فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10052
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لعل اكبر كارثة تركها بن علي للتونسيين هم جنده الذين مثلوا إبان تسلطه أدوات التدجين والتحكم الذهني، أولئك الذين كانوا متواجدين ولازالوا بوسائل التثقيف الجماعي كالتعليم والإعلام والثقافة.
هؤلاء الذين أصبحوا الآن يعيشون حالة فقدان توازن و رُهاب نفسي بعد غياب ولي نعمتهم فيما يمكن تشبيهه بحالة الأرملة، مثلوا عينات للطبقات المتعفنة الفاسدة التي لا تقتات إلا من الفساد والإفساد، هؤلاء كانوا يرون مناصرة الطغاة انتصارا لمصالحهم، وكذلك مضوا في هذه المواقف الانتهازية عبر تاريخ تونس، فعموم هذه الطبقات المترفة الفاسدة كانت بجانب المستعمر الفرنسي تسنده ضمنا ومباشرة حد التماهي معه والتشبع بثقافته وتبني لغته بل وحمل لوائها والترويج لها من دون اللغة العربية، كذلك كانوا ولازالوا، وهذه الطبقات الانتهازية وقفت مع سيئ الذكر ودعمت مشروعه التغريبي الإلحاقي بفرنسا، ثم فعلت نفس الشيء مع بن علي حينما تحالفوا معه ضد التونسيين.
ولما وقعت الثورة فإن أرامل بن علي هؤلاء ناصبوها العداء إشفاقا من أن تفتكّ منهم امتيازاتهم التي توارثوها منذ الاستعمار، وخوفا من أن يقع اقتلاع أسس النموذج المجتمعي الذي بنوه بالتوازي مع المجتمع التونسي وهو النموذج المجتمعي التغريبي الفرنسي حيث عششوا فيه كالطفيليات واحتموا به كلما أرادوا إطلاق حملاتهم ضد التونسيين وثقافتهم ودينهم.
ثم إن أرامل بن علي أخذوا على حين غرة إبان أحداث الثورة، مما جعل عمليات تصديهم لأحداثها تتخذ أحيانا كثيرة شكل السلوك الفوضوي الضارب على غير هدى، ولكنه لكثرته وتواتره يحدث لا محالة اضطرابا وتشويشا لدى التونسيين.
ولعل تيقن تلك الطفيليات أن تيار الثورة ماض في اقتلاعهم وفسخ نموذجهم المجتمعي ولو بعد حين، هو الذي جعلهم ييئسون من إمكانية النجاح في مساعيهم، مما ألجأهم لمجرد أفعال تؤشر على أنهم موجودون، فكان أن أصبحت تصرفاتهم عبارة عن سعي متواصل في مناسبات يقع من خلالها تأبيد حالة الفوضى وإشاعة مشاعر الإحباط من مآلات الثورة.
وهم لاتصال نقمتهم على الثورة وعلى رجالها وعلى التونسيين عموما، وخوفا على مصيرهم ومصالحهم، فإنهم يسرفون في استغلال كل حادث لاستدعائه إعلاميا حيث مركز القوة لديهم من دون أبناء الثورة، وجعله دليل إدانة ضد حكومة الثورة، وهم لذلك استغلوا الفياضات وزعموا أن الأضرار التي أحدثتها إنما هي بسبب تهاون السلط، وهم قد انتهزوا فرصة نزول الثلوج وحملوا حكومة الثورة أسباب الماسي الاجتماعية التي تركتها تلك الكوارث الطبيعية.
وحينما كفت الطبيعة عن معاضدة مساعيهم، حركوا عصابات الفاسدين ممن يماثلونهم موضوعيا ويلتقون معهم من جماعات اتحاد الشغل وبقايا التجمع وشراذم اليسار الفوضوي الانتهازي، فكان أن أحالوا الجهات لمسارح متميزة للفوضى، فقطعوا الطرقات وأحرقوا المقرات الأمنية والإدارية واطردوا المسؤولين.
على أن اتصال كيدهم ومكرهم لم يكد ينجز الشيء الكثير، إلا أن يكون نشوة كاذبة بالنصر يتقاسمها أرامل بن علي مع بقية الطفيليات في العالم الافتراضي أو حيث يتجمعون في البؤر المنتشرة بإحيائهم المترفة، وأما الواقع فانه ما انفك يسفه أمانيهم ويزيد من توترهم، توتر المجهد دوما الفاشل أبدا.
ولسبب ما فإن سعي هؤلاء المتواصل بين الأحداث لاستغلالها من دون جدوى بغرض تعطيل مسار الثورة، يذكرني بسعي الكلاب المشردة بين المزابل بغرض البحث من دون جدوى عن بقايا لحم في تلك الأكوام العفنة.
وأما آخر ما أسعف القدر به أرامل بن علي فهو حادثة غرق عشرات التونسيين في عرض البحر، فكان أن تحرك هؤلاء زاعمين التعاطف مع الغرقى وذويهم، ومحملين - على عادتهم - حكومة الثورة السبب في ذلك.
على أن هؤلاء لم يوضحوا لنا لماذا لم يتحركوا زمن حكومة "السبسي" حيث ابتلع البحر عددا أكبر من التونسيين، كما أن هؤلاء يحاولون إخفاء حقيقة أنهم هم أساسا سبب التفقير الذي لحق بالتونسيين ومنهم أولئك المهاجرين الغرقى، أوليس أعداء الثورة هؤلاء هم الذين طالما سرقوا أموال التونسيين، أوليس أعداء الثورة هؤلاء هم الذين طالما استغلوا العمال في مصانعهم، أوليس أعداء الثورة هؤلاء هم الذين لازالوا يستغلون التونسيين بطرق عفا عنها الزمن، حيث يستجلبون البنات الصغيرات من مناطق الشمال الغربي لاستغلالهن كعبيد بقصورهم في الأحياء المترفة ثم يأتون بعد ذلك للحديث عن حقوق المرأة، أوليس أعداء الثورة هؤلاء هم الذين يؤثثون العلب الليلية والنزل الفخمة ويعيش أبنائهم عيشة الترف والمجون، في حين لا يجد التونسي البسيط ما يسد رمقه.
أم إن الإعلام الذي بيدهم وشدة ضجيجه هو الذي يخفي حقيقة أعداء الثورة هؤلاء ويسمح لهم أن يبرزوا كأصحاب رأي، ويصورهم كحماة لانجازات الحداثة بتونس بزعمهم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: