فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 135 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لمن أراد أن يستوعب ما معنى الاحتلال الفرنسي وخاصيته الإحلالية الإقتلاعية، مقارنة بغيره من صيغ الإحتلال الغربي الأخرى، فلينظر لبعض الدول الإسلامية التي مرت بمراحل إحتلال دول أوربية غير فرنسا، وكيف أن حالها الآن غير حالنا البائس
فرنسا لا تتبع صيغ الإحتلال المادي فقط، وإنما التواجد الفرنسي كان ومازال مبنيا على صيغة الإحْلال الذهني (حلّ مكان غيره من بعد أن أزاله)، أي الإلحاق التصوري لأبناء البلدان الاخرى بها وبنموذجها العقدي ثم الثقافي واللغوي
فرنسا لا تكتفي بسرقة الثروات ونهب الخيرات المادية للبلدان التي تحتلها، وإنما تريد اقتلاع سكان تلك البلدان من عقيدتهم ثم من هويتهم ويدخل في ذلك الإقتلاع الثقافي واللغوي، تحارب دينهم وتستبعد لغتهم، ثم تعمل على إحلال لغتها الفرنسية كلغة متسيّدة المجال العام، ونموجها العقدي الذي تمّ الإقناع به في بلداننا ورُوج تحت مسمى القيم الكونية، وخضع لهذا التحويل الذهني وقبل به، حتى بعض الاسلاميين
النموذج الفرنسي الإحْلالي، يقوم بعملية تحويل ذهني لدى سكان البلدان المستهدفة، وهذا المسار يبدأ بالإقتلاع وينتج عنه خلق شخصية هشة كارهة لذاتها سهلة التوجيه، ثم يتم تحويل هؤلاء الضحايا لأفراد منبتّين يتبنون فكرة النموذجية الفرنسية وعلوية المركزية الغربية، ويجعلهم بالنهاية ممثلين لفرنسا ببلدانهم
والنموذج الفرنسي الإحلالي صيغة فعالة لأنها تنشىء ثم تديم ربطا لاماديا بفرنسا لدى سكان البلدان المحتلة، ويتواصل هذا الإرتباط والفاعلية الإلحاقية حتى بغياب فرنسا، لأن الضحايا ممن تم اقتلاعم ذهنيا ونُشّؤوا على علوية فرنسا من خلال منظومات التشكيل الذهني في التعليم والتثقيف والإعلام، سيتحولون لمدافعين عن فرنسا وعلويتها ومصالحها ولغتها وثقافتها، وهو ما نراه واقعا ببلداننا
وبعض جوانب فاعلية الاقتلاع الفرنسي أنها جعلت "النخب" وخريحي الجامعات لدينا حتى في أفضلهم ولدى "ثوارهم"، فإنهم إن تحدثوا عن خطر فرنسا، اكتفوا بالجانب المادي من سرقة الثروات وغيرها، ولا يتوقفون عند العنصر الأقوى والأخطر وهو الربط اللامادي المبني على الاقتلاع العقدي والثقافي واللغوي
وإن تحدثوا عن خطر الدول الغربية ساووا بين فرنسا وغيرها من الدول الغربية
------
بغرض المقارنة، يمكن النظر لبلدان شرق آسيا الإسلامية التي خضعت لاحتلال بريطانيا وهولندا، فترات طويلة امتدت لقرون، لكنها لم تتعرض لعمليات اقتلاع وإحلال عقدي وثقافي ولغوي
بالصور المصاحبة تجدون نموذجا لنشاط ثقافي بأندونيسا البلد الذي احتلته هولندا طيلة ثلاثة قرون، رغم ذلك نلاحظ أن المجال العام بأندونيسيا يتحرك في تأطير إسلامي، وبعض أسباب ذلك أن هولندا لم تقم بعمليات إقتلاع عقدي ولا لغوي ضد اللغات المحلية، ولا كوّنت منتسبين لها يرفعون راياتها ويدافعون عن مصالحها ولغتها، بعد خروجها من أندونيسيا