فهمي شراب - فلسطين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5612 Fahmy1976@yahoo.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا حرب على غزة:
الكيان "الإسرائيلي" لن يشن حربا مفتوحة كما عدوان 2008-2009 على قطاع غزة، وذلك ليس ضعفا منه ، ولكن لظهور نقاط قوة وعوامل وفواعل جديدة بدأت تتضح ملامحها في المنطقة العربية، ولان هناك حالة من انعدام الوزن لدى القوى الفاعلة في المجتمع الإسرائيلي ولدى القيادة السياسية وأيضا لدى القيادة العسكرية التي كان لها دور سياسي في السابق وتطمح بلعب ذات الدور في اقرب فرصة.
فبرغم فداحة الخسارة الإسرائيلية في عملية ايلات الأخيرة لدرجة أن الكاتب و المحلل العسكري رون بن يشاي، كتب لموقع «يديعوت أحرونوت أن «إستراتيجية الدفاع الإسرائيلية لمواجهة الإرهاب وعقيدة عمل قوات الجيش عند الحدود مع مصر، انهارت نهائياً»، فلن تكون هناك حرب – بمعنى عدوان- على غزة حتى لو رافقت عملية ايلات هذه والتي اعتبرت ضربة قاسية لإستراتيجية الأمن الإسرائيلي عدة عمليات أخرى متزامنة وكانت أكثر إيلاما، فالمجتمع الإسرائيلي والنظام السياسي لا يمكنه تحمل تبعات حرب أخرى، ولكن يمكنه أن يتحمل تضحيات أخرى وآلاما أخرى عاضا على جراحه وكاظما غيظه.
لمـــــاذا؟
فحسب معادلة الربح والخسارة، ستكون عملية الرد "Retaliation" مكلفة لـ "إسرائيل" ليس من حيث الجانب المادي فقط، ولكن من حيث التبعات "Consequences" التي ستلحق بها، حيث بالكاد تتماثل " إسرائيل" من اثر التصدعات التي أحدثها العدوان الأخير على غزة نهاية عاد 2008 وبداية 2009، لما ترتب عليه من ملاحقات للقادة العسكريين وانكشاف الستار عن أخلاقيات الدولة " الإسرائيلية" التي بدأ بعض دول الغرب باعتبارها " مارقة" ومتجاوزة للقانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان, وحتى جولدستون الذي جرى التأثير عليه فيما بعد، لم يزل تقريره يسبب إحراجا كبيرا وان كان تقريره طال في إدانته جميع الأطراف، ف " إسرائيل" لم تتعود على تقبل الاتهام ولم تعتاد أن تكون موضع نقد.
سقوط الذرائع وخسارة معركة الرأي العام العالمي، واتساع الخرق على الراقع:
بعض الدول الآن اعترفت بدولة فلسطين وهذه النجاحات لا تعزى بنسبة كبيرة للدبلوماسية الفلسطينية الرسمية، التي تميزت ملامحها بالتبعية الكاملة للغرب والرضوخ لمواقف أمريكا وإسرائيل، وتميزت بدبلوماسية الصمت القاتل أمام العديد من جرائم الاحتلال لقطاع غزة تحديدا وخاصة بعد عام 2007، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر محاولات السفير الفلسطيني فائد مصطفى لثني الجانب الروسي عن مقابلة وفد حركة حماس بعد نتائج الانتخابات مباشرة وحث الجانب الروسي على عدم التطبيع مع حركة حماس،، ومحاولات السلطة لتأخير وتأجيل تقديم تقرير جولدسون للأمم المتحدة بخصوص الحرب على غزة ،، ولكن تعزى بشكل عام لسقوط مبررات "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها وعن وجودها وانكشاف حقيقة أن إسرائيل لا تحظى بدعم الرأي العام الدولي حيث في عدة دول غربية اعتبرت الشعوب أن " إسرائيل" هي المهدد رقم واحد للسلام العالمي، والخطر على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
هذه الاعتبارات تؤخذ بعين الاعتبار عند كبار صناع القرار ولدى المؤسسات السياسية ومراكز العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية، وان كان بعض القادة العسكريين لا يلق لها بالا، والدليل هو معارضة العديد من الوزراء والقادة الإسرائيليين -على غير العادة - خوض غمار أي حرب على غزة.
معركة الاستيطان والتوسع تبقى هي الأهم:
يهم المجتمع الإسرائيلي أكثر عمليات التوسع في الاستيطان وعملية بناء الكابوتسات وتهويد الأراضي والتمدد نحو سرقة مزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وذلك له أهمية إستراتيجية كبيرة تفوق محاولة الدخول في حرب لعدة أيام، فإسرائيل تحقق وتجني في أوقات السلم-- وفي ظل مفاوضات عبثية هدفها التغطية فقط -- مكاسب إستراتيجية أكثر مما تحققه وقت الحروب، خاصة في ظل حرب تعرف " إسرائيل" بأنها حتى لو أحدثت انتصارا كبيرا وأوقعت أعدادا هائلة من الضحايا في الطرف الفلسطيني دون فقدان أو إصابة جندي إسرائيلي واحد، فإنها ستكون حتما الطرف الخاسر لما سوف يترتب عليه من مواقف جديدة لا تصب في صالحها في ظل الربيع العربي حيث أينع هذا الربيع بظهور التأثير الشعبي والجماهيري العريض في قيادة السياسة العامة والتوجهات الأساسية للدولة العربية، وخير دليل على ذلك المظاهرات التي خرجت بالأمس والمسيرات الشعبية المصرية والتظاهر أمام السفارة الإسرائيلية والمناداة بطرد السفير الإسرائيلي اثر سقوط الشهداء في قطاع غزة واغتيال قادة في الجهاد الإسلامي. مضافا إلى ذلك أن القيادة العسكرية الإسرائيلية فقدت بنك المعلومات بعد أن فقدت أعداد كبيرة من عملائها التي عملت منذ سنين طويلة على تجنيدهم في قطاع غزة وذلك بعد أن قامت قيادة غزة بحملات توعية وطنية ومحاسبة للعملاء وصلت لحد إعدامهم وذلك بشكل قانوني حيث ثبوت تهمة التخابر مع قوى معادية وهي ما يعتبر "خيانة عظمى".
"إسرائيل" دولة معزولة برغم الدعم الأمريكي:
أصبحت الآن " إسرائيل" دولة معزولة حتى وان كانت الولايات المتحدة تقف خلفها، فالرأي العام العالمي بدأ ينضج وبدأت معالمه تتضح بعد عام 2008، ساهمت بقدر كبير وملحوظ قيادة غزة في بلورته أكثر مما فعلت الدبلوماسية الرسمية الفلسطينية في الخارج، حيث شكلت ظاهرة الوفود الأجنبية نقطة تغير وانعطافة حادة للرأي العام في الخارج،، وحتى الأنظمة التي تساند إسرائيل باتت لا تحظى بدعم شعبي. فجميع القادة الغربيين الذين زاروا غزة بعد العدوان وسمعوا وجهة النظر الفلسطينية أصبحوا معاول بناء والصوت الذي يصدح بالحقيقة التي كانت غائبة ومغيبة في آن واحد عن الشعوب في الخارج.
ف"إسرائيل" دخلت في عزلة كان سببها بنسبة كبيرة اعتداءاتها المتكررة على الشعب الفلسطيني واستخدام العنف المفرط والأسلحة الفتاكة والأسلحة المحرم استخدامها حتى في الحروب بين الدول بحق أفراد وسكان قطاع غزة الذين يريدون العيش بكرامة وبسلام كباقي الأمم.
نشاط طلابي وشعبي وطني تواجهه دبلوماسية رسمية مضادة:
وما يمكن أن نتوصل إليه في هذا الموضوع أن الغائب في الموقف الفلسطيني ما زال هو توحيد المفهوم الوطني الفلسطيني وتوحيد المفاهيم التي تعتبر ثوابت فلسطينية، فما زالت المواقف الرسمية لا تعبر عن اتجاهات الشعب الفلسطيني وتطلعاته وطموحاته وسبله في تحقيق الدولة الفلسطينية، حيث مؤخرا برز نشاط طلابي وشبابي فلسطيني واجهه تواطؤ غريب. حيث على سبيل المثال، قامت قبل أيام مجموعات فلسطينية شكلها شباب وطلاب فلسطين في دولة جنوب إفريقيا بتوجيه نداءات لمقاطعة الوفد الإسرائيلي الذي خضع لدورات تدريبية في وزارة الخارجية الإسرائيلية والذي جاء ليلتقي بالقيادات الجنوب افريقية لكي يعمل على تبييض صورة إسرائيل المشوهة،، وبالفعل استجابت جهات رسمية وشعبية جنوب افريقية لمطالب الشباب الفلسطينيين وتمت مقاطعتهم لنتبين لاحقا بعد ذلك بان السفير الفلسطيني هناك قابلهم – أفراد الوفد الإسرائيلي- في جلسة سرية وقدم اعتذار لما لحق بالوفد من إحراج كبير بسبب موقف الطلاب والشباب الفلسطيني!!
ولم يكتف الأمر لهذا الحد، بل وحسب ما جاء في مقال للكاتب حيدر عيد، وهو ناشط في الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية و الثقافية لإسرائيل؛ "كان للسفير الفلسطيني لقاء سابق مع المنظمة الطلابية الصهيونية في جنوب أفريقيا, وصدرت عنه تصريحاته مثيرة للجدل خلال الحرب على غزة، وكل هذا أدى إلى خلق الكثير من التشويش على الموقف النضالي والصمود البطولي لأهل القطاع."
وللأسف هناك كثير من ممثلي البعثات الدبلوماسية الفلسطينية في الخارج لا يرون غضاضة في إقامة ونسج علاقات ودية وتطبيعية مع أفراد الحركة الصهيونية في الخارج وقادة إسرائيليين بل أحيانا يستمد بعض السفراء الفلسطينيين في الخارج مصدر قوتهم واستمرارهم من خلال علاقاتهم الطيبة بأفراد الجاليات اليهودية والرسميين منهم، في حين يقاطع أحرار العالم دولة الكيان الصهيوني من اجل فلسطين.!
أضف إلى هذه المأساة، أن الجانب الإسرائيلي قد تلقى معلومات من أطراف عربية شقيقة بان لجان مقاومة فلسطينية تعد لتنفيذ عملية كبيرة ضد " إسرائيل" وهذا الأمر يطرح تساؤلا بريئا وهو في كيف نصنف هذا التعاون العربي الإسرائيلي؟ هل هذا ما يقصد به التنسيق الأمني؟
أم يعتبر قطاف طبيعي لثمار شجرة وادي عربة مثلا؟
لن يخرج أحد من الحرب إلا بخفي حنين:
بقيت حقيقة راسخة وهي أن جميع الأطراف تريد تهدئة، فالمجتمع الفلسطيني بغالبيته يريد التهدئة، ويريد أن يحصل على الأقل على "استراحة مقاتل" لالتقاط الأنفاس وتضميد الجراح ولكي يكمل مسيرة بناء و اعمار غزة بعد العدوان الأخير،، وفي نفس الوقت ليتحقق الاستقرار وخاصة أن قطاع غزة يشهد حالة انضباط امني متميزة، لم نشهدها في أي فترة سابقة برغم الحصار وخيوط المؤامرة متعددة الأطراف على غزة وقيادتها، ونجاح حكومة غزة وتمكنها من الانتصار في معركة البقاء، وقد توافقت أهم الفصائل والأطراف الفلسطينية (فتح وحماس والجهاد)على ضرورة التهدئة وهذا ما ابلغوه للجانب المصري،، وأيضا المجتمع الإسرائيلي متضمنا قوى اليسار والفئات المتوسطة الدخل والفئات المحدودة حيث منذ وقت بدؤوا يعلون صوتهم لرفض الدخول في حروب تتسبب في انخفاض في المستوى المعيشي، وهذه كانت من أهم أسباب التظاهرات الإسرائيلية الأخيرة، وقد اعتذر " باراك" لقتل خمسة جنود مصريين اثر الاشتباكات التي وقعت على الحدود في طابا المصرية،، إضافة إلى أن حربا على غزة سوف تساهم قي تشكيل وبلورة فكر ووعي متنام ضد الصهيونية ودولة "إسرائيل" وسوف تساهم في تشكيل سياسات مدعومة من الشعوب صاحبة الشرعية والمقررة الآن لأعلى سياسات الدول العربية، وسوف يتم إسقاط الاتفاقيات التي وقعتها أنظمة تلك الدول مع "إسرائيل" وإسقاط اتفاقية "كامب ديفيد" و" وادي عربة" وغيرها من الاتفاقيات المعلنة إضافة إلى الاتفاقيات السرية التي سنعرفها فيما بعد،، وأيضا الدولة الأهم في المنطقة وهي مصر، فإنه من غير الحكمة الدخول في أي معركة مع احد، حيث من ضمن معركتها الأساسية الآن تثبيت أقدامها ودخول جميع القوى الفاعلة والتي كانت مغيبة ومضطهدة ضمن المنتظم السياسي الذي كان يحكمه فقط الحزب الوطني الديمقراطي، و تصفير أزماتها مع دول الجوار و الذي تسبب في إشعال فتيلها النظام السابق.
فهمي شراب
كاتب وأكاديمي فلسطيني
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: