البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

علم الإناسة.. سلاح حرب؟

كاتب المقال وليم أو. بيمن   
 المشاهدات: 8554



عمد الجيش الأميركي في أيلول/سبتمبر 2007 إلى تفعيلٍ كبيرٍ لبرنامج "أنظمة الأراضي البشريّة" (‏Human Terrain ‎Systems, HTS‏)، قيد الخدمة منذ عدة سنوات [1]. فقد تمّ تجنيد علماء إناسة (أنتربولوجيا) ودمجهم مباشرةً في الوحدات ‏القتالية على مستوى الألوية والفرق العسكريّة في العراق وأفغانستان. وقد تمّ تكليفهم بتقديم النصائح للقادة العسكريين حول ‏النشاطات الثقافية التي يمكن أن تتمّ على الأرض. ويؤمن برنامج "أنظمة الأراضي البشريّة" الذي تديره شركة "‏BAE ‎system" [2‎‏] الخاصّة، المعلومات اللازمة لعسكريين يواجهون حالات فيها احتمالات عنف، ما يسمح لهم بعدم الوقوع في ‏تفسيرٍ سيّء لتصرّفات السكان المحليين ويمكنّهم من تحليل الأوضاع التي يجدون نفسهم فيها.‏

وفي مقالة لها بتاريخ 5/11/2005، امتدحت صحيفة "نيويورك تايمز" منافع مجموعة علماء الإناسة المشاركين في عمليّةٍ ‏كبيرة للحدّ من الهجمات على الجنود الأمريكيين والأفغان. فبعد أن تعرّفوا على عددٍ كبيرّ من الأرامل في المناطق ‏المستهدفة، افترض علماء الإناسة أن الشبّان ممّن لهم علاقات قربى مع تلك الأرامل، قد يشعرون بالحاجة إلى مساعدتهن ‏مادياً، وبالتالي، سيلتحقون بالمتمرّدين الذين يدفعون لمقاتليهم، من باب الحاجة الاقتصادية. فكان من شأن برنامج الإعداد ‏المهني لتلك الأرامل السماح بالحدّ من عدد الهجمات.‏

أثار برنامج "أنظمة الأراضي البشريّة" المخاوف لدى العديد من علماء الإناسة، خصوصاً وأنّه يذكّر بسوابق محزِنة. ‏فمشروع "كاملوت" الذي أطلق عام 1965 ولم يدُم طويلاً، كان قد جنّد بعض هؤلاء العلماء بغية تقييم الأسباب الثقافية ‏للعنف. وقد استخدمت التشيلي حقلاً للتجارب في هذا المضمار، في الوقت الذي كانت تسعى فيه وكالة الاستخبارات ‏المركزية الأميركية إلى منع الإشتراكي سلفادور الليندي من الوصول إلى السلطة.‏

المشروع الثاني، الذي حمل إسم "دعم العمليات المدنيّة والتنمية الثورية" (‏CORDS‏)، كان يهدف إلى تنسيق البرامج ‏المدنية والعسكرية الأميركية، من أجل "فرض السلم" في فيتنام. وقد سعى إلى وضع "خارطة بشرية" للأراضي، ما يسمح ‏بالتعرّف - وبالتالي الاستهداف المحتمل - للأشخاص والمجموعات المشكوك في دعمها للشيوعيين الفيتناميين. ونحن ‏متأكّدون بأن البحث الأنتربولوجي قد استُخدم في هذه العمليّة.‏

على غرار "قسم أبوقراط" الذي يرتبط به الأطباء، يملك علماء الإناسة قانون أخلاقيّات، يقول بأنّ على نشاطهم ألاّ يلحق ‏الأذى في أي حال، بالشعوب التي تجري دراستها، وأنّ السكّان يجب أن يوافقوا عن إدراكٍ مسبقٍ على مساهمتهم في ‏نشاطات البحث. بالطبع، يستحيل تنفيذ هذا الشرط في أحوال الحرب. فالعديد من الناس حول العالم يعتبرون أصلاً هؤلاء ‏الاختصاصيين نوعاً من الجواسيس، حتى عندما يجرون أبحاثهم في ظروفٍ عادية، وهذا ما يُلحِق الضرر الجدّي بمهمّتهم ‏العلمية. لهذه الأسباب مجتمعة، وجد برنامج "أنظمة الأراضي البشريّة" نفسه تحت الأضواء من قبل أهل المهنة.‏

وفي ايلول/سبتمبر 2007، شكّل بعض الجامعيين شبكة، "الأنتربولوجيون المعنيون" ‏Concerned Anthropolgists ‎‎[3‎‏]، المستوحاة من علماء الفيزياء الذين عارضوا حرب النجوم، البرنامج الأمريكي للدرع المضاد للصواريخ الذي كان ‏رونالد ريغان قد أطلقه. وقد كتبوا مشروعاً يلتزمون فيه "عدم المشاركة في قمع التمرّدات". يوضّح هذا الموقف أحد ‏مؤسسي المجموعة، دايفيد برايس، من جامعة سان مارتن لايسي (ولاية واشنطن): "لسنا جميعاً بالضرورة ضد مبدأ العمل ‏مع الجيش، لكنّنا نعارض كل ما هو محاربة للتمرّد، أوما يخرق قواعد أخلاقيات البحث. ونطلب من زملائنا أن يعلِنوا أنّهم ‏لا يريدون استخدام علم الإناسة لهذا الغرض" [4].‏

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2007، أصدر المجلس التنفيذي لجمعية الأنتربولوجيا الأمريكية إعلاناً صارماً لا يحظّر صراحةً ‏المشاركة في برنامج "أنظمة الأراضي البشريّة"، لكنّه يحذّر جميع الأعضاء من التجاوز المحتمل لقانون أخلاقيات المهنة ‏الذي قد يتسبّب به.‏

فخلال الاجتماع السنوي للجمعية في واشنطن في تشرين الثاني/نوفمبر 2007، كانت هذه النشاطات في صلب سجالٍ ما ‏زال مستعراً. إذ أثناء إحدى الحلقات تحت عنوان :"الأمبراطورية تردّ: آفاق أمام العسكريين وأجهزة الاستخبارات ‏الأميركية في علاقاتهما مع علم الإناسة"، تواجه أنصار وأعداء المشروع أمام جمعٍ حاشد. وقد حاول المحاضرون الذين ‏كانوا قد تعاونوا مع الجيش إقناع زملائهم بفائدة عملهم الذي قد يساعد في تحويل مواقف العسكريين وجعلها أكثر حساسيةً ‏للاختلافات الثقافية. أما المشكّكون فقد اعتبروا أنّ من يتعاونون مع الجيش يبرهنون عن سذاجةٍ لجهة استخدام أبحاثهم.‏

‏ وقد أفضى هذا السجال الحامي إلى قرارٍ، لو أقرّ من قبل الجميع، لكان عزّز من الأخلاقيات المهنية ومنع أيّ نشاطٍ بحثي ‏سرّي لصالح أجهزة الاستخبارات.‏

أحد أهم المدافعين عن التعاون مع الجيش هي الدكتورة مونتغمري ماك فايت، عالمة الإناسة في جامعة "يال" والعضو في ‏المؤسسة الأميركية للسلام (التابعة لوزارة الخارجية). فقد قدّمت خلال منتدى عقد في 10 ايار/مايو 2007، مشروعاً ساهم ‏في تأسيس برنامج "أنظمة الأراضي البشريّة". فحسب برأيها، لا ينفق الجيش ما يلزم للأبحاث في مجال العلوم الاجتماعية ‏التي يمكن أن تكون ذات أهميّة قصوى لنجاح العمليات العسكرية. ولردم هوّة المعارف، طالبت بقيام برنامجٍ واسعٍ للأبحاث ‏الاجتماعية يتضمّن بناء قاعدة معطيات "اجتماعية-ثقافية"، بفضل تجنيد محلّلين ثقافيين جدُد في الإدارات الحكومية، ‏وافتتاح مكتبٍ مركزيّ للمعرفة الثقافية.‏

لا مشكلة في نظر المهنة، تجاه أيّ من جهود البحث التي تدعو إليها السيدة ماك فايت. لكنّه عندما تستخدم الخبرة كسلاح في ‏المعارك على الأرض، يصبح الوضع مثيراً أكثر للجدل. فهذا الخيط الرفيع بين الاستخدام الجيّد والسيء لعلم الإناسة هو ‏الذي ما يزال يثير التساؤلات.‏

وليم أو. بيمن‎ ‎‏(*)‏
‏ ‏
‏.........................................‏


‏(*) استاذ، رئيس كلية الانتربولوجيا في جامعة مينيسوتا، مينيابوليس. هو أيضاً استاذ في قسم الشرق الأوسط في الجمعية ‏الأميركية لعلم الإناسة.‏
‏ [1] بحسب مقالٍ منشور على موقع الـ"بي بي سي"، "الجيش الأميركي يجنّد علماء الإناسة" (16 تشرين الأول/أكتوبر ‏‏2007)، تمّ تخصيص 40 مليون دولار للمشروع. وتصل كلفة عالم الإناسة المرسل إلى أرض النزاع إلى 400 ألف دولار ‏سنوياً. ‏http://news.bbc.co.uk/2/hi/americas‏...‏‎ ‎
‏[2] تأسّست الشركة على يد "بريتيش ايروسبايس" و"ماركوني الكترونيك".‏
‏[3] هناك معلومات مهمة على موقع الجمعية ‏http://concerned.anthropologists.go‏...‏
‏[4] مقابلة على أثير راديو "الديموقراطية الآن"، في 13/12/2007‏


 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 12-04-2008   islamicnews.net

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 793

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سامح لطف الله، د. خالد الطراولي ، د - مصطفى فهمي، عبد الله الفقير، الهيثم زعفان، محمد شمام ، د. طارق عبد الحليم، د - شاكر الحوكي ، طلال قسومي، عمر غازي، عبد الله زيدان، محمود سلطان، محمد أحمد عزوز، سلوى المغربي، صباح الموسوي ، الهادي المثلوثي، رشيد السيد أحمد، د. أحمد بشير، رضا الدبّابي، سفيان عبد الكافي، د - عادل رضا، د - محمد بنيعيش، إسراء أبو رمان، حميدة الطيلوش، صالح النعامي ، يزيد بن الحسين، د - محمد بن موسى الشريف ، حسن عثمان، العادل السمعلي، أحمد النعيمي، الناصر الرقيق، مصطفى منيغ، سامر أبو رمان ، د. أحمد محمد سليمان، صلاح الحريري، صفاء العربي، كريم السليتي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد علي العقربي، خبَّاب بن مروان الحمد، ماهر عدنان قنديل، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - صالح المازقي، د- محمد رحال، ضحى عبد الرحمن، د - المنجي الكعبي، محمود فاروق سيد شعبان، منجي باكير، حسن الطرابلسي، محمد يحي، سلام الشماع، سعود السبعاني، د.محمد فتحي عبد العال، حاتم الصولي، أحمد الحباسي، كريم فارق، د- هاني ابوالفتوح، ياسين أحمد، محمد الطرابلسي، أبو سمية، جاسم الرصيف، أشرف إبراهيم حجاج، صلاح المختار، بيلسان قيصر، د. عادل محمد عايش الأسطل، عواطف منصور، أ.د. مصطفى رجب، مصطفي زهران، إيمى الأشقر، محمد العيادي، رافد العزاوي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الرزاق قيراط ، رمضان حينوني، عبد العزيز كحيل، محمد الياسين، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - الضاوي خوالدية، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحـي قاره بيبـان، عمار غيلوفي، محرر "بوابتي"، مراد قميزة، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عزيز العرباوي، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الغني مزوز، د- محمود علي عريقات، المولدي الفرجاني، وائل بنجدو، رافع القارصي، يحيي البوليني، د. عبد الآله المالكي، محمد عمر غرس الله، خالد الجاف ، نادية سعد، فوزي مسعود ، عراق المطيري، فتحي الزغل، تونسي، فتحي العابد، محمود طرشوبي، أحمد ملحم، المولدي اليوسفي، سيد السباعي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسني إبراهيم عبد العظيم، علي الكاش، صفاء العراقي، د- جابر قميحة، محمد اسعد بيوض التميمي، أنس الشابي، أحمد بوادي، طارق خفاجي، مجدى داود، فهمي شراب، علي عبد العال، د. صلاح عودة الله ، إياد محمود حسين ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز