د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9060
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
" لله كم من فرحة وقرة عين في غيظ العدو وكبته ؟. فما طاب العيش إلا بذلك ، فمعظم اللذة فى غيظ عدوك. فمن أعظم نعم الله على عباده المؤمنين أن خلق لهم مثل هذا العدو، وإن القلوب المشرقة بالإيمان والمعرفة لتعلم أن النعمة بخلق هذا العدو ليست بأدنى من النعمة بخلق أسباب اللذة. (مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم 1/341).
1ـ "الجهاد والجهاديون "، هما السرطان المزمن الذى يهدد الهوية الأمريكية "كما يرى " جيفرى إم"، هاهو الآن يهدد أوربا بأسرها، سواء أوربا الغربية أو تلك التي كانت تعرف بأوربا الشرقية.
" وليد فارس" واحد من أشد الباحثين والكتاب عداء للجهاد والجهاديين، يعمل مديرا لمشروع ما يسمونه بـ "الإرهاب المستقبلى" فى مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات بواشنطن العاصمة . وهو أستاذ زائر لدى المؤسسة الأوربية للديموقراطية فى بروكسل. ألف كتابا أسماه :"المواجهة: كسب الحرب ضد الجهاد المستقبلى". كان " فارس" أحد المتحدثين فى مؤتمر عقد فى براج فى عام 2007عن الأمن والديموقراطيه. ألقى "فارس" كلمته فى حضور الرئيس "جورج بوش" ، و" فاكلاف هافل" الرئيس السابق لجمهورية التشيك، ورئيس الوزراء السابق لجمهورية إستونيا وغيرهم من الشخصيات البارزة فى العالم، بالإضافة إلى لفيف من المفكرين من مصر وسوريا ولبنان والسودان والجزائر وإيران والعراق.
كتب " فارس" فى صيف 2008ملخصا لأفكاره المتعلقة بمواجهة الجهاد والجهاديين، ناقشها مع زملائه فى المؤسسة السابق ذكرها فى بروكسل، كما ناقش أفكاره هذه مع أعضاء من حزب الأغلبية فى البرلمان الأوربى فى مؤتمر عقد فى باريس، ومع أعضاء من سكرتارية العلاقات الدولية للجماعة الإشتراكية الأوربية، ومع أعضاء من مركز الشئون الدولية فى روما بحضور رئيس أركان القوات المسلحة الإيطالية، ومع أعضاء من الأمن القومى والشئون الخارجية فى "البودنستاج" الألمانى فى برلين،. ومع رسميين متخصصين فى مؤسات ما يعرف بمكافحة الإرهاب فى الإتحاد الأوربى وكان منهم بعض المسئولين من بريطانيا، وألمانيا، وأسبانيا، وجمهورية الشيك، ورومانيا، وبلجيكا وسلوفاكيا، وبولندا، وإستونيا، كما ناقشها كذلك مع كبار المسئولين عما يسمى بالتطرف فى وزارات الداخلية فى ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا.
2ـ بدعوة من مؤسسة الدراسات الأمنية فى " براج" PSSI ألقى " فارس" محاضرة بعنوان " استراتيجية الجهاديين ضد أوربا: الخلفية والتغيرات، والإختيارات" فى منتدى أشرفت عليه مؤسسة الديموقراطية فى بروكسل ، وحضره ضباط ودبلوماسيون أوربيون.
وجه " فارس" فى هذه المحاضرة عدة انتقادات حادة للخبراء والمحللين فى ما يسمى بـ"مكافحة الإرهاب"، وأوضح أن فشلهم فى الفهم الدقيق للحركة الجهادية أدى بصانعي القرار فى أوربا إلى وضع سياسات أضرت بالأمن القومى لبلادهم.
اول مظاهر هذا الفشل كما حددها " فارس" هو اعتقاد هؤلاء الخبراء أن الجهاديين السلفيين ينقسمون إلى فئتين : فئة تدافع عن الجهاد القتالى وفئة ترفض هذا النوع من الجهاد. يُخَطِّئ " فارس" هذه النظرة، ويرى أن الأمر ليس بهذه الصورة. الجهاديون السلفيون فى نظره يختلفون حول الاستراتيجيات وليس حول الجهاد القتالى. ويتركز الجدل بينهم حول سؤالين : "أى عدو هذا الذى يجب أن يكون هدفا للجهاد وكيف نقاتله؟. فالجهاد القتالى ليس إلا مجرد آلة أو سلاح، وليس عقيدة فى حد ذاته.
يقسم " فارس" الجهاديين إلى مدرستين، يسمى الأولى "المدرسة التقليدية " التى تضم فى نظره ما يسميهم بـ "الوهابيين" وتنظيم "الإخوان المسلمين"، أما المدرسة الثانية فيطلق عليها "المدرسة الواقعية " وهى التى تضم ما يسمونه بـ"تنظيم القاعدة".
يرى " فارس" أن المدرسة التقليدية ترى أنه لا يجب مواجهة الغرب عسكريا قبل القدرة على تحقيق تكافؤ استراتيجى معه. الخطأ الذى وقع فيه الخبراء من وجهة نظر " فارس" هو أنهم لم يفهموا معنى ذلك فهما صحيحا، واعتقدوا بالتالى أن هذا القطاع من الجهاديين لا يلتزم باستخدام القتال ضد الغرب.
استمر هذا الخطأ فى الفهم لمدة عقد كامل، ووقع خبراء مؤسسات "مكافحة الإرهاب" فى نفس الخطأ حينما اعتقدوا بأن الجهاديين التقليديين لا يؤيدون الكفاح المسلح ومن ثََم يمكن عقد ارتباطات معهم ضد الجهاديين الواقعيين.
هذا الخطأ الأساس فى الفهم والتحليل أثّر على مذهب الأمن القومى فى الغرب، وقد يقودهم إلى تقديرات خاطئة فى المستقبل. لم يفهم الخبراء والمحللون الأوربيون أن الجدال بين الجهاديين لا يدور حول استخدام القتال المسلح أو عدم استخدامه.إنه يدور حول : متى يستخدم هذا القتال؟ وضد من يستخدم ؟، وتحت أى ظروف ؟. يرى " فارس " أنه إذا استمر الفهم الخاطئ لاستراتيجيات الحركة الجهادية عقدا آخر فسوف يقود ذلك إلى محاولات غير ناجحة وتافهة تصل إلى حد تجنيد مايسيمهم "فارس" بـ الجهاديين " الطيبين " وتأليبهم ضد ما يسميهم بـالجهاديين " الأشرار".
إن الإنقسامات داخل مجتمع الجهاديين كما قال "فارس" ليست حول فلسفة القتال، لأن الجهاد بالنسبة إليهم ليس مجرد فعل عسكرى. هناك أهداف للجهاد يرى الجهاديون أن عليهم تحقيقها، والجهاد القتالى هو أحد وسائل تحقيق هذه الأهداف. الأمر فى حقيقته كما يرى " فارس" أن السلفيين كما يسميهم " بالوهابيين والإخوان المسلمين" يمكنهم ألا يتخذوا قرارا باللجوء إلى القتال المسلح طالما أنهم يحققون تقدما فى سعيهم لتغيير ميزان القوى لصالحهم . لكنه ما أن يتغير هذا الميزان لصالحهم، فإنهم ينتقلون إلى مرحلة أخرى، يستخدمون فيها كل الوسائل الممكنة بما فيها "الجهاد القتالى".
الخطأ التحليلى الذى وقع فيه بعض المحللين فى نظر" فارس " هو أنهم نظروا إلى " لحظة الجهاد" على أنها " استراتيجية الجهاد" . ولهذا كانت دعوة كثرة الأكاديميين والخبراء إلى إيجاد ارتباطات مع الجهاديين غير القتاليين كما لو أن الأخيرين يمثلون طائفة فى حد ذاتها. إن هذه القراءة للجهاد فى نظر " فارس " قراءة مبتورة للحركة الجهادية بكاملها. الأسوأ من هذا كله كما يرى " فارس" هو أن الخبراء والمحللين لم يدركوا أن هذا الأمر كان مناورة من قبل الجهاديين فى حرب الأفكار التى يشتبكون فيها مع الغرب، الهدف من هذه المناورة هو إحداث اتجاهات مختلفة فى صفوف أعدائهم من الديموقراطيات الحرة وقد نجحت هذه المناورة بالفعل فى تهدئة جهود هذه الديموقراطيات فى احتواء الجهاديين .
يختصر" فارس" نظرته للقضية بالقول بأن ارتباطات الغرب مع الجهاديين أمر يخدم استراتيجيتهم فى الجهاد طويل المدى ويؤدى إلى إعاقة الغرب والديموقراطيات الحرة من التقدم بخطوات أكثر فى حربهما ضد الجهاديين. ويلخص " فارس " ما يريد أن يصل إليه بالقول : بأن النظرة الشاملة للحركة الجهادية بكاملها سواء أكانت سلفية تقليدية أو سلفية واقعية تؤكد بأن ما يسميه بـ "الإرهاب الجهادى" أصبح يمثل تهديدا مركزيا للديموقراطيات بكاملها،لكن هذا التهديد هو الآن أكثر وضوحا بالنسبة لأوربا ويعنى بها الدول الأعضاء فى الإتحاد الأوربى.
3- ينتقل " فارس" إلى نقطة أخرى وهى نجاح الجهاديين فى اختراق أوروبا. يقول " فارس": " إن الشبكات الجهادية التقليدية والقتالية اخترقت القارة الأوربية منذ قرون عديدة . وكانت الدول الأوربية ذات المستعمرات السابقة هى الأكثر تأثرا بهذا الإختراق مثل انجلترا، وفرنسا ، وهولندا، وأسبانيا ، وإيطاليا. كما استوعبت الدول الإسكندنافية وجودا سلفيا حتى نهاية الحرب الباردة . والنظرة الشاملة لهذا الإختراق تبين أن أوربا الغربية كانت المستقبل الرئيس لموجات هامة ومؤثرة من الشبكات الإسلامية من مختلف دول العالم وخاصة المغرب والقارة الهندية ومن دول المشرق أيضا. الجديد الآن هو أن وسط أوربا، وأوربا الشرقية تشهدان الآن اختراقا إسلاميا. وقد كانت الرقابة الشيوعية الصارمة سببا رئيسا فى عدم تأسيس قلاع حصينة للإسلاميين فى مدن مثل براج، ووارسو، وتراتسلافا، وبودابست، وغيرها. وهناك الآن توسعا مطردا للسلفية، بعضها يهاجر من غرب أوربا متجها إلى شرقها. ويسير هذا التوسع متوازيا مع توسع الإتحاد الأوربى نفسه. كما يلاحظ كذلك أن هجرة الجهاديين من الشرق إلى الغرب تنبعث أيضا من أوربا الشرقية وبلاد البلقان. ويرى " فارس " أن ما يسميه بـ " جماعات التمويل الوهابية " تتجه الآن من البوسنة، وكوسوفو، وألبانيا، والشيشان إلى وسط أوربا. ويؤكد أن اختراق شبكات التمويل يتوسع عبرالقارة فى هدوء. ويسمى المصالح التى يرعاها ما يسميهم بالوهابيين بـ" التمويل العالى". أما التمويل الذى ترعاه ما يسميه بتنظيم القاعدة بـ "التمويل المنخفض". ويرى أن كليهما يستخدمان النظام البنكى الأوربى.
4- أكد " فارس" ما كان أكده " جيفرى إم" من قبل من أن هناك إعادة نظر فى قضية دوافع القتال عند الجهاديين، فبعد أن كان الباحثون يرجعونها إلى الظروف الاقتصادية والإجتماعية والسياسية الضاغطة التى تعيش فى ظلها المجتمعات الإسلامية، وكان الغرب يبنى وينفذ استراتيجيته على أساسها، عاد الباحثون واعترفوا بأن جذور الجهاد فى أساسها فكرية.( أنظر مقالتنا عن الإستعلاء الإسلامى بين الجهاديين والأمريكيين).
يتحدث "فارس" عن فشل تحليلات الخبراء عن الجهاد والجهاديين فيقول:" لقد أنفق الخبراء الأوربيون المعاصرون المتخصصون فى مكافحة الإرهاب وقتا طويلا وتمويلا ضخما فى محاولة فهم نشأة الشبكات الجهادية القتالية، وتركزت تحقيقاتهم حول الدوافع الإجتماعية والإقتصادية لما يسمونه بالإرهاب، لكن نتائج بحوث أوربية بديلة أبرزت أن ذلك ليس بصحيح تماما، ولم يؤد إلى إجابات ذات طابع استراتيجى.
إن النصائح التى قدمها هؤلاء الخبراء لصانعى السياسة فشلت فى التنبؤ بالتطور السريع للشبكات الجهادية، والأشد إزعاجا من ذلك كله فى نظر" فارس" أن نصائح الخبراء استمرت فى الدفاع عن نظرية العوامل الإجتماعية والإقتصادية رغم سقوطها الذريع.
وفشل آخر لخبراء مؤسسات مكافحة الإرهاب، أصحاب المدرسة التقليدية فى هذه المؤسسات يزعمون أن الجهاديين ليس لهم إيديولوجية واحدة تشمل كل القارة الأوربية، إنما لهم مذاهب منفصلة ومميزة تضع فى اعتبارها الاعتبارات والمطالب المحلية. سقط منظور هذه المدرسة بعد أن ثبت أن الإستراتيجية الجهادية استراتيجية كلية الوجود ليس فقط من لندن إلى مدريد إلى ضواحى مارسيليا، ولكن عبر عالم الإنترنت الذى أوجد الجهاديون لأنفسهم بداخله قلاعا لا يمكن تحديها.
ومن معالم هذا الفشل أيضا أن هؤلاء الخبراء فشلوا فى فهم المحور المركزى لإيديولوجية الجهاديين وهو أن أهدافهم بعيدة المدى لا تفى بها المفاوضات السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
وانتهى " فارس" هنا إلى تأكيد منظوره الخاص بأن معظم الخبراء والمحللين فى شئون الجهاد استمروا فى صياغة نظريات حرمت الناس بصفة عامة وصانعى القرار بصفة خاصة من رؤية الحلول الحقيقية لمشكلة الجهاد والجهاديين.
5- ماهو المخرج لأوربا والغرب إذن ؟ المخرج فى نظر " فارس" هو عقد ارتباطات مع المسلمين المعارضين للجهاد والجهاديين ومع جماعات المجتمع المدنى فى الشرق الأوسط، ومع النشطين من جماعات حقوق الإنسان ومؤيدى الديموقراطية. ( انظر مقالتنا عن حقيقة الدعوة إلى المجتمع المدنى وما وراءها من أهداف، مجلة البيان).
النصائح التى قدمها الخبراء لصانعى القرار كانت تدور حول عقد ارتباطات مع الإسلاميين بما فيهم الجهاديين. هذا التكتيك فى نظر " فارس" نتج عن الفشل فى الفهم الشامل لاستراتيجية الجهاد وواقعها، وكذلك الفشل فى فهم الواقع الإجتماعى السياسى داخل المجتمع العربى والإسلامى ومجتمع المهاجرين المسلمين فى القارة الأوربية وبلاد الغرب عموما. كان صانعوا السياسة الحكوميون مقتنعين بنصائح كبار مستشاريهم، الذين كانوا يعتمدون بدورهم على نصائح الخبراء والأكاديميين التى تقول أن الطريق إلى استئصال مايسمى بالتطرف يكون عبر عقد ارتباطات مع المتطرفين أو الذين هم أقل تطرفا. ومن هنا اتجهت سياسة التعامل مع التطرف إلى تدعيم وتمويل التحركات الهادفة إلى الدخول معهم فى حوارات متزامنة مع سياسة فرض القانون وفى ضوء السياسة العليا للبلاد. وهذا ما كان يحدث منذ سنوات.
القضية فى نظر " فارس" ليست هى الدخول أو عدم الدخول فى حوارات مع الجهاديين. إنها ليست حول المحادثات معهم. ولكن القضية تتركز عنده فى السؤال عن : هل يمكن أن تؤدى هذه الحوارات إلى استئصال ما يسمى بالتطرف؟ . فى رأى " فارس" أن الإرتباط مع الجهاديين لن يؤدى إلى تحويل مسارات التطرف، فقد برهنت جهود فرض القانون وتقارير الخبراء أن أيا من هذه الإرتباطات لم يؤد إلى ضبط الجهاديين لا فى الولايات المتحدة ولا في أوربا.
6- متى يكسب معارضو الجهاد؟ يؤمن " فارس" بصدق المعادلة التى يدعى أن مصداقيتها ثبت لديه والتى كانت قائمة على أساس أن النشطين من المسلمين المعارضين للجهاد والكوادر الشبيهة بهم يمثلون قوى رائدة فى مقاومة التعبئة لما يسميه بالتطرف. هذه المعادلة تقول:" أنه فى كل فرصة متوازنة يدخل فيها معارضو الجهاد من المسلمين مع الجهاديين فى معركة فكرية يكون فيها النصر حليفا للمعارضين، وأنه فى كل وقت لا يجد فيها الجهاديون من يواجههم بالنقاش من داخل الثقافة السياسية العربية والمسلمة، يكون من الطبيعى أن ينتصر الجهاديون ".
يتمسك " وليد فارس" تمسكا شديدا بهذه المعادلة. ويروج لها، ويأمل بشدة أن تتبناها دورة الإتحاد الأوربى القادمة التى سوف ترأسها جمهورية التشيك. يقول فارس:" يبدو الآن حتميا مع الجدال المتجدد فى أوربا حول هذه القضية وخاصة فى ضوء رئاسة جمهورية التشيك للإتحاد الأوربى لنصف عام قادم إعادة هيكلة عملية الإرتباطات مع الإسلاميين لتشمل هذه القوى المؤيدة للديموقراطية داخل الشرق الأوسط والمجتمعات الإسلامية فى القارة الأوربية. إننا فى حاجة أيضا للإستفادة من خبرات التشيك ودول وسط أوربا فى ديناميات مكافحة الأنظمة الشمولية والجماعات المنشقة عنها للمساعدة فى كبح جماح توسع الحركات الجهادية". ويقول" فارس" كذلك :" إن عقد ارتباطات مع الإسلاميين يجب أن يبقى كمبدأ ثابت وصلب، ولكن السؤال هو : مع من نرتبط استراتيجيا؟ إن نظرتى للأمر أن هؤلاء الذين يجب أن نرتبط معهم والذى يستحقون منا الحماية المنظمة هم هؤلاء الذين يدافعون فى مجتمعاتهم الإسلامية عن القيم المشتركة للديموقراطية والإنسانية. إن أى محاولة لتجاهلهم، يترتب عليها تعزيز وتقوية القوى الجهادية. إن الأوربيين والأمريكيين فى اختبار حقيقى الآن، ويجب ألا يفشلوا مرة أخرى".
7- يحتاج الأمر إلى مناقشة المعادلة التى تمسك بها "فارس" والتى خلاصتها الدعوة إلى استنفار العملاء القدامى للغرب لمواجهة الجهاديين فكريا . يتصور "فارس" أن دخول هؤلاء العملاء فى مناقشات فكرية مع الجهاديين، ينتهى إلى كسب العملاء هذه المناقشات. إن افترضنا جدلا أن ما يقوله "فارس" صحيحا، فإنه لا يعود إلى قوة حجة العملاء، ولكن يعود إلى بعض الأسباب التى كان علماء السلف يتكلمون فى مثلها .
حدد علماء السلف ما يستند إليه أهل الباطل فى دعاويهم فى ثلاث:
الأولى: أنهم يستخدمون عبارات مموهة بزخرف من القول، مكسوة حلة الفصاحة والعبارة الرشيقة، هى بمنزلة طعام طيب الرائحة فى إناء حسن اللون والشكل، ولكن الطعام مسموم، يغرون بها أصحاب العقول الضعيفة التى تصغى إليها، وكذلك من ليست لديهم بصيرة نافذة فيسرعون إلى قبولها واستحسانها. ويرضون بما تدعو إليه من الباطل.
الثانية: أن هؤلاء العملاء يقومون بإخراج المسائل التى يريدون إبطالها فى صورة مستهجنة – كتصوير الجهاد على أنه إرهاب وقتل للأبرياء- فينفروا الناس من الجهاد والجهاديين.
والثالثة: أنهم ينسبون دعاويهم إلى شخصيات جليلة القدر تحظى باحترام الناس فيخدعون الجهلة منهم، ومن شأن الناس كما يقول علماء السلف أن يعظموا من يعظم قدره فى نفوسهم، حتى أنهم ليقدمونه على كلام الله ورسوله، ويقولون هم أعلم بالله منا.
أما المفكرون الإسلاميون فقد حددوا بجلاء طبيعة هؤلاء العملاء ودورهم فى خدمة أهداف الغرب. يقول المفكرون الإسلاميون :"إن لهذه القوى اليوم في أنحاء العالم الإسلامي جيشا جرارا من العملاء في صورة أساتذة وفلاسفة ودكاترة وباحثين - وأحيانا كتاب وشعراء وفنانين وصحفيين - يحملون أسماء المسلمين , لأنهم انحدروا من سلالة مسلمة ! وبعضهم من "علماء" المسلمين !
هذا الجيش من العملاء موجه لخلخلة العقيدة في النفوس بشتى الأساليب, في صورة بحث وعلم وأدب وفن وصحافة، وتوهين قواعدها من الأساس،. والتهوين من شأن العقيدة والشريعة سواء، وتأويلها وتحميلها ما لا تطيق، والدق المتصل على "رجعيتها" ! والدعوة للتفلت منها، وإبعادها عن مجال الحياة إشفاقا عليها من الحياة أو إشفاقا على الحياة منها ! وابتداع تصورات ومثل وقواعد للشعور والسلوك تناقض وتحطم تصورات العقيدة ومثلها، وتزيين تلك التصورات المبتدعة بقدر تشويه التصورات والمثل الإيمانية، وإطلاق الشهوات من عقالها وسحق القاعدة الخلقية التي تستوي عليها العقيدة النظيفة، ويشوهون التاريخ كله ويحرفونه كما يحرفون النصوص .
وهؤلاء العملاء متفاهمون فيما بينهم على أمر . . هو الإجهاز على هذه العقيدة في الفرصة السانحة التي قد لا تعود . . وقد لا يكون هذا التفاهم في معاهدة أو مؤامرة، ولكنه تفاهم العميل مع العميل على المهمة المطلوبة للأصيل ! ويأمن بعضهم لبعض فيفضي بعضهم إلى بعض . . ثم يتظاهرون - بعضهم على الأقل - بغير ما يريدون وما يبيتون . . والجو من حولهم مهيأ، والأجهزة من حولهم معبأة . . والذين يدركون حقيقة هذا الدين في الأرض كلها مغيبون أو مشردون ".
8- نعمة وجود الأعداء والعملاء : الجهاديون من جهة والأعداء والعملاء من جهة أخرى ضدان لا يلتقيان . يقول الإمام ابن القيم فى بيان وجود مثل هذه النعمة على المجاهدين فى سبيل الله :" ومن أعظم حكمة الله وكمال قدرته ومشيئته خلق الضدين إذ تعرف بذلك ربوبيته وقدرته وملكه، كالليل والنهار، والحر والبرد، والسماء والأرض، والداء والدواء..........الخ. ومن لوازم ربوبيته تعالى وإلهيته إخراج الخبأ فى السموات والأرض من النبات والأقوات والحيوان والمعادن وغيرها. فبإخراج هذا الخبأ تظهر قدرته وعلمه وحكمته. وكذلك النفوس فيها خبأ كامن يعلمه سبحانه منها، فلا بد أن يقيم أسبابا يظهر بها خبأ النفوس الذى كان كامنا فيها، فإذا صار ظاهرا عيانا ترتب عليه أثره. إذ لم يكن يترتب على نفس العلم به دون أن يكون معلوما واقعا فى الوجود ....إن من بعض الحكم فى خلق عدو الله إخراج خبأ النفوس الخبيثة التى شرها وخبثها كامن فيها....إن الجنة لا ينالها المكلفون إلا بالجهاد والصبر، فخلق الشياطين وأوليائهم وجندهم من أعظم النعم فى حق المؤمنين، فإنهم بسبب وجودهم صاروا مجاهدين فى سبيل الله، ويحبون لله، ويبغضون لله، يوالون فيه ويعادون فيه، ولا تكمل نفس العبد ولا يصلح لها الزكاة والفلاح إلا بذلك ".
انظر:
Walid Phares , Let the Dissidents Challenge the Jihadists, Counterterrorism, , Prague, September 16, 2008
-----------------
دكتور أحمد إبراهيم خضر
دكتوراة فى علم الإجتماع العسكرى
الأستاذ المشارك السابق فى جامعات القاهرة،والأزهر، وأم درمان الإسلامية، وجامعة الملك عبد العزيز