(17) التحالف الكنسى العسكرى ضد الإسلام فى العراق وأفغانستان
د- أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9639
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
التحالف العسكرى- الصناعى فى الولايات المتحدة خرج عن الدائرة الداخلية ، وبلغ ذروته مع الغزو الأمريكى للعراق وأفغانستان ، وانضم الكنسيون إلى هذا التحالف وشكل الجميع مثلثا قويا، فالرأسماليون ينهبون خيرات البلاد الإسلامية ، والكنسيون يقومون بمهمة تغيير ثقافة المسلمين وتحويلهم للنصرانية ، وكل ذلك تحت حماية العسكريين وانطلاقا من قواعدهم .
(1)
ما أن احتلت القوات الأمريكية " بغداد " ، ثم زحفت خارجها ، حتى ارتدت " شافيرا " - الفتاة الأمريكية - رداء و بُرقعًا أسودَيْن ، و دخلت تحاضر الدارسِيْن في فصل دراسي خاص في نيويورك عن الإسلام ، تشرح معتقدها الإسلامي ، و بلغة إنجليزية ركيكة تقول : " العنف لا وجود له في قلوب المسلمين ، نحن كمسلمين نريد السلام لأطفالنا ، و أنتم أيضًا تريدون السلام " ، أخذت تشرح للدارسين أركان الإسلام الخمسة ، و تؤكد لهم أن الجهاد ليس واحدًا منها ، و تضيف " إن لدينا الكثير ممّا نشترك فيه ، لكننا كمسلمين نتعجب من عقيدة التثليث عندكم ! " .
هنا يندفع أحد الدارسين - الذين كانوا يستمعون لـ " شافيرا " باهتمام - للدفاع عن عقيدة التثليث ؛ فتخلع " شافيرا " برقعها الأسود ، و تكشف عن حقيقتها ، و تقول للدارسين : " أنا لست بـ " شافيرا " ، و لست مسلمة ، أنا " باربارا" ، أقوم بالتدريس في فصول الاجتماع السنوي المائة والخمسين ؛ لتعليم الدارسين كيفية تحويل المسلمين إلى المسيحية " .
لم يكن هذا الفصل الدراسي ، سوى أحد الفصول العديدة التابعة للمركز الأمريكي العالمي ؛ لنشر المسيحية ، و الذي تموِّله و تعتني به المنظمات و الإرساليات الكنسية الأمريكية ، و ينضم تحت لوائها هؤلاء المسيحيون المتعصبون ضد الإسلام .
تكشف إحصائيات مركز دراسات المسيحية العالمية ، في معهد " جوردون لوكوييل " لللاهوت بولاية " ماستشوتس " - أنَّ عدد الإرساليات الكنسية إلى البلاد الإسلامية ، تضاعفَ من عام 1982 إلى عام 2001 ، من خمس عشرة ألف إرسالية ، إلى سبع وعشرين ألف إرسالية . أما الدراسات الجادة عن الإسلام ، فقد تكثفتْ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر
- المسرحية - فكان هناك أمريكي من كل اثنين من أعضاء الإرساليات الكنسية ، و كان من كلّ ثلاثة منهم واحد من المنظمات الإنجيلية . يقول " جورج براسوييل" أستاذ الإرساليات في معهد اللاهوت المعمداني : " نحن نذهب الآن أكثر من أي وقت مضى إلى بلاد المسلمين ، إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أشعلتْ دوافعنا " . و نشطت حركة هذه المنظمات و الإرساليات ، منتهزة فرصة الغزو الأمريكي للعراق و أفغانستان . تحالفت هذه الهيئات الكنسية مع الجيش الأمريكي ، بحيث تقوم هذه الهيئات بجهود مكثفة تحت الحماية العسكرية ، و انطلاقا من القواعد العسكرية الأمريكية ، تهدف إلى تحويل المسلمين إلى النصرانية في المناطق التي يُسيطر عليها الجيش الأمريكي ، والتي يُطلِق عليها الكنسيون " المناطق المحررة " . قال أحد أعضاء هذه المنظمات في ذلك : " إن توجهنا بالمسيحية إلى المسلمين يدخل الآن مرحلة حاسمة ، و إننا إذا لم نستطع استخدام حقنا المتاح لنا في هذه الفترة بالذات ؛ فقد تضيع منَّا هذه الفرصة " . و قال " فراكلين جراهام " أحد الدعائم الكبرى الهامة في الموجة التنصيرية الموجهة إلى العراق : " إن هذه الحرب هي لحظة الذروة بالنسبة لنا ، كما أنها أنضج فترة لتقديم الإنجيل إلى المسلمين " .
لم يكنِ الرداء و البُرقع الأسودان ، و اللغة الإنجليزية الركيكة ، إذًا سوى لعبة تعليمية ، و لم تكن كلمات " باربارا " عن الإسلام سوى تهكُّم على ردود المسلمين – الانهزامية - على هجوم الغرب عليهم .
المحوران الأساسيان اللذان كانت تدور حولهما المحاضرات في هذه الفصول ، هو الحط من قيمة الرسول ( صلى الله عليه و سلم ) ، و الرفع من قدْر المسيح ( عليه السلام ) ، ثم التركيز على أن المواجهة هي أساسًا مع الإسلام الذي وصفه ، " فراكلين جراهام " بأنه ديانة شريرة و مجرد نفاية " ، و وصفه آخر بأنه " أكثر الديانات الإبراهيمية توحشًا و معارضة ؛ لارتداد المسلمين عنه " ، أما المسلمون فهم في نظر هذه المنظمات " ضحايا " . و يدَّعي أفراد هذه المنظمات أنهم يحبون المسلمين ! لكنهم يعترفون بأنهم يطمحون بأن تحل المسيحية محل الإسلام !!
كانت " باربارا " تحاضر الدارسين على امتداد ثلاث ساعات ، تقارن فيها بين النبي محمد ( صلى الله عليه و سلم ) و المسيح ( عليه السلام ) ، قالت باربارا : " المسيح ظهر من الموت ، لكنه ظل حيًّا ، أما محمد فقد مات . أيها الدارسون ، أوصيكم بألا تتعرضوا للمسلمين عامة ، و لا تدخلوا معهم في مناقشات حول إسرائيل ، و أذكركم بكلمات الجنرال " جون أشكروفت " - القائد الأمريكي في حرب الخليج- بأن الإسلام دين يطلب الإله فيه منك ، أن ترسل ابنك للموت من أجله ، أما المسيحية فهي معتقد ، يرسل الإله ابنه ؛ ليموت من أجلك " . و ذكّرت " باربارا" الدارسين بأن " أشكروفت " يقصد بالمسلمين هؤلاء الإرهابيين ، و ليس المسلمين عامة ، الذين هم مجرد ضحايا كما ذكرنا .
في نهاية محاضراتها أكدت " باربارا" أن الإسلام هو " الإرهاب " ، ثم توجهت بالدعاء إلى ربها قائلة : " يا إلهنا ، دمِّر سلاح الدمار الشامل الذي هو " الإسلام " بعينه ! يا إلهنا يا مخلصنا ، نحن نشهد أن دمك يشمل الغفران لكلّ مسلم ، وهذا يكفي ! " . أدركت " باربارا" ما لم يدركه المسلمون عامة ، و على رأسهم " محمد البرادعي " ، أن سلاح الدمار الشامل الذي كانت تبحث عنه أمريكا ، وتسعى إلى تدميره ، هو الاسم الكودي لـلإسلام .
(David Van Biema, Should Christians convert Muslims. June 22, 2003)
(2)
" الإنجيليون " هم أحد هذه المنظمات الكنسية النشطة العاملة في العراق ؛ يقول " دافيد بيما " ممتدحًا هذه المنظمة : " هناك من بين المنظمات الكنسية منظمة هامة ، جيشها بلا سلاح ، و جنودها متطوعون ، و معسكراتها عبارة عن فصول دراسية " ، يدَََّعي " بيما "- بطريقة مكشوفة - بأن هذه الجماعة متعاطفة مع المسلمين ، و أنها ليست على صلة بالحكومة الأمريكية ، إلا في هذا التصور الرديء غير العمدي للولايات المتحدة . لكن " بيما " يعترف صراحة بأن الإنجيليين دخلوا إلى المناطق المحررة في العراق ، تلك التي احتلتها القوات الأمريكية بغرض تحويل أهلها إلى النصرانية .
يعتقد " الإنجيليون " أن الحاجة المادية للمسلمين ، و ما يفترض أنه الحاجة الروحية هي التي أقنعتهم ، أن الشعوب الإسلامية هي واحدة من الشعوب العظيمة التي لم تصلها ، و يجب أن تصلها كلمة " الإنجيل " ، كما يعتقدون - أيضًا - أن بلاد المسلمين هي آخر المناطق الساخنة ، التي يجب أن تصلها كلمة المسيح ( عليه السلام ) .
و من المعروف أن الرئيس " بوش " يقف خلف المنظمات الإنجيلية بصفة خاصة ، و المنظمات الكنسية بصفة عامة . كما تؤيّد و تدعّم المنظمات الإنجيلية - مثل الجمعية المعمدانية الجنوبية ، و جمعية مساعدة العالم وغيرهما - ذهاب أعضائها إلى العراق .
يقول المتحدث الرسمي باسم الهيئة الأمريكية للتنمية الدولية ، في تصريح أدلى به لموقع " بيتيفنت " : " إن الحكومة الأمريكية لا تفرض أية رقابة على منظمات الإحسان " . صرح مسئول عسكري عالي المستوى ، لمجلة " التايم" أن للرئيس" بوش" " علاقات مُحكمة مع المنظمات المسيحية ، و أنه يؤيد جهود الإحسان القائمة على أساس مسيحي ، و القول بأن البيت الأبيض لا يشجع منظمات المساعدة المسيحية على العمل في العراق – قول يفتقد إلى الدقة " . أما " فرانكلين جراهام " فيقول : " إن إدارة بوش هي المموّل الأساس لأعمال المساعدات و التبشير بالإنجيل ، للأمة الجديدة المحررة " . و يقصد بهاالعراق و أفغانستان .
جاء في مقالة نشرها موقع " جلوبال وانس " ، بعنوان : " الأمريكيون يخططون لتحويل العراقيين إلى المسيحية " الآتي :
1- إن المنظمات و الإرساليات الكنسية تعمل بالتعاون مع الجنرالات الأمريكيين ، على تحويل المسلمين - الذين يتعرضون لمواقف صعبة في العراق - إلى المسيحية . و إن هذه المنظمات و الإرساليات تلقى التأييد والحماية من هؤلاء الجنرالات ، الذين يمدّون أعضاءها بالسكن الملائم ، و يجعلون نقطة انطلاقهم للعمل الكنسي من القواعد العسكرية .
2- أينما يذهب الجيش الأمريكي إلى قرية أو مدينة عراقية ؛ للتفتيش ، أو للتدمير ، أو للغارات الليلية ؛ يتبعه الكنسيون ، و معهم المنشورات و الكتيبات التي تثني على المسيحية ، و تحتوي في نفس الوقت على مادة مُعادية للإسلام تقدم للعراقيين .
3- يعتمد الجيش و المنظمات الكنسية على خطة ، تنُمُّ عن فهْم دقيق لما يُسمونه بثقافة المجتمع العربي التقليدي الذكوري ، الذي يقوم على قوامة و مسئولية الذكور الكاملة عن الأسرة ؛ فالذكر في الأسرة العربية التقليدية ، هو السند و الداعم الأساس لها ؛ لذا يقوم الجيش الأمريكي باعتقال الذكور أو قتلهم ؛ و بالتالي فصلهم عن الأسرة ؛ و هنا ينفرد الكنسيون بالنساء و الأطفال و غير القادرين ، و يُمدونهم بالمال و المأوى و الطعام ، مقابل الارتداد عن
الإسلام .
4- لا يسمح الجيش الأمريكي مطلقا لمنظمات الإغاثة الإسلامية ، أن تقترب من هذه المناطق التي احتلتها و شغلتها المنظمات الكنسية ، و التي يلصق بها تهمة الإرهاب ، باسثناء هذه المنظمات الإسلامية ، التي تخاطر بالعمل في العراق ، و التي يُديرها الجيش الأمريكي و الحكومة العراقية .
و كشف " بيما " في مقالته التي أشرنا إليها سابقا ، عن بعض أبعاد هذا التحالف الكنسي العسكري على النحو التالي :
1- إن منظمة " بي بي إم " - و هي منظمة أصولية مسيحية - أمدت وحدة حاملة الطائرت الأمريكية " 101 إس تي " في موقعها بفورت كانبل بولاية كنتاكي ، و المنتشرة حاليًا في العراق - بآلاف الطبعات العسكرية التي تحتوي على الدراسات اليومية عن الإنجيل ، و تقع هذه الدراسات في كتاب ، يتكون من 496 صفحة ، مقاس 6×9 ، و يحتوي الكتاب على 366 تعليقا يوميًا تعبديًا ، و خرائط ، و رسومًا بيانية ، و معلومات إضافية .
2- قال " رينيه ليلانوس" - الضابط المفوِّض المسئول في الوحدة المذكورة - : " إن جنود الدوريات الذين يتجولون في الشوارع العراقية ، يحملون معهم هذه المطبوعات ؛ بغرض تنصير السكان المحليين . إن وحدتنا مستعدة للتوجه إلى أفغانستان ، و سيحمل جنودنا هذه المطبوعات معهم ، إننا جميعا في حاجة لأنْ نصلي من أجل هؤلاء الجنود ، و نصلي لله أن يفتح لنا الأبواب ، إننا في مواقع استراتيجية من أجل هدف محدد ، هو نشر كلمة الإنجيل " .
3- أكد " كارين هاوكنز" - أحد مسئولي المنظمات الكنسية - أنّ الوُعَّاظ العسكريين المسيحيين ، يحثون الجنود على نشر كلمة المسيح بين السكان المحليين .
4- إن ملايين الدولارات تحولت إلى مساعدات ، و ساعات لا تحْصى من العمل الإحساني ، وفرتها المنظمات و الإرساليات الكنسية ، في أعقاب دخول القوات الأمريكية إلى العراق و أفغانستان .
(3)
" معمر عناد " مواطن عراقي من أهل " الفالوجة " - و من المعروف أن غالبية سكانها من أهل السُّنة – تلك التي كانت مسرحًا لهجوم دموي شرس ، شنّه الأمريكيون عليها في عام 2005 ؛ لدَحْر ما أسموه بـ " التمرد السُّني " . و بعد أن أحكم الأمريكيون قبضتهم على المدينة ؛ أقاموا على حدودها حرسًا من المارينز ، يفحص البطاقات التي تؤكد لهم أن كلّ من يدخل إلى " الفالوجة " هو من أهلها . قدّم " معمر" بطاقته إلى الجندي الأمريكي ،
فيُخرج من جيبه عملة معدنية ، و يضعها في يد " معمر" ، الذي يتناولها على خوف منه ، و لمّا يسمح له بالدخول ؛ يُعطي " معمر " هذه العملة ، لشاب جامعي من سكان بلدته ؛ ليعرف حقيقتها ؛ يقرأ الشاب ما هو مكتوب على وجهي العملة ؛ فإذا به آيتان من آيات الإنجيل مكتوبتان باللغة العربية ، تتحدثان عن المسيح المخلص .
أدرك " معمر" أن الأمريكيين يسعَوْن إلى ارتداد المسلمين عن دينهم ، و تحوّلهم إلى المسيحية ، يروي " معمر" الواقعة لأقاربه ؛ فيخبرونه أن الأمريكيين أعطوهم مثلها . يلتف أهل البلدة في السوق حول جماعة من الناس ، كانوا يتحدثون في أمر هذه العملة ، كان كلّ واحد منهم يسأل الآخر : " هل أعطاك الأمريكيون مثل هذه العُملة ؟! " .
أضاف القادة السّنيون في محاولتهم تفسير أسباب ما فعله الأمريكيون ، بُعدًا آخر غير البُعد التنصيري ، ألا و هو محاولة إثارة الفتنة بين المسلمين و المسيحيين في المدينة .
أجرى " ناجي و ليليان " - و هما الكاتبان اللذان رَوَيَا أحداث هذه الواقعة ، في صحيفتهما " ماك كلاتشي" - مقابلات مع سكان " الفالوجة " ؛ في محاولة للتعرُّف على آثار واقعة توزيع العملة عليهم ؛ حصر السكان القضية كلها في كلمتين هما : << الضعف والإذلال >> ؛ و استدلوا على ذلك بتزامُن حدوث واقعة العُملة ، مع واقعة استخدام أحد الجنود الأمريكيين للقرآن كهدف للرمي ، حيث اخترق فيها الرصاص صفحات القرآن الكريم ؛ فأحدث فيه أحد عشر ثقبًا .
(Jamal Nagy and Leila Fadel, Iraqis claims Marines are pushing Christianity in Fallujah, McClatchy Newspaper, May, 28, 2008 .
لم تكن هذه الواقعة محض ادعاء ، كما قال الكاتبان السابقان ؛ فقد كتب " نيكي دبليو" في اليوم التالي لمقال " ناجي و ليليان " مقالة له بعنوان : " جنود أمريكيون يحاولون تحويل المسلمين إلى المسيحية " - يقول : " إن الأمريكيين يقولون : إن هذه الآيات المكتوبة على وجهي العملة ، هي آيات يعرفها المسيحيون جميعهم ، بأنها الآيات التي خلصت أرواحهم ، لكنّ هذه الآيات نفسها ، هي التي قدمها جنود المارينز إلى العراقيين " . و ما لم يذكره " نيكي " هو أن هذه الآيات مكتوبة بالعربية ، أي أنها موجهة للعراقيين ، و ليس للجنود الأمريكيين . هذا بالإضافة إلى أن " مايك إبشو" - المتحدث باسم قوات الحلفاء - قد صرّح بأنّ مرتكب هذه الواقعة فرد واحد و أن التحقيق جارٍ . و هذا إقرار بحدوث الواقعة بغض النظر عن مرتكبيها .
Nikki w (Karate blossom), American Soldiers Trying to convert Muslims to Christianity in Iraq, May 29, 2008)
أكّد " ناجي و ليليان " كذلك ، أن الجيش الأمريكي يُجري تحقيقا حول الواقعة ، و أن " باتريك دريسكول " - المتحدث باسم الجيش الأمريكي - بعث برسالة إلى صحيفتهما ، قال فيها : " إن قانون الجيش الأمريكي ، يمنع قيام جنوده بأي دعوة إلى أي دين ، أو معتقد ، أو شعيرة " . غير أن الواقع يُثبت أن هذه القوانين حبر على ورق ، و ما ذكرناه سابقا ، يثبت أن تأييد " بوش " و تدعيمه لدور المنظمات الكنسية عمومًا - هو الأصل ، كما أن البنتاجون نفسه يدعم هذا الدور الكنسي ؛ بدليل أن كتاب الدراسات اليومية عن الإنجيل ، و المتوافر في وحدة حاملة الطائرات 101 إس تي ، يحمل شعار الأفرع الخمسة للقوات المسلحة الأمريكية . و يقول الباحثون إن هذا من شأنه أن يُعطي انطباعًا ، بأن هذه المطبوعات يتم طبعها تحت حماية البنتاجون ، بالرغم من أنه كان قد أنكر علمه ببعض الوقائع الخاصة بتعمد تنصير العراقيين .
و تعتبر الاعتذارات سواء من الجنرالات العسكريين ، أو من الرئيس " بوش " نفسه ، وسيلة تقليديية لتهدئة الأمور ، عند اكتشاف الوقائع التي تظهر على السطح ، حقيقة هذا التحالف الكنسي العسكري ، و غالبًا ما تأخذ هذه الاعتذارات طابعًا تمثيليًا ؛ مثال ذلك الاعتذار الذي قدمه الجنرال " جيفري هاموند " ، عند اكتشاف واقعة توزيع العملة على أهل السنة في
" الفالوجة " ، يقول لقادتهم : " لقد جئتُ إليكم طالبًا الغفران ، إنى أنظراليوم إلى عيونكم بكلّ تواضع ، و أقول لكم : من فضلكم سامحوني ، و سامحوا جنودي " . و استكملت فصول هذه المسرحية أولاً : عوقب الجندي الذي قام بذلك ، بمكافئته بالإعفاء من الخدمة في العراق . ثانيًا : إصدار التصريحات التي تحاول أن تخفي حقيقة هذا التحالف ؛ هذا " ميكي وينستن " رئيس هيئة " ووتش دوج " للحريات الدينية العسكرية ، يقول : " إن عدم التسامح الديني بين الأفراد العسكريين ؛ يستدعي تحقيقا فيدراليًا ، إن الأحداث التي صدمتنا عن تصرفات الجنود الأمريكيين في العراق وأفغانستان ، باستخدام القرآن كهدف للرمي بطريقة مؤلمة ، أو استخدام العملات المعدنية ، و توزيع الكراسات الدينية ، و بعض المواد الهزلية التي تهزأ بالإسلام و المكتوبة بالعربية - تمسّ الأمن القومي لقواتنا المسلحة " .
إن ما أسماه " وينستن " بعدم دستورية التصرفات الهادفة لتنصير المسلمين ، أو ما أسماه بالتجاوزات الصارخة لقوانين وزارة العدل الأمريكية ، و قوانين الهيئة الدينية العسكرية ، و التي سيعاقب من قاموا بها ؛ لعدم إطاعتهم الأوامر الصادرة في هذا الشأن ، يدخل - أيضًا -تحت مظلة الاعتذارات المصطنعة لتغطية عملية التنصير ، فهو نفسه يعترف ، بأن محاولات تنصير المسلمين ، قائمة منذ عدة سنوات مضت في العراق و أفغانستان ، و يعترف كذلك بأن نشاط الجنود الأمريكيين في تنصير المسلمين ، بدأ فور غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003.
في عام 2004 ، ادّعى " ستيف مايكل " - و هو واعظ عسكري - بأن العراقيين شغوفون بالتحول إلى النصرنية ، و أنه حاول تحويل اثني عشر منهم إليها ، هذا الأمر في حد ذاته - كما يقول " وينستن " - انتهاك دستوري واضح . أقر" مايكل" بأنه كان يُقدم إلى العراقيين مطبوعات دينية مكتوبة باللغة العربية ، و اعترف - كذلك - بأنه لو كانت لديه أناجيل كافية باللغة العربية لقدمها إليهم ، و أنه كان يقوم بمهمة تنصير العراقيين ، وهو يقدم إليهم الطعام ، من المطعم الخاص بوحدته العسكرية ، كما أنه قدّم الأناجيل العربية إلى سكان قرية " الدور" و هي قرية يسودها أهل السنة .
كما تشير تقارير أخرى إلى أن بعض الكتب المسيحية الهزلية ، قدِّمت للأطفال العراقيين ، طبعتها عدة دور نشر أهمها " مطبوعات شيك " ، هذه الكتب الهزلية مطبوعة بالعربية و الإنجليزية ، و تحتوي على صور للنبي محمد ( صلى الله عليه و سلم ) ، و تقول إن النبي محمدا ( صلى الله عليه و سلم ) و المسلمين سيحترقون في النار ؛ لأنهم لم يقبلوا المسيح ( عليه السلام ) كمخلص لهم . و يقول المسئولون عن موقع " شيك " على الإنترنت : " إن مطبوعاتهم مطلوبة من المسلمين ، لكنّ تقديمها إليهم ، قد يترتب عليه تعريض الجنود الأمريكيين للخطر ، أو إثارة مشاعر القيادة المسلمة " . وقد رفض متحدث باسم " شيك " أن يعلق على هذه القصص الهزلية التي وُزّعت على العراقيين .
و ما يؤكد أن التصريحات بعدم دستورية ذلك ، أو أن القونين العسكرية تحظر على الجنود القيام بمثل هذه التصرفات ، الهادفة لتنصبر المسلمين ، هو مجرد غطاء تستمر تحته عمليات التنصير - هو أن جنود حاملة الطائرات 101 إس تى في العراق ، أكدوا أنهم سوف يستمرون في جهودهم التنصيرية ، ما لم تصلهم تعليمات بالتوقف عن ذلك . كما أن " لانوس "
- الضابط المفوض الذي أشرنا إليه سابقا - قال : " إن هناك ألفي نسخة من الطبعة العسكرية للإنجيل ، أرسلت إلى الوحدة المذكورة آنفا ، و أنها سوف توزع فورًا على العراقيين " .
و يُضاف إلى ذلك أن أحد المواقع الكنسية ، أشار إلى أن هناك ثلاثين ألف نسخة من الكتب التنصيرية ، وُزِّعَتْ على الأفراد العسكريين ستأخذ طريقها إلى العراقيين .
(Jason Leopold, US soldiers launch campaign to convert Iraqis to Christianity, Counter Current.Org.)
(4)
المسألة إذا ليست مجرد تحالف عسكري- صناعي ، اجتمعت فيه القوى العسكرية مع القوى الرأسمالية الصناعية ؛ للسيطرة على بلاد المسلمين و مقدراتهم ، و إنما هو تحالف اجتمعت فيه مختلف القوى ؛ لقهر الإسلام و إذلال المسلمين ؛ فتحْتَ مظلة القنابل و المدافع و الصوارخ ينهب الرأسماليون خيرات البلاد ، و يقوم الكنسيون بضرب ثقافة المسلمين ؛ يقول الكنسيون : " إن تجربة قرنَيْن مَضَيَا من التنصير فى العالم الإسلامي ، بيّنت للكنائس أن الحماس المتدفق للإرساليات ، يستقر مع الزمن على أجندة معتدلة ، تضع فى اعتبارها القوانين المحلية و ظروف البلاد ، و تتجه فى النهاية إلى التركيزعلى بناء مؤسسات تعليمية مسيحية ، تضرب بجذورها فى ثقافة المسلمين ، هذا بالإضافة إلى إمداد فقراء المسلمين بالمساعدات الإنسانية و الصدقات . لقد أثبتت هذه التجربة ، أن الوجود التنصيري القائم على هذه الجهود ، هو الأكثر استمرارًا ، و الأكثر تمتعًا بالاحترام ، و هو الأكثر ثمرة من غيره من الجهود " .
و لهذا أخذت المنظمات و الإرساليات بما يُعرف بنظرية " الخيام " أو " صانع الخيام " و تعني هذه النظرية : " أن تعظ بالإنجيل فى كلّ وقت ، حينما يكون ذلك ضروريًا . تعني - أيضًا - أن تكون صديقا للمسلمين ، و ألا تبلغ الإنجيل بطريقة مباشرة ، عليك أن تنشئ مشروعات تتعامل معهم عن طريقها ، أن تتحدث معهم عن الرياضة ، و عن الضرائب ، و عن الأطفال ، أن تشاركهم أعيادهم . تعني ألا تخفي معتقدك المسيحي ، لكن عليك ألا تضغط به
عليهم " .
استوحت هذه المنظمات نظرية " الخيام " ، من الطريقة التى كان يتعامل بها من يُسمونه بالقديس" بولس" ، مع سكان البحر المتوسط ؛ كان يُقدم لهم الإنجيل بطريقة غير مباشرة ، كان يعمل بالتجارة ، و يقدم خدماته للناس بصورة يومية ، فى شكل مساعدات و أعمال تنموية ، يفتقد فيها السكان إلى الخبرة الكافية . كما استوحت هذه المنظمات من أعمال " بولس" ، العديد من الطرق التى يدخلون بها إلى المسلمين ، و وضعت تصوراتها في هذا الشأن على مواقع الإنترنت ، و ضربت أمثلة لذلك بأعمال الهندسة الميكانيكية ، التي دخلت بها إلى مدينة عربية لم تحددها ، و أعمال مبيعات الكمبيوتر فى بلد إسلامي لم تحدده ,
و تدريس إدارة الأعمال التى دخلت بها إلى " قيرقيزيا " . هذا بالإضافة إلى الأسواق الخيرية و برامج تعليم الإنجليزية . و قد قام أحد أعضاء هذه المنظمات بضرب مثال ، بقيامه بحمل صندوق به أدوات ، يؤدي بها خدمات إلى سكان مسلمين ، بطريقة بشوشة ، بالقرب من أحد المساجد .
أظهرت خبرة العمل التنصيري ، أن بعض السِّريَّة فى التنصير قد يكون غير ضروري ؛ يقول " دافيد إنجلسن " - المدير التنفيذي لما يُعْرَف " بهيئة المساعدة الخيامية " - : " إن العمل التنصيري فى السعودية - و هي من أكثرالبلاد ذات الغالبية المسلمة - ممكن ، حتى
و أنت تشغل بها وظيفة عادية ، فإذا سألك السعوديون عن ديانتك ، فأنت حرٌّ تمامًا فى أن تشرح لهم معتقدك ، صحيح أن القانون يمنع الارتداد عن الدين ، لكنه غير فعّال ، و هناك خبراء فى التنصير ، يرون أن القادة المحليين ، قد يسمحون لك بأن تعظ بدينك ، بطريقة غير رسمية ، مقابل الخبرة الغربية التي تقدمها لهم فى مجالات أخرى " .
و قد عبّر " ديريل أندرسون " بوضوح عن الارتباط بين المنظمات الكنسية و الحكومة الأمريكية ، بقوله : " إن علينا أن ننفذ داخل المنطقة التي تعمل فيها حكومتنا ، فالكلّ يرى أن حكومتنا ذات نفاذ إيديولوجي ، و هنا تتوفر لدينا الحرية لإنفاذ نصرانيتنا " .
--------------
دكتور أحمد إبراهيم خضر
دكتوراة في علم الاجتماع العسكري
الأستاذ المشارك بجامعات القاهرة، والأزهر، وأم درمان الإسلامية ، والملك عبد العزيز سابقا .
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
18-08-2008 / 14:33:40 ابو سمية
الموقف معروف، وهو غض الطرف بسبب الخوف من المنظمات الغربية
يا اخي حنبعل موقف الحكام العرب من انشطةاالتمدد المسيحي وعمليات التنصير ببلدانهم، معروف
الموقف يتمثل في غض الطرف والتجاهل، اما تعمدا واما خوفا من ردود فعل المنظمات الدولية التي يعملون على ارضائها ومراعاتها قبل مراعاة قوانين بلدانهم التي يفترض انها تمنع هؤلاء المنصرين من ان يتواجدوا ببلدانهم فضلا على ان يقوموا باعمال الدعوة للمسيحية بين المسلمين
18-08-2008 / 10:34:25 حنبعل
لم يذكر الكاتب موقف الحكام العرب من الهجمات الوثنية المنظمة من اعلى الهيئات الغربية على اطفال وفقراء المسلمين، او ربما الامر لا يهمهم بل تهمهم اخبار الكازينوهات الجديدة، المواخير الراقية، اخبار من يخالفهم الراى، ايداع الاموال المنهوبة من شعوبهم باكثر الحسابات سرية، التأكد من ان اسيادهم الغربيين راضين عنهم...
18-08-2008 / 14:33:40 ابو سمية