البُعد الشخصي في التناول يبقي صراعاتنا السياسية سطحية
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 108 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أرأيتم هذا النموذج بالصورة المصاحبة لبعض منتسبي فرنسا ممن يحكم تونس منذ عقود
هذا الشخص لطالما كان مسؤولا وزيرا أو مستشارا في حكومات متنوعة منذ زمن بن علي، وهو من الطبقة الثانية (*) من منظومة منتسبي فرنسا، التي برزت منذ السبعينات وامتدت في الثمانينات ثم تغلغلت في مختلف هياكل الدولة التونسية وخاصة منظومات التشكيل الذهني وهي التعليم والتثقيف والاعلام، حيث تحكموا فيها وبدلوها وغيروا مرجعيتها وامتطوها لمحاربة الإسلام بعنف وصلف وعزة بالإثم
هذا الشخص يوجد منه المئات بتونس ممن يفعل ويفكر مثله في كرههم للأفق العقدي الذي نشأت عليه تونس وهو الإسلام واللغة العربية والمركزية الإسلامية عموما
---------
بعض أسباب ضعفنا في مواجهة هؤلاء وضعفنا عموما في التأثير بالواقع، أننا نتعامل مع هذا الشخص وأمثاله لذواتهم عوض أن نتعامل معهم أنهم حملة مشاريع عقدية مغالبة
وهذا التناول القاصر هو بعض مصاديق الخلل المنهجي المتواصل لدينا، وهو التعامل مع الواقع بمحورية العينة والفرد عوض محورية الفكرة الضابطة ومحورية المنظومة، ولهذا السبب تبقى تحركاتنا من دون أثر يذكر
لذلك يتم التعامل مع وزير التعليم العالي السابق، هذا وأمثاله بعداء شخصي، وترى منتسبي الحركات الإسلامية وصفحاتهم بالشبكات الإجتماعية، ولدى عموم "الصف الثوري"، تراهم يسبون أمثال ذلك الشخص لذاته، وقد تذهب بعض الصفحات في التنقيب في تاريخه وقد تكشف بعض ممارسات شخصية فضائحية لديه أو لدى بعض عائلته، وقد يسرفون في غير ذلك من طرق الفضح والقذف الشخصي
وهي كلها طرق تهدف للإنتقام من هذا الذي هاجمهم، انتقام يستبطن الشخص وليس باعتباره حامل مشروع عقدي مغالب
وهذا التعامل يتحرك بأفق يقول أن الفرد هو المركز، كأن هؤلاء لهم عداء شخصي مع أحد منتسبي فرنسا هؤلا، كأن لهم عداء يتعلق بحقوق مالية أو تجارية شخصية
في الأثناء لا ينتبه هؤلاء أن الأمر لا يتعلق حقيقة بذلك الشخص في ذاته وإنما المشكلة توجد في الفكرة وتحديدا توجد في مستوى العقيدة المغالبة التي يحملها وهي التي تشبّع بها وغذته بمعاني كرههم
لا يدرك هؤلاء أن المشكلة في حقيقتها، ليست مع فلان من منتسبي فرنسا بذاته وأننا ليس لدينا عراك على متعلقات مالية أو تجاربة معه، وإنما المشكلة يجب أن تفهم أنها مع منظومة الأفكار التي حولته لعدو لنا وجعلت من ابن بلدنا كارها لذاته وكارها لأبناء بلده أمثالنا
علينا أن ننظر في اتجاه خارج المساحة الشخصية لكي نستوعب الموضوع، علينا أن نخرج من التناول الفردي ونفهم حقيقة أن منتسبي فرنسا هؤلاء هم من زاوية ما ضحايا
المشكل يوجد في مساحة تتجاوز هؤلاء الأفراد، وسندرك ذلك حينما نستعمل منظار محورية الفكرة، ساعتها سنفهم أن المركزية العقدية الغربية الغالبة التي فرضت على تونس منذ عقود هي التي أنشأت نبت الزقوم هؤلاء وأوجدت هؤلاء الأشخاص وغذت أحقادهم على دينهم وهويتهم، ونحن عوض أن نتعامل مع تلك الاسباب فإننا ننظر لاتجاه آخر ونتعارك مع بعض نتائجها
وحينما نستعمل منظار محورية المنظومة سندرك أن تونس تحكمها منظومات مرتبطة بمنتسبي فرنسا تؤطر وتوجه أولئك الأفراد، وهي التي أوجدت هؤلاء ابتداء ، وأن الأسلم أن نقف عند تلك المنظومات باعتبارها السبب لا عند الأفراد باعتبارهم نتيجة وبعض من عينات
ونحن عوض أن نتعامل مع تلك الأسباب فإننا ننظر لاتجاه آخر ونتعارك مع بعض نتائجها
ولأننا لا ننظر بمحورية الفكرة وإنما بمحورية الفرد، فإن عراكنا مع مغالبينا يبقى أقرب للعراك الشخصي، لا ينتج عنه أثر في الواقع، ولو كانت مواقفنا تاطرها نظرة منهجية، لكان وجود هؤلاء المغالبين داعيا لنا لإعادة النظر في البناء التصوري العقدي الذي أسس لتونس منذ عقود والذي يغذي منظومات التعليم والتثقيف والاعلام، والعمل على مساءلة بداياته
لكن في غياب ذلك تتواصل رحلة التيه لدينا ويتواصل التحكم الفرنسي فينا من خلال منتسبيها هؤلاء الذين نتنازع معهم على أنهم حالات عراك شخصي
(*) منتسبو فرنسا هما طبقتان، الأولى بورقيبة وصحبه ممن سمي نخب الإستقلال، من جهة، ثم منظومة الزيتونة من جهة ثانية، وهؤلاء هم من أسس تونس الحديثة وعمل على اقتلاعها من بقايا مركزية إسلامية وتحويلها للدوران في أفق المركزية الغربية
الطبقة الثانية من منتسبي فرنسا هم من يسمى اليسار، وهم بدؤوا التشكل منذ السبعينات وتواصل حكمهم تونس لحد الان
للمزيد، يمكن الإطلاع على كتابي المركزية العقدية والمجال المفاهيمي