يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا شك أن الصراع العربي الفارسي امر حقيقي وهو حافل بالكثير من المآسي التي لا يمكن لأياً كان نكرانها. فإذا تجاوزنا جرائم الإمبراطورية الفارسية بحق العرب في فترة ما قبل الإسلام فانه لا يمكن تجاوز جرائم الفرق الباطنية ( الصفارين , الحشاشين , القرامطة ‘‘‘) التي ظهرت في بلاد فارس بعد الإسلام وشنت حربها على العرب, بالإضافة طبعا إلى هجمات الصفويين و القاجاريين واحتلالهم بغداد وارتكابهم أفظع الجرائم في العراق . وهذه الأحداث من الطبيعي لا يمكن تجاوزها بجرة قلم فهي لم تكن كوارث طبيعية او مسألة قضاء وقدر نزلت علينا من السماء , بل أنها جرائم من صنع دولة ( او إذا شأت قل امة ) لها أطماع وأهداف ليس اقلها إعادة فرض هيمنتها على الأمة والمنطقة العربية . وإذا كان القادة الإيرانيين لا يظهرون ذلك صراحة لأسباب سياسية معينة او ربما قالوها بصغية أخرى وهي " تصدير الثورة الإيرانية " , إلا أن أدبيات حركاتهم السياسية و وصايا رجال دينهم وأفكار مثقفيهم تؤكد على ذلك بدون لبس او حياء . وهذه الوصايا والأدبيات تشبه إلى حد بعيد أدبيات الحركة الصهيونية التي توصي بقيام الدولة اليهودية الكبرى التي تمد من النيل إلى الفرات .
ان الحروب العسكرية التي شنتها الدولة الفارسية على العرب في العهود السابقة صاحبته حروب ثقافية تركت آثارا كبيرة في مخيلة الإيرانيين وأصبحت ثقافة الاستهزاء بالعرب والحط من شأنهم والطعن برموزهم الدينية و القومية جزء من الأدب الفارسي الذي هو اليوم يشكل عمدة الثقافة الإيرانية وهي مقررة في المناهج التعليمية المدرسية, الدينية منها والأكاديمية, و إن عدم معرفة بعض المدافعين عن النظام الإيراني باللغة الفارسية او لعدم اطلاعهم على ما يكتبه او يصرح به المسؤولين الإيرانيين من الدرجة الثانية او الثالثة, او ما يلقيه رجال الدين والمثقفين الإيرانيين من خطب ومواعظ تحمل الكراهية والبغضاء وتحرض أتباعهم على كره العرب وتطالب النظام استعادة مايسمونه بالحقوق التاريخية في بغداد و البحرين والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية , كل هذا لا ينفي وجود نوايا إيرانية عدوانية تجاه العرب . أضف إلى ذلك إن ليس كل الأصوات التي نسمعها تدافع عن نظام طهران وتنفي العداء الإيراني للعرب هي أصوات نزيهة ومؤمنة بما تقول , بل إن كثير من هذه الأصوات مدفوعة الثمن وبعضها غلب ولائه الطائفي على الولاء الوطني والقومي .
لقد ساهم عصر المعلوماتية إلى كشف الكثير من حقائق العداء الإيراني و ما يشكله من خطر على العرب , خصوصا بعد الحرب الأمريكية والصهيونية على العراق ودور إيران التخريبي ومحاولاتها المستمرة في إشعال الحرب الأهلية في هذا البلد العربي إلى جانب مساعيها التآمرية في بلدان عربية أخرى, فبعد أن تبين جانبا من حقائق النظام الإيراني بات يطرح على الملأ وبكل وضوح تساءل من قبل العديد من أبناء الأمة حول مسألة أيهما اخطر ، الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) الذي احتل ارض المقدسات ، فلسطين العزيزة ، و شرد أهلها وارتكب الكثير من المجازر بحقهم وشن الحروب المدمرة على البلدان العربية المجاورة وامتلاكه ترسانة نووية تهدد المنطقة بأكملها؟، أم الأخطر هي إيران التي وعلى الرغم من مضي أكثر من أربعة عشر قرناً على تدمير إمبراطوريتها المجوسية على يد المسلمين العرب ما تزال تحن إلى تلك الأيام الغابرة محاولة إعادة هيمنتها على المنطقة بدوافع قومية عنصرية مغلفة بشعارات إسلامية واحقاد طائفية معادية لكل ما هو عربي وإسلامي حقيقي؟ .
لقد أدى الصراع الطائفي القائم في العراق اليوم إلى كشف الوجه الحقيقي للنظام الإيراني المقنع بالشعارات الخادعة التي أطربت الكثير من البسطاء وأصحاب النوايا الحسنة , وروج لها المدجنون وقادة بعض الحركات والفصائل السياسية العربية ذات الأهداف التي ظاهرها يوحي بالحسن وباطنها القبح والخيانة لقضايا الأمة و الوطن’ وذلك بعد أن ثبت للقاصي والداني و بما لا يقبل الشك أو التأويل الدور الإيراني الخبيث في إشعال هذه الفتنة التي أصبح العراق ومن فيه طعمة لنيرانها الجهنمية و التي إذا ما بقيت مشتعلة ( لا سمح الله ) فأنها لن تبقى في العراق وحده بال إنها سوف تطال البلدان المجاورة للعراق التي أصبحت هي الأخرى ملغمة ببراميل من باروت الطائفية التي زرعها النظام الإيراني طوال العقود الثلاثة الماضية من عمره الذي لم نجني منه سوى الحروب ونشر الإرهاب وزرع الفتن والشقاق بين أبناء بلدان المنطقة.
لقد سجلت إيران في تاريخها الحديث اعتداءات ضد العرب لا تقل عدوانية وإجراما عن تلك التي قام بها الكيان الصهيوني. فقد قامت إيران عام 1925م باحتلال إقليم الأحواز الذي تبلغ مساحته 185 ألف كيلومتر مربع ويزيد عدد نفوس أبناءها على الأربعة ملايين نسمة , وقامت في عام 1971م باحتلال ثلاثة جزر تابعة لدولة الأمارات العربية المتحدة وهي طنب الكبرى والصغرى وجزيرة أبو موسى. وقامت كذلك باحتلال مساحات حدودية واسعة من العراق ، من بينها زين القوس وسيف سعد ونصف شط العرب الذي صارت تسميه ( اروند رود ) وتصر باستمرار على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي وتمنع دخول أي كتيبة إلى أراضيها تسمي الخليج بالعربي, وفوق هذا وذاك فقد وقفت أيام نظام الشاه البهلوي مع العدوان الإسرائيلي على مصر في 1956والعام 1976م و قدمت له كل التسهيلات اللوجستية. و في عهد نظام الخميني شنت حربها العدوانية على العراق التي دامت ثمانية سنوات و أزهقت فيها أرواح مئات الآلف من العراقيين وذلك بهدف تصدير ثورتها تحت شعار ( تحرير القدس يمر عبر تحرير كربلاء) . هذا إضافة إلى إنشائها العديد من الحركات الطائفية الإرهابية في المنطقة وتدخلها السافر في الشؤون الداخلية للعديد من البلدان العربية.وقد وقفت إيران الخميني مع الغزو الأمريكي للعراق ودفعت الحركات والمرجعيات الدينية الطائفية الموالية لها للتعاون الكامل مع قوات الاحتلال الأمريكي ومحاربة المقاومة الوطنية والإسلامية العراقية.
فمن هنا يتبين إن خطر إيران يفوق خطر جميع الأعداء الآخرين ( وهذا ليس معناه التهوين من خطر الكيان الصهيوني) والسبب في ذلك أن الأعداء الآخرون أهدافهم معروفة ونواياهم مكشوفة وظاهرهم عين باطنهم عداءهم للأمة وأطماعهم معلنة ولدى الأمة مناعة فكرية و ثقافية كافية لمواجهتهم ، ولعل مقاومة المشروع الصهيوني وإسقاطه دليل على قوة هذه المناعة التي أفشلت مشروع الصهيوني في عدم تمكنه من اختراق الفكر العقائدي والنسيج الاجتماعي للأمة . ولكن ما هو اخطر من المشروع الصهيوني ، المشروع الإيراني الصفوي الذي يعمل على اختراق النسيج الاجتماعي والعقائدي ودق الإسفين بين أبناء الأسرة العربية الواحدة تحت دعاوي طائفية بغيضة هدفها النهائي تمزيق الشعب الواحد و تقسيم البلد الواحد مثل هو حاصل أمامنا في العراق حاليا. فبعد كل هذا الذي عرضنها ندعو القارئ الكريم ليقرر بنفسه مدى الخطورة التي تشكلها إيران الخميني على امتنا .
صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي