فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 111 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الكلام (*) من بعض الزوايا إغراء، وهو بمثابة الشهوة التي تلمّ بالفرد وتراوده عن نفسه وتستدعيه لإخراج ما بخاطره من مساحته الخاصة نحو المساحة العامة
المشكل ليس في وجود الاهتمامات التافهة لدى الفرد، إذ كلّ منا لديه أقدار من المواضيع الخاصة التي تتوزع بين السطحية والعقم والفساد، والتي ستصنف حتما أنها من التفاهات لو أطلع الغير عليها
لكن المشكل يحصل حينما يسمح الفرد لاهتماماته الصغيرة وخواطره السطحية المنفلتة، يسمح للغير بالإطلاع عليها، بل إنه يستدعينا للإطلاع عليها من خلال نشرها، بل يفرض علينا الإطلاع عليها وهذا لازم أن يكتب أحدهم أمرا يقرأه العموم
المشكل يوجد إذن في عدم التحكم في شهوة الكتابة وإغرائها، لأن توفر طرق النشر حاليا وسهولة إستعمالها جعل الفرد يسقط تحت إغراء تسجيل الحضور في المساحة العامة وإطلاع الغير عما يجده من خواطر وإن كانت بسيطة، لأن الفرد ولسبب ما يتصور أن تسجيل حضوره في المجال العام حتى من خلال منشور تافه يعطيه تميزا، لذلك يزاحم غيره في إعطاء رأيه في كل قضية تستجدّ، كأنه يسعى لإثبات وجوده المادي من خلال أثر ما ولا يهم بعدها ماذا يكون ذلك الأثر من حيث المحتوى
وهذا يحوّل المجال العام لمساحة تعجّ بالخواطر الخاصة والاهتمامات التافهة ويضعف من قيمة المعنى في توجهات الرأي العام
ونرى إذن أن أصل المشكل هو غياب التحكم الذاتي والصبر، ومثلما أنه علينا الصبر على الشهوات وعدم الخضوع لها، فعلينا كذلك أن نصبر على إغراء النشر ونراقب أنفسنا أن لا تتسرب اهتماماتتا الخاصة وتصوراتنا البدائية السطحية للمجال العام، فليس كل ما يخطر ببالنا يجوز كتابته أو يستحق النشر على العموم
(*) الكلام يطلق على الحديث (المنطوق) والكتابة، لكنني هنا أقصد به الكتابة