كما تجدر الملاحظة أنّه يستعمل هذا اللفظ/أساطير، دائما مقترنا بكلمة "الأوّلين" إشارة إلى الماضي، كقوله تعالى: .. حَتَّى إِذَا جَاؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (الأنعام 25) أو كقوله تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ(الأنفال 31). ثمّ قوله تعالى أيضا: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (القلم 15).

والأسطورة لغة مشتقّة من السطر، والسطر هو الصفّ من الشيء كالكتاب والشجر والبناء وغيرها،.. سطر: كتب، كما في قوله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (القلم: 1) وسطر لا تختلف في معناها عن المعنى الأصلي للكلمة البابليّة "شطّر" فقد وردت في قوانين حمّورابي بمعنى "كتب".(1) وقد ورد ذكر كلمة أسطورة في القرآن الكريم "أساطير الأوّلين" بمعنى الحكاية الكاذبة، والأحاديث الملفقة التي لا أساس لها في الواقع، وبذلك تكون الأسطورة قد ابتعدت عن المعنى الأصلي للكلمة، وهو الصفّ من الشيء. ونحن بدورنا نستخدم كلمة سطّر في لغتنا اليوميّة بمعنى كتب، فنقول سطّرت له كتابا أي كتبت له رسالة.

وقد أوضحت الدراسات الميثولوجيّة(2) أنّ الأسطورة تفسّر على أنّها مرآة تعكس نفسيّة مؤلفيها الذّين كانوا عاجزين عن الإفصاح عمّا يجول في خواطرهم من أفكار بلغة مبنيّة، فهم لم يدركوا الوجود إدراكا سليما، فجاءت الأسطورة مفسّرة لذلك الإدراك الناقص، وتأويلا لشعائر دينيّة انقرضت.

ورغم ذلك فقد أوضح "جوزيف كامبل" (مفكّر وعالم وأستاذ الميثولوجيا المقارنة لمدّة ثمانية وثلاثين سنة في سارا لورانس بالولايات المتّحدة الأمريكيّة)، أنّ الأساطير تمثل المفاتيح التي توصلنا إلى أعماق قوانا الرّوحيّة، وهي قادرة في الوقت نفسه على أن توصلنا إلى الفرح والاستنارة وحتى الغبطة الرّوحيّة.(3)

بناء على ذلك، نفهم بداية أنّ القرآن الكريم يورد كلمة "أسطورة" بمعنى الحكاية الكاذبة، أو الأحاديث الملفقة التي لا أساس لها في الواقع. كما أنّ القرآن بإشارته إلى أنّ هذه الأساطير الماضية كانت لدى الأوّلين، يرشدنا إلى الواقع الثقافي الديني لدى هؤلاء السابقين، الذين طغى عندهم انتشار الأساطير.

ثمّ نلاحظ أيضا أنّ القرآن يتحدّث من ناحية أخرى عن أساطير حقيقيّة، فذكر في قوله تعالى: أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (الصافات125). و"بعل" كما هو معروف في الحياة الدينيّة الكنعانيّة القديمة اسم/لقب للإلاه. كما يعني اسم "بعل" في كل اللغات السامية الملك والسيّد والزوج، وهو في كنعان لقب آلهة الخصب المحليين. (4) ويرتبط إسم "الإلاه" بعل أيضا بأسماء المدن والبلاد والمواقع مثل بعل حازور، وبعل فعور، وبعل لبنان...

ويعتقد أنّ هذه التسميات تشير إلى أماكن عبادته المحليّة... والاعتقاد السائد حتّى اليوم أنّ اسم بعل كان يطلق على كل إلاه باستثناء (بل) الرافدي، ولم يتحول إلى اسم علم إطلاقا. وممّا لا شكّ فيه أنّ الاسم كان في الأصل فعلا هكذا، وبهذا المعنى استخدمه كتّاب العهد القديم/التوراة، في تدوين أسفارهم حيث كانوا يضيفون إليه (أل) التعريف، ويقصدون به إلاه الكنعانيّين الرئيس. ورغم ذلك كان بعل يظهر كاسم علم بين أسماء الأعلام للآلهة الأخرى في العهد القديم وفي كتابات أخرى ويلقّب الفرعون نفسه (بعليّا أديّا) أي (يا بعلي ويا أدي) ممّا يشير إلى أنّ الإسمين (بعل وأدو لمسمّى واحد). وكان الإسم المحبّب لدى الأوغاريتيين (5) هو بعل حيث يرد مرارا وتكرارا في النّصوص، ويقصد به إلاه الطقس والخصب، وعرف بهذا الإسم أيضا في مصر...

والجدير ذكره أنّ وصف بعل في ملحمة كرت (بالعلي) جاء مرّتين على اللوح الثاني الذي اكتشف عام 1941، وقد أثبت الأستاذ (هـ.س. نيبرغ) في دراسته التي قام بها عام 1935م وعام 1938م عن سفر هوشع، وأسفار أخرى من الكتاب المقدّس/التوراة أنّ اسم الإلاه بعل الملقب بالعليّ يرد في النصوص المقدّسة كما كان يقرن بأسماء الأعلام البابليّة والآشوريّة، وأسماء الأعلام العربيّة الجنوبيّة...(6).

ومن خلال هذا التعريف لأساطير "الإلاه بعل" يمكن ملاحظة ما يلي:

- انتشار هذا الإسم في أكثر من مكان وموقع تدلّ على أماكن عبادته.

- ارتباط هذا "الإلاه"/الأسطورة بأسفار العهد القديم/التوراة.

ومن هنا يحقّ لنا التساؤل عن العلاقة بين التوراة وهذه الأساطير البابليّة والكنعانيّة القديمة، وليس عن علاقة القرآن بها ؟ إن كلّ هذا يرشدنا دون شكّ إلى أنّ كتّاب أسفار العهد القديم تأثروا تأثرا بالغا بأسطورة انتصار بعل على إلاه البحر، إذ يأخذ "يهوه" (7) دور الإلاه بعل في كثير من النصوص، تشهد على ذلك هذه المواضع في نصوص الأسفار التالية:

- أشعياء 27 : 1، 30: 7، 51: 9، وما يلي ذلك.

- حزقيال 29: 3- 5، 32: 2 - 6.

- ناحوم 1: 3- 4، 8- 9، 12.

- حبقون 3: 8.

- مزامير 74: 13 وما يلي ذلك 89: وما يلي ذلك 93، 104.

- أيوب 3: 8، 7: 12، 9:13، 26:12 وما يلي ذلك.

وقد دبّج أحبار اليهود مفاهيم أساطير "بعل" وفق ما تقتضيه حاجاتهم الدينيّة الدعائيّة. فأيّة علاقة إذن للعهد القديم بهذه الأساطير؟

إذا كان الأجدر بالأستاذ السعفي أن يتحدّث عن التوراة وليس عن القرآن. لأنّه وبالعودة إلى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ميلادي، نجد أنّ عديد العلماء بدأوا يشكّكون في إبطال القصص التوراتيّة. ومنهم من لاحظ أنّ من هؤلاء الأبطال من يبدو وكأنّه شخصيّة مركّبة من عدّة عناصر تاريخيّة/أسطوريّة، ولكن هؤلاء لم يستطيعوا في البداية إقامة الدليل والبرهان الكافي على ما لاحظوه.

ولكن بمرور الزمن، ظهر جيل جديد من العلماء والباحثين، وظهرت نتائج علميّة وتاريخيّة اعتمدت على حفريّات ميدانيّة في مناطق عديدة استقرّ فيها بنو إسرائيل، فشدّدوا على وحدة الشخصيّة التاريخيّة والأسطوريّة أو الخرافيّة لأغلب أبطال التوراة.

لقد لاحظ هؤلاء أنّ النصّ التوراتي "تتشابك فيه الحقيقة والأسطورة والخرافة والخيال. وعلى كثرة ما فيها من شعائر وطقوس سحريّة، وأساطير وممارسات فإنّ بعض ما جاء فيها لا يتفق والعقل السليم والمنطق، وفيها ما هو مناف للعدل والإنصاف وقواعد الأخلاق، لما فيها من شدّة المبالغة".(8)

إذن القرآن بريء من الفكر الميثي، الذي وصفه به الأستاذ السعفي، بل إنّ القرآن ردّ على هذا الفكر الذي كان سائدا آنذاك، وانتقده، وجاء لتصويبه. وإذا كان القرآن ذي بنية ميثيّة كما يقول الأستاذ السعفي، فما حقيقة آياته المنتقدة لهذا الفكر أصلا ؟ وما حقيقة الآيات التي اعتمدت أسلوبا علميّا، فتحدّثت على ظواهر كونيّة، أثبتها العلم الحديث، وتحدّثت عن ظواهر فيزيولوجيّة أثبتها الطبّ الحديث، كمراحل تكوين الجنين في بطن أمّه على سبيل المثال (سورة المؤمنون 12 -13 - 14)، وغيرها من الأمثلة العديدة التي، يكتشفها العلم تباعا..

إنّ كلّ هذا يبرز دون أدنى شكّ أنّ الأستاذ السعفي، حاول تطبيق المنهج النقدي الذي اعتمده علماء الغرب مع كتبهم المقدّسة (التوراة والإنجيل)، على القرآن. لكن غاب عليه أنّه ثمّة خلاف جوهري بين الكتاب المقدّس بعهديه القديم والحديث، وبين القرآن، ثمّ إنّ الأستاذ، من الواضح أنّه لم تكن له دراية كافية بموضوع اهتمامه/القرآن، في حين أنّ مثل هذا الاختصاص، يستوجب منه الإلمام بالنصّ القرآني الذي يشتغل عليه. إذن من خلال كلّ هذا نفهم أنّ علاقة النصّ القرآني بالفكر الأسطوري، علاقة تقاطع، وليس تواصل كما، ادّعى الأستاذ.

ــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

(1) ادزارد . د: قاموس الآلهة والأساطير في بلاد الرافدين (السومريّة والبابليّة)، دار الشرق العربي، سوريا، ط 2، 1420هـ/200 م، ص 9.

(2) علم الأساطير، وكلمة ميت MYTH هي كلمة يونانيّة الأصل انتقلت إلى بقيّة اللغات الأخرى، ولا نعرف لها جذورا في اللغات السامية القديمة التي انبثقت عنها اللغة العربيّة، وهي تؤدّي إلى نفس معنى كلمة Story ولكن تشمل أيضا رواية الحكاية القديمة ومجموعة الأحداث التاريخيّة المتناقلة عبر الأجيال بما في ذلك الخرافات والقصص والفلكلور بقالب شعري جميل. والميثولوجيا اليوم علم قائم بذاته لم يكن معروفا عند العرب القدماء، وتأسّس في الغرب في أواخر القرن الثامن عشر ويعنى بدراسة نشوء الأساطير والنظريّات المتعلقة بها، وتناقلها، ومحاولة تفسير مضامينها. (ادزارد.د، بوب.م.ه، روليغ.ف، قاموس الآلهة والأساطير في بلاد الرافدين"السومريّة والبابليّة" في الحضارة السوريّة "الأوغاتيّة والفينيقيّة"، تعريب محمد وحيد خياطة، دار الشرق العربي، لبنان، سوريا، ط2، 1420 هـ/2000م، ص 10.

(3) كامبل جوزيف، قوّة الأسطورة، ترجمة حسن صقر، دار الكلمة، سوريا، ط 1، 1999، ص 17.

(4) كورتل آرثر: قاموس أساطير العالم، ترجمة سهى الطريحي، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، بيروت، ط 1، 1993، ص 30.

(5) أوغاريت Ougarit مدينة رأس شمرا Cap du Fenouil على بعد 12 كلم من مرفإ اللاذقية في شمال سوريا، التي جرت مقارنتها بمدينة أوغاريت. نصوص أوغاريت الأسطوريّة هي أشعار، يخضع شكلها وتأليفها لقواعد الشعر السامي القديم، ونجد بعض آثارها في التوراة..(خليل أحمد خليل، معجم المصطلحات الأسطوريّة، دار الفكر اللبناني، بيروت، ط 1، 1996، ص 28.)

(6) ادزارد . د: قاموس الآلهة والأساطير في بلاد الرافدين، ص 238 - 239 -240 .

(7) يهوه اسم إلاه إسرائيل، كما أوحي به إلى موسى، بحسب التقليد الإيلوهيّ (خر 3/13 ت)، مع أنّ التقليد يرقي عهد عبادة يهوه إلى ما قبل الطوفان (تك4/26). أمّا اشتقاق هذا الإسم، فهو موضع نقاش بين العلماء." (الأب صبحي حموي اليسوعي، معجم الإيمان المسيحي، دار المشرق، بيروت، ط 1، 1994، ص 551).

(8) ناصر إبراهيم، التوراة بين الحقيقة والأسطورة والخيال، دار الحوار للنشر والتوزيع، سوريا 2005، ص 10.

----------------------------------

(*) أستاذ جامعي، مختصّ في الأديان

بالمعهد العالي لأصول الدين، جامعة الزيتونة


  28-03-2009 / 15:48:22   طالب العلم
تثبيت الاصول

هذة هى عادة عالمنا د احمد خضر العمل على الذب العلمى عن العقيدة وتقرير صحيح السنة

  27-03-2009 / 07:54:05   ابو سمية
مقال رائع

مقال رائع فعلا يا دكتور

بارك الله فيك وجازاك الله خيرا

للعلم فان محمد اركون هذا وقع استدعائه المدة الاخيرة لتونس من طرف كبير الزنادقة لدينا وهو المدعو عبد المجيد الشرفي الذي بالمناسبة يتصرف في الجامعة التونسية كانها اقطاع له، وتحدثوا عن مواضيع تاريخانية الاسلام كما يزعمون
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
فتحـي قاره بيبـان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د.محمد فتحي عبد العال، أبو سمية، د. أحمد بشير، د - صالح المازقي، محمد عمر غرس الله، الناصر الرقيق، محمد العيادي، علي عبد العال، حسني إبراهيم عبد العظيم، رحاب اسعد بيوض التميمي، ضحى عبد الرحمن، وائل بنجدو، علي الكاش، خالد الجاف ، صباح الموسوي ، محمود طرشوبي، المولدي اليوسفي، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الرزاق قيراط ، حاتم الصولي، محمد أحمد عزوز، حميدة الطيلوش، د - مصطفى فهمي، د- محمود علي عريقات، تونسي، د- جابر قميحة، محرر "بوابتي"، د - المنجي الكعبي، فهمي شراب، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد بوادي، محمود فاروق سيد شعبان، يحيي البوليني، عواطف منصور، محمد الطرابلسي، مصطفى منيغ، كريم السليتي، طلال قسومي، حسن عثمان، رافع القارصي، سليمان أحمد أبو ستة، د. أحمد محمد سليمان، أحمد الحباسي، سامر أبو رمان ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سلام الشماع، د. خالد الطراولي ، إيمى الأشقر، عبد العزيز كحيل، فتحي العابد، د - محمد بنيعيش، سعود السبعاني، منجي باكير، العادل السمعلي، عبد الله زيدان، د - محمد بن موسى الشريف ، أحمد ملحم، د. طارق عبد الحليم، عبد الله الفقير، محمد علي العقربي، إسراء أبو رمان، عراق المطيري، ماهر عدنان قنديل، مصطفي زهران، المولدي الفرجاني، محمد الياسين، د. كاظم عبد الحسين عباس ، يزيد بن الحسين، خبَّاب بن مروان الحمد، د. صلاح عودة الله ، الهادي المثلوثي، أ.د. مصطفى رجب، محمد يحي، عبد الغني مزوز، بيلسان قيصر، فوزي مسعود ، جاسم الرصيف، أحمد النعيمي، فتحي الزغل، د - الضاوي خوالدية، صفاء العربي، صفاء العراقي، سامح لطف الله، إياد محمود حسين ، حسن الطرابلسي، الهيثم زعفان، عزيز العرباوي، د. عبد الآله المالكي، رافد العزاوي، صلاح المختار، عمر غازي، طارق خفاجي، مجدى داود، د- محمد رحال، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد شمام ، د- هاني ابوالفتوح، سلوى المغربي، سيد السباعي، صلاح الحريري، د - عادل رضا، رضا الدبّابي، صالح النعامي ، عمار غيلوفي، مراد قميزة، أنس الشابي، نادية سعد، ياسين أحمد، د - شاكر الحوكي ، محمود سلطان، سفيان عبد الكافي، كريم فارق، رشيد السيد أحمد، رمضان حينوني، أشرف إبراهيم حجاج،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة