فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 552 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كنت من قبل تحدثت عن أن معاني المفاهيم تتعرض لتغييرات في مسار تداولها بين الناس، وبرهنت على أنه يستحيل ادراك حقيقة الموجودات، وإنما هي نسب إدراك من الحقيقة الأولية(1)
في زاوية أخرى حول توسع دلالة المفاهيم، سأتناول الان بعدا آخرا لهذا الاشكال، وهو أن الدلالة تكون أحيانا متسعة وينتج من ذلك أن من يتداول المعنى يأخذ كل منهم طرفا من الدلالة ويعتقد أنها هي كل المفهوم، المشكل يأتي حينما يقع بناء المواقف على ضوء هذا التصور القاصر
للفهم أكثر، لنأخذ أمثلة
إحداهن تغطي رأسها كفعل تقصد به اتقاء البرد أو لإخفاء شعرها غير المرتب أو لستر عاهة بدنية
هنا دلالة غطاء الراس بالنسبة لتلك المرأة أنه استعمال وظيفي معين، وهي دلالة يجب قبولها وإضافتها لدلالات غطاء الرأس الأخرى بحيث تصبح من مكونات تعريفه
امرأة أخرى تغطي رأسها بقصد أنه واجب ديني يمنع كشف شعرها في نطاق الاستجابة لأمر عدم التبرج في المجال العام
هنا دلالة غطاء الرأس بالنسبة لتلك المرأة أنه واجب ديني وفعل إلتزامي وقد تلحق بهذه الدلالة المختصة مصطلحا لتمييزه فيسمى غطاء الرأس حجابا وقد يزاد إليه شرعيا فيصبح حجابا شرعيا، وهي دلالة يجب قبولها وإضافتها لدلالات غطاء الراس الأخرى بحيث تصبح أيضا من مكونات تعريف غطاء الرأس
الآن حينما نشاهد امرأة مجهولة تغطي رأسها، فإننا ابتداء لا نعرف دلالة غطاء الراس الذي ترتديه، هل هو غطاء رأس لغرض وظيفي أم حجاب شرعي
إذن الدلالة الأولية لغطاء الرأس بفعل اتساعها أصبحت مصدرا محتملا لضياع المعنى الحقيقي، وهنا تبدأ المشاكل، إذ الضبابية التي انتجها توسع الدلالة ستكون مصدرا للمواقف أما بحسن أو سوء نية وتصل لحد اضافة دلالة محتملة يتحملها التعريف ثم يقع الصاقها بالموضوع وهذا هو استعمال المساحات الفارغة من المفهوم
فقد تلصق سلوكيات المرأة التي تغطي رأسها بداع وظيفي بالمرأة المحجبة ويقع تعميم ذلك الانحراف على مثيلاتها، مثلما وقع مع المرأة التي كانت تنتهب شاحنة الخمر وهي تغطي رأسها، ثم وقع التوسع فتم الصاق فعل الالتزام بالحجاب بفعل السرقة وهذا كله تصرف في دلالة الحجاب الممكنة التي وقع توظيفها
توسع دلالة المفاهيم قد يكون ذا نتائج أخطر، خذ مثلا آخرا
أحدهم له انتماء عرقي أو ديني أو حتى لبلد ما، وكانت عامة المواقف مثلا من ذلك الانتماء سيئة، فهنا دلالة الانتماء سلبية
الان يأتي فرد ينتمي لتلك المجموعة، ويكون صالحا مخلصا صادقا وقد يكون مسلما، فدلالته كفرد جيدة
الان حينما تشاهد ذلك الفرد، فإنه يقع اسقاط دلالة الانتماء للمجموعة على دلالة الفرد فتغلبه، فيصبح الفرد مذموما بغير سبب إلا أنه وقع أخذ جزء من دلالة مفهوم وتعميمها على باقي مساحة المفهوم الذي في حالتنا انتماء لمجموعة
يمكن القول إذن أن توسع دلالة المفاهيم مصدر لسوء الفهم، ولما كانت تلك الدلالة غير ممكنة الضبط نسبة لحقيقة المفهوم، فان سوء الفهم سيصبح لازما لتداول المعاني لكن نسبه تختلف حسب المعنى المتداول ومدى تعدد تصوراته، وهذا معطى علينا اخذه بالاعتبار
-----------
(1) ينظر لمقال: تأملات (48) استحالة الوصول إلى الحقيقة وإلى الكمال
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10578
------------
فوزي مسعود
#فوزي_مسعود
#تأملات_فوزي_مسعود