البحث عن التقدير الذاتي عند الغير، مصدر شقاء ومعاناة نفسية
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 816 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لطالما اعترضتني صفحات فايسبوك لنساء تُسْرفن كل حين في إبراز لبسهن الثمين وزينتهن وهن يذهبن بعيدا حين يظهرن كل مرة في مكان جديد، وفيهن من تصرّ على نقل وقائع سفرها وقولها الضمني أنها من ذوات اليُسْر بحيث تسافر وترتاد النزل و تتمتع بما تقدمه من خدمات مثلها مثل الشهيرات
و قد تجد رجالا، يصرون على إظهار أنفسهم إزاء مكتبة مرصعة بالمجلدات، وآخرون ينافسون النساء حيث يغيرون صورهم الشخصية، فأحدهم يبدو ضاحكا والآخر متأملا والآخر منهمكا في أمر ما لا نعرف ما هو، والآخر بجوار الكعبة وهو بمناسك الحج أو العمرة، وغيرهم بصدد احتساء قهوة، وقليل ما تجد صورة لهؤلاء تتطاول في الزمن من دون تغيير
هذه العينات تعكس ولعا بإظهار النفس للغير، وهي من زاوية ما نتيجة ضغط يدفع لذلك السلوك أكثر من كونه إختيارا، وهو سلوك باطنه حاجة تعتمل في داخل الفرد تدفعه لطلب رضا الغير وإقناعهم بشيئ ما، وهذا من ميزات الفرد التابع الذي يسلم مقاييس تقييمه للغير، فيتعب في بلوغها
1- الإلحاح على تلك السلوكيات، يعني أن هناك محركا داخليا لدى الفرد صاحب تلك السلوكيات يدفعه لطلب التقدير الذاتي، وهو المنطلق الذي أقنعه أن موضوع ذلك التفاخر نوع من الترقي الإجتماعي ومقياس نجاح، وهو نفس المحرك الذي دفعه لدخول منافسة للإقناع أنه وصل مرتبة متقدمة في سلم الترقي المفترض
2- ثم إن السعي لطلب رضا الغير في أساسه، يعني أن الفرد يعطي قيمة مهمة في تقييمه الذاتي لما يقوله الغير عنه وهو ثانيا يعتقد أن المحيط لايملك نحوه التقدير الكافي وإلا لما دخل ذلك البحث عن التقدير
وكل هذا مفاده أن الفرد لايملك إنجازات أو نجاحات فعلية في حياته، أو أنه توجد إنجازات لكنه لايعتبرها ذات قيمة، لذلك يستشعر نقصا ما إزاء أمر آخر لايملكه من ذلك الذي يطلبه الواقع، فحتى نجاحاته الممكنة الحقيقية تصبح في نظره من دون قيمة مادام الغير لايقدرها
3- دخول الفرد هذا الصراع يعني أنه ابتداء وقع تحت تأثير تصورات ذهنية أقنعته بكون تلك السلوكيات المفاخرة الموجهة للغير، ذات أهمية اجتماعيا، إذن فالفرد بمعنى ما ضحية تأثيرات أدخلته سباقا عليه النجاح فيه
4- السعي لجلب انتباه الغير، دليل أن الفرد يعيش صراعا داخليا على سلّم الترقي المفترض الذي صورته له تأثيرات ذهنية، وهو لا يعرف أين وصل في ذلك السباق للترقي ولايمكن معرفة نتيجته لأنه أساسا صراع عبثي غير مؤطر بل هو موجود مفترض لايوجد إلا في مخيلة صاحبه الواقع تحت تأثيرات خارجية للتوجيه الذهني
فيكون نتيجة ذلك السعي للإستزادة ومراكمة مظاهر ذلك الترقي المفترض، ولكل ذلك تجده يسرف في سلوكياته التافهة من دون أن ينتبه أنه قد يصبح موضوع سخرية بل وأحيانا شفقة
5- هذا الصراع النفسي نوع من حالات الخضوع لأدوات التشكيل الذهني في مستواها الثقافي، إذ أنها آليات تحدد مقاييس وضوابط الفرد السوي والمقبول إجتماعيا من وجهة نظرهم، ووحده الفرد التابع الإمّعي من يقبل بتلك المقاييس ويعتمدها مسطرة لتقييم نفسه، فيدخل بذلك صراعا عبثيا أبديا
6- دليل أن العملية كلها تمظهر لعمليات توجيه ذهني وخضوع للغير وتوجيهاته، أن المرأة السوية لاتدخل مثل ذلك الصراع العبثي، لأنها ابتداء تعتبر أسرتها إنجازا ونجاحا، فهي أساسا ناجحة إلى حد متقدم وليست بحاجة لإثبات ذاتها من خلال تمظرهات مصطنعة، بينما المرأة التي قبلت الخضوع للتوجيه الذهني وهي التي لاتعتبر الأسرة والأبناء والزوج ذا قيمة، فإنها تدخل صراعا من ذلك الذي تحدثنا عنه أول مرة حول الجسد والسفر والزينة
وقس على ذلك النماذج الأخرى، فالفرد الذي يقوم بأي عمل في حياته يكفيه كإنجاز يشعره بالقمية النفسية والتقدير الذاتي، لكن حينما تنقل تقييم إنجازاتك ونجاحاتك لطرف آخر (التقييم في الدلالة اللامادية)، فإن حياتك تتحول لجحيم لا ينتهي ولصراع عبثي، لأن النجاح ساعتها ومفهومه لن يصير بيدك ولن تحدده أنت، وإنما بيد من يوجهك ذهنيا ويتلاعب بك لأغراضه