فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8892
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حينما نكون ضحايا عمليات تشكيل الاذهان المكثفة المسلطة على التونسيين منذ أكثر من خمس عقود، ننتهي لأن نكون أسارى في تصوراتنا لنظرة اعدائنا، نصبح نتبنى مفاهيمهم هم للحكم على الأشياء بل ننتهي ان نلعن ونجلد انفسنا عوض ان نتوجه باللوم لهم هم، من ذلك أن تصبح مطاردة المتدينين أمرا مقبولا من حق العلمانيين واجهزة امنهم واعلامهم، ويصبح تعقب لابسات الحجاب والتضييق عليهن امرا مقبولا لايلام عليه القائم بالتضييق من اجهزة العلمانيين المتحكمة بالبلاد.
في كل الحالات لايلام من قام بالتضييق وانما يوجه اللوم لطرف اخر وقع اصطناعه من طرف اجهزة تشكيل الاذهان تلك وهو عموما طرف اسلامي مرة الاتجاه الاسلامي ومرة النهضة ومرة السلفيين
بمعنى آخر عوض ان يوجه الصراع للعدو القائم بالإعتداء موضوعيا، تعمل ادوات تشكيل الاذهان على كسب الضحية لصفها وينضاف كأداة لديها لمحاربة من هو مفترض اساسا في صفه، وهذه حالة يمكن ملاحظتها في عديد الصراعات.
في حرب امريكا على العالم الاسلامي التي دمرت فيها العراق و افغانستان، عوض ان ينتبه الناس ويتوجهوا باللوم لامريكا على تقتيلها المسلمين وتدميرها بلدانهم، اصبح العديد من ضحايا عمليات القصف الإعلامي الامريكي والغربي ضد الاسلام ووصفه بالارهاب، اصبح هؤلاء الضحايا متبنين للموقف الامريكي وانتهوا كادوات يحاربون المقاومين لعدوانيتها، بل واصبحوا يتبنون مفاهيمها كمقاومة الارهاب.
في تونس اصبح ضحايا ادوات تشكيل الاذهان ذات المنحى التغريبي التي انشئت بتونس منذ عقود، اصبح هؤلاء متبنين لمجمل تصورات القائمين على تلك المنظومة كالقول بوجود ارهاب اسلامي، والحال ان تلك المسالة ليست ارهابا وانما هي اساسا احدى تمظهرات رفض المنظومة الفكرية والثقافية المفروضة قهرا على التونسيين بعيد الاستقلال.
ولئن كان مفهوما ان تقوم الالة التغريبية بالتهجم على عناصر رفضها ووصمهم بالارهاب، فانه كان يفترض ان لاينجر المتبنون لمشروع الهوية لنفس الخط، كان يجب عليهم التحرر من ادوات تشكيل الاذهان تلك والنظر للامور ومنها ظاهرة التيار الاسلامي كتعبير على حركة وعي شامل تريد الرجوع بتونس للأسس التي وقع فرضها بعيد الاستقلال، ولو نظرنا للمسالة بهذه الطريقة لكان الحال غير الحال.
كان يفترض التحرر من نظرة اعداء الهوية والتفريق في الحكم على ظاهرة الارهاب الاسلامي المزعومة بين الخطأ في عمل الرفض للتغريب وبين أسس المنطلقات، ذلك أن أي فعل له مسار فيه بداية وفيه نهاية، ومنطقيا الخطأ في النهاية لايلزم منه الخطأ في البداية لأن طرفي المسار ليسا من نفس النوع، فالبداية مفاهيمية كامنة والنهاية تنزيل للواقع أي فعل.
إذ يجوز ان يكون البعض في نطاق رفضهم للمشروع التغريبي قد أخطأ ولكن خطأه ذلك لايجعل اساس فكرته ومنطلقاته خاطئة، لأن هؤلاء منطلقاتهم فعلا على صواب، أي ان منطلق افعالهم هي رفضهم للمشروع البورقيبي المفروض قهرا، وهو منطلق سليم جدا، ولهذا الاعتبار يجب علينا الوقوف لجانبهم، لأننا لو وقفنا مع الالة الاعلامية التي تتهجم على هؤلاء السلفيين فاننا سننتهي لرفض أسس منطلقاتهم ونتبنى ضمنيا المشروع الاقتلاعي المفروض منذ عقود، وسننتهي لأدوات اضافية لديهم في مشروعهم المتواصل منذ الاستقلال.
بمعنى آخر فإن مجمل مايقع بتونس لو نظرنا اليه من رؤية أنه منازلة ذات خلفية عقدية وفكرية رافضة للمشروع المؤسس منذ عقود، لكانت نتيجة ذلك أمرا مغايرا جدا لما يقع الان، لو نظرنا من تلك الزاوية لكان موقفنا من الاسلامين انهم ابنائنا وإن أخطأ بعضهم، ومن جهة مقابلة فإن عموم العلمانين هم اعدائنا وان تقرب اليك بعضهم، وانه لايلزمنا ان نحارب ابنائنا ارضاء لاعدائنا، وسننتهي لعدم وجود مفهوم ارهاب اسلامي أساسا كما يصور الآن وانه لايوجد مفهوم للتطرف الاسلامي و ان التطرف الواقع فعلا هو تطرف علماني تغريبي، وانه ان كان من مقاومة يجب على الدولة القيام بها فهي مقاومة ذلك التطرف التغريبي وادواته الثقافية والتعليمة والاعلامية المزروعة بالقوة منذ الاستقلال، وأنه ان كان من شيئ غريب مستجد على التونسيين فهو وجود يساريين وعلمانيين بينهم، فضلا على ان يتحكموا في ادوات السيطرة للبلاد، وهو الوضع الشاذ الجدير بالزوال.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: