فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 457 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
طالما تعترضني صفحات فايسبوك لنساء تسرفن كل حين في ابراز لبسهن وزينتهن وهن يذهين بعيدا حين يظهرن كل مرة في مكان جديد، وفيهن من تصر على نقل وقائع سفرها وقولها الضمني أنها من ذوات اليسار بحيث تسافر وتبيت بالنزل و تتمتع بما تقدمه من خدمات مثلها مثل الشهيرات
و احيانا تجد رجالا، يصرون على إظهار انفسهم إزاء مكتبة تعج بالكتب والمجلدات، واخرون ينافسون النساء حيث يغيرون صورهم الشخصية، فمرة يبدو ضاحكا ومرة متأملا ومرة منهمكا في امر ما لا نعرف ما هو، ومرة بصدد التكلم عبر الهاتف، وقليل ما تجد صورة لهؤلاء تتطاول في الزمن
اعتقد ان هذه العينات وهي كثيرة، تعكس ولعا باظهار النفس للغير، الحقيقة هي ضغط لفعل ذلك اكثر من كونه اختيارا، وهو سلوك باطنه حاجة تعتمل في داخل الفرد تدفعه لطلب رضا الغير واقناعهم بشيئ ما، وهي من ميزات الفرد التابع الذي يسلم مقاييس تقييمه للغير، فيتعب في بلوغها
1- الالحاح على تلك السلوكيات، يعني ان هناك محركا داخليا لدى الفرد صاحب تلك السلوكيات طلبا للتقدير الذاتي، وهو المنطلق الذي اقنعه ان موضوع ذلك التفاخر نوع من الترقي الاجتماعي ومقياس نجاح، وهو نفس المحرك الذي دفعه لدخول منافسة للاقناع انه وصل مرتبة متقدمة في سلم الترقي المفترض
2- ثم ان السعي لطلب رضا الغير في اساسه، يعني ان الفرد يعطي قيمة مهمة في تقييمه الذاتي لما يقوله الغير عنه وهو ثانيا يعتقد ان المحيط لايملك نحوه التقدير الكافي والا لما دخل ذلك البحث عن التقدير
وهذا يعني ان الفرد لايملك انجازات او نجاحات فعلية في حياته، او انه توجد انجازات لكنه لايعتبرها ذات قيمة، لذلك يستشعر نقصا ما ازاء امر اخر لايملكه من ذلك الذي يطلبه الواقع، فحتى نجاحاته الممكنة الحقيقية تصبح في نظره من دون قيمة مادام الغير لايقدرها
3- دخول الفرد هذا الصراع يعني انه ابتداء وقع تحت تاثير تصورات ذهنية اقنعته بكون تلك السلوكيات ذات اهمية اجتماعيا، فالفرد بمعنى ما ضحية تاثيرات ادخلته سباقا عليه النجاح فيه
4- السعي لجلب انتباه الغير، دليل ان الفرد يعيش صراعا داخليا على سلم الترقي المفترض الذي صورته له تاثيرات ذهنية، وهو لا يعرف اين وصل في ذلك السباق للترقي ولايمكن معرفة نتيجته لانه أساسا صراع عبثي غير مؤطر بل هو موجود مفترض لايوجد الا في مخيلة صاحبه الواقع تحت تاثيرات خارجية للتوجيه الذهني
فيكون نتيجة ذلك السعي للاستزادة ومراكمة مظاهر ذلك الترقي المفترض، ولكل ذلك تجده يسرف في سلوكياته التافهة من دون ان ينتبه انه قد يصبح موضوع سخرية بل واحيانا شفقة
5- هذا الصراع النفسي نوع من حالات الخضوع لادوات التشكيل الذهني في مستواها الثقافي، اذ انها اليات تحدد مقاييس وضوابط الفرد السوي والمقبول اجتماعيا من وجهة نظرهم، ووحده الفرد التابع الامعي من يقبل بتلك المقاييس ويعتمدها مسطرة لتقييم نفسه، فيدخل بذلك صراعا عبثيا أبديا
6- دليل ان العملية كلها تمظهر لعمليات توجيه ذهني وخضوع للغير وتوجيهاته، ان المراة السوية لاتدخل مثل ذلك الصراع العبثي، لانها ابتداء تعتبر اسرتها انجازا ونجاحا، فهي اساسا ناجحة الى حد متقدم وليست بحاجة لاثبات ذاتها من خلال تمظرهات مصطنعة، بينما المراة التي قبلت الخضوع للتوجيه الذهني وهي التي لاتعتبر الاسرة والابناء والزوج ذا قيمة، فانها تدخل صراعا من ذلك الذي تحدثنا عنه اول مرة حول الجسد والسفر والزينة
وقس على ذلك النماذج الاخرى، فالفرد الذي يقوم باي عمل في حياته يكفيه كانجاز يشعره بالقمية النفسية والتقدير الذاتي، لكن حينما تنقل تقييم انجازاتك ونجاحاتك لطرف اخر (التقييم في الدلالة اللامادية)، فان حياتك تتحول لجحيم لا ينتهي ولصراع عبثي، لان النجاح ساعتها ومفهومه لن يصير بيدك ولن تحدده انت، وانما بيد من يوجهك ذهنيا ويتلاعب بك لاغراضه