لو لم يكن بورقيبة لكان كذا وكذا، ولو لم يكن الحجّاج بن يوسف لكان كذا وكذا من السوء ... نماذج للتناول الفاسد الذي لايصحّ
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 51 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تكثر الاستعمالات من نوع:
لم لم يكن الحجّاج بن يوسف لضاعت الدولة الاسلامية ولكان كذا وكذا من الأخطار
ولو لم يكن بورقيبة لكانت تونس متخلفة تعاني فيها المرأة
ولو لم يكن الزعيم الفلاني لحصل كذا ولكان كذا وكذا
ليس يهمني هنا هذه الأمثلة التي قدمتها، وإنما هي نماذج للفكرة التي أريد الكلام فيها وهي المنهج الفاسد المعتمد والمنتشر حتى لدى الكتاب المعتبرين، والمتمثل في اعتماد المصادرة المبنية على وهم ثم إلزام الغير بها
- تعتمد هذه الطرق في سياق إسناد ودعم حدث أو شخصية، فيتم صنع فرضية تقول أن لولا وجوده لحصل سوء وخطر
- هنا تمّ إنتاج فرضية تقول بحتمية الخطر والسوء في حالة انعدام تلك الشخصية، ثم يتم اعتماد تلك الفرضية منطلقا والبناء عليها لإيجاد جدارة متوهمة، أي تم إلزام المتابع بفكرة بناء على فرضية غير ثابتة أساسا
بمعنى، لقد تم إنتاج معلوم بناء على مجهول، فالأصل أن ننطلق من معلوم لنبحث في المجهول، لكننا هنا انطلقنا من مجهول غير ثابت ثم نؤسس عليه مواقفا معلومة ثم نلزم الغير بها، وهذا لايصح عقليا
- خطر هذا المنهج الفاسد أنه لايمكن التحكم في مداه، والذي يحصل الإلزام به هو تحكم أي مصادرة، وينتج بعد هذا كله أن كل ذلك الكلام لايحمل أي قيمة عقلية
أي أن الذي يقول لو لم يكن الحجاج بن يوسف لضاعت الدولة الاسلامية، ليس بأكثر صوابية من الذي يقول لو غاب الحجاج و لم يكن الحجاج لكانت الدولة الاسلامية أفضل ولغاب عنها منهج التوريث والتسلط والتحكم في رقاب الناس وتوظيف الإسلام لفائدة الحكام وغيرها من المفاسد
لأن كلا التصورين ينطلق من ممكنات تدور في حقل المجاهيل والتوهمات
- الأصل أن المسار الموضوعي للكلام ينطلق من السبب للوصول للنتيجة والتبرير في الاتجاه المعاكس، أي نقول مثلا لما حكم بورقيبة حصل كذا وكذا، ولما حكم الحجّاج حصل كذا وكذا، وإن أردنا تبرير حكم هؤلاء فنعتمد حكمهما أي النتيجة لتبرير السبب أي وجودهما، واعتماد فترة حكم تلك الشخصيات أي "المعلوم" في اتجاه الترويج لجدارة تلك الشخصية التي تمثل "المجهول" لدى من ليس مقتنعا بها
بينما حينما نقول بفرضية متوهمة لتبرير وجود الشخصية، فذلك يجعل السبب هو المنطلق لتبرير النتيجة، وهذا لا يصح عقليا
لاننا عمليا نقول التالي:
- بورقيبة منع خطر إستعباد المرأة (النتيجة المتوهمة والتي جعلت سببا مفترضا)، إذن بورقيبة شخصية جديرة (السبب المفترض الذي جعل نتيجة)
الحجاج منع خطر تفكك الدولة الإسلامية (النتيجة المتوهمة والتي جعلت سببا مفترضا)، إذن الحجاج جدير (السبب المفترض الذي جعل نتيجة)
ببساطة الأمر يمكن أن يرد بطريقة سؤال: ما أدراك أنه لو حكم غير بورقيبة سيكون أسوا من بورقيبة
وما أدراك أن لو لم يحكم الحجاج لضاعت الدولة الإسلامية
لا يوجد أي دليل، وإنما الأمر كله مجرد وهم ومصادرة وتحكم
إذن هذه من ضمن طرق المغالطات والأساليب الفاسدة المعتمدة حين تناول مواضيع الواقع والتاريخ بل والفكر
ولعل شيوع هذه الأساليب الفاسدة حتى لدى من يكتب من أصحاب المستويات التعليمية الرفيعة، يفسر جزئيا ضعف تأثيرنا الفكري لأنه لايمكنك التأثير بكلام فاسد عقليا