أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7128
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لمّا نشرت مقالي السابق عن الكتاب الأسود لمحمد الطالبي لم أتوقع منه أن يردّ في جريدة الصريح يوم 28 جانفي 2016 لأن ما ذكرته موثق ومنشور من ناحية ومن ناحية أخرى لم أقل كل شيء بل اكتفيت بذكر البعض ممّا أعلم رغبة مني في أن يكفّ عمّا درج عليه من سباب وشتم لرموز الأمة ولأنه أبى وهدّد بتقديم قضية بعد أن شتمني واتهمني بكل الرذائل لم يكن أمامي إلا التصريح ببعض ما تعمدت التغاضي عن ذكره وبيان ذلك:
1) فيما يخصّني صحيح أن الرئيس زين العابدين بن علي عزل الطالبي من رئاسة اللجنة الثقافية القومية يوم صدور الجزء الأول من مقالي "عيال والله"(1). تعرّض الطالبي إلى هجمة شنها عليه تلامذته وعلى رأسهم عبد المجيد الشرفي عضو لجنة جائزة السابع من نوفمبر للإبداع وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي(2) بعد صدور كتابه ليطمئن قلبي سنة 2008 أيام كان محاصرا من قبل النظام لأنه ينشط في مجلس المرزوقي وابنة صدرين ويشارك في المظاهرات وغير ذلك، أيامها لم يتجرّأ أحد للدفاع عنه خوفا من ردّة فعل النظام وخوفا من الشرفي ذاته، وحده أنس الشابي تجرّأ وكتب مقالا مطوّلا عنوانه "بل زُيِّن للذين كفروا مكرهم" نشرته جريدة الصباح بتاريخ 11 ماي 2008 دافعت فيه عن الطالبي، وهو ما لم يُحبِّذه بعض أقطاب النظام السابق وأشعروني بذلك، فقوله إني أستهدفه بالعداوة لا وجه للصدق فيه، كل ما هنالك أنني أعبّر عن رأيي وقناعتي بصرف النظر عن الشخص لأنني لو كنت كما ذكر لما دافعت عنه وقت الشدّة ووقت أن كان مستباحا وشتمه وسيلة للتقرب من النظام وهو يعلم ذلك جيدا.
2) ذكر سي محمد في مقاله أنه ذكرني باسمي في المكان اللائق بي في ص203 من كتابه عن القولاق، ولكنه نسي أنه وصف حُسن قبولي له لمّا جاءني إلى مكتبي وعاملته بما يقتضي العرف الإداري من احترام ولياقة ومساعدة دون النظر إلى ما صدر عنه وعن تلامذته بحقي في اجتماعات حقوق الإنسان وفي الجامعة وفي التجمع الدستوري الديمقراطي حيث وصل بهم الأمر إلى حدود رفع الشكاوى بي إلى رئيس الدولة، لمّا حضر إلى مكتبي مكنته من الترخيص لسحب كتبه في الإبان وهو ما تحدث عنه في ص225 دون ذكر اسمي قال ما نصّه بالفرنسية حتى لا أتهم بالتحريف:
"Un jour, un fonctionnaire de ce Saint Office, dont je sollicitais les services pour sortir un livre de la douane policière, me dit avec un sérieux d’une sincérité incontestable : «Je fais mon travail avec la plus grande objectivité, je n’interdis l’entrée qu’aux ouvrages incompatibles avec ce qui nous convient et avec nos valeurs .» Sincèrement, je le crois. Il était d’ailleurs très courtois et aimable. Il me donna l’autorisation requise sans me faire revenir le lendemain, ou à une autre date ultérieure et imprécise, sans même me faire attendre. Pour lui je ne peux avoir que de l’estime. "
وفي نفس الصفحة يتحدث عن الموظف الذي خلفني ومنعه من سحب كتاب من تأليفه أعاده إلى الناشر الفرنسي بعد رحلة عذاب.
3) غضب الطالبي لأني قلت إن كتابه يشبه الكتاب الأسود للمرزوقي وهو وصف لم أجانب فيه الصواب فالفصل الذي خصّصه للزعيم بورقيبة لا يختلف في شيء عن فصول كتاب المرزوقي ذلك أن العلاقة بين الطرفين مستجدّة ولم تنشأ إلا في العشر سنوات الأخيرة لحكم ابن علي إذ لم يعرف عن الطالبي أنه مارس العمل السياسي حتى بإمضاء عريضة في أي فترة من فترات حياته ففي المعركة من أجل الاستقلال اعترف بأنه لم يشارك فيها كباقي زملائه، كان إلى طلب السلامة أميل وهو ما نلحظه في مسيرته في العهد البورقيبي وكذلك في عهد ابن علي أما دخوله الشأن السياسي فتلك حكاية أخرى نؤجل الحديث عنها بتفاصيلها مستقبلا، المهم أن الطالبي في مواقفه حول الصحابة والتشريع ونساء النبي والأحكام يسير على منهج المرزوقي في الناحية السياسية بما يحمل من خفة وتنطع واندفاع.
4) لم يتوقف سي محمد عن الحديث عن مؤلفاته وكتاباته بحيث لا يخلو مقال أو جلسة من ذكرها مفتخرا بأن عددها بلغ 30، وإن كنت أعتبر أن كل كتاب جديد هو إضافة للمكتبة التونسية فإن التبجّح بذلك بصورة دائمة وفي غير أماكنه المخصّصة للبحث أو الدرس يحمل رسالة سيئة عن الجامعي والمثقف عموما فالتواضع من شيم العلماء، فضلا عن أن الدوام والبقاء هو للمؤلفات التي تحمل جدّة في التناول أو في العرض أو في الصياغة وليس لمن كثرت عناوينه فأنور الجندي لديه ما يفوق 400 عنوان ولدينا جامعي تونسي نشر ما يفوق 145 عنوانا وآخر صاحب نزل له حوالي 100 عنوان، قيمة أي دراسة تظهر من خلال تقييم النقاد لها خصوصا الذين برزوا في ميادينهم وأصبحوا حجّة في اختصاصهم، نشر الطالبي قبل سنوات تحقيقا لكتاب الحوادث والبدع للطرطوشي(3) إلا أن هذا التحقيق كان فضيحة لأنه قدّم نصا لم يتمكن من فك ألغازه وعرضه كما هو فقد نقده الشيخ محمد المختار السلامي(4) وشيخ المحققين صلاح الدين المنجد(5) كما أعاد عبد المجيد التركي تحقيقه وكشف فيه عن كمّ مهول من الأخطاء جمعها في جداول في عشر صفحات كاملة(6)، أما دائرة المعارف الإسلامية فقد نشر فيها فصلا عن الرقيق نقده المرحوم الشاذلي بويحيى في حوليات الجامعة التونسية نقدا علميا مُبْكِتا(7)، ونختم بشهادة عبد الرحمان بدوي الذي حضر مؤتمرا للمستشرقين طالب فيه أحد أقطاب الصهيونية في العالم برنارد لويس بإلغاء مؤتمر المستشرقين للقضاء على قسم الدراسات العربية والإسلامية فيه وإفراغه من محتواه خدمة للصهيونية قال بدوي: "ومنذ بداية المؤتمر روّج هذان (يقصد برنارد لويس وصهيوني آخر اسمه بشم) لهذه الفكرة فكرة إلغاء مؤتمر المستشرقين، وثب بعض الأساتذة اليهود للترويج لهذه الفكرة في مختلف أقسام المؤتمر وتولى الترويج لها في قسم الدراسات العربية والإسلامية الأستاذ كلود كاهان، فانبريت في الحال للهجوم عليها وكذلك فعل الدكتور إبراهيم مدكور ورغم ذلك قام أستاذ تونسي يدعى الدكتور محمد الطالبي وراح يؤيّد هذه الفكرة الخبيثة تملقا للأستاذ كلود كاهان وحماقة منه وجهلا بالقصد من ورائها"(8).
5) ذكر الطالبي أنني اتهمته بأنه كان ينظم احتفالات أعياد الميلاد وبما أن اللجنة الثقافية القومية التي كان يترأسها هي التي كانت مكلفة بذلك فهل يصحّ أن يتفصّى مسؤول من عمل جهاز يعود إليه بالنظر علما بأنه في حديث له مع محمد بوغلاب قال: "وكنت آخر من وسّمه بورقيبة في صقانس بالمنستير بحضور محمد الصيّاح"(9)، ترى ما كان يصنع سي محمد في صقانس ومع بورقيبة والصياح في شهر أوت ولماذا وسّمه وقتها؟.
6) قال الطالبي في عريضة اتهامه لي إنه: "لم يتردد على قصر بورقيبة قط" ولكنه في حديث لرشا التونسي قال عن الزعيم: " قابلته العديد من المرّات ومنحني العديد من الأوسمة آخرها كان قبل الانقلاب كنت جالسا وراءه شعرت بالحزن على وضعه الصحي والفكري لأنه لم يعد مسؤولا ولم يكن يفهم ما يقال أتوا له بقليل من حساء بالدجاج"(10)، ونمرّ إلى غير ذلك دون تعليق.
7) في عدد يوم الثلاثاء غرة جويلية 2014 نشرت جريدة المغرب رسالة لمحمد الطالبي ادعى أنه وجهها إلى رئيس المجلس الإسلامي الأعلى سنة 1999 فحواها أن السياسة الدينية الرسمية خاطئة، غير أنني تشككت في صدق الرسالة لأنه عند حديثه عن الغنوشي وردت الجملة التالية: "يا ليته عندما عاد إلى تونس عوض أن يجلب إلى بلادنا بلية الدعاة..."، وهو ما يفيد أن الرسالة كتبت بعد أحداث 14 جانفي 2011 بعد قدوم الغنوشي من لندن ووجدي غنيم وغيرهما.
إن غضب الطالبي وهدّد بتقديم قضية لأني نقلت ما ذكر بنفسه في كتابه عن تخليه عن المشاركة في الحركة الوطنية فما قوله في اتهام نائلة السليني له بأنه كان يكتب التقارير في زملائه وهي رذيلة بإجماع ذوي الخلق السليم قالت: "كفاك غرورا ولم لا نفاقا فأنت تستفزني أكثر عندما تتحدث عن معاناتك زمن ابن علي، وأسألك للمرّة الأولى وبعد كل هذه السنين إن كنت معارضا لابن علي فبم تفسر أخذه بعين الاعتبار لتقاريرك التي ترسلها إليه؟ ألم ترسل إليه بأن أطروحتي تدعو إلى نزع القداسة عن القرآن وذلك في سنة 2000؟ ومنذ ذلك التاريخ سحبت النسخة من المركز الجامعي للنشر ولم تر النور؟"(11).
عند هذا الحد أتوقف رغم أن ما في الجراب يكفي لتسويد صفحات أخرى احتراما لشيخوخة الرجل الذي لم يترك شتيمة إلا رمانا بها وربي يهديك يا سي محمد.
---------
الهوامش
1) جريدة الصحافة بتاريخ 3 جانفي 1993.
2) "أعمال مهداة للأستاذ عبد المجيد الشرفي" نشر جامعة تونس الأولى، تونس 2010، ص4.
3) نشريات كتابة الدولة للتربية القومية، تونس 1959.
4) مجلة "العلم والتعليم" العدد 11 السنة الثانية 1977، ص9 وما بعدها.
5) مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد السادس، الجزآن 1 و2، ماي /نوفمبر 1960.
6) نشر دار الغرب الإسلامي، بيروت 1990.
7) حوليات الجامعة التونسية، العددان الثامن والتاسع لسنتي 1971 و1972.
8) "سيرة حياتي" الدكتور عبد الرحمان بدوي، المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2000، الجزء2 ص256.
9) جريدة اليوم بتاريخ 6 جويلية 2011 ص11.
10) جريدة الشروق بتاريخ 9 فيفري 2011 ص18.
11) جريدة المغرب بتاريخ 11 مارس ص2.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: