بمناسبة إعلان "عبد الله أوجلان" التخلي عن العمل المسلح: الزعامة مدخل للتحكم في التشكيلات السياسية
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 38 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إعلان "عبد الله أوجلان" المسجون منذ عقود في معتقلات تركيا ليس الأول من نوعه، إذ أعلنت من قبله منذ سنوات طويلة قيادات اسلامية محتجزة بالسجون المصرية مواقفا تتخلى بها عن منهجها المقاوم للسلطات
ومثل ذلك أعلن غيرهم من المعتقلين بالسجون ببلدان عربية أخرى
وغير بعيد عن ذلك المنهج التنازلي، ومن خارج السجون، أعلن الزعماء الاسلاميون بفعل طول مكوثهم في الغرب، أعلنوا مواقفا تعكس تغير قناعات وتقول بالاسلام الوسطي الديموقراطي
ومثلما برر المعتقلون بالسجون كعبد الله أوجلان وقيادات مصرية من قبل، برروا مواقفهم التي خدمت الانظمة برروها بصيغ متنوعة، فإن الزعماء والمشائخ الإسلاميين ذوي العلاقات العريضة مع السفارات والمنظمات الغربية ومدمني تلقي الجوائز والاشادات الغربية، فإنهم أيضا لم يعدموا الحجج لتبرير التحول الفكري الذي حصل لهم ويصب في معاني وجوب الإلحاق بالغرب وتبريره
كما أن عموم أي أغلب من مروا بسجون بن علي في تونس، خرجوا وقد حصل لهم نوع من التحويل الذهني وتغير القناعات وهذا لاحظه من لم يدخل تلك السجون واتصل بهؤلاء بعد خروجهم، وهو على الارجح تحول بفعل إخضاع المساجين لمنظومات تشكيل ذهني عمادها تعريضهم القسري المتواصل لمشاهدة التلفزة التونسية طيلة سنوات سجنهم، مما انتهى بهم للتطبيع مع الواقع المتهتك والقبول به (هناك اختلاف في درجات تلك القابلية حسب الاشخاص)
-----
إذن المشكل لايطرح حول نقاش الرأي الجديد الذي يقدمه الزعيم والشيخ ويحاول أن يقنع به أتباعه، وإنما الكلام يدور حول زوايا أخرى وموضوع آخر
مايدعو له الزعيم والشيخ في حالتنا، ليس رأيا حرا تلقائيا لكي نقبل جوازه ونتوقف عند محتواه ونفكر فيه، كأنه نشأ بمسار تطور وتأمل طبيعي، وإنما نحن إزاء عمليات تحويل ذهني لدى هؤلاء الأشخاص، وبالتالي فمايقوله هؤلاء الزعماء والشيوخ ليس رأيهم وإنما هو حقيقة رأي منظومات الإخضاع الذهني التي كانوا ضحاياها
المعتقلون بالسجون تعرضوا لعمليات تهتيك وتفكيك نفسي ثم توجيه ذهني، وذلك بطرق عديدة
للتذكير عبد الله أوجلان تم اغتصابه أول اعتقاله، وقس على ذلك مثله أو ما يقربه من عمليات التهشيم النفسي التي يتعرض لها عموم الزعماء والقادة حين اعتقالهم مما يدمرهم نفسيا ويجعلهم خاضعين ولهم قابلية لعمليات التوجيه الذهني بقناعات جديدة
أما الزعماء والشيوخ المستقرون بالغرب فإن التحول الذهني لم يحصل لهم بفعل التحويل العنيف كما بالسجون، لكنهم تعرضوا لنوع آخر من عمليات الإخضاع الذهني بنيت على استغلال أوضاعهم الهشة وقابليتهم النفسية الرخوة، مما انتهى بالكثير منهم للقبول بنوع من التجنيد الطوعي لدى الاجهزة الغربية سفارات ومنظمات كما نرى الان
------
الزعامة السياسية في العصر الحديث تغيرت دلالاتها وحمولتها، رغم ذلك مازال المنتمون للتنظيمات السياسية ينظرون لمفهوم الزعيم بنظارات قديمة، مما حول تلك التشكيلات الحزبية لاجهزة وظيفية تخدم الانظمة والغرب، أي يكفي أن يتم إخضاع الزعيم والشيخ حتى يتم بالنتيجة إخضاع التيار الحزبي كاملا
الزعيم الان أصبح بقدر كبير، وظيفيا لدى الأنظمة المحلية ولدى الأجهزة الغربية
يكفي أن يتم اعتقال زعيم أو شيخ وتدميره نفسيا بالسجون، ثم إطلاقه بعد ذلك لكي يدعو أتباعه الذين يقدسونه، يدعوهم لما يخدم السلطات
وهناك نوع آخر من الزعماء والشيوخ يتم تجنيده من السلطات بالجاه والمال والإسقاط المخابراتي
ويكفي الغرب أن يجند شيخا أو زعيما من خلال تمويل أنشطته أو إغداق الجوائز عليه، حتى يتحول لداعية مروج للتبعية للغرب وخادم لمصالح تلك الدولة
إذن أصبح اقتناص واصطياد الرموز والزعماء وتجنيدهم أمرا مهما لدى الأنظمة، لكنه بالمقابل تحول لمهلكة وأداة تدجين للتشكيلات الحزبية التي لا يريد المنتمون لها إعادة النظر في التحولات التي حصلت ومنها التحول في دلالة وأدوار الزعامة السياسية والدينية
وهي تغييرات جعلت مفهوم الزعيم خطيرا وذا حمولة سيئة
لذلك أعتقد أن على العمل السياسي أن يتخفف من فكرة الزعامات التي هي أساسا سيئة لأنها تدور حول معاني الصنمية واستبعاد التفكير