البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

حول معنى السعادة

كاتب المقال حسن الحسن    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7631


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يُسَرُّ المرء عندما يحقق نجاحاً في دراسته أو في عمله أو في أي شأن ذي قيمة لديه، فيما يصيبه إحباط وربما انهيار في حال إخفاقه. وعهد الناس مذ وجدوا الانتقال بين حالات متفاوتة من الاضطراب والقلق أو الاستقرار والطمأنينة بحسب تعرجات مسيرة الحياة وتناوب الأيام والأحداث عليهم بحلوها ومرها.

يستوي في ذلك الغني والفقير والشريف والوضيع بشكل يتناسب مع وضع كل منهم. إلا أن البحث عما يسعد الإنسان وعما يحد من مواجعه ويبدد حالات الأرق والقلق لديه كانت ديدن الإنسان في كل زمان ومكان، لا سيما في الزمن الحالي. حيث علت القيمة المادية كل قيمة أخرى وبات تحصيل السلطة والثروة السبيل الوحيد لتحقيق السعادة، لما يكفلانه من إشباع نهم النفس ونزواتها وتحقيق الرفاهية والاستقرار لصاحبها.


إلا أنه سرعان ما ينكفئ هذا التصور الساذج (عن كيفية تحقيق السعادة) على عقبيه حين نرى مشهد البؤس الذي يصيب الكثيرين من أصحاب الجاه والمال من أثرياء ومشاهير. فبينما يقترف بعضهم جرائم مخزية وبشعة يدنى لها جبين الآدميين، يعجز آخرون منهم عن مجابهة الحياة فيقدمون على الانتحار. وقد ملأت أخبار هؤلاء كتب التاريخ وصفحات الجرائد والمجلات منهم: نيرون روما وهتلر ومارك أنطونيو وإرنست همنغواي ومارلين مونرو وداليدا وغيرهم كثير، يمكن قراءة أسمائهم في موسوعات أشهر المنتحرين.


في هذا الإطار نجد أن ذلك المفهوم الشائع (عن تحقيق السعادة من خلال السلطة والثروة) دافعه غرائزي بالأساس، فشهوات الإنسان ورغباته وضعفه أمام مظاهر الحياة المختلفة وحاجته إلى الكساء والإيواء والحماية تستدعي ذلك بشكل أو بآخر.

وهو ما قد يؤدي إلى الخلط بين مفهوم السعادة لدى الإنسان وبين ما يحقق إشباع رغباته، وكأنهما شيء واحد.

ومما يعزز ذلك المفهوم مصاحبة عملية إشباع جوعات الإنسان تحقيق لذة حسية (كالجنس) أو إخماد ألم (كالجوع) أو تنفيس لاحتقان جراء الكبت والحرمان، ما يدفع المرء إلى اللهاث وراء ما يفتقده أو يتلذذ به أو يضع حداً لآلامه، ويجعله يتصور بأن مجرد إدراك تلك الأشياء سيحقق له السعادة حتماً، وبأن السلطة والثروة هما السبيل الملموس لضمان تحقيق كل ذلك.


ولشدة رواج ذلك المفهوم بين الناس وتأثرهم به، غاب عنهم أن اقتصار الإنسان على الإشباع المادي والغرائزي هو شأن كافة الحيوانات، مع فارق أن الأخيرة لا تسأل عن السعادة أو التعاسة، إنما تصارع من أجل البقاء. ما يعني أنَّ اقتصار الإنسان على النمط المادي من الحياة يسقطه إلى درك البهيمة ويفقده آدميته وأبعاد وجوده ككائن مفكر.

وهذا ما هو حاصلٌ في عالمنا المعاصر إلى حد بعيد، حيث تحول الإنسان إلى وحش سيطر عليه حب الأنا، مما أفقده توازنه وأوهمه بأنه في حرب ضد كل من حوله لتحقيق ذاته، غير متورع عن سحق أقرب الناس إليه، على اعتبار أن قانون الغاب هو السائد، وأن الأقوى والأمثل هو من يستحق الحياة دون غيره. إلا أن هذا النمط من العيش سرعان ما يصيب صاحبه بالنكد والسأم والشقاء ويجعله ينشد سلوك أي طريق يخرجه من دوامة الفراغ والتيه اللذين يغشيان حياته ولو كان بارتكاب مزيد من الشنائع بحق نفسه أو بحق الآخرين.


مرة أخرى، لو كان النهم والاستغراق بالإشباع المادي كاف لتحقيق السعادة، لما وجدنا أولئك المترفين المتخمين بإشباع الشهوات الجسدية مصابين بحالات اكتئاب تجعل منهم زبائن دائميين لدى أطباء النفس والمشعوذين.

وفي حالات أخرى، تجدهم يتحولون إلى ممارسات شاذة يأنف اقتراف مثلها الحيوانات فضلاً عن الأسوياء من البشر. وهي ظواهر منتشرة في المجتمعات التي تُعرِّفُ السعادة بأنها تحقيق أكبر قدر من المتع الجسدية وتتفاخر بكونها مجتمعات الرفاهية المنشودة، كالسويد والدانمرك وفنلندا وسويسرا واليابان. وبهذا يظهر جلياً فشل نموذج التغول في الإشباع المادي بشأن تحقيق السعادة للإنسان ليتجلى بأنه مجرد وهم لا أكثر، كما يكشف عن زيف ما يشاع من اقتران الثراء بالسعادة حتماً، ويؤكد وجود أبعاد أخرى لدى الإنسان لا بد من مراعاتها حتى تتحقق الطمأنينة لديه في الحياة.


على النقيض من ذلك، يذهب أصحاب الفلسفات الحالمة إلى أن تحقيق السعادة يكمن في الابتعاد ما أمكن عن إشباع الإنسان لرغباته واستبدالها بتحصيل الحكمة وتغذية العقل بالمعرفة والعلوم المختلفة للسمو بالنفس الإنسانية عن لوثات المادة والارتفاع بها عن البهيمية. وبالاستقراء نلحظ أنه لطالما أدى هذا التوجه بأصحابه إلى نتائج معاكسة في الأغلب، مما يفضي إلى مثالية كاذبة، لا تنسجم مع تركيبة البشر، تلك التي تُعتبر الشهوات والرغبات والطموحات المادية من خصائصها الظاهرة.

وبالتالي فإنها بدل أن تعالج مشكلة الغرق في عالم الشهوات تعقدها وربما أدت إلى النقيض من مبتغاها. حيث إن تجاهل حاجيات البشر وعدم تلبية رغباتهم بشكل يتناسب مع طاقاتهم وإمكانياتهم يؤدي بالبعض إلى حالة من التقوقع واللجوء إلى "زوايا" معتمة يعتزلون فيها الحياة، فيما يندفع البعض الآخر إلى البحث عن طرق ملتوية لإشباع نهم النفس وما يتجدد فيها من شهوات ورغبات فطرية جراء الكبت والحرمان المتولد تلقائياً عن الامتثال لمثل هذه الفلسفة.


إن هاتين الفلسفتين، المادية والحالمة، تكشفان عن حاجة ماسة للتعامل مع الإنسان بواقعه لا بافتراضات عنه أو بردود فعل إزاء ما ينتابه من حالات عابرة. وفي هذا السياق، فإن المُسَّلمَ به هو أن الإنسان كائن مفكر يمتلك مشاعر ورغبات ودوافع غرائزية، ينبغي التعامل معها وفق ما يحقق الانسجام بينها جميعاً. من هنا فإنه لا يمكن بحال إهمال آلة التفكير لدى الإنسان أي عقله، ذلك الذي يبني التصورات والمفاهيم عن الأشياء، وإلا تشتت شأن صاحبه وبات في حيرة واضطراب من أمره.

وكذلك فإن إرغام النفس على اقتراف ما تأنفه أو تنفر منه يصيب صاحبها بالضيق والأسى والاشمئزاز. كما أن عدم إشباع رغبات الإنسان بشكل يتناسب مع طاقات صاحبها يؤدي إلى كبت واضطراب غير مأمون العاقبة لديه. وعليه فإن تكوين شخصية إنسانية مستقرة متصالحة مع نفسها رهن بالتعاطي مع الإنسان كما هو حتى يحظى براحة البال والطمأنينة ما أمكن.


ولبناء رؤية واضحة عن كيفية التعاطي مع الإنسان، ولتحديد كيفية بناء الإنسان لشخصيته، لا بد من تبلور الأفكار الأساسية الكبرى لديه حول الحياة، تلك التي تفسر له سبب وجوده ومماته ومآله بشكل يقيني، لِتُلقيَ تلك الأفكار بدورها الضوء على نمط العيش المفترض للإنسان بالاستناد إلى المفاهيم الصادقة التي من شأنها تبديد هواجسه وإزالة أسباب القلق التي تعتريه. إلا أن نجاح الإنسان في ذلك يبقى رهن تجسيده تلك القناعات في واقعه، بغض النظر عن حجم المعوقات التي تواجهه، ما يجعله إنساناً سوياً منسجماً مع نفسه قادراً على مواجهة تحديات الحياة باعتماد حقائقها، غير آبه بأوهام الآخرين عن السعادة الزائفة، متوقفاً بذلك عن الحيرة والارتباك والاضطراب الذي يصيب الآخرين بسبب لهاثهم وراء الأوهام.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

السعادة، سلبية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-11-2008  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حسني إبراهيم عبد العظيم، الهادي المثلوثي، محمد يحي، د.محمد فتحي عبد العال، عبد الله الفقير، د- محمود علي عريقات، رضا الدبّابي، عبد الله زيدان، محمد اسعد بيوض التميمي، إياد محمود حسين ، خالد الجاف ، د. خالد الطراولي ، طارق خفاجي، أ.د. مصطفى رجب، عواطف منصور، د- محمد رحال، رحاب اسعد بيوض التميمي، فتحي الزغل، د. عبد الآله المالكي، رمضان حينوني، سامح لطف الله، صباح الموسوي ، أبو سمية، د - الضاوي خوالدية، صالح النعامي ، عمار غيلوفي، سلام الشماع، حسن الطرابلسي، كريم السليتي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - محمد بن موسى الشريف ، د- هاني ابوالفتوح، العادل السمعلي، صلاح الحريري، د- جابر قميحة، سفيان عبد الكافي، د - شاكر الحوكي ، سيد السباعي، ماهر عدنان قنديل، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، فتحي العابد، د - المنجي الكعبي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مصطفي زهران، خبَّاب بن مروان الحمد، مجدى داود، عبد الرزاق قيراط ، علي عبد العال، حميدة الطيلوش، المولدي اليوسفي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، نادية سعد، صفاء العربي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد عمر غرس الله، تونسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، صفاء العراقي، د. طارق عبد الحليم، أحمد النعيمي، عبد العزيز كحيل، يحيي البوليني، منجي باكير، رشيد السيد أحمد، حسن عثمان، عزيز العرباوي، محمود سلطان، طلال قسومي، بيلسان قيصر، سامر أبو رمان ، عمر غازي، المولدي الفرجاني، أنس الشابي، محمد العيادي، عبد الغني مزوز، سلوى المغربي، محرر "بوابتي"، مصطفى منيغ، محمود فاروق سيد شعبان، د - صالح المازقي، ضحى عبد الرحمن، محمد أحمد عزوز، صلاح المختار، د - مصطفى فهمي، الهيثم زعفان، وائل بنجدو، د. أحمد بشير، الناصر الرقيق، أشرف إبراهيم حجاج، محمد الطرابلسي، ياسين أحمد، محمود طرشوبي، د. صلاح عودة الله ، مراد قميزة، فتحـي قاره بيبـان، محمد شمام ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، إسراء أبو رمان، د - محمد بنيعيش، فهمي شراب، علي الكاش، د - عادل رضا، محمد الياسين، أحمد بوادي، أحمد ملحم، محمد علي العقربي، سعود السبعاني، د. أحمد محمد سليمان، جاسم الرصيف، رافد العزاوي، أحمد الحباسي، سليمان أحمد أبو ستة، حاتم الصولي، إيمى الأشقر، فوزي مسعود ، يزيد بن الحسين، كريم فارق، عراق المطيري، رافع القارصي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز