د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 624
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في ترجمة له لأحد شعراء القيروان المحدثين (الدكتور المنصف الوهايبي) قرأتها اخيرا في بعض كتاباته على الشبكة وتقول:
نيتشه في النادر النفيس بترجمتي: "ليست الحياة سوى وجه من وجوه الموت وإنه لأنفسها.
"La vie n'est qu'une variété de la mort, et une variété très rare.".
فنشهد بهذه الترجمة ، نقلا عن الفرنسية، عن غير اللغة الًأصل، أي بنسبة زيادة في عدم الدقة أو الخيانة باللغة اللاتينية: أن الحياة الأولى أنفس من الحياة الثانية، الآخرة، التي تحرض عليها الأديان لأنها الأبقى والأخلد بالخير والنعيم جزاء للدنيا أوعقابا عليها بالأعمال الصالحات أو غير الصالحات. وهذا من تحريض الفيلسوف قومَه على الإقبال على الدنيا دون الآخرة لأن فلسفته كلها قائمة على إنكار فكرة الإله التي تعمر ذهن الانسان من قديم وتعويضها بالإنسان الإله وعنده ليس ما سوى الإنسان إلاه الا الانسان.
فهل استلهم الفيلسوف الفكرة القائلة في الإسلام والديانات عامة بالحياة الأولى والثانية والدنيا والأخرى أو الآخرة. فكلها حيوات والموت ما هو إلا مصطلح ثان على إحداهما أو الأخرى يراد به التنويع، واعتبرها الأندر وكأنه قال الوحيدة الباقية وعبارتنا الإسلامية هي الأبقى وهي الخالدة أو دار الخلد.
ومهد بفكره المتطرف للنازية، وكم من فيلسوف بعده أنكرها عليه لأنها لم تسبب الكارثة على الألمان فقط بل وعلى العالم.
والنفاسة ليس بمعنى النادر جدا في العبارة الاصلية. ولكن فيها من نفحة نيتشه والمباركة لفلسفته البائدة.
نيتشه الذي أكبر في الانسان إسقاطه فكرة الاله على الأرض وتعويض نفسه به
والترجمة كما قلنا فيها نسبة من الخيانة للأصل كما يقول الجاحظ في الترجمة للشعر والا لراعى مترجمنا سياق الكلام ومشاربه وأغراضه.
أحد المحامين النبهاء سألني عن سبب تنامي ظاهرة الانتحارفي القيروان بين الشباب قلت لأنها وهي عاصمة الإسلام الأولى فقدت ثقافتها الاسلامية التي يسميها بوحديبة ثقافة القرآن ونعاها في كتابه المشهور والمطبوع طبعة ثانية في بيت الحكمة بقرطاج دون إشارة الى كتابنا النقدي عليه تحاملا ورفضها أخيرا لنشر طبعتنا الجديدة عليه المزيدة في بيان أخطائه ومخالفاته القانونية.
وقريب من نيتشة أو على الحافة منه القول في جدارية له:
«ليس هناك التونسي! أو التونسية! هناك تونسيون! هناك تونسيات! إياكم والكليات! الإله أحد والإنسان أحد! ولم يكن له كفوا أحد!»
وهو الذي ترجم التوراة بل مزامير داوود بشاعريته الفذة، وعرّف السياسيين في بعض مبرراته بما هو تطبيع وبما هو ليس بتطبيع.
والجرأة على المقدس بعنوان يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره للقزاز القيرواني قديم في الشعر، فالمتنبي مثل نفسه بصالح في ثمود وابن هاني الأندلسي مدح المعز بالواحد القهار تشبيها برب العزة وإنما هي من عقيدة الشيعة في نفي الصفات عن الذات الالهية وتحدي الشابي الزيتونيين بلا بد ان يستجيب القدر وهو اسم من اسماء الله تعالى وانما يقصد الاستعمار كما فسره محمد عبده وانه من القدر الذي يجب رده وورّى الشاعر عليه تقية من الوشاة لأنه هو الذى فرض على الامة الظلم والقيد.
أما الجراة على المقدس عند الغير فهي جرأة غير مأمونة بقوانين.
ورأيت من تسرعه في القراءة والحكم في أكثر من مثال
وهو يرقع كلامه بأسماء مستشرقين وغير مستشرقين لدعم رأيه بأقوالهم المردودة عليه لقلة مطابقتها لموضوعه. من ذلك ما كتبه عن القصيدة المدورة نقلا عن كتاب العروضي النديم .
وهذا التعامل في قراءة النصوص والحكم على ما جاء فيها غير موثوق به، لأنه إقتطاعي أكثر منه علمي ومنطقي مثاله اقتطاعه ما جاء في سياقه من مخطوط العروضي النديم عن الشعر المدور على غير قافية موحدة على عادة الشعر المقفى ليسميه «القصيدة المدروة» التى يتنازع المحدثون من الشعراء في الشرق استحداثها، ولم يتفطن الى نقدنا لمحققي هذا الكتاب لأخطائه واضطراب أوراقه ونقصه وتسرع أصحابه في نسبته الى مؤلفه الحقيقي ولا اهتدوا الى عنوانه الحقيقي، وقد بينت ذلك في معركة خضتها معهم في كتابين منشورين في حينها وأخيرا نشرته كاملا محققا.
ويظهر النص الذي ساقه منه في مقاله «في سلطة القافية وميتأفيزيقيتها» للاستشهاد به على رأي القدماء فى القافية المدورة، ولكنها في الحقيقة التفاعيل أو الأجزاء المدورة دون تقيد برويّ، وهناك فرق بين المفهومين أو ما يسمه القصيدة المدروة استنادا الى محققي الكتاب دون تثبت من النص كما بينا ذلك في موضعه.
وانتهى به إلى الدعوة الحارة للتخلص من سلطة القافية ويتساءل : « لِمَ يحتفظ شعراء التفعيلة إذن بالقافية؟ ألا يرجع ذلك إلى الإيقاع نفسه من حيث هو ميتافيزيقيّ أيضا؟ يقول المستشرق هاملتون جب إنّ الكنيسة المسيحيّة لجأت إلى الموسيقى لتعلي من التوتّر الشعوري في الصلوات، وإنّ الإسلام كذلك طوّر فنّ القراءة المرتّلة للقرآن كي يشحذ من قدرته على اجتذاب الخيال والشعور». «وأضيف أنّ ممّا يسوّغ هذا الرأي جملة أمور من أبرزها الصلة الحميمة بين «النظم الشعري والنظم القرآني».
ويذهب الوهايبي الى أكثر من هذه المشابهة الفجة، حين يقول عن الفاصلة في القرآن : «والحقّ أنّنا لا نرى سببا وجيها في فصلهم بين القافية والفاصلة من حيث الوظيفة، إلاّ أن يكون لحرج دينيّ. وهو عندئذ ليس بالأمر الذي يعتدّ به أو يعوّل عليه علميّا.».
فلا جرأة أكثر من رمي الجرجاني مثلا بالحرج الديني الذي منعه من أن يعامل القرآن معاملة جب الانقليزي للإنجيل!
---------------
الدكتور المنجي الكعبي
تونس في ١١ صفر ١٤٤٥ه / ٢٨ أوت ٢٠٢٣م
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: