يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
محاور عدة فرضت نفسها على المؤتمر الذي نظمه مركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة بمناسبة الذكرى الخامسة لسقوط بغداد على أيدي قوات الاحتلال الأمريكي – البريطاني، أبرزها الدور الإسرائيلي في مرحلة ما بعد صدام، بجانب غياب الدور العربي عن عاصمة الرشيد منذ احتلالها.
وفي هذا السياق لم يُغفل المشاركون الحديث عن النفوذ الإيراني الذي تزايد في العراق نتيجة لغياب الدور العربي، واستعرضوا في المقابل الموقف الأوروبي تجاه الحالة العراقية، والذي بدا -في المراحل الأولى للحرب- رافضًا للغزو، ثم داعمًا لسياسة المحتل بشكل أو بآخر.
وأمام هذه المحاور، حرص المشاركون -والذين تنوعوا بين باحثين مصريين وعراقيين- على تناول دور منظمة الأمم المتحدة في الحرب على العراق، وموقفها من الغزو، خاصة وأن الاحتلال كان في خارج إطارها، في الوقت الذي نجحت فيه الإدارة الأمريكية تاليًا في السلامة من إدانتها على هذا الاحتلال لدى مجلس الأمن.
ولعل المحور المتعلق بالدور الإسرائيلي في العراق بعد الغزو هو من أشد المحاور التي أثارت حضور المؤتمر الذي اختتمت فعالياته مساء الخميس الماضي ، وهو المحور الذي استعرضه الدكتور طارق فهمي -الخبير بمركز دراسات الشرق الأوسط- بتأكيده على أن إسرائيل حاولت أن تلعب أدوارًا عدة في الشأن العراقي، سواء كان ذلك قبل الغزو أو بعده.
ويفسر فهمي ذلك بأن إسرائيل كانت ترى أن العراق يعتبر أبرز القوى المناوئة لها، ولذلك حرصت على أن تتواجد بشكل قوي في العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين.
هذا التواجد رصده الباحث في عدة مظاهر، منها إعادة إعمار العراق، ودخول الشركات الإسرائيلية مجالات البناء وبيع العقارات، والتنقيب عن النفط والغاز، بالإضافة إلى انتعاش الحركة السياحية بين الجانبين، وسعي إسرائيل لدمج الاقتصاد العراقي في إطار اقتصادها، بالإضافة إلى توظيف رأس المال اليهودي في العراق بشكل كبير، والتعاون في ذلك مع الأكراد.
ومن أبرز مجالات التواجد الإسرائيلي في العراق -حسب قول الباحث- يأتي الدور الاستخباراتي الإسرائيلي للموساد، حتى يتحرك العراق الجديد في فلك الإطار الإسرائيلي الأمريكي، وهو ما يعززه التوجه الإسرائيلي بضرورة تجزئة العراق وتقسيمه لتحقيق المطامع الإسرائيلية، وتقويض مقومات الدولة في العراق.
وحدد ثلاثة سيناريوهات لمستقبل العلاقات العراقية الإسرائيلية في ظل الاحتلال، الأول هو الدخول في تحالف وتعاون مشترك مع الحكومة الحالية من جانب إسرائيل، والثاني إقامة علاقات ثلاثية بين العراق وإسرائيل والأردن من خلال سعي إسرائيل لتحقيق ذلك، فيما يتمثل السيناريو الأخير في الاكتفاء بالعلاقات غير الرسمية على نحو ما هو قائم اليوم.
مستقبل المقاومة
ومن جانبه، حرص فهمي القيس -سفير عراقي سابق- على تناول العلاقات العراقية الإيرانية والتي اعتبر أن التوتر ظل يشوبها على مدى خمسة قرون في ظل الحروب والخلافات التي وقعت بين الفرس والدولة العثمانية، مما تسبب في إخلاء الأخيرة لمدينة "عبدان" العراقية للفرس، لوقف تدخلهم في الشئون الداخلية للعراق. إلا أنه مع هذا التوتر والنفوذ الإيراني في العراق وتزايده بعد الغزو، حسب تعبيره، فإن العراق قادر على إزاحة هذا النفوذ بفعل المقاومة التي اندلعت في اليوم التالي من سقوط بغداد.
وفي هذا السياق، استبعد القيس أن يكون هذا السقوط نتيجة خيانة في الجيش العراقي. مرجعًا السقوط السريع لعاصمة الرشيد إلى ضعف الجيش؛ حيث أنهكه الحصار لأكثر من عقد كامل، وهو ما كان يدركه صدام، حتى أنه استهدف حل الجيش قبل الحرب بعدة أسابيع، لينخرط تاليًا في مقاومة ضد المحتل الأمريكي البريطاني.
وأكد أنه على الرغم مما تتعرض له المقاومة من عمليات تشويه، إلا أن لديها مشروعها السياسي، ومع ذلك وصفها بأنها معارضة يتيمة، تتخلى عنها الدول العربية، باستثناء الأسر العراقية التي تمدها بالدعم اللازم.
ومن هنا كانت المقاومة هي الغائب الحاضر في المؤتمر، حيث توقف عندها المشاركون وحضور المؤتمر في مداخلاتهم، وأكدوا أنها نشأت سريعًا لمواجهة الاحتلال، وذلك وفق ما يقرره الباحث الفلسطيني أيمن جبريل بأن المقاومة الفلسطينية استلزمت وقتًا طويلاً لتبدأ عملياتها فظهرت بعد عشرين عامًا من الاحتلال وأما الجزائرية فبعد نحو ثلاثين عامًا.
وبحسب الدكتور حميد الراوي -أستاذ المنظمات الدولية بجامعة بغداد- فإن مستقل المقاومة العراقية مرهون بالدعم العربي لها، خاصة وأنها تواجه أشد قوة سياسية وعسكرية في العالم. وهنا يقرر أن الدعم لا ينبغي أن يكون عسكريًا، بل من الممكن أن يكون معنويًا؛ بالاعتراف بها، وعدم الخلط بينها وبين أعمال الميليشيات.
ويطرح رؤيته للخروج من المأزق الراهن لبلاده، ويحدده في انسحاب المحتل الأجنبي، والاعتراف بالمقاومة الوطنية، وطرح مشروع وطني عراقي بعد الانسحاب، وإلغاء كافة القوانين التي لا تتماشى مع مستقبل العراق، والحد من التدخل الأجنبي في شئون بلاده، وإشاعة ثقافة الاندماج الوطني، وإعطاء حقوق المشاركة للإثنيات العرقية.
كما طرح ملامح بناء مستقبل العراق الجديد، ورصدها في إشاعة ثقافة الولاء للدولة العراقية، والتصدي للفساد والإدارة السيئة، والحفاظ على عراق موحد قوي، وفق هوية عربية إسلامية؛ وذلك بإعادة السيادة الكاملة لبلاد الرافدين.
ويرهن تحقيق ذلك بالتدخل العربي الذي ينبغي أن يكون حاضرًا؛ حتى لا يتعاظم النفوذ الإيراني بشكل أكثر مما هو عليه الآن، فضلاً عن أن هذا الغياب أعطى فرصة كبيرة للتدخل الإسرائيلي في العراق، وخاصة في الشمال الذي أصبح يشبه الدولة المستقلة.
وحذر الراوي من خطورة أن يصبح العراق مكانًا لتصفية الحسابات، نتيجة لغياب السلطة الحاكمة، وتباعد الأحزاب السياسية، والتي وصلت إلى قرابة 300 حزب، في الوقت الذي تقوم فيه القوى الشيعية بمواجهة العرب السنة؛ بهدف عزلهم بدعوى الحرب على الإرهاب.
وتنضم الدكتورة ناهد عز الدين -الأستاذة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة- إلى تأييد ضرورة الحذر من الخلط بين المقاومة المسلحة التي تدافع عن شعبها ضد المحتل، وبين أعمال الميليشيات التي تعمل وفق أيدلوجية واضحة.
وبالأسانيد القانونية، ووفق ما قررته الشرعية الدولية، فنّد خبير القانون الدولي د. أحمد الرشيدي، المزاعم التي تنال من المقاومة العراقية التي تمارس الدفاع الشرعي عن النفس، بدعوى محاربة الإرهاب.
واعتبر أن منظمة الأمم المتحدة تشهد حالة ضعف؛ نتيجة هيمنة الدول الكبرى عليها، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي جعلنا أمام ممارسات تتم في خارج الشرعية الدولية، حتى أنه من الممكن أن يتكرر هذا الاحتلال بشكل جماعي من دول لدولة واحدة، ويدفعه ذلك إلى نتيجة يقرر فيها أن الأمم المتحدة صار يُضرب بقراراتها عرض الحائط، لسيادة مفهوم القوة، حتى أن مجلس الأمن ذاته لم يصدر قرارًا بإدانة الغزو منذ بدايته.
كل ذلك ساهم -حسب قوله- في استباحة حدود الوطن العراقي، ويعكس كون الأمم المتحدة رهينة الدول الكبرى، فضلاً عن تقاعسها عن نصر بلد هو عضو في المنظمة الدولية، ومؤسس لها، وهو العراق.
الموقف الأوروبي
وفي انتقادات حادة للموقف الأوروبي تجاه صمته على ما يجري في العراق، استنكر الدكتور كمال المنوفي -العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة- هذا الصمت الأوروبي، الذي ظل مخادعًا للعالم العربي، قبيل الغزو؛ برفضه للتدخل الأجنبي، ثم سرعان ما دعم هذا المحتل بأكثر من صورة، حتى ظهر أن الموقف الأوروبي ما هو إلا امتداد للموقف الأمريكي.
وهنا سعت الدكتورة وفاء الشربيني -الأستاذة في الكلية ذاتها- إلى رصد وضعية العراق بين الدور الأوروبي والآخر الأمريكي، واعتبر أن ذلك كان بمثابة تبادل أدوار بين أوروبا والولايات المتحدة، وفسرت ذلك بأن الدور الأوروبي قبيل الغزو استهدف الحد من الصدامات في العالم العربي، إلى أن ظهر التأييد الأوروبي المطلق للاحتلال، فضلاً عن الدور الذي ظهر به في صورة "المسهل" للغزو.
وحاول الدكتور محمد سالمان -عضو المجلس المصري للشئون الخارجية- إلقاء الضوء على عدم وضوح الرؤى العربية بشأن الغزو. وأرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها: عدم الرغبة العربية في تجاوز الخطوط الحمراء مع الولايات المتحدة، حتى أن المعارضات للحرب -حسب وصفه- كانت محدودة، ولم تشكل عامل ضغط على السياسات العربية، ولذلك كانت العين العربية تنظر إلى واشنطن أكثر من نظرها إلى المصلحة العراقية.
وحول بحث دور دول الجوار مع العراق، ذهب سامح راشد -الدكتور في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة- إلى التأكيد على أن إيران كدولة جوار للعراق تستهدف جعل العراق ممزقًا ومفتتًا، على عكس الدور التركي الذي لا يشغله سوى القضاء على الجيش الكردستاني في الشمال.
وشدد على مراعاة الهدفين، الإيراني والتركي، كدولتي جوار للعراق، ففي الوقت الذي رأى فيه أن هدف إيران توسعي وطموحي في العراق، يرى أن طموحات تركيا الإستراتيجية الانضمام إلى أوروبا، بعيدًا عن الطموح في العراق، فضلاً عن التفرقة بين ما هو ديني في إيران بهدف توسيع الأمة الإسلامية، وبين علمانية تركيا التي تناقض ذلك.
16-04-2008
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 793