القضايا العقيمة للتغطية على القضايا الحقيقية
لو اهْتَمْمتم بما تفعله بنا فرنسا، لكان ذلك أفضل من عراككم السخيف حول "معاوية"
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 60 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
اليوم مررت في جهة "حدائق المنزة" بالعاصمة التونسية، وشاهدت الصورة التي ترونها (مدخل مدرسة حيث العلمان الفرنسي والتونسي جنبا لجنب) وهي لمدرسة خاصة تونسية، تعمل على تركيز مفهوم ازدواحية الانتماء لدى التلاميذ التونسيين، وتربيتهم على علوية فرنسا وتنشئهم على مفهوم الانتماء الوجداني لبلد غير تونس، وهو فرنسا
نحن إزاء مؤسسة تعليمية تونسية تستهدف الضحايا الصغار من خلال اقتلاعهم ذهنيا لفائدة الدولة الفرنسية في بلادنا، وهي توظف أبناءنا لخدمة التمدد الفرنسي في تونس
هذه المدرسة تنشط منذ سنوات بهذه الطريقة التي تهين تونس وتستفز التونسيين، وقد سبق أن كتبت حولها من قبل
وهناك مدارس تونسية أخرى تدرّس البرامج الفرنسية وتفرض تدريسها على التونسيين، وهي كثيرة وبصدد التكاثر
بالمقابل يمكن ملاحظة تواصل نشاط هذه المدارس الذي يعكس غياب أي رد فعل ضدها من طرف أجهزة الدولة التونسية ومن طرف التونسيين وخاصة أولياء التلاميذ الذين وافقوا أن يضعوا أبناءهم هناك
------
يمكن الحديث كثيرا حول غياب وعي التونسيين بخطر فرنسا، الذي يمتد للفواعل السياسية والفكرية، حيث يقبل عموم التونسيين بالبناء المؤسس لتونس الحديثة الذي صمم لإدامة تواصل الربط بفرنسا وخدمة مصالحها وضمان ارتباطنا بها
لذلك فإن منظومات التشكيل الذهني من تعليم وتثقيف وإعلام تتكفل بمهام إدامة الربط اللامادي بفرنسا من دون أي اعتراض على محتوياتها في مستواها العقدي
عموم التونسيين علمانيوها وإسلاميوها، يسلم بالبناء التصوري العقدي الفاسد لتونس الحديثة الذي لا يراجع مسارنا الإلحاقي بالغرب، لذلك لا يلتفت لمثل هذه المدارس ولغيرها من الممارسات الإقتلاعية التي تستهدف التونسيين لفائدة فرنسا، مثل إكتساح اللغة الفرنسية المجال العام وتسيدها التعليم والنشاط الإداري والإقتصادي
-----
التونسيون عديمو الوعي بالواقع، يبرعون بالمقابل في أنشطة تظهر وعيا بمسائل عقيمة وعديمة الفائدة، تستورد من التاريخ، مثل حكاية "معاوية" وصراع السنة والشيعة
هذه المعارك التافهة المتفرعة من صراع سياسي تاريخي، توظفها حاليا منظومات الإخضاع الذهني لبعض الدول (دول الخليج خاصة) من خلال الترويج أنها قضايا دينية بل يتم الإيهام أن الإسلام هو هذه التقسيمات (سنة، شيعة)، وماهي حقيقة دين وإنما الإسلام سابق عن صراعات الصحابة وتقتيلهم بعضهم وكل ما نشأ عن ذلك
ويمكن للفرد أن يكون مسلما كامل الإسلام، من دون أن يلزم نفسه بأي من مواقف أولئك المتقاتلين
يقع إغراق الناس في عراك تافه والايهام بأن ذلك وعي بل وعي ديني، والحقيقة كل ذلك هو نتيجة تحكم وتوجيه ذهني يوظف بغرض تغييب الوعي بالواقع وقضاياه، ويتولى تنفيذ هذه المهام القذرة وإعادة إشعال هذه المعارك التاريخية، أشخاص يقع الترويج لهم ويطلق عليهم لقب "علماء" وهم بمثابة رجال دعاية يشتغلون لفائدة السلطات والمنتفعين من هذه المعارك العقيمة
علينا أن ندرك أمرا، وهو أنه أن تتحدث حول آل سعود وخطر منظوماتهم للتوجيه الذهني من إعلام وجهاز ديني والتدمير الذي أحدثته بالملسمين وقضاياهم، أهم من أن تتحدث حول عراك الصحابة
وأن تتحدث حول خطر فرنسا ومنظومتها للتشكيل الذهني وجهاز منتسبيها ممن يحكمنا منذ عقود، أفضل وأجدى لنا من الحديث حول "معاوية" وغير معاوية من منازعيه السياسين
------
ثم علينا أخيرا أن ندرك أنه ليس غريباً أن نكون على ما نحن عليه من هوان وضعف، حينما ترى تمدد الغرب في فراغات وعينا مقابل إغراقنا في الوعي الزائف المستورد من التاريخ