يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ظهر في أواخر القرن الماضي نوع جديد من الأدب عُرف بـ" الأدب النسوي " وقد انبثق بعد فترة ليست بعيدة عن مرحلة المطالبة " بتحرير المرأة " حيث استبدل شعار "المساواة " الذي طرح على يد حركات تحرير المرأة، بشعار "التمييز والمفاضلة " والدعوة إلى " الثقافة النسوية المستقلة " ، وتم عندئذ "رفع شعارات معادية للرجال مثل " الحرب بين الجنسين " و" الرجال طبقة معادية " بل وصل الحد إلى المطالبة بالقتال من أجل " عالم بلا رجال " .
وقد طالبت القائمات على هذا النوع من الأدب بإعادة النظر في كل ما يصدر أو سبق أن صدر من كتب كتبها الرجال عبر التاريخ وضمّنوها قيمهم الذكورية التراتبية على مستويات العِرق والدين والسلطة والجنس ، ومن هذه المطالبات دعوتهن إلى التخلي عن لفظة تاريخ باللغة الإنجليزية history واستبدالها بلفظة her story . كما طالبن باستبدال نصوص تكبتب بأقلام النساء بالنصوص التاريخية القديمة التي كتبت بأقلام رجال وتأخذ في الاعتبار علم "الجندر (النوع الاجتماعي) الذي ينفي الأدوار النمطية لكل من للمرأة والرجل، ويجعل هذه الأدوار تتغير بتغيُّر أوضاع المجتمع ، ومن هنا " فإن النظر إلى دور المرأة في مجتمع بعينه ، في لحظة تاريخية بعينها لا تصلح للتعميم حول طبيعة المرأة ودورها ، إن هذا الدور هو نتاج تطور مجتمعي وثقافي ، وبالتالي يمكن تغييره سواء عن طريق التطور الطبيعي أو من خلال برامج ثقافية واقتصادية وقانونية".
ومن الكتب التاريخية التي عملت بعض الكاتبات على استبدالها كتاب" ألف ليلة وليلة ، حيث عملت بعض الكاتبات على استبدال بعض نصوصه بنصوص تعمل على تقويض المفاهيم الذكورية واستبدالها بمفاهيم مغايرة تستند إلى مفهوم الجندر الذي تطالب به الأمم المتحدة .
ومن هذه النصوص نص "حكاية الصعيدي وزوجته الافرنجية " وهي حكاية غرام تاجر صعيدي بامرأة افرنجية نصرانية ، ونجاحه آخر الأمر في الزواج منها بعد وقوعها سبية في أيدي جنود المسلمين ، وقد أطلقت الكاتبة " هالة كمال "على حكايتها إسم " صفية الإفرنجية " ، وسنحاول في هذه العجالة عرض القصة ونقدها وبيان أهدافها .
ماذا تقول الحكاية؟
قالت شهرزاد : ومما يُحكى أيضاً أن الملكة ( شجرة الدُر) عندما عقدت الهدنة مع ملكة الافرنج ، فتوقفت الحروب وعمّت روح الوفاق بين الشعوب ،أتت صفية الإفرنجية في زيارة لمصر المحروسة ، وقد علمتُ انها ما لبثت أن أحبت البلاد واستقرت فيها حتى الممات ، وكانت قد قابلتها في سوق القاهرة من عدة أعوام حيث قصت عليّ سيرتها التالية :
بعد رحلة طويلة عبر البحار كانت عكّا هي محطة الوصول الأولى في بلاد لشرق البحر ، فتوجهت إلى السوق لشراء بعض الأقمشة من التاجر المصري الشهير ( بائع الكتَّان ) كي أرجع بها إلى بلادي وأؤسِّس دكاناً للبيع والشراء . وكانت أول مشكلة واجهتنا هي التفاهم لجهلي حينها باللغة العربية وعدم معرفته بلغتي الأصلية ، فاخترت الأقمشة ودفعت ثمنها ثم مضيت . فإذا به يرسل لي دعوة إلى الغذاء في بيته في اليوم التالي . فقبلت الدعوة وذهبت إليه إذ رأيت فيها دليلاً على صدق ما سمعناه في بلادنا عن العرب من كرم الضيافة وطبيعتهم المضيافة . وكان قد أعدّ مائدة عامرة بأطيب الأطعمة والحلوى الشرقية التي أعدّها بيديه ، ثم قضينا بقية اليوم في الشُّرفة المُطلّة على البحر مستمتعين بجمال السماء ونقاء الهواء … إلى أن جَنّ علينا الليل وقد اسند كلٌّ منا رأسَه إلى سور الشرفة في ضوء القمر الخافت وخيال النجوم المتلألئة . وعندما استيقظت في منتصف الليل من البرد ، اتخذت طريقي خارج الدار إلى حجرتي في الخان .
وفي صباح اليوم التالي توجهتُ إليه ثانية في السوق وعرضتُ عليه أن نُقيم شركة في البيع والشراء ، فيأتي هو بالبضائع الشرقية من أقطان وكتان بينما آتي أنا بما لدينا من بلادنا من أصواف . واتفقنا أن نبدأ بالذهاب إلى مصر المحروسة لأستكشف بنفسي طبيعة البلاد ومتطلبات العباد . وانطلقنا بعد عدة أيام محمَّلين ببضائع الشام .
وقد أحببتُ مصر لما وجدته فيها من جمال وما لمسته فيها من حرية حركة وحماس ، حيث كانت النساء مثلاً تَمضي في الشوارع بلا نقاب على العكس من غيرها من البلدان . كما رأيت شقيقة شريف التاجر تمارس التجارة بجدية وتباشر أعمالها بحرية ، فقررتُ أن مصر هي بلا شك المكان المناسب للمقام .
ولأسباب عملية عرضتُ على شريف الزواج كي يسهِّل لنا ذلك التوسع في التجارة والبيع والشراء بما لنا من معارف وأقرباء ، خاصة أنني تأكدت من خلال تعاملي معه ورحلتي بصحبته أنه لا بأس بأخلاقه ولا ضرر من الاعتماد أحياناً عليه . اضافة إلى توافقي مع والدته وصداقتي مع شقيقته نبيلة . ومن يومها وانا أعيش ما بين القاهرة والشام وبلاد الافرنجة ، وقد نجحت في تعلم اللغة العربية وعادات البلاد الشرقية ، وتوسعت في البيع والشراء حتى صرت مع الوقت من أشهر التاجرات والتجار .
القراءة التحليلة
تسعى الكاتبة من خلال الحكاية إلى إظهار أدوار المرأة وفق ما حددته الأمم المتحدة في مواثيقها واعلاناتها الخاصة بالمرأة . والتي يظهر فيها التخطيط في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والأسرة ، وهذه الأدوار أظهرتها الكاتبة بشكل متتابع وفقاً للأهمية المعطاة لكل واحدة منها ، وهذه الأدوار هي :
أولاً : الدور السياسي ، ويتجلى هذا الدور واضحاً في نقطتين :
1- تلميح الكاتبة بقدرة المرأة على تأمين الوفاق والأمن بين الشعوب ، وهذا الطرح يتوافق مع الاتفاقيات الدولية التي تسعى إلى ربط السلام بالمساواة بين الرجل والمرأة وبعدها عن مراكز القرار .
2- اختيار الكاتبة لنماذج نسائية تاريخية مهمة ، ومن هذه النماذج :
أ- نموذج شهرزاد بطلة ( ألف ليلة وليلة ) ، التي لم تكن تحكي وتتكلم ، أي تؤلف فحسب ، ولكنها كانت أيضاً تواجه الرجل ، ومعه تواجه الموت من جهة، وتدافع عن قيمتها الأخلاقية والمعنوية من جهة أخرى .
وكانت تتكلم والرجل يُنصت ، لذا فإن الوقوف على صورة المرأة من خلال شهرزاد سوف يكون وقوفاً على زمن ثقافي وحضاري كامل ، وبما أن صورة شهرزاد جاءت في ألف ليل وليلة على انها امرأة تحكي وتقص فإن هذا يتضمن – فيما يتضمن – صورة التحدي والصراع من أجل بقاء الذات وبقاء الجنس جسدياً ومعنوياً " .
ب- نموذج " شجرة الدر " التي حاولت الكاتبة عبر اختيارها إثبات قدرة المرأة على احتلال المناصب الرئاسية والقيادية المهمة ، فقد كانت كما يقول ابن أياس : “ذات عقل وحزم ، كاتبة قارئة ، لها معرفة تامة بأحوال المملكة ، وقد نالت من العز والرفعة ما لم تنله امرأة قبلها ولا بعدها “ ، ولكنها لم تعمل على توقيع الهدنة بينها وبين الافرنج كما ادعت الكاتبة ، بل على العكس من ذلك فالتاريخ شاهد أنها حاربت الصليبيين وأحرزت آنذاك انتصارا عسكريا كبيراً .
ولعل من أسباب اختيار" شجرة الدر " بالذات يعود إلى الصراع الطويل الذي خاضته تلك المرأة مع الخليفة الستعصم من أجل كسب اعترافه بسلطتها كرئيسة للدولة المصرية .
ثانياً : الدور الاقتصادي الذي يركز على دور المرأة في التنمية الاقتصادية والقضاء عل الفقر ، وجعل هذا الدور هو الدور الأول والأساس في حياة المرأة بدليل أن الحكاية تدور حول تجارة صفية وقدرتها على إدارة الأعمال وحريتها في عقد الصفقات والتجارة والسفر ، وجعل هذا الهدف هو الدافع إلى عقد الزواج .
ثالثاً : الدور الاجتماعي القائم على غياب أيِّ دور رقابي للمجتمع ، حيث تُمنح الحرية للمرأة في التحرك دون رقيب أو حسيب . وهذا يظهر في خروج المرأة من البيت بعد منتصف الليل ، دون أن تخشى أو تخاف ليس فقط من نظرات المجتمع وإنما من أي شخص سوي أو مريض يمكن أن يتعرض لها في الليل .
رابعاً : دور الرجل الذي يبدو من خلال العرض سلبياً لا يملك حق القرار بل وحتى المبادرة ، فصفية هي التي تأخذ المبادرة دوماً ، فهي التي عرضت عليه التجارة وهي التي عرضت عليه الزواج ، أما عرضه الوحيد فكان الدعوة إلى الطعام والتي أظهر فيها براعته في الطهي وصلاحه لكونه زوج المستقبل .
أما الغرائز في حياة هذا الرجل فلا وجود لها حيث يتغلب شرفه الظاهر في اسمه فيدعو امرأة غريبة إلى بيته ويختلي بها ويبقيا معاً حتى منتصف الليل ، دون أن يتصرف أي تصرف سوء معها.
خامساً : دور الأسرة في حياة المرأة التي يظهر عَرَضياً في حياة البطلة صفية، إذ أنه لم يبدو إلا تحقيقاً لمصالح توسعية مادية وتجارية ،والتي بقيت هي هدفها الأخير حتى بعد أن أسست الأسرة بفترة طويلة .
يظهر مما سبق مدى تأثر الكاتبة بدعوات الأمم المتحدة والتي منها :
1- شغل المهام المنزلية ورعاية الأطفال مناصفة بين الرجال والنساء ، وهذا الأمر يظهر في إعداد التاجر للطعام والحلوى بيديه ، وغياب مفهوم القِوامة حيث تبدو صفية هي رئيسة الأسرة والعمل ، أما شريف المسكين فإنه من النوع الذي يمكن الاعتماد عليه في بعض الأحيان .
2- الدعوة إلى نقض أحكام ثابتة في الدين ، كتحريم الخلوة والاختلاط والسفور وما إلى ذلك من أحكام عدتها الكاتبة من الأمور التي تتعارض مع حركة المرأة وحريتها في ممارسة عملها الاقتصادي .
وختاماً ، كلمة تحذيرية إليك أختي المسلمة بأن تدركي أنك السلاح الأول الذي يحارب به الأعداء الإسلام والمجتمع الأسرة ، ونحن إن كنا في هذه المقالة قد بيّنا لك إحدى هذه الأسلحة ، فلا زال هناك أدوات أخرى كثيرة منتشرة في مجتمعاتنا لا يدرك الكثيرون خطورتها خاصة أنها تأتي في كثير من الأحيان مستترة تحت أسماء برّاقة جذّابة كتلك الأسماء النبيلة والشريفة والصفية التي استخدمتها الكاتبة في حكايتها .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: