احمد النعيمي
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9708
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أصبح عالمنا الإسلامي عالم غريب عجيب . أصبحت فيه كل الدعوات تلقى قبولا ورواجا وتنال وتحظى بالاستحسان , ويبقى كل شيء مرغوبا فيه ومرحب به أيا كان نوع هذه الدعوة ، وأيا كان قائلها والداعي إليها .. وتبقى الفكرة مشرعة لها الأبواب ما دام أنها لا تتحدث بأمور الدين ..
ولكن عندما تدعوا إلى سنة من السنن أو تقوم بتبليغ آية عن رسول الله ، ترى الوجوه التي كانت مسفرة قبل هذا ، مستبشرة بسماع الدعوات كلها ، أصبحت عليها غبرة ترهقها قترة ، العيون تنظر إليك يتطاير منها الشرر ويقدح، والشخوص تتربص وتكاد أن تفتك بك ؟؟
وصدق فيهم قول الله عز وجل (( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ )) الزمر 45 .
ثم بعدها تبدأ الدوائر تحاك ضدك ، وتكال إليك التهم من كل صوب وحدب .. واقل تهمة تلصق بك الإرهاب والتطرف .. وانك تحمل أفكار تورا بورا .. ولذلك كان الأولى بك لكي تتخلص من هذه التهم جميعها أن تعود للحديث عن الدعوات الدنيوية ، فهي التي تلقي رواجا ، واستحسانا .. واقلها أن يقال عنك أنك فري وتحرري ، ولست رجعيا .. ولديك القدرة على التأقلم ، والتكيف .
كل هذه الأمور أصبحت .. واقعا ، تحت مسمى كاذب اسمه القدرة على التكيف !! التي تدعوا الإنسان إلى أن يتكيف مع كل احد كان إلا الإنسان المتطرف الذي يدعو إلى الله ويعمل صالحا ويقول إنني من المسلمين ؟؟!
فان هذه الأشخاص . مخلوقات مجذومة معدية ، يجب الحذر منها ، وحجرها .. وان استطعنا قتلها فمن الأولى ، لأنها لا فائدة منها فهي عقول متحجرة ومتخلفة .. ولا قدرة لها على التكيف .. بمعنى أنها " حيوان غير قادر على التكيف مع البيئة حوله !! " والتخلص منها مهمة وطنية وواجب مقدس لكي لا يبدل لنا قدرتنا على التكيف ، وذلك كما أعلنها من قبل فرعون .. عندما رفض تطرف نبي الله موسى عليه السلام (( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ )) غافر 26 .
وهذا هو حال كل فكر فاسد في كل عصر وحين .. إلصاق تهمة جاهزة ومعلبة بكل إنسان يريد أن يخرجهم من ظلمات الجهل إلى فضاءات النور ورحابة الإيمان ، ويبين لهم حقيقة وجود الإنسان في هذا الكون ، أن تلصق به تهمة الإفساد في الأرض .. سبحان الله ؟؟ الحال هو .. هو ، لم يتغير بتغير الزمان وتطور العلم وتوفر فرص الوصول إلى المعلومة من قبل أن يرتد طرف الإنسان إليه ..
وأما حديث التأقلم فأمر اشد غرابة ومضاضة من ضرب الحسام المهند .. فكيف نتوقع من جسد فقد الكريات البيضاء في دمه ، أن يدافع عن نفسه ، سوى أن تحتله الجراثيم وتسيطر عليه .. ولكن مكابرة من هذا الجسد فانه يرفض الاعتراف بضعف المناعة عنده ، وتمكن الأغراب من جسده ، فانه يستسلم لتلك الجراثيم ، رافعا شعار كل عاجز همه أن يجري خلف شهواته ، متذرعا بحجة التأقلم والقدرة على التكيف ..
وهذا هو مثل الكثير منا ، الذي بالكاد انه يعرف أركان صلاته وصيامه ، وبعضا من أمور فقهه ، بينما تجد العقيدة منقرضة عنده ولا وجود لها في قواميسه ، واكتفى بالإخوة الإنسانية بدلا عنها وعوضا منها ..
ومما يؤسف له أن نجد كثيرا من شبابنا لا يعلمون حتى أركان صلاتهم .. وذلك مما جرته علينا الأنظمة العفنة من بطش وتعسف وأصبح لا هم لها سوى محاربة الشباب الذين مظهرهم التدين ، فتبدأ تحصي عليهم أنفاسهم وتـًسّخِرً من يلاحقهم كظلهم وتجهز ملفا عن كل واحد منهم .. ثم بعدها تقوم بافتعال أمر دبر بليل .. ويساق هؤلاء إلى غياهب السجون وحجتهم الجاهزة " وهابي " .. قاتل الله تلك الأنظمة العفنة ، وطمس على قلوبهم حتى يروا العذاب الأليم .
ثم دخلت الفتن علينا من كل حدب وصوب .. فكيف لهذا الإنسان أن يستطيع أن يميز بين الصحيح والسقيم من الأفكار والآراء التصرفات .. ولذلك كان حال كثير منا في مسالة التأقلم ، كحال الجسد السابق الذي ذكرنا ..
وهنا قد يقول قائل وكيف يحصن الإنسان نفسه ، ويقوي جهاز المناع في جسمه ؟؟ حتى لا يكون كقشة في مهب ريح !!
فنقول أن يتعلم كل واحد منا شرائع الإسلام وان يعرف الحلال والحرام ويتقي الشبهات .. ثم يسعى بعدها إلا أن يًعمل عقله وتفكيره في غير أمور الشرع ، فان المتتبع لآيات الكتاب الكريم يجدها في كثير منها تحث الإنسان على التفكر والتكيف والتأقلم مع هذا العالم الذي سخره الله لخدمة الإنسان ..
يقول تعالى (( قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )) الأنعام 11 .
ويقول سبحانه (( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) العنكبوت 20 .
ويقول عز وجل (( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ )) الغاشية 17 .
وبالنتيجة فان آيات الله جميعها .. تدعوا إلى التفكر والبحث وإعمال العقل ، وعدم الجمود .. وتدعو ا إلى التأقلم .. ولكن لا بد قبل هذا أن يكون الإنسان على معرفة ودراية .. بأوامر الله تعالى ونواهيه .. " أي زيادة كريات المناعة البيضاء لديه " حتى لا يتحول هذا التكيف من ايجابي إلى سلبي .. ويكون حاله عند ذلك .. كما وصفه الله تعالى ..
ويتحول عندها الإنسان من متكيف بصير .. إلى مقلد اعمي .. لا هم له سوى إرضاء شهواته .. وإشباع بطنه .. ويكون حاله كالأنعام بل هو أضل ..
ولذلك كان من الأولى بنا أن نستبدل كلمة القدرة على التكيف بالتقليد الأعمى وإتباع سنن من قبلنا .. حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلناه خلفهم بدون أي تردد .. فالمهم أن يقال : أن قدرتنا على التكيف شيءٌ هلامي ..