البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

الإيمان بين الجسد والروح؟

كاتب المقال - طلال قسومي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 8212


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


محزنة هي أيام الكلمة اليوم، فبعد أن انتهي عصر سجنها وتم الإعلان عن ميثاق حريتها هاهي اليوم تقف على عتبة باب شيخ ليس ككل الشيوخ طلبا لجواز العبور فالكلمة في وطني أصبحت "تحتاج إلى جواز عبور"، ففي وطني تحزن الكلمة ويشكر أصحابها بالبصاق، فهل معقول أن نشكر من ساهم في ميلاد ترياق لقاح العقل وإنارة السبيل بمثل هذه الطريقة؟ أليس عيبا علينا يا أبناء وطني أن نقف في طابور منع الكلمة من المرور، وهل لأصحابها من إثم غير كونهم أناس كرموها وألوها حقها، في زمن غابت و انتفت فيه الحقوق، زمن تقدمت فيه الشعوب إلى الساحات لتقدم قرابين للحرية.

عشنا زمنا طمست فيه الآراء، في زمن كان فيه السجن والقضبان نصيب الكلمة، في زمن الزبانية تخشى فيه الكلمة الحرة، وتعرف مقدار تأثيرها في الشعوب حينها كان رواد القلم يسرقون الورق والحبر ليكتبوا على البياض معاناة المرء، ويكشفون الأقنعة لإنارة السبيل. ولكن اليوم أضحى هؤلاء في مرمى الأفواه لتقذفهم بشتى أنواع النعوت وتتهم بمعادة العقيدة، ويكفرون من شيوخ البدعة، فهل هذا هو المصير الذي يستحقون؟ أم أننا عدنا لعصر التقصير في فهم الفكر والتعاطي مع منتجيه بالنفي والطرد والحرق؟ ذاك العصر الذي لم يحترم فيه "ابن رشد" وحرقت فيه كتب المفكرين، أم أننا في عصر تنشط فيه الأجساد بعضلاتها ويفند فيه الفكر، عصر تحول فيه الحوار لحوار العضلات وليس للفكر من أهمية.

هذا هو زمننا يا سادة، هذه الثورة يا إخوتي، أو كما قال المناضل الحقوقي بالأمس وسيد قرطاج اليوم "هذه الثورة يا مولاتي" فقولوا ما شئتم وافعلوا ما أملته عليكم أجسادكم ولكن بلادي لها من العزة والشرف ما يجعلها تقدم مرة أخرى على طرد أبناءها الضالين، فلا تحسبنها غافلة، فقد صنعت التاريخ ببسالة أحفاد "خير الدين" وعظمة نضال أبناء "الحشاد" ولن تتولى على زعزعت التراب تحت أقدام الظالمين فكما عودتنا لا صبر لها على الظلم والقهر، فلست بلادي من يعدم فيها "كوبارنيكي"، وليست بأرض يستباح فيها الطغيان باسم الجلباب أو باللحية، مهما طالت اللحي وقدست، فمن المحال يا سادة أن ترسم نسخة أخرى من جنوب اليمن أو افغانستان في تونس، ولا يمكن أن نمضي نحو النسيان، نسيان كون هذه الأرض الكريمة هي من سمحت بحلول الجلباب والعمامة في شوارعها بعدما تكاتفت وطردت السيدة الحلاقة ومن كان يؤكد وجوده تحت مظلة اللحية وإرهابها، طردتهم هذه الأرض بل إنها أنكرت نسبهم لأنهم ضالون ولم يفهموا عزة أرضهم وواجهة تاريخهم و لها من الشرف والقوة ما يجعلها تفرش مرة أخرى الشوك في شوارعها وترفع صوتها العظيم بكلمة "ارحل" إن جاء من يفسد عليها نكهة ونشوة ثورتها المجيدة.

وبالصبر ترد على من تساوره نفسه أن يبني شكل جديد من الطغيان والعربدة بفرض أفكاره الملتحية فهي تعرف كون "السفساري" و"البرنس" لباس أبناءها الأوائل ولم تشهد يوما في تاريخها الممتد أبناءها يغطون أنفسهم بألوان وأقمشة فصلت في موطن غير موطنها ولا تتماشي مع طباعهم، تصبر وترد بالقلم والحجاج على من يرونا في أنفسهم أقرب إلى الرب من غيرهم، فبلادنا تعلم كون الرب للجميع دون تفرقة ولا مجال لفرض الأفكار بالقوة والتجمع تحت غطاء فرض النظام الأوحد بالسيطرة على أماكن العبادة التي تنزه من كل فعل مشين. وبلادي تحبذ السجال الفكري بدل الصراع الجسدي فاللغة التي بعثتها في أكاديميتها العلمية هي لغة الحوار والإقناع، ثم يا إخوتي في الجغرافيا والتاريخ ألم يكن المنهج الجسدي المتصادم سببا في خشية الناس من ديننا؟ ألم يمنع سيد البشر وخيرهم "محمد" ( صلى لله عليه وسلم) أن تسيطر لغة الجسد والقتال يوم دخوله مكة المكرمة بالرغم من الترسانة العسكرية العظيمة التي كانت تحت آمراته إلا أنه فضل الحوار والسلم بدل التطاحن الجسدي، ثم لماذا لا نقتنع بكون لغة الجسد هي سلاح الضعفاء فلماذا لا نخير لغة الترغيب بدل الترهيب، فعصر الوساطة بين الرب والعبادة ولّى ولم يعد مجال للتفاضل بين العباد إلا بالعمل الصالح وحسن التصرف. فلا مجال للعربدة وفرض الفكر الواحد في بلاد ترعرع أبناءها في الأكاديميات العلمية ويعرفون جيدا قيمة السجال في بزوغ الحقيقة، فلنترك القلم والحوار الفاصل بين المختلفين بدل من التسلح باللحية والإدعاء بالقرب من الرب، ليكن الفيصل السجال المتكافئ وكل يطرح وجهة نظره فالإيمان الحق هو إيمان الروح وليس الأجساد، فالجسد يبقي مجرد أداء لنشر أفكار الروح والتقرب من الرب لا يكون بالمظهر دون التطهر من نجاسة النفس، لنترك إيمان الأجساد لمن يتعطرون بالمظاهر لغاية في نفس يعقوب، فالجسد اليوم أصبح مطية لتمرير راغبات ونزوات الذوات بغية تحقيق الآمال المرجوة من الدنيا بدل التقرب من الذات الإلهية فهل نحن في زمن تكون فيه العبادة بالجسد بدل الروح؟ ثم أليس هذا الجسد هو شأن دنيوي فحين تفارقه الروح يردم في الأرض وهي ترتقي للسماء، فإن كان سميا ومقدسا لدرجة أن يكون هو وسيلة لإبراز الإيمان من الكفر فلماذا يتركه ملك الموت ويأخذ الروح؟ أليس هو موطن النجاسة فلماذا نريد تحويل وجهة ديننا السامية من الإيمان بالعمل الصالح وتقبل الأخر إلى إيمانا يفرق بين الكافر والمؤمن بهيئة الجسد؟

---------
- طلال قسومي
- باحث أكاديمي متحصل على الماجستير في علوم وتقنيات الفنون
- أستاذ متعاقد بالمعهد العالي للفنون والحرف بالقيروان.
- بصدد إعداد أطروحة الدكتوراه إختصاص نظريات الفن


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة، الجماعات السلفية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-05-2012  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - شاكر الحوكي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. صلاح عودة الله ، محمد عمر غرس الله، جاسم الرصيف، د- محمد رحال، كريم السليتي، فوزي مسعود ، إسراء أبو رمان، رحاب اسعد بيوض التميمي، رافع القارصي، د - عادل رضا، د - الضاوي خوالدية، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حاتم الصولي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. عبد الآله المالكي، عراق المطيري، عبد الغني مزوز، رمضان حينوني، د- جابر قميحة، صلاح المختار، إياد محمود حسين ، خبَّاب بن مروان الحمد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عبد الله الفقير، د. طارق عبد الحليم، أشرف إبراهيم حجاج، أحمد بوادي، فتحـي قاره بيبـان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صفاء العربي، سعود السبعاني، يحيي البوليني، د - مصطفى فهمي، د. أحمد بشير، سامر أبو رمان ، محرر "بوابتي"، محمد اسعد بيوض التميمي، مراد قميزة، ماهر عدنان قنديل، سامح لطف الله، سفيان عبد الكافي، مصطفي زهران، محمد يحي، أنس الشابي، د- هاني ابوالفتوح، يزيد بن الحسين، أبو سمية، منجي باكير، المولدي الفرجاني، صالح النعامي ، عواطف منصور، سليمان أحمد أبو ستة، محمد علي العقربي، كريم فارق، ضحى عبد الرحمن، محمود سلطان، د.محمد فتحي عبد العال، حميدة الطيلوش، وائل بنجدو، سيد السباعي، د. مصطفى يوسف اللداوي، أحمد ملحم، محمد شمام ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، فتحي العابد، نادية سعد، رافد العزاوي، فتحي الزغل، تونسي، ياسين أحمد، طارق خفاجي، خالد الجاف ، الناصر الرقيق، رشيد السيد أحمد، عزيز العرباوي، حسن عثمان، سلوى المغربي، عبد العزيز كحيل، محمد الطرابلسي، بيلسان قيصر، صلاح الحريري، عبد الله زيدان، فهمي شراب، سلام الشماع، مصطفى منيغ، د - المنجي الكعبي، صباح الموسوي ، د- محمود علي عريقات، د. خالد الطراولي ، عمر غازي، الهادي المثلوثي، حسني إبراهيم عبد العظيم، علي عبد العال، إيمى الأشقر، محمد الياسين، أ.د. مصطفى رجب، العادل السمعلي، محمود طرشوبي، طلال قسومي، محمد العيادي، حسن الطرابلسي، مجدى داود، عبد الرزاق قيراط ، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد أحمد عزوز، رضا الدبّابي، علي الكاش، صفاء العراقي، الهيثم زعفان، محمود فاروق سيد شعبان، المولدي اليوسفي، أحمد النعيمي، أحمد الحباسي، د - صالح المازقي، د. أحمد محمد سليمان، د - محمد بنيعيش، عمار غيلوفي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء