يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ان ظاهرة تعاطي المخدرات، ومنها الترياق " الأفيون " تحديدا، ليست ظاهرة جديدة في المجتمع الإيراني،فبرأي الدكتور" علي علوي " خبير المخدرات والإجرام في منظمة الأمم المتحدة ان مكانة مادة الترياق في الثقافة الإيرانية تماثل مكانة شراب الشامباین عند المجتمع الفرنسي. فتعاطي الترياق - الأفيون- لم يكن يوما حكرا على فئة بعينها بل والى ما قبل انتصار الثورة وسقوط نظام الشاه كان الكثير من المرجعيات الشيعية يجاهر بتعاطي الترياق على اعتبار انه لم يدرج ضمن المسكرات أو المواد المحرمة شرعا شأنه في ذلك شأن التبغ حسب اعتقادهم و لهذا لم تصدر فتوى من أي مرجع شيعي في العهود التي سبقت النظام الحالي تحّرم تعاطي الترياق، وتحريم الترياق ليس لذاته بل للمفاسد التي تترتب على الاتجار به كما جاء في بعض فتاوى مرجعيات حوزة قم الدينية مؤخرا. علما ان الترياق في عهد نظام الشاه كان يباع في الصيدليات بشكل رسمي كأي دواء ولكن رغم ذلك لم تكن هناك ظاهرة إدمان على المخدرات كما هو حاصل الآن حيث بلغت حدود الأزمة.
فهذه الظاهرة التي أخذت منحنا صعوديا مرعبا خلال السنوات العشر الماضية قد دفعت بالعديد من المراكز الجامعية و الاجتماعية و إعلامية لدراستها ونشر نتائج بحثها. وقد أظهرت دراسة أجراها مركز البحوث والتعليم في كلية العلوم الطبية في جامعة طهران مؤخرا ان متوسط اعمار المدمنين على المخدرات انخفضت من سن 35 الى 34. وأكد نائب رئيس المركز المذكور الدكتور "هومان نارنجیها " ان نسبة المدمنين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و 24 قد ارتفعت من7/11 % الى 3/17 %، أما نسبة الإدمان بين الأفراد الذين تتراوح أعمارهم مابين 25 و29عاما فقد ارتفعت من %8/19الى3/23%. وأشارت الدراسة الى ان نسبة ارتفاع المدمنين بين طلبة المدارس قد ارتفعت الى نسبة6 1/% و ان 120 ألفاً منهم أدمن على المخدرات بواسطة زملائه الطلبة.
وفي هذا الإطار كانت وكالة أنباء" ايسنا " المقربة من الحكومة قد نشرت في 18 نسيان 2007م تقريرا قالت فيه،ان كمية المخدرات التي يتم تعاطيه سنويا في إيران تبلغ ألف طن. وهذا الرغم يتطابق مع نتائج الدراسة التي نشرتها منظمة مكافحة المخدرات في العام 2006م حول كمية المخدرات التي يتعاطاها المدمنون في إيران سنويا وهي رقم الألف طن.
أما صحيفة" جام جم " فقد كتبت في أيار 2007م نقلا عن تقرير لمنظمة الأمم المتحدة حول المخدرات والإدمان في إيران قالت فيه، ان إيران تضم أعلى نسبة من المدمنين على الهروئين والأفيون في العالم حيث ان واحد من كل 17 شخصا من سكان إيران مدمن على هذا النوع من المخدرات، وأكدت الصحيفة وجود 500 ألف موزع لمخدرات في إيران.
وفي حزيران عام 2007م نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرا من عدة صفحات تناول موضوع الإدمان في إيران قالت فيه :" ان إحصائية الحكومة الإيرانية تشير الى وجود أكثر من مليون مدمن على الهروئين وسائر مشتقات الأفيون غير ان إحصائيات أخرى تقدر عددهم بالعشرة ملايين مدمن. و أضافت الصحيفة،" على الرغم من ان مدير الأمن العام الإيراني " احمدي مقدم " قد أعلن في ملتقى مكافحة المخدرات ان عدد المدمنين يبلغ مليون و واحد من العشرة،إلا ان مسؤول آخر في وزارة الداخلية يدعى - احمد خاوند- كان قد قدّر في مؤتمر مشابه عقد في عام 2005م عدد المدمنين بعشرة ملايين شخص، وبعبارة أخرى فان واحد من كل سبعة إيرانيين مدمن على المخدرات. وهذا ليس بأمر مستغرب طال ما ان تعاطي الأفيون له جذور تاريخية في الثقافة الإيرانية فهو يعد مسكن مؤثر و من الناحية الاجتماعية فان تعاطيه أمر مقبول ولا حرج فيه. علما ان أدوات استعمال الأفيون في العديد من المدن الإيرانية تعد جزء من الوسائل المنزلية التي تجهز بها الفتاة عند زواجها. ".
و كان موقع " برنا " التابع للمنظمة الوطنية للشباب المقربة من الحكومة الإيرانية نشر قبل أسابيع تقريرا عن أوضاع المخدرات و الإدمان في إيران عده المختصون مثير جدا لما احتواه من إحصائيات جديدة ودقيقة. فقد ذكر التقرير ان سن الإدمان بين الشباب قد انخفض من السابعة عشر الى سن الثالثة عشر، و ان ما لا يقل عن ثلاثة مائة شاب إيراني يُدمنون على المخدرات يوميا. و قد نشر هذا التقرير بعد ساعات من تصريح رئيس جهاز مكافحة المخدرات العقيد" احمدي مقدم " الذي زعم فيه ان قواته استطاعت خلال اقل من عام خفض نسبة استعمال المخدرات من 700 طن الى 200 طن سنويا.
و أشار التقرير الى ان الإدمان على الأفيون بنسبة 69% يحتل المرتبة الأولى و من ثم الهروئين بنسبة 29 % يحتل المرتبة الثانية فيما يحتل الحشيش المرتبة الثالثة بين المدمنين في إيران أي بنسبة5%.
وكان مركز الأبحاث والدراسات التابع لمجلس الشورى الإيراني هو الآخر قدم قبل أشهر دراسة خلص فيها الى ان اغلب جرائم، الانتحار، السرقات، الهروب من البيت، القتل، النزاعات العائلية، الجرائم الجنسية، شهدت خلال السنوات السبع الماضية تصاعدا مضاعفا. و عرض المركز المذكور استطلاع للرأي حول 28 موضوعا اجتماعيا استطلع فيه آراء أكثر من ألف شخص جميعهم أساتذة جامعيون، قضاة، معلمون، أخصائي علم اجتماع، رجال دين، مدراء و معاوني مؤسسات علمية و أمنية، توصل فيه الى ان سوء تعاطي المخدرات وانخفاض سن المدمنين وشيوعه بين الفتيات والشبان، وتزايد الأمراض المعدية الناجمة عن سوء التعاطي من قبيل، الايدز، الكبد الوبائي، السل، إضافة الى ارتكاب الجرائم الاجتماعية المصحوبة بالإدمان، كالسرقة،الإتاوات، العنف الأسري، الطلاق،القتل والفقر، تأتي على رأس المشاكل و جميعها ناجمة عن تصاعد نسبة حالات الإدمان.
علما ان ظاهرة الإدمان في إيران لا تختصر على الذكور فقط وإنما تشمل الجنسين معا. ففي تقرير أعدته منظمة المرأة الإيرانية ونشره موقع " نساء إيرانيات " على شبكة الانترنيت، جاء فيه ان نسبة عدد النساء المدمنات في إيران تبلغ خمسة بالمئة إي يتراوح عددهن ما بين 100 و150 ألف امرأة، غير ان تقرير الأمم المتحدة قدر النسبة 6%.
و يعتقد اغلب المختصون الإيرانيون ان ارتفاع نسبة المدمنين يعود الى توفر المخدرات بالأماكن العامة و سهولة الحصول عليها بالإضافة الى رخص أسعارها. وفي هذا الصدد فقد نشر موقع " بيك نت " الإيراني تقريرا عن آخر ما وصلت إليه أسعار المخدرات في إيران قال فيه ان مادتي " الكراك " و" الشيشة " تعد من اكثر المخدرات انتشارا في ايران وذلك لرخص اسعارهما حيث يباع الغرام الواحد من مادة الكراك بـ 7 الآف تومان،اي ما يعادل النصف دولار امريكي، بعد ان كان قبل ثلاثة سنوات يباع بـ 20 الف تومان. اما الشيشة او ما يعرف بـ "الآيس" فقبل عامين كان الغرام الواحد منه يباع بـ 100 الف تومان الا ان سعره تدنى حاليا وصارالغرام الواحد يباع بـ 50 الفا وذلك مقابل ارتفاع سعر " الحشيشة "من 4 الاف تومان للستة غرامات الى 6 الاف تومان فيما بقي الترياق محافظا على سعره السابق.
طبيعي سوف يرد علينا بعض الموالين لنظام طهران و المتأثرين بدعايته الاعلامية ليقول لنا ان هناك دولا عربية واسلامية فيها مثل هذا و اكثر وسوف يأتون لنا بارقام واحصائيات لاثبات رأيهم، و لكن ما يجب ان يعرفه هؤلاء وغيرهم اننا هنا لسنا في معرض المقارنة و لسنا في باب الدفاع عن حكومات البلدان العربية او غيرها فكلامنا يناقش ظاهرة خطيرة جدا تحولت الى ازمة اجتماعية و امنية حقيقية في بلد يدعي نظامه انه يعمل وفق موازين الشريعة الاسلامية التي اهم ما فيها الاهتمام ببناء القيم الاخلاقية للفرد والمجتمع وليس التسابق في صنع الاسلحة الغير تقليدية من قبيل صواريخ شهاب و سجيل وغيرها من اسلحة الدمار الاخرى. والغريب ان في الوقت الذي يتسابق فيه قادة هذا النظام للتصريح بكل تبجح عن انجازاتهم في صنع هذه الاسلحة الفتاكة، إلا ان احدا لم يسمع منهم تصريحا واحدا يشر الى انجاز ايراني في خفض عدد المدمنين على المخدرات او مكافحة الفقر او تقليل نسبة الجرائم الاجتماعية او خفض عدد حالات الاعدام التي تتجاوزا المعلنة منها الثلاثة مائة حالة سنويا حيث اصبحت ايران تحتل المرتبة الثانية عالميا بعد الصين في تنفيذ عقوبات الاعدام. هذا ناهيك عن عدد السجناء الذي بلغ المعلن منه رسميا 140الف سجين وهو اعلى رقم يسجل عالميا.
ثم لماذا يتم الاهتمام ببناء اسلحة الدمار الشامل و تطوير المؤسسات البوليسية على حساب البناء الاجتماعي وتطوير القطاع الصحي والاقتصادي والزراعي وتحويل ايران من بلد مصدر للقمح والرز والسكر الى بلد مستورد لكل هذه المواد، اليس هذا مخالف لابسط معاير الاسلام الذي يدعيه نظام طهران؟.
----------
صباح الموسوي
كاتب احوازي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: