د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 580
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الاستقلال والسيادة وعدم التدخل بعضنا في شؤون بعض هي المفاهيم المستوردة من الغرب التي نخرت عظام وحدتنا في الحكم والقرار والحرب والسلام والمناعة في الاقتصاد والتجارة والتحكم في ثروات بلادنا.
السيادة بمعنى عدم التبعية لأحد أو لجهة لحساب جهة أو أحد، مفاهيم مدسوسة، استعمارية تحطيمية. تصب في خانة الدول العظمى التي تريدنا في تبعية دائمة لها وحدها. الصين ضد استقلال تايوان وإيطاليا ناهضت شتات دويلاتها واتحدت وألمانيا استعادت وحدتها وأمريكا نفسها باتحاد ولاياتها الخمسين.. والأمثلة كثيرة، وكل دولة من دول الأمم المتحدة تقول عن نفسها أنها اتحاد أو متحدة أو عظمى أو فيدرالية. يوغسلافيا بجمهورياتها سابقا والاتحاد السوفيتي قبل تفكيكهما من قبل الغرب والإمبريالية الأمريكية.
الاستعمار نفسه قبل أن يتولانا قطع أوصالنا عن الخلافة العثمانية كإمبراطوية عظمى تهدد تمدده، بتحريض ولاياتها على الانفصال باسم السيادة والاستقلال، ثم بعث فينا كدول منفردة عدم التدخل بعضنا في شؤون بعض لكي يجد لنفسه المجال للتدخل في شؤوننا دولة دولة. ولا يزال هو الذي يتدخل في كل مرة لمنع قيام اتحاد المغرب العربي الكبير تحت أستار كثيرة وورث فينا العداوة باستقلاليتنا عن طريق النزاعات الحدودية واختلاف النظم الديمقراطية، بين الملكية والجمهورية، ولم يرحل من ديارنا قبل أن ينبت في أرضنا مفاهيمه التصديرية للديمقراطية المزيفة لتكون مدخلا لعيون مراقبيه وملاحظيه حتى تكون نتائجها لحساب عملائه وأعوانه في الأحزاب والقوائم التي تخدمه لتسويق تكون مفاهيمه ذات المكيالين في الحريات وحقوق الإنسان و حرية المعتقد والضمير ، وفي الوقت نفسه عملة مساومة للقروض والديون غير المسددة وتهريب أموال المفسدين الى خزائنه وبنوكه.
كل الدول الأوروبية اليوم وأمريكا وغيرها تقول إنها لا تتدخل في الشأن الليبي. وتقول ذلك الدول العربية المجاورة. هل مفهوم التدخل على لسان هذا هو التدخل نفسه على لسان ذاك؟ لا طبعا ولكن الواقع السياسي العالمي أصبح يفرض تدخل الأمم المتحدة وتدخل الاتحاد الأوروبي، وتدخل هذا الطرف وذلك الطرف إذا أخذ الضوء الأخضر بعنوان الوساطة أو بأي عنوان مشابه تحت ستار تنفيذ الشرعية الدولية أو قرارات الأمين العام للأمم المتحدة أو مجلس الأمن. ومثَلُ اعتراض السودان أخيرا على ممثل الأمم المتحدة جليّ من حيث من عدم القبول به الى أن تم الإذعان لإرادة رئيس الدولة.
وكذلك فرض العقوبات بأنواعها وما فيها من تجاوزات واستهتار بالمواثيق وتحكم بإرادات الدول والحكومات المعاكسة لهيمنة أمريكا هنا وهناك في آسيا وإفريقيا . ولا نخرج بدولنا الكثيرة - ما شاء الله - من ورطة الديمقراطية المغشوشة وعدم التدخل المزيف والاستقلالية والسيادة الزائدتان على اللزوم إلا بمراجعات حتمية لدساتيرنا لتكون لنا وحدة اتحادية أو فيدرالية على منوال الإمارات العربية المتحدة كمثال قريب منا: جيش واحد وخارجية واحدة وعملة مشتركة وتمثيل واحد. عندئذ تكون إسرائيل في حجم بعوضة وحماس دولة فلسطين في صلب اتحاد الدول العربية كمؤسسة أمة جديدة تأخذ مقعدها كصوت قوي وازن في الأمم المتحدة. ولا يكون معنى للحدود بيننا إلا كمعنى الحدود بين الولايات والجهات والأقاليم الإدارية الاعتبارية.
وما لم تعمّره الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا في ٥٨ والجمهورية الإسلامية المتحدة بين ليبيا وتونس في ٧٤ بسبب المفاهيم المخربة لكل وحدة من هذا النوع في عقول بعض الزعماء والحكام المتنصبين على كراسيهم بتأييد من الخارج لا بإرادات شعوبهم الحرة عبر انتخابات حقيقية ومؤسسات فاعلة.
فنرى إلى أي حد هذا الطوفان حرك من قضايا وطرح من مراجعات.