البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

"مسيرة الاستقلال بعد 60 عاماً.. قراءة"

كاتب المقال د - المنجي الكعبي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 6761


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


استضافني "مركز مسارات للدراسات الفلسفية والإنسانيات" بتونس، ومديره الأستاذ الدكتور فوزي العلوي، الى ندوة حوارية بمناسبة ذكرى الاستقلال تحت عنوان "مسيرة الاستقلال بعد ٦٠ عاماً... قراءة"، بمقر الأرشيف الوطني بالعاصمة.
وأسعدني ذلك لرمزية الحدث وأهمية الاحتفاء به في مركز تحظى فعالياته الفكرية والثقافية على مدار العام بتقدير ومنها مجلته الفصلية الموسومة باسمه "مسارات". وكانت فرصة لي للقاء بثلة من خيرة المتحدثين بالمناسبة مع جمهور متميز اعتاد على مواكبة نشاط المركز.
ولضيق الوقت بتبليغي بالدعوة قبل يومين لم أتردد في تقديم قراءة للحدث، أعقبها نقاش أثرته بطبيعة الحال مداخلات الزملاء المشاركين وتفاعل الحضور معها.
❊❊❊
وكشأن كل الذكريات والأحداث في حياة الأمم تجد من بين المحتفين بهذه المناسبات المتفائل والمتشائم والمتردد بين بين. وهذا القطاع الأخير هو الأجدر أخذه الى صف المتفائلين، لأنه في قضايا الأوطان والذكريات لا ينبغي تضخيم صف المتشائمين ولا صف المتفائلين اعتباطاً، فقاطرة الحياة تأبى التعطيل إذ هي بطبيعتها في حركة دائمة الى الأمام. واجترار التاريخ لا معنى له إذا لم يؤد الى فتح الآفاق لتحقيق الأحلام التي عجز عنها السابقون.
❊❊❊
والحديث عن استقلالنا لا يخلو من تبسيط أحياناً لا يناسب في كل مقام سرده على منحى يُغيّب بعض حقائقه للأجيال. فلقد كان يومُه سبب قطيعة حادة بين مناضلين وزعماء ومصلحين طالما حلموا بتحقيقه بالصورة الأمثل التي كانوا يبذلون النفس والنفيس من أجلها، فلما فاجأهم وهو على طبَق المسيو منداس فرانس منقوصاً وبمسمّى لم يكن يحلمون به، في صورة استقلال داخلي يفضي بعد عشرين عاماً إذا تم التقيد بشروطه الى استقلال تام. هو نفسه ليس بمعنى الحرية ولا التحرر الكامل من ربقة الاستعمار، المطلب الأساس للتونسيين. بل بمعنى الارتباط الدائم بفرنسا امتداداً لتعاون قائم منذ عقود سابقة، وعلى خلفية انقطاع تام لبلادنا عن كل انتماء سابق لها قومي أو ديني في وحدة أو خلافة أو نحوها.
تلك قصة الاستقلال، أو تاريخه، في كونه تاريخ لاتفاقية مؤهلة للاستقلال التام لا لذات الاستقلال. واستعير تاريخها حسماً للخلاف بين الدستوريين المنقسمين بسبب تلك الاتفاقية نفسها بين رافض ومؤيد.
وليس من المجازفة القول بأن هذه الصيغة من الاستقلال المنقوص التي ارتضتها قيادتنا الوطنية آنذاك، بعد أن عادت الى البلاد وأمسكت بزمام الأمور داخلياً بالتعاون مع فرنسا بحكم الاتفاقية ذاتها، كانت وراء أزماتنا المختلفة وليس فقط اليوسفية. بل كأنها كانت مستبطنة بالقوة من أيام القطيعة بين الثعالبي والحزب الجديد بقيادة الماطري وبورقيبة وبن صالح وغيرهم من شباب الزعماء يومها. واستمرت بعد اليوسفية بأشكال مختلفة، وفي خلفيتها دائماً الصراع بين المحافظين والمجددين حول هوية تونس وانتمائها الموزع ما بين الانتماء الغربي الأوروبي وفي مقدمته فرنسا بقيادة أمريكا، وبين التوجه العربي الإسلامي الذي تبنّى النهج الراديكالي، كأنما هو إحياء للثعالبي ولكنه في الأكثر مخاصمة لبورقيبة، وهكذا حتى من بعده في كل أزمة تعْرض لنا مع أشقائنا لغرض وحدة أو اتحاد أو تعاون. فلا تنطلق أزمة أو تلوح بوادرها أو يقوم تحرك شعبي أو انتفاضة أو ثورة في بلدنا إلا وتكون فرنسا بحكم تلك الاتفاقية العامة وملحقاتها التي لا تزال سارية المفعول المسابق الأول لمد يد العون لحكومتنا واحتواء الموقف لصالح البلدين.
وما بالعهد من قدم، كما يقال، كان جاءنا بعد أقل من أسبوعين من تغيير السابع من نوفمبر المسيو آلان بوهير رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي لمباركة التغيير وتقليد صاحبه أرفع وسام فرنسي للحقوق والحريات مع التنويه بالتزام حامله بالشرعية والديمقراطية دون نسيان تذكيره بالتعاون التونسي - الفرنسي الواجب دعمه وتأكيده. ونذكر كلنا كذلك زيارات المسيو فيليب سوغان والمسيو شيراك ومن بعده من الرؤساء المباشرين وغير المباشرين وحتى قبل المباشرة، الذين لا يتأخرون عن مساندتنا وفي ذهنهم دائماً بنود تلك المعاهدة، فلا يترددون في نعت مسؤولينا بأوصاف لا يجدون تحرجاً في إنكارها عندما يعودون بمواجهة صحافتهم الحرة كأنما هي تصريحات لتصريفها في الخارج فقط.
وليس فقط هذا التاريخ للاستقلال هو الذي استعرناه من اتفاقية سابقة عليه ليلائم سياسة بعينها اتبعناها للظروف أو الأزمات التي خلقها تعاوننا مع فرنسا، فهناك تاريخ آخر لا يقل رمزية الى هذه السياسة، هو تاريخ 9 أفريل 1938 الذي سميناه عيد الشهداء. فقد كان في الأصل يوم 8 من الشهر ذاته لا 9 ، ولكن لأن العلاقات مع فرنسا لم تُرد قيادتنا الوطنية آنذاك أن تصطبغ بالدم الذي سال ذلك يوم، لم نمض في الاحتفال بها مرتين أو ثلاث بعد الاستقلال حتى غيرناه الى اليوم التالي. وحتى الشارع باسمه نزعنا لوحته وغيرناها بنفس التاريخ المفضل 9 للإيحاء بالهدوء والسكينة التي سادت ذلك اليوم، أو عادت ذلك اليوم بعد الاصطدامات الدامية في اليوم قبله.
وحتى بعد زوال حكم بورقيبة، بقي حنين بعض المناضلين الذي شاركوا في ذلك اليوم في مظاهرة 8 أفريل 1938 الى التاريخ الذي رسخ في الذاكرة الحديثة بعد الاستقلال لا الى التاريخ الحقيقي الذي كان قائماً قبله، لاستذكار من استشهدوا يومها بقيادة الدكتور محمود الماطري والمنجي سليم وغيرهم، دون المجاهد الأكبر الذي تقول الروايات إنه كان على فراش المرض ولم يأذن بالمظاهرة لأنه لا يريد المواجهة ولا يحبذ الصدام الدموي.
فكأن القدر اختارنا لتحقيق استقلالنا على مراحل، ربما تمتد الى أكثر من ستين سنة، ولم يؤهلنا ربما بحكم مزاجنا أو موقعنا الجغرافي- السياسي الى غير ذلك من الأقدار التي عرفتها بعض الدول للحصول على استقلالها، والتي قد تكون هي نفسها ليست في الوضع الأحسن منا في ممارسته على أرض الواقع، بسبب تعقد العلاقات الدولية وموازين القوى. أو ربما لطبيعة الاستعمار الذي عانيناه خمساً وسبعين عاماً.
ونحن نتحدث عن استقلال نطمح اليه بالتقدم في العلم والعمل وكل أدوات القوة، لا عن دولة خرجت من توها من ربقة الهيمنة الأجنبية عقوداً أعاقتها على ما دون اقتضاء الحد الأدنى من استقلالها عنه بالكفاح المسلح والمقاومة، بما أوتيها الله من مصلحين وزعماء ومناضلات ومناضلين حتى تحقق منه ما تحقق، وبات أكبره قابلاً للتحقق ونحن أحسن استقلالاً ممن ليس بدونه اليوم أو في الدرك الأسفل منه، وهو يعاني من أجل استرجاع أرضه أو استعادة كرامته وحريته المهدورة ضمن ما يريده شعبه من اتحاد مع من يريد أو تكتل لحماية مصالحه وتحرير قدراته على التقدم والعزة.

--------
تونس في 11 أفريل 2016


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، ذكرى إستقلال تونس، الإستقلال، التبعية لفرنسا، وثيقة الإستقلال،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-04-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- جابر قميحة، عواطف منصور، علي الكاش، رمضان حينوني، د. أحمد محمد سليمان، أ.د. مصطفى رجب، سلام الشماع، صفاء العربي، عمر غازي، الناصر الرقيق، صالح النعامي ، المولدي الفرجاني، أحمد النعيمي، مجدى داود، العادل السمعلي، عبد الرزاق قيراط ، رضا الدبّابي، محمد شمام ، وائل بنجدو، عبد الغني مزوز، حميدة الطيلوش، د- هاني ابوالفتوح، فتحـي قاره بيبـان، تونسي، حسن الطرابلسي، طلال قسومي، صفاء العراقي، سامر أبو رمان ، إسراء أبو رمان، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد الطرابلسي، كريم السليتي، مصطفي زهران، صباح الموسوي ، أحمد بوادي، جاسم الرصيف، محمد اسعد بيوض التميمي، طارق خفاجي، رشيد السيد أحمد، يزيد بن الحسين، سعود السبعاني، د- محمود علي عريقات، كريم فارق، علي عبد العال، أحمد الحباسي، الهيثم زعفان، خالد الجاف ، د. صلاح عودة الله ، د - عادل رضا، نادية سعد، د - شاكر الحوكي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أشرف إبراهيم حجاج، محمد العيادي، محمد يحي، رحاب اسعد بيوض التميمي، رافع القارصي، عبد الله زيدان، مراد قميزة، د. طارق عبد الحليم، المولدي اليوسفي، أحمد ملحم، خبَّاب بن مروان الحمد، أنس الشابي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، إياد محمود حسين ، د - مصطفى فهمي، سفيان عبد الكافي، د. عبد الآله المالكي، حاتم الصولي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، ضحى عبد الرحمن، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عمار غيلوفي، سليمان أحمد أبو ستة، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عراق المطيري، محمود سلطان، د - محمد بنيعيش، عزيز العرباوي، عبد الله الفقير، فوزي مسعود ، محمد علي العقربي، الهادي المثلوثي، ماهر عدنان قنديل، مصطفى منيغ، د- محمد رحال، د - الضاوي خوالدية، سلوى المغربي، محمد الياسين، بيلسان قيصر، فهمي شراب، محمد عمر غرس الله، عبد العزيز كحيل، د. عادل محمد عايش الأسطل، سامح لطف الله، صلاح المختار، د. خالد الطراولي ، أبو سمية، فتحي العابد، فتحي الزغل، محمود طرشوبي، محرر "بوابتي"، سيد السباعي، يحيي البوليني، د - صالح المازقي، منجي باكير، د.محمد فتحي عبد العال، د - المنجي الكعبي، د. أحمد بشير، محمود فاروق سيد شعبان، رافد العزاوي، حسن عثمان، صلاح الحريري، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد أحمد عزوز، ياسين أحمد، إيمى الأشقر،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء