(13) المسلمون والعرب فى الجيش الأمريكى .. الولاءُ لمَنْ ؟!
د / أحمد إبراهيم خضر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8924
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هناك خمسة عشر ألف جنديّّ مسلم يخدمون حاليًا في القوات المسلحة الأمريكية، منهم ثلاثة آلاف و خمسمائة أصلهم عربيّّّ . و تبيِّن الوثائق التي استند إليها " راي حانانيا " إلى أنَّ هناك اثني عشر ألف جنديّّ عربيّ ، كانوا قد خدموا في الجيش الأمريكيّّ في الحرب العالمية الثانية . و تُشير كتابات أخرى إلى أنَّ الأمريكيين العرب ، حاربوا إلى جانب الولايات المتحدة منذ عام 1776م ، و أنَّ أول جنديّ عربيّ مات في حروب استقلال أمريكا ، كان مهاجرًا سوريًّا قتِلَ في 23 من مايو عام 1776م .
يحرص البنتاجون حرصًا شديدًا ، على ضمِّ الأمريكيين العرب إلى صفوف قواته المسلحة ؛ نظرًا لأهمية الدور الذي يمكن أنْ يقوموا به لخدمة أهدافه ؛ يقول البريجادير جنرال " أنتوني كوكولو" أعلى مسئول عسكريّّ للشئون العامة و الاتصالات في البنتاجون : " الجنود الأمريكيون العرب عامةً ، و المترجمون منهم بصفة خاصة ، جنَّبُوا الوحدات العسكرية الأمريكية الوقوع في العديد من الأخطاء في حرب العراق ؛ إنهم يُترجمون و يُفسِّّرون معلومات هامة للغاية ، تفيد هذه الوحدات ؛ كما قام هؤلاء الجنود ، بفَتح عَلاقات مع قيادات القرى
و القبائل العراقية ، لا يستطيع غيرهم القيام بها ؛ بسبب معرفتهم بلغة و ثقافة العراقيين ، و بالإضافة إلى ذلك ، ينفرد هؤلاء الجنود بالقيام بأدوار تمثيلية ؛ كقادةٍ للقرى و القبائل العراقية في مركز تدريب " صحراء موهافي " بولاية " لويزيانا " ، الذي بُنِيَتْ فيه قرى و مراكز حضرية ، شديدة الشبه بمثيلاتها في العراق ؛ يتم فيها تدريب الجنود الأمريكيين الذاهبين إلى العراق ، على التفاعل مع البيئة العراقية الحقيقية " .
و يكشف " كوكولو" بِجَلاءٍ ، أنَّ الولايات المتحدة لا تمنح الإقامة بها لأحد ، دون أنْ يدفع الثمن ؛ يقول " كوكولو" للأمريكيين العرب ، و هو يدعوهم إلى الانضمام للجيش الأمريكيّ : أنهم طالما يتمتعون بالحرية في الولايات المتحدة ؛ فعليهم الدفاع عَنْ هذه الحرية . إنَّ هذه العبارة وَحْدَها ، كفيلة بتفسير السبب الذي مِنْ أجله تمنح الولايات المتحدة ، آلاف بطاقات الإقامة للشباب مِنْ مختلف دول العالم ، عَنْ طريق القرعة ، فلوِ افترضنا أنَّ السبب الظاهر هو مَلْءُ الفراغ السكاني ، الناتج عَنِ السياسة السكانية للشعب الأمريكيّ ، الذي يقتصر في إنجابه على عددٍ محدودٍ جدًّا مِنَ الأطفال ، فإنَّ النظرة الأكثر عُمْقًا ، تكشف لنا أنَّ هذه السياسة السكانية قد أدَّتْ - مع إلغاء التجنيد الإجباريّ في عهد الرئيس" نيكسون " - إلى نضوب المورد البشريّّ الدائم اللازم للجيش الأمريكيّ ؛ و مِنْ ثَمَّ اعتمدتِ العسكرية الأمريكية اعتمادًا بالغًا على القوة التكنولوجية ؛ تعويضًا عَنْ هذا النقص البشريّ . إنَّ هذه الملايين التي تعيش ليل نهار في كلِّ بقعة مِنَ العالم - في الحُلْم الأمريكي ، و تَتُوق إلى الحياة و العيش في أرض الميعاد الأمريكية - هي التي تصلح أنْ تكون وَقُودًا للحرب ، و تحقق أهداف صُنَّاع هذه الحرب مِنَ الرأسماليين الصناعيين ، و العسكريين ، و رجال البنوك ، و أصحاب شركات النفط . إنهم في نَظَرِ صُنَّاع الحرب " مُلَوَّنون " ، و أول مَنْ يجب أنْ يَدْفع ثمن إقامته في أمريكا ، و لو كان الموت دفاعًا عَنِ الذين أَتَوْا به إليها ، أما الأمريكيّ الأبيض ، فيجب أنْ يكون هو آخر مَنْ يُِدْفَعُ به إلى الموت ، و لا مشكلة عند صُنَّّاع الحرب أنْ يموت أمريكيّ أبيض في الحرب مِنْ أجلهم ، طالما أنه اختار الانضمام للجيش ؛ لعَجْزِهِ عَنِ الدخول في حلبة المنافسة الحرة ، التي هي أساس الرأسمالية الأمريكية ؛ و هنا يتساوى هذا الأبيض ، مع غيره مِنََ الجنود السُّود ، و الريفيين ، و النساء الذين يبحثون عَنْ مورد سهل للعيش ، مُمَثّّلاً في الجيش ؛ فالبقاء للأصلح في عُرْفِ هؤلاء الرأسماليين الكبار .
و لا يُعَوِّلُ الأمريكيون كثيرًا على الجيل الأول مِنَ المهاجرين ، الذين لا يزالون يحتفظون ببعض خصائص سمات ثقافتهمُ الأولى ، إنما يعوِّلون على أبنائهم و أحفادهم ، الذين تكون الثقافة الأمريكية قد صبغتهم تمامًا بصبغتها ،على حساب ثقافة آبائهم ، و ما الجنود المسلمون الأمريكيون إلا أبناء هؤلاء المهاجرين ، الذين قَدِمُوا إلى الولايات المتحدة ووُلِدَ أبناؤهم بها ، و أصبحوا جزءًا مِنْ ثقافتها .
السؤال هنا : حينما يلتحق الجنود المسلمون - طوْعًا - بالجيش الأمريكيّ ، و يحاربون في العراق ، و أفغانستان ، و الصومال ، و يذهبون تحت أيّ شعار آخر إلى مناطق المسلمين ، في الفلبِّين ، و كوسوفو ، وغير ذلك مِنْ بلاد المسلمين ، يكون ولاؤهم لمَنْ : أ للدين و أهله ( أي للإسلام و المسلمين ) ، أم للوطن و أهله ( أي للولايات المتحدة و الأمريكيين ) ؟! ليس هناك مِنْ بديل ثالث : إما الإسلام أو الولايات المتحدة ! فمصلحة الإسلام ليست هي مصلحة الولايات المتحدة ، و قواعد ثقافة الإسلام ، و ما ينبثق منها مِنْ عادات و تقاليد و أخلاق ، ليست هي قواعد الثقافة الأمريكية ، و ما ينبثق منها مِنْ عادات و تقاليد و أخلاق ، و الفخر و الاعتزاز برموز ثقافة الإسلام ، ليس كالفخر و الاعتزاز برموز الثقافة الأمريكية ؛ فالإسلام لا يقبل مِنْ مسلم أمريكيّ أو عربيّ أو غير ذلك ، أنْ يَنْحَنِيَ تبجيلاً ، و اعتزازًا ، و احترامًا ، و صمتًا ، و سلوكًا ، لعَلَمٍ يُعْتَبَرُ رمزًا لأمة ، لا تعترف بالإسلام دِيْنًا ، و بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًا و رسولاً ، أو بشريعة الإسلام كمنهج للحياة ، فالتعظيم و التبجيل لا يكون إلا لله وَحْدَهُ .
الواقع هو أنَّ المسلمين الأمريكيين ، اختاروا طريق الوطنية ، أو ما أَسْمَوْهُ بـ " حُبِّ الوطن" ؛ إنَّ التحاقهم – طوعًا - بالجيش الأمريكيّ حَسَمَ مسألة الولاء . علماء الغرب مِنْ دارسي مسألة الوطنية Patriotism ، اتفقوا على أنَّ الالتحاق بالخدمة العسكرية ، و الاستعداد للموت مِنْ أجل الوطن ، هو أعلى مراتب الوطنية ، الوطنية كما يراها هؤلاء الدارسون ، هي التأييد الإيجابيّ للوطن ، و الفخر بأرضه ، و تاريخه ، و شعبه ، و إنجازاته ، و الاعتزاز بثقافته ، و ما تحتويه مِنْ عادات و تقاليد ، و الرغبة الأكيدة في الحفاظ على قواعد هذه الثقافة . إنها التوحُّّد مع أبناء الوطن الآخرين ، و هي قبول إيديولوجية الوطن ، على أنها صالحة و مرغوب فيها ، و النظرة إلى الوطن على أنه قيمة أخلاقية في حدِّ ذاته . فهذا هو الضابط البحريّ الأمريكيّ " ديكاتورثي" ، يرى أنَّ الوطنية تعني أنْ يضع المواطن مصالح الوطن ، فوق مصالحه الشخصية ، و مصالح جماعته ، و أنْ يكون مستعدًا للتضحية بحياته ، مِنْ أجل مصالح هذا الوطن .
هذا هو ما فعله الأمريكيون المسلمون ، فقد أكَّدوا الولاء لأمريكا وَحْدَها ، و أعلنوا أنهم يحاربون في صفِّ الولايات المتحدة ، طالما أنها في حرب مع ما تُسَمِّيهم بالإسلاميين المتطرفين ، الذين يهددون الاستقرار في العراق و أفغانستان.
و حقيقة الأمر أنَّ هذا المبرر ، و هو قتال ما يُسَمُّونهم بالإسلاميين المتطرفين ، ليس هو السبب الحقيقيّ لانضمام الجنود المسلمين و العرب ، إلى صفوف القوات المسلحة الأمريكية ، السبب الحقيقيّ هو تأكيد الولاء للولايات المتحدة ؛ و هناك دليلان يُثبتان ذلك :
الدليل الأول : ما كتبه " محمد الشناوي" بتاريخ 16 من فبراير 2007 م ، في موقع News V.A.com ؛ يقول " الشناوي : " لا زال الكثير مِنَ الجنود الأمريكيين العرب ، بعد أحداث 11 سبتمبر ، في حاجةٍ إلى أنْ يُبَرْهِنوا ، أنهم جديرون بأنْ يكونوا جنودًا في الجيش الأمريكيّّ ، و إلى تأكيد ولائهم للولايات المتحدة . لقد دفعت هذه الحاجة رقيب مشاة البحرية الأمريكية " جمال باعداني" ، إلى أنْ يُنْشِئَ جمعية خاصة للأمريكيين الوطنيين العرب ، سُمِّيَتْ اختصارا بـ " آبام " ، تهدف هذه الجمعية إلى تمكين الأمريكيين العرب ، مِنَ الوقوف بثبات و بقوة لإعلان أنهم " وطنيون" ، و توصيل هذه الرسالة إلى المجتمع الأمريكيّ الكبير ، و رَدْم الهُوَّة بين الأمريكيين العرب و الثقافة الأمريكية ، و أنهم وَحْدة واحدة مع الأمريكيين بِغَضِّ النظر عَنْ بُلدانهم الأصلية ، و أنهم ليسوا بإرهابيين ، و ليسوا أقل وطنية مِنْ أي جماعات أخرى في الولايات المتحدة . يقول " باعداني" : " إنَّّ هذه الجمعية تحاول أنْ تُبْرِزَ للأمريكيين ، أنه بالرغم ممَّا يقال عَنِ الأمريكيين العرب ، في أجهزة الإعلام ، فإنَّّ لهم إسهامات و تضحيات في سبيل الولايات المتحدة ، منذ حرب الاستقلال و حتى الآن ، مِنْ أصغر جنديّ عادي إلى الجنرال " جون أبي زيد " ، الذي قاد العمليات العسكرية لمدة أربع سنوات ، مِنَ القرن الأفريقيّ عَبْرَ الشرق الأوسط ، إلى جنوب و وسط آسيا " .
الدليل الثاني : هو ما جاء في نفس مقالة " الشناوى " ، و أشار فيه إلى الرسالة التي بعثها الرقيب الفنيّ المتقاعد " محمود اليوسف" إلى وكالات الأنباء الأمريكية ؛ يقول " اليوسف" في رسالته للأمريكيين : " إنني أمريكيّ مسلم ، و مثلي مثل أيّ شخص آخر ، لا أتفق مع سياسات حكومتنا ، لكني لا أتسرع في حُكْمِي ، لما علمتُ بأحداث 11 سبتمبر المروعة ؛ أعددتُ حقيبتي ، و كنتُ أنتظر أمر استدعائي ؛ لألبِّيَ نداء الواجب ، لماذا فعلتُ ذلك ؟! إني أريد أنْ تكون أمريكا آمنة ، و أنْ تكون هي الأفضل دائمًا ، و حينما يكون الأمر أمر ولاء ، فأنا أحمر و أبيض و أزرق ( إشارة إلى العَلم الأمريكيّ ) ، مثلكم تمامًا " . يقول " الشناوي " عَنِ " اليوسف" : " لقد تغيرت حياة " اليوسف " تمامًا بعد أنْ هاجر إلى الولايات المتحدة ، كلاجئٍ فلسطيني في عام 1977، لقد عُوْمِلَ باحترام و بكرامة ؛ فشعر بأنه يلزمه العرفان بالجميل للولايات المتحدة . حارب " اليوسف " حربًا قانونية ؛ للالتحاق بالقوات المسلحة الأمريكية ، و واجه صعوباتٍ شديدة ؛ بسبب أنه وُلِدَ في فلسطين ، و رغم أنَّّ شرط الالتحاق بالجيش الأمريكي ، هو أنْ يُوْلَدَ المتقدِّم في الولايات المتحدة ، فإنه نجح في التغلب على هذه العقبة ، بعد تدخُّل أحد رجال الكونجرس . كان " اليوسف" يُجِيد الألمانية
و الإنجليزية و العربية بطلاقة ، قبل أنْ يلتحق بالحرس الوطنيّ في أوهايو ، و الذي خدم فيه عشر سنوات " . و يُشير " الشناوي" إلى أنَّ الابن الأكبر" لليوسف " ، التحق بالجيش الأمريكي أيضًا ، و خدم في العراق . و يختم الشناوي مقالته قائلاً : " لقد حان الوقت للأمريكيين العرب في الجيش الأمريكيّ - شأنهم شأن العاملين في الوظائف المدنية - أنْ يقفوا بفخر و اعتزاز ، و يُعْلِنوا أنهم وطنيون ، مُحِبُّون للوطن ، و ولاءَهم للوطن ... " .
مِنَ المُسَلَّم به أنَّ التفكير الأمريكيّ تفكير عقلاني متقدِّم ، ينطبق عليه تمامًا أبرز تعريف للعقلانية ، و هي " ازدياد الحسابية في كلّ شيء" ، فكلُّّ شيء محسوب عند الأمريكيين ، و من المُسَلم به أيضًا أنَّّ الأمريكيين - تَبَعًا لعقلانيتهم هذه - يُقيمون مسارح خاصة ، لكلّ مجال يريدون فيه اتخاذ قرارات هامة ، في أمور تتعلق بالتعامل مع ثقافات مختلفة عنهم ، الممثلون في هذه المسارح ، هم عملاؤهمُ اللصيقون بالأهداف التي يتعاملون معها ، حيثُ يُطْلَبُ مِنَ العملاء أنْ يتصوَّروا ما الذي يمكن أنْ يحدث ، لو أنَّ الأمريكيين اتخذوا قرارًا هامًّا ؟ و يبني العملاء هذا التصور ، وَفقًا لعقلية و ثقافة الهدف المطلوب التعامل معه ؛ مثال ذلك في الماضي ما أشار إليه " كوبلاند " ، عندما قرَّر الأمريكيون سَحْب تمويلهم لقناة السويس ، و مَثَّّلَ " كوبلاند " في هذا المسرح السياسيّ شخصية " عبد الناصر" ، الذي كان وثيق الصلة به ، و مثاله في الحاضر ، هذه القرى و المراكز الحضرية التي أقيمت في صحراء " موهافي " ، و التي أشرنا إليها ، و كان الممثلون فيها لشخصية زعماء القرى و القبائل ، الجنود الأمريكيين العرب . و في ضوء هذا الفَهْم للعقلانية الأمريكية ، لا نستبعد وجود مسرح فكريّ ، يمدُّ فيه العملاء بتصوراتهم عَنِ القرارات التي يمكن أنْ تُتَّخَذ ، عند التعامل مع الثقافات غير الأمريكية ، و ليس هذا مُسْتَبْعَدًا في ضوء آلاف الدراسات المتوافرة عَنْ هذه الثقافات ، سواء تلك التي يُجْرِيها الباحثون الأمريكيون ، أو طلاب الدراسات العليا مِنَ العرب وغيرهم في الجامعات الأمريكية ، تلك التي تُمثل مادة استخبارية لا تكلِّف الأمريكيين دولارًا واحدًا ، فالبلاد التي يُبْتَعَثُ منها هؤلاء الطلاب ، هي التي تتحمل تكاليف هذه الدراسات ، وهي التي تُجْرِي الدراسات التطبيقية عليها ، و تصبُّ في صالح الأمريكيين أولاً و أخيرًا .
و يمكننا أيضًا - في ضوء فهمنا لهذه العقلانية الأمريكية - أنْ نفهم مسائل أخرى ، تهمُّنا في قضيتنا هذه ؛ أولاً : لماذا يسمح الأمريكيون بإقامة أماكن عبادة للجنود المسلمين ، داخل الثكنات العسكرية الأمريكية في العراق و غيرها ؟! يفهم البعض هذا التصرُّف ، بأنه مجاملة من قِبَل السلطات الأمريكية لجنودها المسلمين !!! لكنّّ الدكتور" محمد محمد حسين " ، كان منذ الستينيات مِنَ القرن الماضي ، قد وَضَعَ قاعدة هامة ، تمكِّّنُ مِنْ فَهْم مواقف الغرب من المسلمين ؛ يقول الدكتور" محمد محمد حسين" ما خلاصته : " إنَّّ تمجيد الغرب للإسلام ، يُقْصَدُ به خَلْقُ جوٍّ مِنَ الاطمئنان إلى نزاهته مِنْ ناحية ، و دَفْع المسلمين إلى مقابلة هذه النزاهة بمجاملة مثلها للقيم الغربية " ؛ و هنا نفهم أنَّّّ المقصود هو ، بيان نزاهة الأمريكيين في التعامل مع الإسلام ، و أنَّ المطلوب مِنَ الجنود المسلمين ، هو مقابلة المجاملة الأمريكية بمجاملة مِنْ قِبَلهم ، و ليس هناك أفضل مِنْ مجاملة تأكيد الولاء لأمريكا .
ثانيًا : لماذا تمنح الولايات المتحدة حق الإقامة - بيُسْرٍ شديد - لما تسمِّيهم في قوانين الهجرة الخاصة بها بـ " رجال الدين " ؟! رغم السياسة الأمريكية المعروفة فى الفصل بين الدين و الدولة ، فليس هناك مِنْ دليل على معارضة الحكومة الأمريكية للدين ، و يظهر ذلك في شعار" نحن نثق في الرب " ، المكتوب على العملة الأمريكية . و تشجع الحكومة الأمريكية إنشاء مذاهب دينية جديدة ؛ فالدين لديها أمر مقبول بصفة عامة ، و للديانات الجديدة حظ في هذا القبول . و " لإيزنهاور" عبارة شهيرة يقول فيها : " لنْ يكون لشكل حكومتنا أيّ معنى ، إلا إذا بُنِيَ مجتمعنا على مُعْتَقَدٍ ديني ، يشعر الناس به في عُمْق ، و لا يهمُّني ما هو هذا المعتقد ! " . لكنَّ التطبيق العمليّ الفعليّ ، يوضح أنَّ الأمريكيين لا يقبلون إلا الدين المُعْترف به رسميًا ؛ و تشهد بعض وثائق الكونجرس - قبل أحداث 11سبتمبر - باعتراف السلطات الأمريكية بدور الإسلام في تهذيب سلوكيات السُّجَناء المدنيين ، مِنْ هذا المنطلق يمكن فَهْم الأسباب التي تجعل السلطات الأمريكية ، تيسِّر مَنْح حق الإقامة و الجنسية لما تسمِّيهم بـ " رجال الدين " .
لكنَّ النظرة الفاحصة - للفتاوى التي أصدرها مَنْ تسمِّيهم الولايات المتحدة برجال الدين و الوُعَّاظ الأمريكيين المسلمين - عَنْ جواز التحاق المسلمين بالجيش الأمريكيّ ، و الاشتراك في المعارك القتالية التي يخوضها هذا الجيش في البلاد الإسلامية - تبيِّن أنه لا بُدَّ مِنْ ثمن يدفعه هؤلاء ، مقابل حصولهم على حق الإقامة و الجنسية في الولايات المتحدة ، هذا الثمن هو إصدار الفتاوى التي تخدم المصالح الأمريكية .
أصدر هؤلاء الوُعَّاظ الأمريكيون المسلمون ، فتاوى تؤكد على أهمية انخراط المسلمين في الجيش الأمريكيّ ؛ دفاعًا عَنْ بلادهم ( الولايات المتحدة ) ضد الإرهاب ! و تؤكد على ضرورة تقيد هؤلاء الجنود بالقوانين الأمريكية ، و أنه يجب عليهم الوقوف إلى جانب مواطنيهم الأمريكيين الآخرين ؛ لحماية أمن و مصالح بلادهم ، ضد هؤلاء الذين يُرْهِبون الأبرياء ، و يقتلون غير المحاربين دون سبب معقول ، و أنَّ عليهم أنْ يعتقلوهم و يسلّموهم للعدالة ،
و تؤكد هذه الفتاوى أيضًا ، أنَّّ على الجنود الأمريكيين المسلمين ، أنْ يشتركوا في كلّ المعارك ضد كلّ مَنْ ترى الولايات المتحدة أنهم إرهابيون ، كما تعطي هذه الفتاوى فرصة للجنود الأمريكيين المسلمين ، لحلِّ أيِّ صراع ينشأ داخل نفوسهم ، نتيجة لما يفعله الجيش الأمريكيّ مِنْ قَصْفٍ ، و دمار ، و تعذيب للمدنيين العراقيين ، بتطبيق قاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " ، و قاعدة " دفع أعظم المفسدتَيْنِ باحتمال أدناهما " .
تختلف هذه الفتاوى تمامًا ، عَنِ الفتاوى التي أصدرها علماء الإسلام في البلاد الإسلامية ، لقد حسم علماؤنا مسألة تَوَزُّع الولاء بين الإسلام و حُبِّ الوطن ، بقاعدة أساس مؤدَّاها :
" الحُبُّ الفطري مِنَ الإنسان للمكان الذي نشأ فيه ، أمر لا يتعلق به ذمّ شرعيّ ، ما لم يشغل عمَّا هو أولى مِنَ الطاعات ، و لا يمنع الإسلام مِنْ أنْ يحبَّ المسلمُ بلده و وطنه ، الذي عاش فيه و تربَّى ، لكنَّ المُنْكَر هو عقد الولاء و البراء عليه ، و جعل المحبة و البُغْض بسببه ،" فليس مَنْ ينتمي إلى بلدك و ينتسب إليها ، بأقرب إليك مِنَ المسلم في بلادٍ أخرى" ، فلا ينبغي أنْ يكون سبب المُوَالاة و المُعَاداة ، هو الانتماء للوطن أو عدم الانتماء له ، بل الولاء و البراء ، و الحُبّ و البُغْض ، ميزانها جميعًا الإسلام و التقوى ؛ فالنبيُّّ صلى الله عليه وسلم كان يحبّ مكة ؛ لأنها أحبُّ البلاد إلى الله ، و لم يكن ليحبَّّّ كفارها ، بل قاتلهم ؛ لمَّا حاربوا الدين ، و قاتلوا المسلمين ، و لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم و لا أصحابه رضى الله عنهم ، ليقدِّموا حُبَّهم مكةَ على شرع الله تعالى ؛ وعلى هذا لا يحلّ لمسلم ، أنْ تقع في قلبه محبة و مودة و موالاة لأعداء الله ، الذين هم أعداءٌ له في الواقع . و من مظاهر هذه الموالاة : إعانتهم و مناصرتهم على المسلمين ، و الانخراط في مجتمعاتهم ، و الانضمام إلى أحزابهم ، و تكثير سَوَادِهم ، و التجنُّس بجنسياتهم ( لغير ضرورة ) ، و الخدمة في جيوشهم ، و العمل على تطوير أسلحتهم ، و لا يجوز مظاهرة الكفار على المسلمين ؛ لأنَّ ذلك كُفر و رِدَّة ، و أجمع علماء الإسلام على أنَّ مَنْ ظاهر الكفار على المسلمين ، و ساعدهم بأيِّ نوع مِنَ المساعدة ؛ فهو كافر مثلهم ؛ كما قال الله تعالى : { يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } المائدة / 51 . ( انظر تفصيلاً فتاوى العلماء ،
في مسألة << الولاء و البراء >> ، في موقع " الإسلام سؤال و جواب " ، الأسئلة رَقْم : 2179- 34749 - 27211 - 67782-6484-33691-39344-3885-14335) .
و جُمْلَة القول إنَّّ الجنود الأمريكيين المسلمين ، هم ثمرة إقامة والديهم في الولايات المتحدة و هم ثمرة انصهار و امتزاج ثقافة والديهم بالثقافة الأمريكية ، و هم يمثلون جيلاً مختلفًا عَنْ هاتين الثقافتين ، و لكنه مُوَالٍ تمامًا لثقافة الغالب ، إنهم يَرَوْنَ الكمال في هذه الثقافة الأمريكية الغالبة ، و لهذا وَقَرَ في نفوسهم تعظيمها ، و انقادوا إليها ؛ لاعتقادهم هذا الكمال فيها ، على حسب وصف " ابن خلدون " . و هذا ما أكَّده الدكتور " محمد محمد حسين " بقوله : " إنَّ الغرب يحرص حرصًا شديدًا ، على تفاعُلِ الثقافة الإسلامية مع الثقافة الغربية ؛ لأنَّ هذا التفاعل ، سيصبُّ في النهاية لصالح الثقافة الغربية ، و بمقتضى هذا التفاعُل و الاندماج ؛ تتطور الثقافة الإسلامية ؛ لتصبح شيئًا مختلفًا عَنِ الثقافة الغربية و الثقافة الإسلامية ، إنَّ التفاعل بين الثقافة الإسلامية وغيرها مِنَ الثقافات ، كانت تحكمه في الماضي الضوابط المستمدة مِنَ الكتاب و السُّنَّّة ، أما تفاعُل اليوم ، فيحكمه منطق العصرية ، الذي يرى أنَّ ضوابط الماضي لم تَعُدْ تلائم ظروف العصر" .
إنَّّ ضوابط الكتاب و السُّنَّة - كما يقول المفكرون الإسلاميون - تُحَتِّم أنْ يكون القتال في سبيل الله ، و ليس لأيّ هدف آخر مِنَ الأهداف التي عرفتها البشرية في حروبها الطويلة ؛ كأنْ يكون قتالاً في سبيل الأمجاد و الاستعلاء في الأرض ، أو في سبيل مغانم ، و مكاسب ، و أسواق ، و خامات ، أو مِنْ أجل تسويد طبقة على طبقة ، أو جنس على جنس . القتال لا يكون إلا لتلك الأهداف المحدَّدة ، التي مِنْ أجلها شرع الله تعالى الجهاد في الإسلام . القتال لا يكون إلا لإعلاء كلمة الله في الأرض ، و إقرار منهجه في الحياة ، و حماية المؤمنين مِنْ أنْ يُفتنوا عَنْ دينهم ، أو أنْ يجرفهم الضلال و الفساد ، و ما عدا هذا ، فهي حرب غير مشروعة في حُكْم الإسلام ، و ليس لمَنْ يخوضها أجرٌ عند الله و لا مقام .
إنَّ أحد أسرار قوة الإسلام - كما يقول المفكرون الإسلاميون أيضًا - إنما تكمُن في قيامه على أساس العقيدة ، و إدراك أعدائه لذلك ؛ جعلهم يَسْعَوْنَ إلى توهين هذه القاعدة ، التي يقوم عليها و إضعافِها ، بحيث يمكن السيطرة على المجتمعات الإسلامية ، و استغلال مقدراتها و ديارها و أموالها ؛ و لهذا يشدِّد المفكرون و علماء الإسلام ، على أنَّ أمر هذه العقيدة لا رخاوة فيه ، و لا تَمَيُّع ، و لا يقبل أنصاف الحلول ، و لا الهزل ، و الاحتكام إليها ليس نافلة ، و لا تطوعًا ، و لا موضع اختيار .
وعلى هذا ؛ فليس أمام الجنود الأمريكيين المسلمين أنْ يختاروا ، أو يخلطوا بين منهج الإسلام في الحياة ، و منهج الأمريكيين في الحياة ؛ فليس هناك حلٌّ وَسَط ، و لا منهج بينَ بينَ ، و لا خطة نصفها مِنْ هنا و نصفها مِنْ هناك ، و إنما هناك حق و باطل ، هدى و ضلال ، إسلام و جاهلية ؛ و مِنْ ثَمَّّ يلزمهم اختيار طريق واحد لا غير : إمَّا طريق الإسلام أو طريق الولايات المتحدة .
------------------
د / أحمد إبراهيم خضر
دكتوراة في علم الاجتماع العسكري
الأستاذ المشارك ، وعضو هيئة التدريس السابق بجامعات القاهرة ، و الأزهر، و أم درمان الإسلامية ، و الملك عبد العزيز
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
13-06-2008 / 12:07:01 hannibal
و ما الغرابة في ان يقاتل هولاء المسلمين و هم يرون الحكومات المسلمة تتسابق لتقديم الدعم لامريكا في تقتيلها للمسلمين
فبنظر المسلم الامريكي هي حرب ضد ارهابيين متطرفين يهددون امن العالم و ما دعم قطر و الكويت و خاصة مهد الاسلام"دولة السعودية" الا دليل على دلك ,
و ادا كان رب العائلة نافخا مزمارا فلا تلومن الصغار على الرقص
13-06-2008 / 12:07:01 hannibal