فتحي العابد - تونس/ إيطاليا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6695
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عندما شاهدت التصوير الأخير المسرب لمنتمي نداء تونس فيما يخص انتخابات 2014، وسمعت لغة الحوار الدائرة بينهم من جهة وبعض جيوب الردة من أكلوا على كل الموائد المتآمرين على الثورة في تونس من جهة أخرى، قفزت إلى ذهني قصة الفرقة الإنكشارية التركية العثمانية سابقا.
وبما أنني من المؤمنين بأن التاريخ يعيد نفسه، فإن الإنكشارية في تونس (جزء كبير من المعارضة) شكلوا طائفة تأتمر بأوامر أشباح وكأنها فرقة عسكرية لهم مقراتهم التآمرية ورتبهم وامتيازاتهم، وهم أقوى فرق الضلالة وأكثرها نفوذا.
فالفكرة تقوم على برمجة الشباب وأسرى الفقر والتهميش وإحداث قطيعة بينهم وبين محيطهم، وتربيتهم تربية على أن يكون تعطيل مصالح المجتمع، وتعجيز الدولة بالطلبات صنعتهم الوحيدة، والفكرة ليست جديدة على تونس، إذ تكونت على غرار ماكان سابقا في عهد بورقيبة الأول، لكن في ذلك العهد كانت في صفوف بعض فرق الشرطة، وكانت تسمى "أطفال بورقيبة"، ممن لا أب لهم ولا أم، صنعتهم الوحيدة هي القتل والتخويف والترعيب، تماما نفس طريقة الفرقة الإنكشارية التركية. لكن يختلف منهج الإنكشارية في الدولة العثمانية، التي كانت تقوم على برمجة أسرى الحروب من الغلمان والشباب، وإحداث قطيعة بينهم وبين أصولهم، وتربيتهم تربية إسلامية، على أن يكون السلطان والدهم الروحي، وأن تكون الحرب صنعتهم الوحيدة.
عرف الإنكشاريون في تونس بطلباتهم التعجيزية، حولتهم حكومة الترويكا الأولى بارتباكها وتساهلها إلى مركز قوة نغص حياة حكومتي التروكيا الأولى والثانية، وحكومة مهدي جمعة كذلك، وعرضهم لكثير من الفتن، وبدلا من أن ينصرف زعماء الإنكشارية في تونس إلى حياة التوافق مع الحكومات الثلاث بما أنها كلها مؤقتة، راحوا يتدخلون في شؤون المجتمع، ويزجون بأنفسهم في بوتق تعطيل مصالح الدولة والشعب، ويطالبون بحل المجلس التأسيسي، ويشترون نائبا من هنا ونائبا من هناك، وضرب بعضهم بعضا بخلع هذا وتنصيب ذاك، حسب المصلحة.
وقد بدأت ظاهرة تدخل الإنكشارية في تعطيل مصالح الدولة من أول يوم فازت فيه الترويكا بالحكم كما جاء على لسان إبراهيم القصاص،
ولم يكتف الإنكشاريون في تونس بمعارضة الثلاث حكومات الأخيرة، بل لجئوا عن طريق اتحاد قطع الأرزاق إلى إعلان العصيان بتعطيل الإنتاج، والتمرد في وجه الدولة، ونجحوا في إكراه الناس في الثورة وفي التغيير.
حاولت حكومة الترويكا الأولى بالسياسة واللين جمع المعارضة الإنكشارية معها في برنامج تصالحي تشاوري يفضي إلى التقدم بالمسار الإنتقالي نحو انتخابات، لكنهم رفضوا عرضها، مما اضطرها للإستقالة.
لم تنجح محاولة حكومتي الترويكا في فرض النظام الجديد على المعارضة الإنكشارية، وصبرت على عنادهم، وتوصلوا إلى اتفاق في حكومة الترويكا الأولى غير أن الإنكشارية في تونس لم تلتزم بما وقع عليه بعض مسؤوليها، مما اضطر حكومة الترويكا الثانية إلى الإستقالة كذلك.
أتمنى يوم 26 أكتوبر في الواقعة الخيرية على غرار "الواقعة الخيرية" في تركيا العثمانية، أن يلغي الشعب نهائيا فيالق الإنكشارية إلغاء تاما، يشمل أسماءهم وشاراتهم..
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: