بعد أن نمت وانتشرت الصحوة الإسلامية المباركة في بلاد العرب والمسلمين، بل وفي العالم كله، كان من نتائج ذلك انحياز قطاعات عريضة من نسائنا وفتياتنا للمشروع الإسلامي والثقافة الإسلامية والسلوك الإسلامي والمظهر الإسلامي.
وارتدت طالبات الجامعة والمدارس والموظفات وربات المنازل الحجاب الشرعي على نطاق واسع تعبير عن الهوية الإسلامية والالتزام بالإسلام وأخلاق الإسلام.
إلا أنه في السنوات الأخيرة، بدأت تنتشر ظاهرة ارتداء الكثير من الفتيات والنساء زيًا يفرغ الحجاب من مضمونه ويحسبه الكثيرون من الحجاب وما هو من الحجاب، عبر ارتداء الملابس الطويلة والمجسمة في نفس الوقت، وكذلك ارتداء الطرحة ولكن مع النمص ووضع الماكياج والعطور.
الأمر السلبي في هذه الظاهرة أنها كانت من ناحية التفافًا على الحجاب وثقافته، ومن ناحية أخرى اتخذها العلمانيون وسيلة يوجهون من خلالها خناجرهم وسهامهم المسمومة تجاه الإسلاميين والفكرة الإسلامية عموماً، ويقولون إن كثيراً من المحجبات الآن يرتدين الملابس المثيرة، التي هي أكثر إثارة وإغراءً من ملابس المتبرجات، وإنه من المألوف أن نرى كثيراً من هؤلاء يتأبطن أيدي الشباب في مناظر خليعة في الشوارع والميادين، فلماذا إذاً يصدعون رؤوسنا مطالبين بالحجاب؟.
إن الزي هوية وجزء أساسي من الدين، وشكل ونوعية الحجاب مؤشر على قوة إيمان المحجبة، فإذا كان تدينها مبدئي وقوي، فسوف تكون قدوتها المسلمات الرساليات الأوائل وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك فلن تتنازل أبداً عن شروط ومواصفات الحجاب الطويل الذي لا يصف ولا يشف وليس حجاباً للزينة.
أما إذا كان تدين الفتاة أو المرأة مهزوزاً وضعيفاً فسوف تقل شروط حجابها، ولن تلتزم بالشروط الشرعية المطلوبة.
ولذلك فليس هناك في الشارع الإسلامي ثقة في تدين الفتاة أو المرأة التي ترتدي الإيشارب والبنطلون الجينز وتضع المساحيق والعطور.
ومن حيث المضمون فلا يمكن تصور أن التي ترتدي هذا الحجاب المعيب قد قرأت في العلوم الشرعية أو الثقافة الإسلامية والعقيدة، لكي يكون حجابها تعبيرًا صادقًا وأمينًا عن تدينها، وإنما غالب الأمر أن هذا الحجاب شكلي وأنه عرض لمرض القلب، ودليل على حب الدنيا والتعلق بها، أو هو دليل على عدم وضوح الرؤية.
إننا نستطيع أن نقول إن هناك ما يمكن أن نسميه "عقلية الحجاب"، فالحجاب ليس خرقة تلف الرأس وحسب، كما يحب البعض تشبيهه، لكنه قبل أن يكون لباساً فإن له عقلية وثقافة ونفسية خاصة به في الخلق والتعامل، فالصلاة لن تغني عن صاحبها شيئاً ما لم تمنعه عن المعاصي والرذائل، والزكاة لن تنفع من سب هذا و كفّر ذاك وسرق الثالث وافترى على الرابع .. الخ. ولن تغني كل العبادات عمّن لم يدخل فؤاده طاعة الرحمن وخشية الله، فالدين المعاملة، وما بعث خير الأنام إلا ليتمم مكارم الأخلاق.
إن السعي لملاحقة الموضة قضية اجتماعية خطيرة، فالنفس البشرية تتوق دائمًا للجمال وتعجب به، ولذلك أمر الله عباده بالتزين والتجمل في غير إسراف، مع التأكيد على أن لباس التقوى هو الساتر الحقيقي للإنسان، والمسلم يعمل على الاهتمام بمظهره الخارجي كل حسب طاقته وقدرته، وكل هذا مباح ولا غبار عليه مادام لا يتعدى حدود الشريعة الآمرة بستر العورة للرجال والنساء على السواء، فالتجمل والاعتدال فيه والانضباط أمر حسن ومحمود، أما الإسراف فيه والتقليد الأعمى لكل ما يبتدع على أيدي أعداء الإسلام فهو المذموم الذي لا يحبه الله تعالى ولا يرضاه لعباده.
إن ستر شعر الرأس ليس هو الغرض من الحجاب، وإنما الحجاب عبادة واجبة يأثم المفرط فيها، وكما أن للصلاة صفة من خالفها فقد خالف صحيح الدين، فكذلك الحجاب له صفة لا يجوز مخالفتها، فشروط الحجاب معروفة وهي: أن يكون ساترا للبدن عدا الوجه والكفين، وواسعا لا يصف، وسميكا لا يشف، ولا يلفت الأنظار، وألا يكون زينة في ذاته، وألا يكون لباس شهرة.
إن التي ترتدي الخمار الساتر بشروطه قد التزمت بالفريضة، وتعلوها المتنفلة التي تحب أن تقدم النافلة مع أداء الفريضة، والنافلة ما زاد تطوعا عند الإنسان في طاعته وعبادته قربة لوجه الله سبحانه وتعالى؛ وهي التي ترتدي النقاب.
لكن التي ترتدي حجاب الموضة، لا تؤدي فريضة دينية، وما ترتديه قد يكون نوعاً من الاحتشام تفادياً للتبرج، لكنه ليس حجاباً، لأن الحجاب ثقافة ثم سلوك وخلق.
--------------
وقع التصرف الجزئي في العنوان
موقع بوابتي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: