بعد ولادة تشكيل معارضٍ آخر بتونس...
قراءةٌ في نسيج المعارضة حاضرا و مستقبلا
فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8322
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حملت لنا أخبار الأسبوع الماضي نبأ ولادة تشكيل سياسيّ جديد يقوده العائد من الماضي، أحد وزراء الرّاحل بورقيبة، و الذي تولّى الوزارة الأولى في مرحلة ما بعد سقوط النّظام البائد. و بهذه الولادة، يُضاف هذا التشكيل أو الحركة السياسية، لقائمة الأحزاب و الحركات التي فاقت المائة بكثير، و التي تشترك كلّها تقريبا - إلاّ إذا استثنينا حزبا أو حزبين من التيّار الإسلامي- في أنّها لا تستطيع أن تجمع ما يملأ ملعب كرة قدم من المناصرين.
و رغم أنّ هذا التّشكيل الوليد قد تفطّن لهذه المعضلة، بإعلان نفســــــــــــه جامعا لعديد التّيارات و الأحزاب و الشّخصيات، حتى لا يقع – مثل غيره- في معضلة العدد الهزيل، و رغم محاولته تجيـــيش أكثر عدد من المنخرطين و المناصرين... فإنّه لم يشذّ عن القاعدة. وهو أمرٌ لا يُمكن تجاوزُه حسب تقديري بالنّظر إلى أنّ الفئة التي أراد هذا التّشكيلُ جمعها، هي فئة محدودة أصلا في العدد، قد لفظها الشعب منذ الثورة. و هي الفئة التي تنحصر في أولئك الذين انتموا قديما وحديثا إلى الحزب الحاكم المنحلّ، و الّذين يتطّلعون إلى العودة بكلّ الطّرق إلى مكاسبهم الّتي كانوا يغتنمونها من صفتهم الحزبيّة تلك، عبر الوصول مجدّدا إلى الحكم كما يتصوّرون. و لعلّهم بمساعيهم تلك، قد أغفلوا حقيقة هامّة، و هي أنّ الشّعب عندما ثار لخلع النّظام، إنّما ثار أوّل ما ثار عليهم، و على سلوكهم. و أنّه بثورته عليهم إنّما لفظهم بلا رجعة. و أنّ كلّ محاولاتهم ستبوء بالفشل مهما اختلفت الوسائل.
لكن المثير للسّؤال، هو ما سيضيفه لنسيج المعارضة بالبلاد، تشكيلٌ، أعتبرهُ موجودا أصلاً في الحياة السّـــــياسيّة، و في الإدارة، و في الإعلام، و في المؤسسّات العامّة للبلاد قبل إحداثه رسميًّا؟
فكلّ أحزاب المعارضة و دون استثناء، تتّسم بضعف وجودها الفعليّ في الشّارع، رغم مساعي النّفخ الإعلامي المتواصلة ليلا نهارا، لتلميعها بتقديم رموزها و تغييب منافسيها. و ذلك الضعف راجع في تقديري إلى أنّها وقعت في فخّ انتقاد التّيار الإسلامي السّائد عدديّا في المجتمع، و انتقاد أفكاره و إيديولوجيّته. و إغفال تقديم برامج متكاملة بديلة للحكم تُقنع به نفسها قبل أن تُقنع به النّاس.
لذلك فإنّي ألمح فشلا لهذه الأحزاب و لهذه المعارضة في الانتخابات القادمة. فشلٌ بدأتُ ألمحهُ من بعيدٍ. يجعلني أُصدّق أنّنا مقبلون على توزيع سياسيٍّ لن تستطيع هذه الأحزاب المتشرذمة أخذ حصّة فيه. مثل اعتقادي في أنّ هذا التّوزيع سيقتصر مستقبلا، على كتلٍ حزبيةٍ لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. و هي الكتل التي ستكون لها مرجعيةٌ فكرية و إيديولوجية فقط...
حيث أنه سيقتصر المشهدُ كما أراه، على تيّار إسلاميّ سيستحوذ على الأغلبية في منظور الـخمسة عشر أو العشرين عاما القادمة على الأقل، بالنظر إلى تعاظمه المتواتر هذه الأيّام. و تيّار ليبرالي سيفرض نفسه بوجود نوابغ في الاقتصاد و السياسة فيه. و تيّار اشتراكي سيكون ثابتا دون تطوّر عدديٍّ يجمع فيما يجمع الحركات ذا ت الفكر الإيديولوجي القومي و الشّيوعي و غيره بتوافق سيُكرهون عليه لمواصلة بقائهم. و تيّار أخير يشكّل أقليّة في مجموع هذه التيارات لأنّه سيجمع كلّ الأفكار الّتي يصفها غيره بالمتطرّفة.
و سيكون بين هذا التّيار و ذاك، تشكيلات لا محالة... إلاّ أنها سوف لن تحيد عن تلك المسارات الفكريّة السياسيّة الظاهرة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: