يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
التعامل من منطلق البُعد السياسي والمحاسبة الجزائية الفردية تناول قاصر، من نوع مثلا: أن ذلك الشخص قام بكذا زمن نظام بورقيبة أو بن علي، وذلك الشخص فعل كذا لما كان وزيرا أو مسؤولا
هذا التناول يحصر الصراع في مساحة السياسة وفي محورية الفرد أي يتحرك في مساحة النتيجة، بالمقابل يتجاهل مساحة الأسباب والدوافع المحركة للفعل السياسي اي يتجاهل بُعد العقيدة الدافعة وبُعد المنظومة المؤطرة للأفراد
لذلك فإن التعامل مع الواقع ومغالباته بأفق المحاسبة الجزائية فقط، هو فهم فاسد، لأنه ينظر للأمر أنه مسألة سياسية في فراغ وينزع عنها سببها أي بعدها العقدي حيث يرى هؤلاء خصوما سياسيين وليس مغالبين عقديين
وهذا القصور في التصور هو أهم مدخل لتسيّد منتسبي فرنسا تونس منذ عقود، الذين لا يتواجدون بالضرورة في الفعل السياسي وإنما نشاطهم ومراكز قوتهم توجد أكثر في تحكمهم بمنظومات التشكيل الذهني من تعليم وتثقيف وإعلام
وبهذا التناول الضعيف الذي لا يرى إلا الفعل السياسي وبُعد الفرد، تمّ التركيز على منظومة "التجمع الدستوري" وعلى الأخطاء الجزائية للأفراد ممن قام بالتعذيب وأمثالهم، بالمقابل لم يقع التوقف عند الخطر الأكبر وهو بُعد السبب أي البُعد العقدي ممثلا في منظومة منتسبي فرنسا التي تواصل نشاطها وتحكمها في التعليم والتثقيف والاعلام، وهي المجموعة التي امتدّ فعلها بعد سقوط بن علي لأنه لم ينتبه لها ككيان مستقل، ثم قويت واستغلظت لدرجة أنها هي التي أجهضت فرصة "الثورة"
اللافت للأمر، أنه لحد الآن لا ينظر لخطر هؤلاء ومازال يتمّ التعامل مع الواقع بمنطق المغالبة السياسة فقط ولم يُعد النظر في التأسيسات العقدية الأولى المؤسسة لتونس الحديثة وهي سبب كل الخراب الذي حلّ ومازال بنا، لأن منطلقات الفهم دائما كانت السياسة مع التسليم بالتأطير والتأسيس العقدي الأوّلي الذي زرعت نواتاته منذ عقود